قرأت قصيدة " رداء الشعر " .
استهواني العنوان " رداء الشعر " , وذهبت بي الأفكار والتهيؤات مذاهب شتى , وما شفى ما كنت فيه
إلا قراءة القصيدة , وابتسمت طويلا وأنا أنابع المهارات الفنية , والاستخدام الجميل للتدفق الشاعري ,
ابتسمت طويلا وقد شعرت بأن الشاعر المزيني , كتب القصيدة في حالة من الصفاء الذهني والخطرة
الصوفية , حالة من الحبّ والخفق الوجداني , والاستمتاع العفوي بمحبة الشعر , فجاءت القصيدة صوفية
متألقة , تتماوج وفق جرس غنائي جميل , يترافق وصور شاعرية عفوية , تحملها مفردات سهلة قوية :
تناجـي الزهـر بالعطـر افتنـانـا
ًفتـلـثـم ثـغــره الـبـكـرَ الـشـقـيّـا
حالة من السرحات الصوفية , كيف جاءت هذه الصورة الشاعرية , وخاصة رسم الثغر الغرّ البكر , مع
صورة الشقاوة , وأظنني فهمت " الشقيا " ليس بمعنى المتعب التعيس , بل بمفهوم الشقاوة والعبث
الطفولي , فالثغر بكر , نعم إنها حالة شاعرية صوفية .
تـنـبّـأتُ الـقـوافــي مُـسْـرجــاتٍ
فتـعـدو للـنـجـوم تـــروم ضـيّــا
وتـهـمـي للـعـيـون بـكــل لـــونٍ
يصـوغ الحلـم رسـمـا عبقـريّـا
أتـذكـرُ يــا رداءَ الشـعـر لـيــلا
ًمشـيـنـاه بـــلا خـطــوٍ ســويــا
نغنـي مـا اشتهينـا مــن بـحـور
ٍفتمنحـنـا مــن الـعــذب الـرويّــا
أية عذوبة هذه , واية عفوية , واية غنائية , لاأتصورها تأتي , إلاّ في حالة من الصفاء النفسي , والارتقاء
الصوفي , عندما يطلق الشاعر مشاعره , دون تدخل أو حرفية , فتأتي المفردة سهلة قوية , ويكون النسج
متناغما , فترسم الصورة الشعرية , حالة شاعرية حركية , لكأننا أمام عاشق أطلق العنان لمشاعره يغني
حبّا وهياما , وهو يراجع باستمتاع لحظات المشاركة الحميمية بالمشاعر .
" رداء الشعر " قصيدة رائعة بحق , وتستحق الدراسة الأدبية والنقدية , وقد اطلعت على ما خطته الأديبة
الشاعرة براءة الجودي ,على هامش القصيدة , وأكبّر مقدرتها على التذوق الفني , وأشكر لها فقد أرتني
مواضع جمال لم أكن ربما لأراها لوحدي , كما اطلعت على اللقطة الذكية البارعة للشاعر الرائع حازم محمد
البحيصي , في معرض تعليقه على القصيدة :
تداعبني القوافي في دلالٍ = أباعدها فتسبقني إليّا
الله الله الله
كفاني بهذا البيت أسطورةً شعرية
نعم لقد صدق الشاعر حازم محمد البحيصي , وقد سبقته في هذا التذوق الجميل الشاعرة الكبيرة
الأستاذة ربيحة الرفاعي , حيث جاء في معرض تعليقها على القصيدة :
تداعبني القوافي في دلالٍ = أباعدها فتسبقني إليّا
ما أجمل هذا البيت حرفا وصورة وما أبهى سبكه
نعم لقد صدقت الشاعرة الكبيرة الأستاذة ربيحة الرافعي , ويبدو أن خير من يقدر الجواهر , أهل الجواهر .
ولايفوتني هنا أن أذكر جمال ما خطّه الشاعر الأستاذ جلال طه الجميلي بحق القصيدة , وما ذكره من نقد
لأحد أبيات القصيدة :
عرفتك مخلصا في كل حرفٍ
تُراجعُ دفتري أمراً ونهيا
أظن أن نهيا هنا لا تصح لأنكَ أعتمدتَ الياء المشددة رويّا.
لعلها شائبة , زاد من وضوحها , جمال القصيدة ورقيّها , فقد جاءت كنقطة على صفاء ثوب ناصع البياض ,
ومهما كان من أمر , فإنني أضم ّ صوتي إلى الأخوة والأخوات من الأدباء والشعراء الذين أشادوا بالقصيدة ,
إشادة حارّة وكبيرة , وأعود لآكرر ما قلته : إن القصيدة جاءت في حالة من الصفاء النفسي والخطرة الصوفية ,
عندما يحلّق الشاعر أو الفنّان في أجواء روحانية , فتأتي الالهامات عفوية إبداعية .
د. محمد حسن السمان