الباحثون عن الحقيقة
عن نور الله
انقشعت السحب الواحدة تلو الأخرى، وانجابت نقب الضباب المتكاثف متثاقلة .. وصارت الجبال الشم في صورة مرئية واضحة المعالم، بإزاء لون السماء اللطيف الداكن الزرقة.
جثم الجليد الرابط عليها ابيض متجمدا، وبدت أعاليه شامخة قاصية الارتفاع، ولكن نورا ذهبيا وهاجا اضاء اتجاهاتها نحو المشرق، وأذاب الجليد المتحجر بدفئ اشعته النفاذة ، وأزهرت براعم البنفسج...
تقدم رجلان قاتما الهيئة صوب دائرة النور.. بعد ان كانا قد تسلقا الجبال ساعات عديدة فور رؤيتهما الاشراق من بعيد.. هاهما يدخلان الآن دائرة النور معا........
لقد كانا اخوين في قسمتهما ونصيبهما ، ولكنهما حينما انتهيا الى الألق الذهبي اكفهر جبينهما بالحنق وفقدان الثقة وقال الأول:
ماذا تفعل ياصاح... ان النور يخصني وحدي
فقال الآخر:
لا ايها الأحمق ...انك تكذب ان النور يخصني وحدي انا!
وازدادت التقطيبة الشريرة تعمقا فوق جبينهما ونسيا اخوتهما... واحتربا بشراسة وبلا هوادة باحتدام اعمي.. من أجل كل بوصة من هذا النور الغامر الذي لا يخصهما ولا يملكانه..احتربا حتى ذبلت بنفسجات المرج وذوت في قطرات الدم الصبية التي اريقت .. ولكن........ سقط الظل بينهما فجأة .. ظل اسمه الموت.
وهنا اجفل كلا المتنازعين وتراخت قبضاتهما بارتياع، ووليا الأدبار مسرعين وهما يحجبان عيونهما، وانطلق الظل بإثرهما متابعا... وغاضت دماؤهما في ثنايا الأرض اللزجة السمراء وازدهرت البنفسجات مرة اخرى، وبقي نور الله متلألئا على الجبال.
وتقدم عابر سبيل عبر النور... كان عاري الرأس، مثقل الجفنين .. تريث هينهة ثم نظر وابتسم ، لقد كانت أطرافه متعبة ، ويداه خشنتين .. وعلى الرغم من ان وجهه كان شاحبا مجهدا، الا انه كان رائعا ووسيما..وانفرجت شفتاه عن تنهيدة جذلة وهو يهتف:
هذا هو النور!! شكرا يا إلهي!!!!
وزحف كائن الحب المجنح – الذي يبكي وحيدا- حتى موطئ قدميه ، وقبله ..ثم سأله وهو يشرق بالدمع:
من انت؟ من انت يا من كافحت طويلا كي تهتدي الى النور بلا كلمة حسد فوق شفتيك ، اللهم إلا الفاظ السلام والحمد فحسب؟
فأجاب الغريب مبتسما:
انني اعرف بالمنبوذ الموحد، وذلك أنني احمل الاسم الأكثر كرها من الناس ، اسم الحقيقة .. وفي طول الدنيا وعرضها لا امتلك شئيا، ولا حتى مثقال ذرة ...وقد بحثت وحيدا عن النور حتى وجدته بينما انا ابتهل الى معطي النور الذي لم يتح لي ان اكون حاقدا او شائنا..
ومرة أخرى سقط الظل ، ولكنه استحال ألقا يتضوأ في النور نفسه
وجفف كائن الحب دموعه الطفلية الغالية.
ومن بعيد انسابت ترنيمات الملائكةفي ريث، واتسعت رقعة نور الله فوق الجبال.
وردة العالم