أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: رؤية في شعر ماجد الغامدي

  1. #1
    الصورة الرمزية محمد إبراهيم الحريري شاعر
    تاريخ التسجيل : Feb 2006
    المشاركات : 6,296
    المواضيع : 181
    الردود : 6296
    المعدل اليومي : 0.95

    افتراضي رؤية في شعر ماجد الغامدي

    رؤية في ديوان الشاعر ماجد الغامدي
    عندما يقرأ شخص شعرا ذاتيا أو موضوعيا لشاعر لا يعرفه ، فإن القراءة ترسم بريشة خياله صورة الشاعر متجاوزا حدود الشك بيقين الملامح من خلال خطوط يحدد منسوب عمقها أو سطحيتها صدى الحروف برؤية التلقي مستغلا مسبار حدسه وقدرته على بيان قسمات دقيقة تحيط بقلمه وبنات أفكاره ،لتجعل من الصورة بنت الحقيقة ، ويتخذ مكانا بنفسه يضع الصورة على جدران ذاكرته، يعيد ترميمها كلما أسرف ناب الصدأ بفك طلاسم إطارها ، لكن صورة للشاعر تبقى رهن الظنون لا تقترب من مطلق القرار إلا برؤية عينية حسية عندها إما تبقي بخانة الذاكرة ما رسمت ، أو تحل إزار التخيل ويتعرى القارئ من دثار القدرة على تقريب الخيال من الواقع ، ويضرب بكف الغرابة ما أيقن صدقه ، كل هذا مر معي عندما بدأت أجمع ما أنتجه محصول فكر الشاعر ماجد الغامدي فقد جعلت له رسما بفطرة الحدس لما نثر من تبر القول ورقة المشاعر على صفحات السمو، سدة نور ومشكاة روح وفيء دالية المعاني .، ولدى معاينة ما استقر في خيالي من توقيع بموافقة على إطار الملامح برهنت على صدقية الرؤيا: بأن القول الفصل يبقى مرهونا بعيان الرؤية ، وقد سطعت لي شمس اليقين من وراء حجب المعاني تارة فوجدت الصورة لا تطيق فراقا لمبسم الصدق ، وتارة أخرى تجلت الحقيقة، فإذا البيان يحيط بقلادة الشكر جيد قلم الخيال .
    تلك تجربتي مع الشاعر ماجد الغامدي نثرت حريريها مفرش ترحيب بمرورك العطر أخي القارئ ، ورصدت نمارق الوجدان بثت تهليل قلب، نبض بعطر تصفح أنامل المعرفة . وأسلفت الترحيب بك ليس بمجان الدعاية فما ستجده أسمى من بضع سطور نثرية اعتاد الشعراء على تقديمها فناجين ترحيب للقارئ .
    ومن هنا بدأت رحلة المتعة بزهور وجدانية ،عقدت أنامل قلم تطوق جيد السعادة بمتابعة المسير بين ربا الخيال ، ومنابع ثرة نقية من كوثر الفكر .
    قبل الولوج لواحة الفكر التي بسطها بوجدان صادق شاعرنا لا بد من عرض دليل السياحة الفكرية أمام الزائر ، وفتح خريطة الأغراض الشعرية التي رسمها بيمين جود يراعه شاعر لم يتخذ كرسي تعلمه من رواق اللغة ، وما استند على كتاب تلقين منهجي يطبع الفصيح قسرا على ناصية فطرته ، بل جلس على مقاعد علوم عصرية قطعت أواصر صلتها بالعربية إلا من خيوط اجتهاد وتعريب ، أو مصطلح جازف العلماء بترقيع سماله ليصلح رداء تعريب لمحدثات الحضارة . .
    ومن قبيل الدلالة يرى الزائر بين يديه قلائد جان رصعت بأحجار إنس على جيد بلقيس الجمال ، فسبق إليها الحسن يتدثر برقيق المعاني في لجة حسبتها فكشفت ساق المثول أمام صراع نفسي بين حقيقة متوخاة ، وشكوك مرتجاة ، لكن الحقيقة ستكشف عن صدر القوافي بأصابع من عسجد البحث .
    يبدأ الزائر بنظرة كلية تجمع أطراف البصيرة بخيط حكم ، فيعبر بمركبة المعرفة شاطئ المقدمة ثم يبدأ بالمرور ليرسم بريشة خياله حدود الفكرة ليجد نفسه بين أقلام تتسارع لتخط ما بيقينه وضعه على طاولة الشوق لمتابعة الرحلة بشغف محب فيرى : والزمان الـذي صنعنـاه تبـرا عسجدُ السفرِ في يدينـا بديـعُ
    وكأن شاعرنا يجعلنا بين أمرين لا ثالث لهما إما المتابعة وشحذ همم التنقل ليأخذ بناصية الوصول إلى المبتغى أو يتركنا نسبر أغوار الكلم بفضولية الباحث ومتعة التصور .
    فالزمان الذي صنعناه تبرا ، الزمان هنا من صنع مفكر بيد عسجدت التبر والدليل نتيجة واقعية يبدو بديع الصنع ، فما ذا سنجد بعد ؟
    أسائلُ نفسي ماالذي نلتُ بالصبـرِ!؟ومَن قال إن الصبرَ غيرُ سنى الصِبـرِ
    وهنا نستظل بفيء التساؤل بيقين الإجابة ما فائدة الصبر وماهي نتيجة التصبر ؟ ليضع القارئ أمام مفارقة عجيبة لا بد وأن يطوي أرسان رحلته على غارب همه ليقول صدقت .فيكمل شاعرنا :
    وهل كنتُ لولا الشعر والبوحِ صامداً
    وكيفَ أبُثُّ الهمَّ لولاكَ يـا شِعـري
    بسؤال يجنح بين قوافي الخيال بجناح فضول يجيب بخفق الموافقة نعم إنه الشعر سبيل لبث لواعج الروح .
    فتلك حِرابُ الدهرِ تختـصُّ مقتلـي
    وبالنائباتِ الكُثْـرِ يختصُنـي دهـري
    فيرمي على حين توقع بسهم الحكمة ليطفئ نيران التخيل بحقيقة وجدانية تلبس بردة مجرب الدهر بحراب خـُص بها وبالنائبات دهره يخصه بكثير منها .
    وننتقل بخطى وئيدة على جناح قلم لنشهد بما نحن فيه فيولجنا مهر الخيال إلى قصر كتب على بابه :
    طوبى لعهدكِ حيثُ الحبُ والأمـلُ
    والروحُ يا بهجـةَ الأرواحِ ترتحـلُ
    إنها البشرى وناموس الحب ، روح ترتحل حيث مضارب الأمل ، لتجدد بيعة الهوى ببهجة تنور العهد القادم على قوادم نوارس العشق ،
    رأت ربيعَ غرامـي كيـف أُنبتـهُ
    وكيف أن شعـوري فيـهِ يعتمـلُ
    فأقبلت في جلالِ المُلـكِ مقدمهـا
    فازدانتِ الأرضُ والأفلاكُ والحُلـلُ
    لم تنكر عاشقته ربيع غرامه المزروع بشعور يعتمل بين جنباته هوى مزهرا يرعاه بيمين غرامه ، فأقبلت في جلالة الملوك حيث تضع خطوها تزدهر الأفلاك والحلل، ونسترق السمع لأنات تنبعث حزنا من طيات نفس تدثرت بالصبابة :
    النفسُ ترسلُ أشواقاً وقـد حفِظَـت
    ناراً تلظّـى أصاليها على كبـدي
    وليـس يطفئهـا إلا الوصـالُ فهـل
    تلوحُ بارقـةٍ للوصـلِ يـومُ غـدِ
    أوّاهُ ما عـدتُ أدري هـل تبادلنـي
    شوقي وهل يعرف الأشواقَ من أحدِ!؟
    فبريد نفسه مكلف برسائل الشوق ولكنها تحافظ على نيران تشعل الكبد آهات حيرة لم يعد يعرف حقيقة ما تبادله به أهو حب أم استهجان بعدم معرفة أشواقه أحد .
    أأبكي..؟ وحزني منكَ يا دمعُ أكبرُ
    وهذا فـؤادي باللظـى يتفجّـرُ
    سأبكي.. لأن الحزنَ فطّرَ مُهجتي
    ومَن ذا على أحزانهِ الكثرُ يصبـرُ
    ويستهل ضيافته شاعرنا بأسلوب إنشائي استفهامي يهدف منه الإثارة ومناصرته بما يرى ، فحزنه أكبر من الدمع ولن يكفيه قراب الأسى دموعا ليلوي عنق حزنه ، لكنه سيبكي لأن الحزن استقوى عليه وفطر مهجته فهو مستسلم يجهش ببكاء تتفطر مشاعره تحت لهيب سعير وجده ، وقبل أن تعزيه يقول: سأبكي بتسويف قريب استغل عيس السين لتنقل حيث مضارب الحزن ، على إثر صبر قصر ثوبه عن ستر حزنه .
    ونمر ونحن نمسح دموع المساندة لحزنه بأكف الصبر بين غراس فكرية تسجد لها معاني القواميس بركب الخشوع ، فنرى شواخص الإبداع تتكئ على نواصي القوافي بأغراض تكتمل لتشكل لوحة فكرية تتقاطع ضمن إطار التشخيص للواقع ، فيبدأ زائر الرياض بتنهيدة حسبتها أحرقت شغاف سمعي ، ما بالك ؟ أأتقلت عليك المسير ؟ فيجيب وبسمة الاستهجان تطبق بشفاه الرفض: لا . لكن استحلفك أن تتركني فقد عرفت طريق البحث ، وقد استمتعت بخيال بكر ختم بميسم الرؤية معاجم الرؤيا ، وأنا حنثت بعهدي فلن أستطيع معك صبرا ، لا خوف من ملك يخرق سفينتي ، ولا حرص فقير على كنز جدهم ، بل مسيرة تمتع بنظر القلب وبصيرة الوجدان بين مضارب الآصال والشروق .
    تركته وعدت إلى حيث فهرس القوافي لأجد شاعرنا قد جد بقلم ، واستعد بخيول الشعور على مضامير رؤاه يصنع محال الكلم من حروف منفردة ليعزف ألحان إحساسه على قيثارة الفلق العذري ترانيم بلابل السريرة ، بكل ألوان الأغاريد الوجدانية فلم يترك حدثا إلا سكب عصارة من روحه في كأس سكرت شفته من خمرة عتقت بدنان عشقه للفصيح ، فنراه يغدق بكل باب يطرقه بأكف التحدي ، ليخلد الواقع بسفر إبداعه .
    ويزرع اليقين بأشجار النيروز سامقة ثرة يانعة القطوف ، ندية بطل السحر ،
    فيتسلم زمام قيادة رحلتنا الجديدة ليضعنا أمام نهر من القوافي الصاهلة بساح فكره منشورة الأجنحة على آفاق الحجا ، نجنح معه بفلك النجوم الزاهرة بمدى بصيرتنا لنرى ما يستلهم الخيال مددا ، ويستمد عون النصرة من مخزون الذاكرة لنحيط بها علما .
    فهذه شاخصة وطنية وفيها من نثير الصدق ما يطرز أصابع الإبداع بخواتم الولاء للوطن :
    وطنُ السلام !
    ماذا يريدُ الغربُ من وطنِ السـلام!!؟
    بل ما يريدُ الخُفُّ من رأسِ السنـام!!
    وطنـي تعاظـمَ منـعـةً وحمـيّـةً
    وطنُ الهدى والحقِ والبيـتِ الحـرام
    وطنٌ يسيرُ علـى الشريعـةِ منهجـاً
    وطنٌ تسامى في هُـدى خيـرِ الأنـام
    استهجان محب ، واستغراب قلب نهل الحب من نمير وطنه حامي شريعة الإنسانية بطهر القيم ، سؤال بأسلوب طلبي إنشائي يهدف من بلاغته رسم حدود الواقع بقلم الحقيقة ، إنها مؤامرة على وطن السلم ترفرف في مداه حمائم الخير ، وطن تسامى في هدى خير الأنام .
    مـا عابَنـا قـولُ البغـيِّ وزعمُـهُ
    فعلى جبينِ المجـدِ موطننـا الوسـام
    وهنا يتحدى بجرأة المسلم قول البغي فالوطن وسام على جبين المجد ، وسيبقى درة عزنا .
    يا موطناً تزهـو بـهِ البلـدانُ
    و زَهَت بِشُمِّ جبالـهِ الشطئـانُ
    يا موطن البيتِ الحرامِ ِتعاظمـت
    فيكَ القداسةُ وارتضى الرحمـنُ
    يا موطناً عـاشَ النبـيُّ بأرضـهِ
    تهفـو لـهُ الأرواحُ والأبـدانُ
    ياموطناً رفعَ الصحابـةُ صرحَـهُ
    والتابعونَ بما ارتضـى الدّيـانُ
    نبض صدق بشريان وفاء لوطن تزهو به البلدان وكذلك شم الجبال والشطآن
    هو موطن فخر ورفعة نفس عاش النبي على صعيد طهره فكان نبراس خلق لمن سار على هدي أدبه ،


    مَلِكٌ تسامى عن ضغينةِ حاقـدٍ
    دأبَ الـكـرامِِ فـقلـبُـهُ تحْـنـانُ

    جئنا نبايعـهُ بعـهـدٍ صـادقٍ
    نحنُ الذيـــنَ لِعَهدِهم قد صـانوا
    جئنـا نجـددُ بالـولاءِ وفاءنَـا
    جئـنا ونبـضُ قلوبنـا عنـوانُ
    وكيف ينسى قلم المبدع فضل أولي النعمة فيرسم لصراط عدلهم سطور وفاء ، فهم قادة درجوا على شرع الله ، ورضعوا لبان الحق صرف هدى .
    ونقرأ شاخصة وجدانية أخرى نرفع رواق خبائها فنجد :
    هل عرفتم كصاحبي !!؟

    أُورثَ الشعـرَ سائغـاً مـن جريـرِ
    واستقى من مـواردِ ابـنِ كثيـرِ !!
    واقتفى قيـسَ فـي الغـرامِ خليـلاً
    وأمرأ القيسِ فـي ضفـافِ الغديـر
    أثملَ القلـبَ مـن معانيـهِ فيـضٌ
    وسقى الـروحَ مـن معيـنٍ غزيـرِ
    يا لها من لوحة تصاغ من رحيق الوجدان لتغدق رضاب إخاء ، سريرة نقية تطبع الصداقة بحروف الصدق ،
    هل عرفتم كصاحبي يـا رفاقـي ؟!!
    هل شهِدتـم كَظُرفِـهِ مـن سميـرِ
    إنّـهُ صاحبـي شعـوراً "وحرفـاً"
    إنّهُ العاشـقُ الضليـعُ الحريـري !!
    يبدأ القصيدة بسؤال ويصل إلى نتيجة هي استعجال الكشف عن هوية صاحبه ،
    إنه بتوكيد الشعور العاشقُ الضليع الحريري .
    ويأخذ بناصية أمرنا لشاخصة جديدة ونحن أمام تخيل بمضمون وتوقع رهن الفضول دخولا نرى ما لم يكن بوسع الخيال رسمه :

    أتخشى أمَ رامي ياابـنَ مرسـي
    فقد ذكّرتنـي بفقيـدِ أمسـي
    وقد جاز التعددُ يـا صديقـي
    فَلَيْتك "صاحبي" زوجاً لخمْـسِ
    فَعَدِّد ثم عَدِّد ياابنَ مرسي
    وإلا قيلَ عنكَ جمالُ مـ.. ـصي
    فلا تخشى النساءَ وكُن جريئـاً
    فليس يحُدُّ جرأتَكَ البروكسـي
    وخذني قدوةً واسمـع ْ لقولـي
    فقد أفنيتُ أشواقـي وحِسـيّْ
    ظرف ليس يشبهه ظرف شاعر ، تجديد دماء الصداقة بخفة ظل وكأنه صندوق الدنيا فيه متعة روح ، وظلال راحة خيال، من عناء رحلة الحياة .
    خذني قدوة واسمع لقولي فقد أفنيت أشواقي وحسي ،\يا لهذه القدوة ويا لرقة أمرها
    ألا تقبلني بدلا من ابن مرسي ؟؟؟؟ فيجيب :
    فتلكَ سياستي.. أنعـم وأكـرِم
    بمن أحيـى السياسـةَ بالتأسِّـي
    وأنا قبلتها فخذ سفير موافقتي ممثلا بسلك قلبي، في عاصمة ظرفك .
    وكأنه طاب له مقام الظرف بل حقيقة لذت لقلمه كلمات من سلسبيل الوجدان مغلفة برقاقة روح يداعب بها خيال ابن مرسي ثانية
    قصيده دعابيه مهداه للدكتور جمال مرسي


    شعبانُ أقبـلَ لـم يعُـد مقبـولا
    أن أرعوي أو أتـركَ الزغلـولا
    الآنَ اشربُ في ضيافـةِ صاحبـي
    ذاكَ المعسّـلَ رائقـاً مقـبـولا
    واشرب وقل يا "حج مرسي" هاتها
    فالقلبُ أضحى هائمـاً متبـولا
    لماذا ؟ يا صاحبي ألا ترى حرجا من المعسل الزغلولي ، ألم تسمع بفتيا الحرمة ؟
    وأراك تجاهر بمعصية على ناصية الشهود ، وفي شهر شعبان .
    لاتسقِني كُشري ففـي كفْيِينِـه
    ما يُفسدُ البسكـوت والمعمـولا
    بل هاتِ سحلبَك اللذيذ معتّقـاً
    تُحيـي بـهِ عربيـدَكَ المقتـولا
    ظرافة لسان ترعى سمو روح بأنامل الإبداع ، فهو يطلب ألا يسقى الكشري بل يود السحلب اللذيذ ،
    وللعشق مساحة ترمي الخيال بسهام آفاق ممتدة بعد وجبة فول وشراب سحلب لنرى
    شاخصة العشق :

    أنتِ يا أسحـرَ النسـاءِ غرامـاً
    أنتِ يا أعـذبَ البريَّـةِ لُطفـا
    أنتِ يـا أمتـعَ الجميلاتِ حبّـاً
    أنتِ يا أنـدرَ الحبيبـاتِ ظُرفـا
    أنتِ أشهى مـن الحيـاةِ وأبهـى
    أنتِ أزكى من الرياحيـنِ عُرْفـا
    وهل بذلك غرابة عاشق يستحق تقديس النساء لشعره ، فمحبوبته لها طينة الهوى ممزوجة بشفافية الجمال مسبوكة بقالب الحسن الفطري ، فهي أزكى من الرياحين عرفا ، تستحق الخلود بسفر العشاق مجددا لها عهد الثبات على ربا الهوى .
    هل سَيُرضيكِ أن أبوحَ جهـاراً
    أُغلظُ العهـدَ بالمواثيـقِِ حلفـا؟
    :لم أناجِ سـواكِ بالحـبِّ يومـاً
    لم أقُلْ في سواكِ.. يا" أنتِ" حرفا!
    وهنا ينقلنا من العشق إلى تحديد هوية عشقه الموسوم بفطرة العفاف ليعيد بكر الطهر إلى مرابع النقاء :
    لا تقرعي السِّنَّ..قد أسرفتِ بالنـدمِ
    إنّي جفوتكِ من رأسي إلـى قدمـي
    فلا تطيلي رجائي ..لم أعُـدْ بَشَـراً
    فقد تبرأتُ من حِسِّـي ومـن أَلمـي
    فالقلبُ كالصخرةِ الصماءِ جذوتُـهُ
    والجسمُ أصبحَ " لو تدرينَ " كالصنمِ
    تغيّرَتْ بعـدكِ الأحـوالُ وا أسفـا
    حتى توقّفَ بالشريـانِ نبـضُ دمـي
    ولسان حاله يقول :قد أصبحت قديسا في صومعة الزهد ، وكنت من قبل سادن عشق ، أهي مفارقة يتبع خطوطها من عشق ثم أفصح عن هوية هيامه ؟ أم ضرب من خيال ليعلن توبة عن عشق مــر وكفارته صوم في الأشهر الحرم ؟
    تبقينَ سِرّاً هوى كالنجمِ من فَلَكـي
    وضاعَ في غيهبِ الأحـزانِ والعـدمِ
    فَلْترحلـي ففـؤادي صائـمٌ أبـداً
    ولا يجوزُ الهوى في الأشهرٍ الحُـرمِ !
    ويعود لعادته القديمة ، ينسى ما عاهد قلبه عليه آنفا ليقول ندما :
    يا سجينَ القلبِ رفقاً بالأسير

    أنتِ مُذ أن غبتِ غابت
    بهجةُ الحسـنِ المثيـرْ
    أصبحَ الكونُ ظلامـاً
    يا لأحـزانِ الضريـرْ !
    ليلةً أدمـت فـؤادي
    لـم أرَ بـدري المنيـرْ
    وحشةُ تُردي الأمانـي
    فهي لـي قبـرٌ وثيـرْ
    وتُذيبُ القلبَ وجـداً
    أيُّ وجدٍ بل سعيـرْ !
    وكأنه صحا من سكرة الزهد ليجدد الولاء لمن أحب ، ويتشكل الحب لديه بأصناف يجدلها ضفائر وجدان كقذالة حسن بيوم زفاف القوافي لينقلنا لمحطة فيها بدأ يخيط ثوب النقاء الروحي ، بيمين التبتل بمحراب التألق ليعطي صاحب الفضل قسط حقه من قلم مفكر ويقدم الاعتذار طمعا برسول شفيع :
    جئنا إليـكَ رسـولَ اللهِ نعتـذرُ
    ممّـا تجـرّأ ذاكَ الفاجـرُ الأشِـرُ
    فأنتَ مؤتمنُ الرحمـنِ إذ خُتمـت
    بكَ الرسالاتُ واستهدت بك البشرُ
    جاهدْتَ في اللهِ إذ بلّغـتَ دعوَتَـهُ
    فالكفرُ مندحرٌ والشـركُ منكسـرُ
    صلّيتَ بالرُسلِ في مسراكَ كنتَ بهم
    كما يزيّنُ ضـوءَ الأنجـمِ القمـرُ
    يجلس على ركب الولاء ويلقي بردته لكنه لم يكن صاحب ردة بل هي الأخلاق تسم صاحبها بتواضع الجانب أمام سيد البشرية
    وبعد أن قدم اعتذاره وجد بردة القلوب تطاول قامته الشماء .
    وشاعرنا يعيش الواقع بكل مسبباته يحيط يقينه بعلوم الحياة فلا يرى بدا من تعزية صاحب ، أو تقديم واجب المشاركة بوجدان صادق فنراه :
    لكَ اللهُ في ثـوبِ الشهـادةِ ترفـلُ
    بوجـهٍ مضـيءٍ إذ بـدا يتهـلّـلُ
    مضيتَ إلى خُضـرِ الجنـانِ بِهِمّـةٍ
    تَهُـزُّ قلـوب المعتـدي وتـزلـزلُ
    لك اللهُ كم أمضيت..ترجو شهـادةً
    فلبّيتَ داعي الحـقِ فيمـن تبتَّلـوا
    لك اللهُ كـم آنسـتَ دربَ مجاهـدٍ
    وخلفُكَ من أُسدِ المياديـنِ جحفـلُ
    تخوضُ غِمارَ الحربِ كالأُسدِ في الوغى
    بعـزمٍ ..ولا تهـتـزُّ أو تتـبـدلُ
    وأي ثوب أطهر من ثوب الشهادة يرفل به شهيد العقيدة بين حوريات الخلود .
    ولا ينسى كرسي المجد وشيخ المجاهدين حيث يقول :
    سأبكي وليلُ الغاصبين سينجلـي
    ولن ينطفي عزمٌ يُسعّـرهُ الجمـرُ
    فنحنُ على درب الجهادِ وهل لنا
    سوى دربِنا حتى يلوحَ لنا النصرُ
    وعندما شارفت رحلتنا على طي صفحة الخيال همس بأذني قائلا بقي شذى الخلود يعطر أسماعنا بلحن الخلود إنها سيرة بطل نضح العزة بمكيال العمر ،فهل اقول لك من هو؟ وقبل أن أعلن الموافقة التي توقعها قال مبادرا :

    أجهشي يا شآمُ وابكي الشهيدا
    إن عيداً بفقدهِ ليـس عيـدا
    قائداً أشعـلَ الحيـاةَ نضـالاً
    ينشدُ النصرَ لا يـراهُ بعيـدا
    ومضى للجهاد واعتزلَ الـد
    نيـا فـلا ينثنـي بها أو يحيـدا
    ناذراً للنضالِ نفسـاً وروحـاً
    لا تراهُ يوماً لخصـمٍ مقـودا
    فخرجت تنهيدة عذراء أطبقت أجفان تخيلي بدموع ضيم
    نعم إنه الرنتيسي ، آسف الشهيد البطل أبو محمد عبد العزيز الرنتيسي
    وهنا أقفل باب الحوار ، وصدحت ديكة الصباح بآذان فجر الاعتماد على خيال القارئ
    وقبل الوداع أعيد على مسمعي :.
    هل يُخمدُ النارَ ما أُبديهِ من جَلَـدٍ
    وهل سَتُنْقِصُ أحزانـي مواساتـي؟!
    هيهات..إنَّ هشيمَ النـارِ يُشعلـهُ
    هَبُّ النسيمِ فَتُذكيهِ إضطراماتـي!!
    ولم أزلْ فـي ثباتـي لا يزحزحنـي
    طغيانُ يأسي ولا طوفانُ مأساتـي !
    ولم أزلْ في حياضِ المـوتِ أطلبـهُ
    وأسْتَلِـذُّ "تِباعـاً" فـي منيّاتـي!
    ولـم أزلْ مؤمنـاً باللهِ معتصـمـاً
    بحبلـهِ رغـم أصـداء إعترافاتـي
    فلم يَئِن أن ينالَ اليأسُ مـن أملـي
    وتلكَ فـوقَ رذاذُ الغيـمِ راياتـي
    كأنها أحصنة خيال أسرجت ، أو شموع ميلاد فجر تحد ، يعبر عنها الشاعر الغامدي بحروف تسح كبرياء وتعتصر تواضعا ، وتقيل عثرات الرؤية بحكم استمدت حلم الأوائل لتصاغ برؤية جديدة ، فالنار لا تقهر جلد رجل ، والأحزان لن ترضخ للمواساة فجبروتها أعتى من كلمات تصبر ،وهشيم الصبر توريه نسمات الصبا ، ولا يتمهل سعيرها لرياح تأتيه في موسم يبل ريق الندى ضرام الجوف ، فيجزم شاعرنا بأنه سيبقى ثابتا، عزيمته من صلد المبادئ ، مهما تعاضدت عليه نيوب الدهر ، ونوائب الزمن ،وسيبقى رابض الفؤاد على شرع الفضيلة طالبا الموت مرات ليستطيب له الموت ، فيشعر بأنه إنسان خلق ليموت ، ثم يبعث حيا .
    ولـم أزلْ مؤمنـاً باللهِ معتصـمـاً
    بحبلـهِ رغـم أصـداء اعترافاتـي
    ويطلق جازما بإيمانه معتصما بحبل الله صرخة وجدان ، لا يلوي على صدى ما اقترفت أصداء اعترافاته ، فما زالت راياته تخفق في سماء رذاذ العطاء .

    بقلم : محمد إبراهيم الحريري
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  2. #2

  3. #3
    الصورة الرمزية محمد إبراهيم الحريري شاعر
    تاريخ التسجيل : Feb 2006
    المشاركات : 6,296
    المواضيع : 181
    الردود : 6296
    المعدل اليومي : 0.95

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سلطان السبهان مشاهدة المشاركة
    محمد الحريري
    يالروعتك الفائقة
    قراءة أكثر من رائعة
    الأخ الحبيب الصاحب الحق الشاعر أبو عبد الرحمن
    تحية لك نقية مطهرة من نبع الخير حبا بك
    بل النقاء يصدر من روحك النقية طهرا ، الباغثة أملا بقلوب الإخاء
    والروعة مداد قلمك الندي صدقا
    أشكرك أخي وبورك بك
    ولك مني ألف تحية وبطاقة شكر
    إن سمحت لي بدراسة بعض أشعارك سأكون ممتنا لك
    أخوك محمد

  4. #4
    الصورة الرمزية ماجد الغامدي شاعر
    تاريخ التسجيل : Dec 2003
    الدولة : بين الصدر والعجز !
    العمر : 51
    المشاركات : 3,774
    المواضيع : 182
    الردود : 3774
    المعدل اليومي : 0.51

    افتراضي





    ( لولا اشتعال النار فيما جاورت ما كان يعرف طيب عرف العود) ...




    على مقربةٍ من روحك الفيّاضة اقف إحتراماً وإجلالاً لغيمة فكرك التي أودقت فجادت نهراً فراتا ولروحك التي أمّها المحبون تودداً وإعجابا


    أي معينِ عطرٍ نضح من فيض وجدانك فسقى الفكر و أثملَ الروح وأطرب القلب وهزَّ أوتارَ الصبابه..


    مدينٌ لك يا سيدي علماً وأدباً وأخلاقا وصحبةً..

    بارك اللهُ بك يا صاحبي وأدامك أخاً صديقا وشاعراً شقيقا..



    وإكراماً لك أبا القاسم سأُهدي لك 100 نسخه بنصف ثمن البيع !!


    قُبله على جبينك !
    كلما أبصـرَ حُسنـاً ساكنـاً=هزَّهُ الوجدُ فألقى حَجَـرَه !

  5. #5
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Apr 2005
    المشاركات : 2,061
    المواضيع : 94
    الردود : 2061
    المعدل اليومي : 0.30

    افتراضي

    استاذي الفاضل محمد ابراهيم الحريري
    رؤية وقراءة رائعة فأنت اخترت شاعرا
    كماجد وهذا اعتبره ابداع حتى في الاختيار
    وذائقة متميزة
    لقد خلقت من هذه الرؤى قصائد اخرى
    لك اخي الكريم ارفع قبعة الاعجاب وأمد يد الشكر
    لإمتاعنا بجمال الشعر
    تقديري سيدي
    اختك
    ينابيع السبيعي

  6. #6

المواضيع المتشابهه

  1. ساعة الموت تكون الولادة * مهداة للاخ ماجد الغامدي/شعر لطفي الياسيني
    بواسطة لطفي الياسيني في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 08-10-2008, 12:25 AM
  2. إلى الحبيب ماجد الغامدي.. حتى يعود
    بواسطة أحمد حسن محمد في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 19-11-2006, 11:36 PM
  3. سرادق عزاء بوفاة والد الأخ ماجد الغامدي
    بواسطة محمد إبراهيم الحريري في المنتدى الروَاقُ
    مشاركات: 35
    آخر مشاركة: 12-11-2006, 12:26 PM
  4. قصيدة رثاء رائعة لشاعر الواحة "ماجد الغامدي"نشرت في جريدة المدينة.
    بواسطة نورا القحطاني في المنتدى أَدَبُ العَامِيَّة العَرَبِيَّةِ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 29-08-2006, 02:57 AM
  5. إلى الحبيب ماجد الغامدي.. حتى يعود
    بواسطة أحمد حسن محمد في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 13-07-2006, 09:22 AM