صرخةُ غزِّيَةٍ حُرَّة


غَزِّيَةٌ تشكو الحصارَ ونارَه كالبدرِ يحكي للدُجى أسرارَه
جاءتْ تحدِّثُ عن فؤادٍ زادَهُ فقدُ الأحبَّةِ حُرقةً ومرارَه
قالتْ رزقتُ من البنينِ ثلاثةً حصدَ الردى من روضِهم نُوّارَه
حملوا السلاحَ على حداثةِ سنَّهم فغدَوا على دربِ الرجالِ منارة
سقطوا ليرووا بالدماءِ حياضَهم لاقوا العتاةَ بهمَّةٍ وجَسارة
رحلوا كما رحلَ الأباةُ رفاقُهم فكساهمُ الرملُ الحنونُ دِثارَه
والزوجُ في ظُلَمِ السجونِ مُقامُه أدعو الإلهَ بأن يفكَّ إسارَه
في سجنِ نفحةَ ما يزالُ مصابراً لم يحظَ مذ حكمَ القضا بزيارة
أمّا البناتُ فلنْ أبوحَ بعدِّهم أخشى العيونَ فإنَّها غدّارة
بيتي العتيقُ تهدَّمتْ أركانُهُ طَلَلاً غدا وسُقوفُه منهارَة
آوي إلى رُكنٍ تضاءلَ ظلُّهُ بينَ الطلولِ يلوحُ مثلَ أثارَة
بجوارهِ رقدتْ مآذنُ مسجدٍ كانت تعانقُ في الفضا أطيارَه
نطوي على مُرِّ الطوى أيامَنا إنَّ السنينَ بطبعِها دوّارَه
قالوا سنبني ما تهدَّمَ عاجلاً فاستبشروا بالخيرِ رهنَ إشارَة
قدِمتْ وفودٌ واستطالَ مكوثُها ومضتْ ولمّا تأتِنا ببشارَة
مضتْ الليالي والحصارُ يلفُّنا والبردُ يغرِزُ في الحشا أظفارَه
كلُّ الوعودِ على الزمانِ تبخَّرتْ وغدتْ معاناةُ الأنامِ تجارَة
تبقى حساباتٌ ونحنُ حيالَها في رُقعةِ اللّعِبِ الأثيمِ حجارَة
ماذا أقولُ عن الأخوَّةِ بعدما أرخى الظلامُ على القلوبِ ستارَه
أو عن رفاقٍ قد تشتَّتَ شملُهم يتسابقونَ لمنصبٍ وإمارَة
وكبيرهمْ في البأسِ مثلُ نعامَةٍ جعلَ الهوانَ على الدَّوامِ خِيارَه
سألوهُ عن صَفَدٍ فقالَ مُحَملِقاً إن كنتُ أدخلها فمحضُ زيارَة
لا لنْ أعودَ عن العهودِ قطعتُها إن الرجوعَ عن الوعودِ حقارَة
سألوهُ عن حملِ السِّلاحِ فقالَ لم أحملْه يوماً مُدرِكاً أخطارَه
دربُ الحروبِ تَهَوُّرٌ وتخلّفٌ يأبى الحصيفُ بأن يخوضَ غِمارَه
أمّا السلاحُ فسوفَ نكملُ جَمعَه يأبى الكريمُ بأن يؤرِّقَ جارَه
أمنُ اليهودِ لديَّ خطٌ أحمرٌ منْ خاضَ فيهِ سنقتفي آثارَه
بالسلمِ نبني دولةً أسطورةً وبغصنِ زيتونٍ نصدُّ الغارَة
إنَّ السياسةَ في اللّقاءِ سلاحُنا والخوضُ فيها حِنكةٌ ومهارَة
سنقاومُ المحتلَّ رُغمَ حصارِنا بالرقصِ والتهريجِ نطفئُ نارَه
بئسَ الكبيرُ وبئسَ كلُّ مُكابرٍ جعلَ المذلَّةَ والهوانَ شعارَه
ماذا تبقّى من كرامةِ يعربٍ مُذ باتَ يُسلمُ للعدوِّ قرارَه
فالرقصُ فنٌّ والغناءُ مواهبٌ والعهرُ صارَ تمدُّناً وحضارَة
وتخاذلُ الرهطِ الحقيرِ مآثرٌ أمّا السِّلاحُ فَسُبَّةٌ وقَذارَة
قالوا نفاوضُ كي نعيدَ حقوقَنا قلتُ اخسؤوا، بعضُ الحديثِ دَعارَة


* صفد هي إحدى مدن الداخل الفلسطيني المحتل قبل عام 1967 وهي مسقط رأس رئيس السلطة الفلسطينية وعندما سأله أحد الصحفيين الصهاينة عنها قال بأنه لا يحق له العودة إليها ، وإن كان سيدخلها فمجرد زائر.