ما وراء الحجب

فَاضَ الزَّمَانُ طَمْيُهُ زِبْرِجٌ
مِلاءَةٌ والثَّوْبُ ثَوْبٌ خَضِرْ(1)
مَدِينَةٌ نُوَّارُهَا مُزْهِرٌ
حَارِسُهَا فِي لَهْفَةٍ كَالسَّكِرْ
أَسْوَارُهَا مَحْجُوبَةٌ لاَ تُرَى
بَصَائِرٌ عِقَالُهَا مُنْحَسِرْ
دَخَلْتُهَا وَالفَجْرُ قَدْ لَفَّهَا
مَحَارَةٌ لُؤلُؤُهَا مُكْفَهِر(2)
أَمِيرَةٌ كَأَنَهَا ظَبْيَةٌ
أَرِيجُها الدِّمَاءُ إِذْ يَنْتَشِر
أحْدُو وَفِي جَوْفِ الثَّرى هَاتِفٌ
هَلْ يَسْتَوِي مَنِ اتَّقَى وَالأَشِرْ؟!(3)
أسْبَحُ وَالشُّطآنُ وَضَّاءَةٌ
فِي رَفْرَفٍ هَأَنَذَا أَسْتَحِرْ
كَالطَّيْرِ يَعْلُو فِي الفَضَا شَادِيًا
بَيْنَ الضُّلوعِ شَدْوُهُ مُسْتَسِرْ(4)
اشْتَدَّ سَمْعِي وَالرُّؤى مَوْقِدٌ
وَالعَيْنُ صَقْرٌ بَاشِقٌ يَشْتَكِرْ(5)
وَالرُّوحُ فِي حَيْزُومِهَا مَاثُلٌ
سِفْرٌ مِنَ الأَنْفَاسِ لا يَنْدَثِرْ
فِي حَضْرَةٍ أَقْطَابُهَا فَرْقَدٌ
يُنِيرُ دَرْبًا فِي الحَشَا يَسْتَتِرْ
oooooooooooooooooo
طَيْفٌ طَوَى ذَاكَ المَدَى سَائِلاً
شَابًا حَييًّا قَلْبُهُ مُنْفَطِرْ
عَرِّفْ بِنَفْسِكَ التي فَارَقَتْ
بِالأَهْلِ وَالخِلّانِ هَلْ تَقْتَفِر(6)
oooooooooooooooooo
أَجَابَ وَالجُرْحُ شَذَا عَنْبَرٍ
بالنُّصْحِ وَالإيمَانِ ذَا مُنْغَمِرْ
أَنَا الذي إِنْ يَكْتَحِلْ فَالثَّرَى
مِرْوَدُ كُحْلِي ، وَدَمِي مُعْتَفِرْ
أَصُبُّهُ فَوْقَ العِدَى جَارِفًا
شَرَابُهُ الحَدِيدُ إِذْ يَنْصَهِرْ
مُجَنْدَلاً يَقُودُنِي فَارِسٌ
يُودِعُنِي فِي قَلْبِهَا المُسْتَعِرْ
تَغْمُرُنِي ، وَتُرْبُهَا كَوْثَرٌ
تَحْتَ جَنَاحَيْهَا العَبِيرُ العَطِرْ
تَزْرَعُنِي فِي رَحْمِهَا بِذْرَةً
يَأْتِي المَخَاضُ نَبْتَةً تَنشَطِرْ
زُهُورُهَا شُوَاظُ جَمْرٍ لَظى
تَحْرِقُ كُلَّ غَاصِبٍ مُفْتَخِرْ
إِنْ تَزْأَرِ الآسَادُ يَوْمَ الوَغَى
يَفِرّ مِنْ لَحْظَتِه يَنْدَحِرْ
أَسَابِقُ البَرْقَ خَلاَ رَعْدِهُ
كَوَابِلٍ مِنْ غَيْثِه مُسْبَكِرّْ(7)
أَطْرَحُ جُرْمِي مَوقِظًا حِقْدَهُ
طُوفَانَ نُوحٍ مَوْجَهُ أَحْتَضِر(8)
oooooooooooooooo
ابْتَسَمَ الطَّيْفُ رَنَا قَائِلاً
هَيَّا صَغِيرِي قُلْ ولاَ تَخْتَصِرْ
أَرَى مُحَيَّاكَ بِهِ مَسْحَةٌ
بَرَاءَةً لَعَلَّنَا نَخْتَبِرْ
oooooooooooooooooo
سَادَ الوُجُومُ بُرْهَةً لَمْ تَطُلْ
هَبَّ الغُلامُ نَاشِدًا يَصْطَبِرْ
صَبْرِي جَمِيلٌ وَالصَّدَى رَاجِعٌ
مِنْ حِقْبَةٍ فِي الدَّهْرِ لا تَنْحَصِرْ
أَنَا الشَّهِيدُ كُنْتُ يَوْمًا مَضَى
فَوْقَ التُّرَابِ النَّاهِضِ المُسْبَطِرّْ(9)
أَرْثِي فَتًى بِالزَّعْفَرَانِ اكْتَسَى
عُبُوَّةٌ نَاسِفَةٌ تَنْفَجِرْ
نُعِيتُ وَالنَّاعِي كِلانَا قَضَى
فاخْتَلَطَ الأَمْرُ فَهَلْ يَنْسَبِرْ
أَشْلاؤُنَا تُشْعِلُ بَرْقَ السَّنَا
كَذَا الأُسُودُ في الفَلا تَنْتَصِرْ
أَعُودُ وَالأصْحَابُ فِي لَهْفَةٍ
لِخَوْضِ حَرْبٍ نَارُهَا تَسْبَكِرّْ(10)
فَأَفْلَجَ الصَّدْرَ هُتَافٌ عَلاَ
جِهَادُنَا تِجَارَةٌ لَمْ تَبُرْ
عَدَا بَنَادِقٍ نَأَت وَاشْتَكَت
لِإِلْفِهَا مَا بَرِحَتْ تَفْتَقِرْ
بَكَتْ وَهَيَّجَ البُكَا عَبْرَةً
تَعْصِفُ بِالعَيْنِ كَيَوْمٍ مَطِرْ
oooooooooooooooooo
صَلْصَلَةٌ احْتَدَّ زِلْزَالُهَا
شَيْخٌ بِعِمَّةِ التُّقَى مُعْتَجِرْ(11)
عِلْمٌ لَدُنِّيٌّ(12) بِهِ وَاعِظٌ
كالشَمْسِ عِندَّ الفَجْرِ لا تَنطَمرْ
فِي مَعْبَدٍ مِحْرَابُهُ عَسْجَدٌ
مَاءُ الحَيَاةِ رَائِقٌ مُنْهَمِرْ
أَعُوذُ بِالله اسْتَهَلَّ الخُطَى
خُطَى الرَّسُولِ في السُّرَى يَدَّكِرْ
نَسْرٌ أَتَتْهُ الطَََّيْرُ مُنْقَادَةً
بَيْنَ الصَّنَادِيد مَشَى كَالنَّمِرْ
حَامِي الدِّيَار للجَوَى نَاقِفٌ
آبَ الشَّهِيدُ ، زَنْدُهُ يَزْمَهِرْ(13)
يَجْفُو الكَرَى إِذَا ادلَهَمَّ الأَذَى
لِلذُّلِ طَارِدٌ لَهُ مُزْدَجِرْ
يغِيرُ فِي الظَّلامِ مُسْتَأْنِسًا
تَدْمِيرَ آلِيَاتِ مَنْ يَحْتَقِرْ
إنْ يَغْزُ والدَّهْرُ بِهِ جَائِرٌ
يَرْضَ بِمَا قَضَى ولا يَضْطَجِرْ
oooooooooooooooooo
شَقَّ الجمُوعَ نَاهِدٌ وَانْبَرَتْ
الخَدُّ جَمْرٌ مَاؤُهُ مُنْسَجِرْ
أَنَا التي فِي ذَا المَدَى كَوْكَبٌ
أَقْرَانُهَا فِي خِدْرِهَا تَنْتَظِرْ
مَطِيَّتِي عِنْدَ الضُّحَى غَارَةٌ
مِهْرَاقَةٌ ما فَتِئَتْ تَنْفَجِر
قَرَنْفُلٌ أَرِيجُهَا نَافِذٌ
رَيَّا ، وَعُودُ الهِنْدِ فِيهَا نَضِرْ
فِي غِرَّةٍ مِن الرَّدَى بَيْرَقٌ
عَبْرَ الأَثِيرِ نَاشِطٌ يَعْتَمِرْ
فَدَتْكَ نَفْسِي وَالصَّدَى صَهْوَةٌ
سَحَابَةٌ وَطْفَاءُ لا تَنْكَدِرْ
هَصَرْتُ غُصْنَ المَوتِ مُخْتَارَةً
ثِيَابَ سُنْدُسٍ ، كِسَائِي طَهِرْ
شؤْبُوبُ حِقْدِي فَاعِمٌ(14) خَيْفَقٌ(15)
كَعَارِضٍ فِي يَوْمِ رِيحٍ وَصِرْ
قُنْبُلَةٌ وَيْْْْحَكَ مَوْقُوتَةٌ
إِنْ ثُلَّةٌ غَارَتْ ، فإِنِّي الضِّبِرّْ(16)
طَوَّافَةٌ فِي الليلِ لَمْ أَنْصَرِمْ
كالنَّجْمِ فِي الدُّجْنَةِ ها قَدْ سَهِرْ
oooooooooooooooooo
شَحَذْتُ سَيْفَ أُنْيَتِي عَائِدًا
عَوْدَةَ مَأْخُوذٍ بِذَا يَعْتَبِرْ
فِي عَسْكَرِ الغَيْبِ وَلجْتُ النَّوَى
أَعْقِدُ حَبْلَ غَائِبٍ قَدْ غُدِرْ
لَعَلَّنِي أَحْظَى بِمَا نَالَه
أَوْ بِذْرَةً فِي جَوْفِهِ أَسْتَقِرّْ
فَكَانَ مَا رُمْتُ(17) سِوَى رُغْبَةٍ
يُصْبَغُ بِالدَّمِاءِ ثَوْبِي الحَبِرْ
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
معاني المفردات
(1) زرع خضر : أخضر يانع (2) نجم مكفهر : مضيء (3)الأشر : البَطِر ، المتكبر(4) مَخْفِي (5) يجتهد (6) يتتبع الأثر
(7)المسترسل المنبسط (8) يُجْعَلُ حاضرا (9) ممتد (10) تشتد (11) اعتجر : لف العمامة على رأسه
(12) العلم اللّدُنّيّ : الربّانيّ يصل صاحبه عن طريق الإلهام (13) لمعت ، أو اشتد ضوءها (14) ممتلئ (15) سريع جدا (16) الشديد (17) رام (بروم ) الشيء : طلبه وأراده

الأخ أبو سائد العدوي قصيدة ذات سبك قوي وهدف سام تجسد في لوحات عدة تخللت من خلالها عبر ما وراء الطبيعة لتنقل ما هناك وفق خيال ينم عن أفق واسع في تجسيد من سقطوا شهداء دفاعا عن وطنهم ضد الغاصب والظالم أينما كان

الأخ حلمي العبدالله كم أفلج صدري ( أي ثبَّتَه )
على احترام أمثالك ممن يسارعون بالمرور والتعليق على ما أكتب
وكذلك أثلج صدري ( أي سرَّني ) بثنائك الذي أفتخر به .
لك مني كل التقدير والاحترام .

الأخ أبو سائد العدوي شكرا لك على هذا الثناء ولكن ما لفت نظري هو استخدامك عبارة ( ما أفلج صدري ، وما أثلج صدري ) وفرقت بين المعنيين . ولقد تذكرت البيت الذي استخدمت فيه فأفلج الصدر:
فَأَفْلَجَ الصَّدْرَ هُتَافٌ عَلاَ
جِهَادُنَا تِجَارَةٌ لَمْ تَبُرْ
وبالطبع المقصود هو وَغَلَّب الصدر وفوزه هو هتاف علا حيث من معاني أفلج : غّلَّبَ وفوَّز ( لقد تأكدت من هذا المعنىبالرجوع إلى معاجم اللغة لأنَّ المعنى إلتبس علي . كل التقدير والاحترام

توظيف رائع لمفردات اللّغة

ومعانٍ كالدرّ تثري واردها

خريدة رائعة تغنّت بقيمة الشّهادة ومعانيها

بارك الله بحرفك أستاذنا وأبقاه شعلة تنير لنا الدّرب

صفو تقديري

فاتن

شكرا ايها الحبيب على هذا النص الجميل بكل ما حمل
من بناء ومعان واستخدام جميل لمفردات اللغة
مودتي

الأخت فاتن يشرفني مرورك وثناؤك
الذي أعتز به
كل التقدير والاحترام

نص باذخ جميل جميل استمتعت بأمواجه وماتحمله من معاني راقية ومفردة بليغة
بوركت شاعرنا الفاضل واليراع
مرحبا بك في واحة الخير
تحاياي

الأخ محمد ذيب بورِكْتَ وبورِكَتْ
كلماتك اللطيفة المعبرة

الأخت آمال المصري أسعدني مرورك
وتعليقك المشجع
دمت بخير