أحدث المشاركات
صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 25

الموضوع: في معية الرافعي و (تحت راية القرآن) -1-

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    الدولة : الرياض
    العمر : 56
    المشاركات : 45
    المواضيع : 6
    الردود : 45
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي في معية الرافعي و (تحت راية القرآن) -1-


    بسم الله الرحمن الرحيم

    مدخل:

    في خضمّ النتاج الأدبي الحاضر ووسط معمعة الكتابة الأدبية الإلكترونية, أجد في صومعة الكتاب الورقي مُلتجأ , حيث الدفء والمجالسة الحقة , أقلب أوراقاً محبرة بمدادٍ أصيل لم تنخِرْ بعد , قوامها البيان والسامي من الفكَر والمعاني ..

    ومن بين ما أطلت النظر فيه من الكتب الخالدة كتاب الرافعي : (تحت راية القران) ففيه عبرة وعبرات وفيه دروسٌ في الأدب والنقد و فيه طرفٌ كألذّ ما تكون الطرف وفيه شحنات تضخ اللغة في القلم , غضاً كان أم هرما .. فآثرت تسليط بعض الضوء عليه ليكون محلاً لن يخلوَ من نظرٍ أو بحثٍ أو متعة ..
    على يقينٍ أني لن أحيط بكافة فصول الكتاب عرضاً وتفصيلا ولكنها إضاءات متفرقة حسب الاستطاعة وحسب ما يجود به الوقت الذي لن ألزم نفسي به حيث سأضيف من وقت لآخر ما يمكن إضافته ..
    كما أن هذا الموضوع حقٌ مشاعٌ لكل عابر يحمل بجعبته ما يزيد ويفيد .
    وقد وقفت على بعض ما هو محل نظر أو بحث أو نقد دون ادعاء لعلم أو أسبقية وإنما تحريضٌ لمن هو أعلم وأقدر ليرِدَ الماء فإن وجد فيه ما يستحق أن ينيخ الركاب من أجله و يمتح غرْب العلم بأشطان العزيمة فحسن, وإن وجده سراباً بقيعة، فليصدف عنه , وحسبنا بعد هذا أن ننال نصفَ أجر الاجتهاد.

    ................................................


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    مقدمة الناشر:

    الطبعة التي أنسخ منها هي طبعة "المكتبة العصرية _ بيروت_1422هـ" ويظهر على الغلاف الداخلي للكتاب هذه العبارة: "راجعه واعتنى به د. درويش الجنيدي" وعندما تتصفح الكتاب ابتداءً من أول سطر بعد هذه "الترويسة" وحتى آخر سطر من الفهرس لا تجد أثراً للمحقق _إن جازت التسمية_ لا في الحواشي ولا حتى في المقدمة التي تولاها الناشر ولم يحسنها وهي مقدمة من بضعة أسطر لا تليق بالرافعي ولا بكتابه ولا بأدبه.. وللحق فقد أعجبتني جملة وردت في سياق ترجمة الرافعي حيث وصف الناشر شعره بــِ" نقي الديباجه, على جفاف في أكثره. ونثره من الطراز الأول" أما الباقي فهو سرد بدائي مستغرب من الناشر وكان الأجدى والأولى أن يقوم بالتقديم د.درويش على اعتبار أنه صاحب الجهد في المراجعة وكي نرى بصمته في هذه الطبعة بدلاً من ورود اسمه في الديباجة كجزء من الديكور!

    مقدمة المؤلف:

    عرّف الرافعي الكتابَ على أنه :
    (المعركة بين القديم والجديد) (مقالات الأدب العربي في الجامعة, والرد على كتاب (في الشعر الجاهلي) لطه حسين وإسقاط البدعة الجديدة التي يريد دعاتها تجديد الدين . اللغة والشمس والقمر)

    تأتي مقدمة المقدمة _التي أسماها الرافعي تنبيهاً_ كمفتاح للذهول ومصيدة ذكية للقارئ الملهوف ففضلاً عن أنها حوت إثارة مبكرة وتشويقاً متقنا , فقد صيغت بلغة شفافة بديعة جمعت بين الجزالة و السلاسة بقالب أدبي رفيع يقطع كل طريقٍ لمدعي وعورة لغة الرجل وتكلف معانيه! فتأمل قوله هنا :


    (نلفت القراء إلى أننا في هذا الكتاب إنما نعمل على إسقاط فكرة خطيرة , وإذا هي قامت اليوم بفلان الذي نعرفه فقد تكون غداً في من لا نعرفه , ونحن نردّ على هذا وعلى هذا بردّ سواءٍ , لا جهلُنا من نجهله يلطف منه , ولا معرفتنا من نعرفه تبالغ فيه .
    والفكرة لا تسمّى بأسماء الناس , وقد تكون لألف سنة خلَت ثم تعود بعد ألف سنة تأتي , فما توصف من بعد إلا كما وُصفت من قبل ما دام موقعها في النفس لم يتغيّر , ولا نظنّه سيأتي يومٌ يُذكر فيه إبليس فيقال : رضي الله عنه .
    ونحن مستيقنون أن ليس في جدال من نجادلهم عائدة على أنفسهم , إذ هم لا يضلون إلا بعلم وعلى بينة! فمن ثم نزعنا في أسلوب الكتاب إلى منحى بياني نديره على سياسة من الكلام بعينها , فإن كان فيه من الشدّة أو العنف أو القول المؤلم أو التهكم , فما ذلك أردنا , ولكنا كالذي يصف الرجل الضالّ ليمنع المهتدي أن يضل , فما به زَجْر الأول بل عظة الثاني , ولهذا في مناحي البيان أسلوب ولذلك أسلوبٌ غيره , ألا وإنّ أقبح من القبح ما جهله يسمى قبحاً, وإن أحسن من الحسن ما جهله حسناً, ولكل معنى باعتباره موضع, ولكل موضع في حقه وصف ولكل وصف في غرضه تعبير , ولكل تعبير أسلوبه وطريقته , فهذا ما ننبه إليه .
    ولو كان أصحابنا غير مَن هم في الأثر والمنزلة لكان أسلوبنا غير ما هو في النمط والعبارة , والسلام.)
    إهـ

    إنها الحرب إذن!
    هكذا قدم الرافعي لكتابه الذي أرى فيه توثيقا لحقبةٍ حاسمة وهامة من تاريخ مصر بل والأمة جمعاء حيث نشأت دعوات التغريب والهجمة على الفصحى وعلى الموروث بكافة أشكاله لينبري ثلة من النبلاء المخلصين _رحمهم الله_ المتسلحين بنور العلم والإيمان فذبوا عن حياض الدين واللغة وصاحبنا أحد هؤلاء العظماء .. فلله درهم و جزاهم عن الأمة أعظم الأجر والمثوبة ..

    ولعلي هنا أقف عند الجملة الأخيرة التي أرى أنها عبقرية من الرافعي .. كيف ؟ حين جعل الكلام يحتمل الوجهين تحقيراً أو تقديرا !
    فقوله: ( ولو كان أصحابنا غير مَن هم في الأثر والمنزلة ) يحتمل أنه يعني أن منزلتهم وضيعة عنده وعليه هم يستحقون هذا العنف الكتابي والشدة في القول .. ويحتمل كذلك أنه يعني أن منزلتهم عالية عنده فجاء العتاب على قدر المحبة !
    ولاشك عندي أنه يعني الأولى!

    ثم تأتي سلسة مقالاته التي نشرت بمجلة الهلال والزهراء والبيان وجريدة السياسة ومن ثم مقالات الأدب العربي في الجامعة, كما يتخلل الكتاب مقالات لشكيب أرسلان وغيره ومقتبس من جريدة الأهرام وبعض وقائع الجلسات التي دارت في مجلس النواب حول قضية طه حسين .
    وأكثر فصول الكتاب إثارة , الفصلان اللذان تحدث فيهما بتفصيل عن قضية الكتاب الرئيسة وهما:
    - الفصل الذي أورد الرافعي فيه نص خطاب لجنة العلماء إلى شيخ الأزهر والذي حذرت فيه من تدريس كتاب طه حسين (في الشعر الجاهلي) في الجامعة وطالبت بوضع حدٍّ للفوضى الإلحادية الواردة فيه.
    - الفصل المسمّى (فلما أدركه الغرق).

    *************


    الميراث العربي


    هذا مقال نشر في مجلة (الزهراء) وهو من بداية لسلسة مقالات لأبي السامي هب فيها للدفاع عن العربية والتأصيل لها سارداً الشواهد التاريخية التراثي منها والمعاصر لتفنيد ما أسماه بـ(المذهب الجديد) كما أسلفنا.

    بدأ هذا الفصل بشاهد طريف يبين لنا أصل تشبيهه أصحاب المذهب الجديد بـ(أبي خالد) في فصل لاحق من هذا الكتاب.

    يقول الرافعي:

    (كان أبو خالد النميري في القرن الثالث للهجرة, وكان ينتحل الأعرابية ويتجافى في ألفاظه ويتبادى في كلامه ويذهب المذاهب المنكرة في مضغ الكلام والتشدق به, ليتحقق أنه أعرابي وما هو به, وإنما ولد ونشأ بالبصرة, قالوا فخرج إلى البادية فأقام بها أياماً يسيرة ثم رجع إلى البصرة فرأى الميازيب على سطوح الدور فأنكرها وقال: ما هذه الخراطيم التي لا نعرفها في بلادنا...؟

    فهذا طَرَف من العربية يقابله التاريخ في زماننا هذا بطرفٍ آخر من جماعة قد رزقوا اتساعاً في الكلام إلى ما يفوت حد العقل أحياناً, ووهبوا طبعاً زائغاً في انتحال المدنية الأوروبية إلى ما يتخطى العلل والمعاذير, ورأوا أنفسهم أكبر من دهرهم, ودهرهم أصغر من عقلهم, فتعرف منهم أبا خالد الفرنسي, وأبا خالد الإنجليزي, وغيرهم من أجازوا إلى فرنسا وإنجلترا فأموا بها مدة ثم رجعوا إلى بلادهم ومنبتهم ينكرون الميراث العربي بجملته في لغته وعلومه وآدابه ويقولون : ما هذا الدين القديم؟ وما هذه اللغة القديمة؟ وما هذه الأساليب القديمة؟ ويمرّون جميعاً في هدم أبنية اللغة ونقض قواها وتفريقها؛ وهم على ذلك أعجز الناس عن أن يضعوا جديداً أو يستحدثوا طريفاً أو يبتكروا بديعاً, وإنما ذلك زيغ الطبع, وجنون الفكر, وانقلاب النفس عكساً على نشأتها, حتى صارت علوم الأعاجم فيهم كالدم النازل إليهم من آبائهم وأجدادهم وصار دخولهم في لغة خروجهم من لغة, وإيمانهم بشيء كفراً بشيء غيره كأنه لا يستقيم الجمع بين لغتين وأدبين, ولا يستوي لأحدهم أن يكون شرقياً وإن في لسانه لغة لندن أو باريس!)
    إ.هـ

    إذن القضية هنا قضية منهج وأسلوبٍ لا يمكن المساومة عليهما ولقد أعجبني هذا التشبيه الطريف من الرافعي الذي ينطبق على شريحة فكرية عريضة تبدأ من زمانه ولا تنتهي بزماننا, فهم كما يقول المثل العامي: (ضيع مشيته ومشية الحمامة) ومن الواضح كما يقرر الرافعي في غير موضع أن أصحاب بدعة المذهب الجديد لم يأتوا بمنهجٍ مستقلٍ مكتمل العناصر جامعٍ مانع كي نقول إن مشروعهم حضاريٌ ذو شخصية عربية يقوم على الحاجة الفعلية للتطوير لا على حاجة وأغراض المستعمر!
    وإنما يتبين لك مدى اعتلال أفهامهم وضعفهم المعرفي عند أول أطروحة, وكم هي جميلة تلك الإشارة التاريخية التي أتى بها الرافعي حين بيّن أنّ ابن المقفّع ليسَ بمسلمٍ ولا عربي ولكنه بعد أن نشأ على اللغة العربية والأدب العربي والرواية العربية وتتلمذ على يد (ثور بن يزيد الأعرابي) والذي كان من أفصح الناس لساناً ومع ذلك لم تتأثر فصاحته بما ترجمه من اليونانية والفارسية ولم يقل بوجوب هدم البيان العربي بعدما وجد الحكمة والخيال وأساليب الحكاية الكتابية في الأدب اليوناني, وإنما صهر كل هذه الآداب الإنسانية ودمجها في اللغة ولم يدمج اللغة فيها.

    ثم يشير الرافعي إشارةً هامة تبين الانفتاح المعرفي في تراث الأدب العربي و أن القضية ليست تحجراً وانغلاقا, فيقرر أن اللغة لم تخلق على الكفاية وقد حكى التاريخ الإسلامي الانفتاح الهائل من العرب على كافة العلوم الإنسانية بلغات شتى لأمم الأرض قاطبة فلم يذوبوا ويذوّبوا لغتهم في هذه اللغات بل أثبتوا قدرة اللغة العربية على التطور والثبات على اعتبار أن الحاجة للتحرير والتطوير مسلّمة عندهم كسنةٍ كونية لا مناص منها, ولكنّ ذلك لا يعني بشكلٍ من الأشكال أن يكون لكل قطرٍ لغة قائمة وأدب مستقل وهو مالم يفعله أحد طوال التاريخ الإسلامي.

    ثم يستعرض الرافعي شاهداً غربياً على التمسك بالأصالة والمحافظة على اللغة القومية وهو (المجمع العلمي الفرنسي) حين رأى أن مصطلح (naval blockade ) (نظام الحصر البحري) وافدٌ إنجليزي من مخلفات الحرب العالمية الأولى وقرر إبطال هذه المصطلح و(فرنسته).
    فتأمل كيف تباهي أمة أوروبا بلغتها وكيف يفخر الفرنسيون بلسانهم ويعدّون كلمةً وافدةً على لغتهم كجندي محتلّ يلزم طرده! بينما أبو خالد الفرنسي يتنصل من لغته الأم و يعمد على هدمها!

    ونختم الحديث عن هذا الفصل المهم الثمين مضموناً الطريف أسلوباً السهل عرضاً.. بخلاصةٍ من درر الرافعي يجب أن تخلد حين قال:

    ( إنما الأمور بمقاديرها في ميزان الاصطلاح, لا بأوزانها في نفسها, فألف جندي أجنبي بأسلحتهم وذخيرتهم في أرضٍ هالكة بأهليها ربما كانوا غوثاً تفتحت به السماء, ولكنّ جندياً واحداً من هؤلاء في أمة قوية مستقلة, تنشقّ له الأرض وتكاد السماء أن تقع, فالمذهب الجديد فساد اجتماعي ولا يدري أهله أنهم يضربون به الذلة على الأمة.
    وتلك جنايتهم على أنفسهم وجنايتهم على الناس بأنفسهم, وهم لا يشعرون بالأولى فلا جرم لا يأنفون من الثانية!)
    إهـ.


    يتبع..

  2. #2
    الصورة الرمزية خالد الحمد شاعر
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    الدولة : حيث يخفق القلب
    المشاركات : 1,596
    المواضيع : 52
    الردود : 1596
    المعدل اليومي : 0.24

    افتراضي

    جميل ياعبدالرحمن جميل

    واصل فكلي عين قارئة

    حسنا ياأبانزار سوف أقرأ وأقرأ

    ولكن بعد أن أصل المغرب سوف أحضر

    القهوة الشقراء المزعفرة حيث فنجانها يساعد

    على التركيز أقدح من المباح الشاي امنعنع

    قراءة عابرة ومرور سريع

    شكرا لك ولجهدك

    دمت مبدعا
    khaled_alhamd1@


  3. #3
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Jan 2006
    المشاركات : 86
    المواضيع : 11
    الردود : 86
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    ما اجمل ان يعي عقلاء الأمة مكامن القوة والضعف والذود والعداء في فلاسفتها
    ولعمري ما اساء امرؤ كما اساء ابو خالد الفرنسي
    فجند ثقافة مصر - وهي امر لا يشك فيه - لتغزو جميع المنطقة العر بية على مطية لغوية عرجاء انتجت جيلا اعرج تزداد الهوة بينه وبين تراثه واصالته يوما بعد يوم
    اما وقد جاء من يؤصل الاصيل ويترك الدخيل ويأخذ بيد ابناء الأمة يقاربهم الى مجدهم وتراثهم فهو ما تقر به النفس , وتجد الأحلام سبيلها الى الحقيقة.

    الشاعر عبد الرحمن مشكور جهدك
    تحية لك

  4. #4

  5. #5
    الصورة الرمزية عدنان أحمد البحيصي شهيد العدوان على غزة 2008/12/27
    تاريخ التسجيل : Feb 2003
    الدولة : بلد الرباط (فلسطين)
    العمر : 41
    المشاركات : 6,717
    المواضيع : 686
    الردود : 6717
    المعدل اليومي : 0.87

    افتراضي

    أخي عبد الرحمن
    إقرأ اخي ودعنا معك نقتبس نوراً من كلام هذا الهمام

    فلعلنا نخلع عن أنفسنا عباءة التمسك بحضارة كلها زيف وكذب

    وندرك أننا أصحاب حضارة لو أردنا أن نكون

    شكرا لك أيها المبدع
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  6. #6
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Dec 2005
    المشاركات : 1,095
    المواضيع : 26
    الردود : 1095
    المعدل اليومي : 0.16

    افتراضي

    جزاك الله عنا خيرا يا عبد الرحمن.

    الله
    الرافعي مصطفى صادق
    يا لها من قمة
    رحم الله رائد البيان العربي.
    إن الشعوب إذا أفهامها رشدت=تعلي أماجدها دوما وتحتفل

  7. #7

  8. #8
  9. #9
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    الدولة : الرياض
    العمر : 56
    المشاركات : 45
    المواضيع : 6
    الردود : 45
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    أهنئ إخوتي وأخواتي بالواحة بعيد الأضحى المبارك وأسأل الله لنا ولهم القبول وللأمة التمكين..

    الأخ /بحرالشوق :بل دجيت يارفيق نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    الإخوة:
    حمزة الحلبي
    alsamman
    عدنان الاسلام
    حسن كريم

    بارك الله حضوركم وتوقيعكم وإنه سيسعدني هذا الحضور أكثر لو أتيتم بما يثري الموضوع بحثا وطرحا بل ونقضا!

    لكم تقديري العميق,,

  10. #10
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    الدولة : الرياض
    العمر : 56
    المشاركات : 45
    المواضيع : 6
    الردود : 45
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    (الجملة القرآنية)

    في فصل (الجملة القرآنية) وهو من أثمن فصول الكتاب وأنفعها, يتحدث الرافعي عن الأسلوب البياني الفصيح وما دار في تلك الفترة الحاسمة من جدل وصراع حول ماهية ( المذهب الجديد ) ويتبين لنا من خلال هذا الفصل مدى القلق الذي كان يساور الرجل من مخاطر التجديد بصورته التي رُوّج لها .
    وسأتجاوزُ شبهة الحساسية من التجديد التي قد تُثار هنا, إلى تأصيل الرافعي لأصول البيان والكتابة ليقودنا في نهاية الأمر إلى بابٍ أصليٍ كبير لعلي أسميه: (كيف تكتب؟) على اعتبار أنّ باب (ماذا تكتب؟) من المسلّمات التي نتجاوزها هنا نحو الأدوات اللغوية والروافد المعرفية للكاتب مبتدئا كان أو محترفا.

    دعونا نعود للشرارة التي أدت بالرجل إلى كتابة هذا الفصل حين قال في مطلع المقال:

    ( نبهتني إحدى الصحف العربية التي تصدر في أمريكا عندما تناولت الكلام على (رسائل الأحزان) بقولٍ جاء في بعض معانيه أني لو تركت (الجملة القرآنية) والحديث الشريف ونزعتُ إلى غيرهما لكان ذلك أجدى عليَّ ولملأتُ الدهر ثم لحطمتُ في أهل المذهب الجديد حطمةً لا يبعد في أغلب الظن أن تجعلني في الأدب مذهباً وحدي!
    ولقد وقفت طويلاً عند قولها (الجملة القرآنية) فظهر لي في نور هذه الكلمة ما لم أكن أراه من قبل, حتى لكأنها (المكروسكوب) وما يجهر به من الجراثيم مما يكون خفيَّاً فيستَعْلِن ودقيقاً فيستعظم, وما يكون كأنه لا شيء ومع ذلك لا تُعرف العلل الكبرى إلا به.)
    إ.هـ.

    إذن فالقضية تبدت له وكأنها حربٌ جديدة يتحتم عليه خوض غمارها, فالأمر لا يتعلق في نظره بلسانٍ ينطق حروفاً أو قلمٍ يكتبها, كلا.. الأمر أكبر من ذلك, لقد كان يرى أن الأبعاد الخطيرة لأطروحات التجديد وإن بدت فنية صرفة إلا أنها تؤدي في النهاية إلى تجفيف المنابع وتنحية المصادر الربانية عن منهج الأمة التي لا يمكن فهمها ومن ثم تطبيقها دون فهمٍ سليمٍ للغة التي كتبت بها.

    وتأمل معي هذه الصورة البانورامية الهرمية التي أبدعها حين قال واصفاً تذوّق اللغة:

    (ثم ما هي اللغة؟ أفرأيت قط شعباً من الدفاتر قامت عليه حكومة من المجلدات وتملك فيها مَلك من المعجمات الضخمة… أم اللغة هي أنت وأنا ونحن وهو وهي وهم وهن, فإذا أهملناها ولم نأخذها على حقها ولم نحسن القيام عليا وجئت أنت تقول: هذا الأسلوب لا أسيغه فما هو من اللغة, ويقول غيرك: وهذا لا أطيقه فما هو منها, وتقول الأخرى: وأنا امرأة أكتب كتابة أنثى… وانسحبنا على هذا نقول بالرأي ونستريح إلى العجز ونحتج بالضعف ويتخذ كل منا ضعفه أو هواه مقياساً يحدُّ به علم اللغة في أصله وفرعه, فما عسى أن تكون لغتنا هذه بعدُ وما عسى أن يبقى منها وأين تكون نهايتها؟ ثم أي علم من العلوم يصلح على مثل هذا أو يستقيم عليه؟ وفيمَ تكون المجاذبة والمدافعة, وبم يقوم المراء والجدل إذا اتفقنا على أن بعض الجهل لا يمكن أن يكون قاعدة في بعض العلم؟
    إن هذه العربية بنيت على أصل سحري يجعل شبابها خالداً عليها فلا تهرم ولا تموت, لأنها أُعدت من الأزل فلكاً دائراً للنيِّرَين الأرضيِّين العظيمين . كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, ومن ثم كانت فيها قوة عجيبة من الاستهواء كأنها أُخْـذَة السحر, لا يملك معها البليغ أن يأخذ أو يدع.)
    إ.هـ.

    إن ما سُطّر أعلاه لينوء بالعصبة أولي قوة !
    وحريٌ بوزارات التربية والتعليم العربية أن تضعه في مقدمة مناهج اللغة والأدب ليكون نبراساً للناشئة ومصباحاً في طريقهم العلمي, أنظر لهذا التشبيه البليغ العِلق: (شعبٌ من الدفاتر)! وانظر لهذه النظرية العجيبة.. السهلة في مبناها الساحرة في تركيبها ومعناها: (بعض الجهل لا يمكن أن يكون قاعدة في بعض العلم) التي أرى أنها تصلح أن تدرّس كقاعدةٍ أصولية!
    وتأمل كذلك في عمق تشبيهه هذا: (لأنها أُعدت من الأزل فلكاً دائراً للنيِّرَين الأرضيِّين العظيمين) فبدأ بالفعل المبني للمجهول_وحاشاه سبحانه وتعالى أن يكون مجهولا_ (أُعِدَّتْ) حيث يرسّخ الرافعي في هذه المفردة منهجاً ودينا ليؤكد أن لغة الضاد ليست فعلاً صوتياً ليندثر كبقية الصوتيات ولا هي بقية حضارة عابرة غابرة لتُحفظ في المتاحف والمكتبات, وإنما هي ناموسٌ من نواميس هذا الكون وآية من آيات الخالق العظيم.. وجدت لتبقى.
    ثم تكتمل الصورة المجازية البديعة في المفردة المنتقاة بعناية: (فَلكاً دائراً) ياااه… إنها إذن منظومة متحركة بأمر ربها.. فضاؤها غير الفضاء.. أرضيٌ يحوي كوكبين (نيِّرَين أرضيِّين) يضيئان ليلَ البشرية الحالك وزيادة على هذا فهما في متناول الخلق حين يريدون البصيرة.
    إنّ هذا المجاز إنما أراد الرافعي به ربط اللغة بالدين, وهي قضيته الأولى وشغله الشاغل, وهو الذي أدرك ببصيرته وبوعيه أنّ الأمة إنما أُتيت _حين أُتيت_ من باب اللغة والأدب في حيلة استعمارية وجدت صدىً ورواداً من أبناء جلدتها وكادت أن تنطلي على العموم لولا فضل الله وتكفله بحفظ الدين بحفظ اللغة تباعا.
    وإنما تعزّ الأمة وتسعد بالعناية باللغة وفهمها على أكمل وجه.

    ثم يعلّق الرافعي بسخريته اللاذعة على العجز اللغوي لدى أصحاب المذهب الجديد بقوله:

    ( فأمّا أن لا تدري يا أبا خالد وتزعم العفة, وأن تعجز ثم تجنح إلى الرأي؛ وأن تضعف ثم تتمدح بالسلامة؛ فهذه أساليب ابتدعها مَنْ قبلك من أذكياء الثعالب… وزعموا أنه اقتصر على القول بأن العنقود حامض وأراه ما اقتصر على ذلك إلا لأن زمنه كان أحسن من زمننا وأسلم وأقرب إلى الصدق… فلو هو كان من ثعالبنا… لزعم بأنه ابتاع زجاجة من الخل وصبها بيده في حبات العنقود الحلو وبذا صار إلى الحموضة ولهذا تركه!
    وكيف تريد ممن عجز عن الفصيح أن يثني عليه, وهو لو أثنى عليه لطولب به, ولو طولب به لبان عجزه وقصوره, ولو ظهر الناس منه على العجز والقصور لما عدُّوه في شيء ولذهب عندهم قليل ما لا يحسنه بالكثير الذي يحسنه؟ )
    إ.هـ.

    ونرى هنا إعادةَ صياغة للمثل العربي المعروف بقالبٍ ساخر جعله ملائماً لثعالب المرحلة!

    وأقف خاشعاً لأختم الكلام عن هذا الفصل بالتأمل في هذه الحجة الباترة التي ساقها الرافعي بتسلسلٍ منطقي عجيب:

    (وكيف تريد ممن عجز عن الفصيح أن يثني عليه, وهو لو أثنى عليه لطولب به, ولو طولب به لبان عجزه وقصوره, ولو ظهر الناس منه على العجز والقصور لما عدُّوه في شيء ولذهب عندهم قليل ما لا يحسنه بالكثير الذي يحسنه؟)إ.هـ.


    يتبع..

صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. لكي تشرق الشمس - مهداة إلى الذين يحملون راية الإسلام لتعلو فوق أرجاء المعمورة
    بواسطة فارس عودة في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 29-04-2010, 05:50 PM
  2. معية ربي
    بواسطة الطنطاوي الحسيني في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 16
    آخر مشاركة: 10-12-2008, 03:28 PM
  3. في معية الرافعي و (تحت راية القرآن) 2
    بواسطة عبدالرحمن الخلف في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 30-11-2007, 01:15 AM
  4. فوق كل سنام راية نصر وعلم .
    بواسطة خوله بدر في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 05-12-2005, 09:53 PM