أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 10 من 10

الموضوع: الكل الآخر

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Nov 2004
    العمر : 48
    المشاركات : 160
    المواضيع : 62
    الردود : 160
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي الكل الآخر

    الكل الآخر


    كعادتها استيقظت الدكتورة أمل في ساعة مبكرة من صباح ذلك اليوم ، توضأت لتؤدي صلاة الفجر ، بينما تركت الماء يغلي على النار لتعد قهوة الصباح ..

    قبل أن تأخذ قهوتها ذهبت لتتفقد والدها الذي ينام في الغرفة المجاورة لكنها لم تجده ، استغربت كثيراً إذ ليس من عادة والدها أن يستيقض ويخرج قبلَ أن تراه ، فخمنت أنه خرج مبكراً لأمرٍ مهم ..

    دلفتْ إلى مكتبها لتلقيَ نظرةً على المقال الذي سهرتْ تكتبه الليلة البارحة ليتم نشره في زاويتها الأسبوعية و كان عنوان المقال "الرجال عبء على الحياة" ، ابتسمت وهي تصفّ الأوراق على جهاز الفاكس وترسلها لـ مكتب الجريدة .. وراحتْ تتصفح أوراق البحث الذي أعدته لمحاضرتها - بعد أسبوع - عن "جبروت الرجل و إلغائه لدور المرأة" ..

    لم تجد الجريدة الصباحية بجوار الباب الخارجي كما هي عادة البواب في إحضارها كل يوم ..

    ذهبتْ لتحتسيَ فنجان القهوة وفتحتْ التليفزيون ، فأدهشها أنها لم تجد غير أربع قنوات فقط كانت تعمل .. تأففتْ في حنق وهيَ تلقي بـ الريموت على المقعد المجاور .. توقعتْ أن المشكلة من طبق الاستقبال اللعين الذي كثيراً ما تحرفه الرياح عن اتجاهه ، في هذه اللحظة سمعت نغمة جوالها تنطلق ،كانت المتصلة هي أختها ليلى التي قالت لها - في فزع - : استيقظت اليوم فلم أجد زوجي في الفراش ولا حتى طفلي أحمد ، ليس من عادة زوجي أن يخرج مبكراً ، والغريب في الأمر أنه لم يرتدِ أياً من ملابسه ، ولم يأخذ هاتفه الجوال معه ، لا أدري ماذا أفعل لأطمئن ، أخاف أن يكون قد حل بولدي مكروه ..

    أنهت مكالمتها مع ليلى ، وطلبت رقم جوال والدها الذي سمعت صوت نغمته ينطلق من غرفته فعلمت أنه تركَ جواله هوَ الأخر ، انطلقت إلى الغرفة و راحت تتفقد ملابسه وحذاءه ، لتتمكن الريبة من نفسها ..

    عادت إلى التليفزيون تقلبُ قنواته الأربع ، فلاحظت أن جميع من على القنوات من النساء و كانت القنوات إيطالية أو أسبانية - لا تعلم - المهم أنها لم تفهم شيئاً مما يقال ..

    ارتدت ملابسها وعباءتها - على عجل - ونزلت قاصدة مقر عملها ، ففوجئت بخلو الشارع من السيارات و بنزول عدد كبير من النساء الحائرات إلى الطريق ، منهن من تروح وتغدو لوحدها ومنهن من تجمّعن يتحاورن ويتباحثن - أيقنت بأن أمراً خطيراً قد حدث - لم تجد سيارة أجرة بطبيعة الحال فأخذت طريقها مشياً على قدميها ..

    في الجامعة كان الحضور قليلاً جداً وكان القلق يسيطر على الجميع وجدلٌ يدور في كل زاوية .. ما الذي حل بالبلد .. ؟ .. أين ذهب الرجال .. ؟ .. أستاذة علم الفلسفة كانت تردد في حالة هستيرية: إنها بالتأكيد مخلوقات فضائية هبطت لتخطف الرجال ثم تسيطر بالتالي على العالم ..

    وجاء صوتُ أستاذة علوم الحاسب الآلي - المعروفة ببرودة أعصابها - تتحدث لبعض زميلاتها في الجهة الأخرى: سبحان الله ، ولا رجل واحد ..!! .. كأن أحداً عمل للرجال " ديليلت " .. !!

    بينما اقتربت أستاذة الكيمياء من الدكتورة أمل وقالت لها: هذا الأمر حدث على مستوى العالم كله اليوم يا دكتورة ، و السبب غامض ومجهول حتى الآن ..

    وأقبلت المعيدة في قسم اللغة العربية تركضُ من بعيد لتقول لهم: زوجة الحاكم سوف تلقي خطاباً على التليفزيون بعد قليل ..

    ذهب الجميع إلى المختبر وقامت أستاذة الكيمياء بإيصال قابس التليفزيون على الـ بروجيكتور وجلس الجميع في تحفز .. كان الإرسال ثابتاً على صفحة كُتب عليها "نوافيكم بعد قليل" ..

    ما هي إلا دقائق حتى بدأت الشاشة في التحرك بين تشويش و وصلة ملونة وعتمة سوداء ، إلى أن ظهرت زوجة الحاكم على التليفزيون بحجابها وأخذت الكاميرا وقتاً قصيراً حتى استقرت ، وبدأت السيدة - مرتبكة - في حديث متقطع ونظرات تتقلبُ ناحية اليمين واليسار: أمهاتي أخواتي بناتي العزيزات لا أعرف كيف أبدأ كلامي معكن لأن ما حدث اليوم أكبر من كل ما يمكن أن يقال ، و يجعلني في توتر وقلق مثلما أنتن عليه من حال ، لكن ما أستطيع أن أخبركن به أن الذي حدث من اختفاء غامض للذكور رجالاً وأطفالاً هو على مستوى العالم ككل ، وما أتمناه منكن هو أن أجدكن بمستوى الحدث ، وأنتظر منكن الالتفاف حول راية الوطن إلى أن يتضح الأمر وتزول الغمة ونتمكن من الوصول إلى الحقيقة ..

    بهذه الكلمات أنهت زوجة الحاكم حديثها المقتضَب إلى مواطناتها ..

    وقفت الدكتورة أمل وتوجهت إلى زميلاتها وهي تقول: سمعتن ما قالته السيدة الحاكمة ، يجب أن نكون بمستوى المسؤولية و أن نثبت لأنفسنا بأننا قادرون على إدارة عجلة الحياة و تدبير شؤوننا ..

    بعد أيام من الإهمال والفوضى أخذت الحياة شكلها المقبول إلى حد ما ، فعادت الصحف اليومية للصدور في صفحتين و أربع صفحات أحياناً ، وبدأ التليفزيون بالعمل لمدة خمس ساعات يومياً في إرسال مستمر - كما هي الحال في كثير من الدول - وأخذت النساء أماكنهن في الإدارات الأمنية والعسكرية والجيش والمراكز الإعلامية والصروح التعليمية ، كما تم تشكيل وزاري انتقالي مبدئي لتولي الشؤون السياسية ، وتم تسخير جميع الميادين الرجالية للنساء ، وعملت النساء في جميع المجالات الحيوية من تشغيل للكهرباء والاتصالات و الإعمار و المصارف و جميع الأعمال الخدمية و النوافذ التسويقية ..

    وأصبحت النساء يقمن بأعمال البناء والصيانة وقيادة سيارات الأجرة والحافلات ونظافة الشوارع في تجربة جديدة وصعبة للغاية ..

    كانت الدكتورة أمل تلاحظ أن النساء يعملن في ساعات النهار بدأبٍ واجتهاد - كل منهن في مجالها - أما في ساعات الليل فيبدأ صوت الأنين والبكاء من خلف الأبواب المغلقة ، وكانت أصوات بعض المراهقات تكسر سكون الساعات الأخيرة من الليل بالصرخات: أريد أبي .. بابا .. بابا ..

    أمل هيَ أيضاً تعايش حالتها الخاصة في تأزم أختها ليلى وبكاءها المؤلم الذي لا يكاد ينقطع مذ غابَ أبوهما و زوجها و طفلها ، بينما كانت هي متماسكة تهدئ من روعها وتكتم مايوازيهِ وجعاً وخوفاً رهنَ أعماقها ..

    أصبحت الحياة مملة ومقرفة ولا معنى لها ، وصارت الدكتورة أمل تراقب وتتابع أحداث عالم النساء وما يحصل فيه من نزاعات تعتمد العاطفة ولا تحمل القدر الأدنى من الحنكة أو التعقل ، وكثرت الحوادث والكوارث .. تصادم قطارات .. توقف عدد كبير من المطارات .. سقوط عدد هائل من الطائرات .. مناوشات .. ثارات .. حروب .. دول تتحد .. دول تنقسم .. انقلابات متعددة .. كل ذلك بأحجامٍ تتضاعف وتتزايد ..

    في تجمع حاشد ألقت الدكتورة أمل محاضرة قالت فيها: أيتها الأخوات انظرنَ إلى ما يحدث في العالم من حولنا من فظائع ، كنت أتصور أن المرأة قادرة على صناعة الحياة بشكل أفضل مما كانت عليه ، ولكنني تفاجأت بهذا الانهيار المخيف لكل شيء ..

    ترددت بعد ذلك أنباء عن حرب وشيكة مع بعض الدول المتحالفة .. اقتنعتْ الدكتورة أمل بأن النساء أصبحن يعشن حالة سُعار ، و أن الأنوثة تعرضت لتحول وانقسام نوعي ، وأنها انشطرت إلى جزءين مختلفين يمثل أحدهما الرجل بأبشع حالاتِ ساديته الشاذة والمتنحية قياساً بعموم جنسه ..

    - و .. فجأة .. وعلى حين غِرة - ظلام دامس .. أصوات انفجارات .. صرخات وعويل .. رعبٌ يحيط بها وهي منزوية في ركن الغرفة تصمُّ أذنيها براحتي كفيها وتدفن رأسها بين رجليها بينما يتسلل إليها أنينُ أختها ليلى التي تستنجد بها من مكانٍ بعيد ليمتزج أنينها الفضيع بأصوات صفارات الإنذار المرعبة والقوية ..

    استيقظت من نومها في هلع و أنفاسها تتسارع .. وضعت يدها على صدرها وهي تتلمس المنبه بيدها الأخرى لتوقفه عن الرنين ، حينما كان أبوها يرفع يده عن كتفها وينظر إليها باستغراب ويبادرها في هدوء: كان نومك عميقاً هذا اليوم يا أمل .. المنبه يرن منذ أكثر من نصف ساعة .. تأخرتِ على موعد عملك يا حبيبتي ..

    تنفست الصعداء وهي تبتسم ابتسامة مشرقة وقبّلت يد والدها .. قامت إلى مكتبها مباشرة وتصفحت المقال الذي كتبته ليلة البارحة وهي تدق بأسفل القلم متعامداً على سطح الطاولة وتزم ابتسامة ساخرة بين شفتيها ويرتفعُ جفناها عن نظرةٍ حائرة حين انطلقت نغمة جوالها .. فتحت الخط عن صوت أختها ليلى التي بادرتها بنبرة يغمرها الفرح: صباح الخير يا أمل .. فاتك اليوم موقف مضحك جداً لـ ولدي أحمد مع والده .

  2. #2
    الصورة الرمزية الصباح الخالدي قلم متميز
    تاريخ التسجيل : Dec 2005
    الدولة : InMyHome
    المشاركات : 5,766
    المواضيع : 83
    الردود : 5766
    المعدل اليومي : 0.86

    افتراضي

    سيدي عبدالله الخميس
    قصة رائعة ابتسمت كثيرا للنتيجة الرائعة فهن لايمكن ان يستغنين عنا كرجال
    لنسير دولاب الحياة
    بعضهن تكابر
    لكن في النهاية حلف الأبواب سيبكين
    دمت بخير ياأستاذي
    اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَما صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهيمَ. إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

  3. #3
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Nov 2004
    العمر : 48
    المشاركات : 160
    المواضيع : 62
    الردود : 160
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    الصباح

    ودمتَ بسعادة يا صديقي

    هُـــمـــــــا
    - بـ كينونتيهما و دورهما -
    يحكمان حالة التوازن في الحياة

    لا غنى لأحدهما عن الآخر

    مودتي

  4. #4
  5. #5
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Nov 2004
    العمر : 48
    المشاركات : 160
    المواضيع : 62
    الردود : 160
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    لا يهون على قلبي (زعلك) ..

    تتنازعني المشاغل والالتزامات

    ولا يشفع لي شيء عن تقصيري

    إلا أن مثلك من عذَر أيها النقي

    محبة

  6. #6
  7. #7

  8. #8
  9. #9

  10. #10
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,110
    المواضيع : 317
    الردود : 21110
    المعدل اليومي : 4.95

    افتراضي

    لا حياة للمرأة بدون الرجل ـ ولا حياة للرجل بدون المرأة والعلاقة بينهما تكاملية
    أن الرجل والمرأة لكل منهما في الأسرة المسلمة والمجتمع المسلم دوره الذي يكمل دور الآخر ،
    ووظيفته التي لا تتعارض مع وظيفة الآخر ، وقُل إن شئت إنهما شيء واحد جزآه يكمل بعضهما الآخر .
    نص لطيف وقص ظريف
    قصة قوية الفكرة موفقة الطرح
    دمت بكل خير. نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

المواضيع المتشابهه

  1. الكل من الأشياء ...
    بواسطة عبير جلال الدين في المنتدى المُعْجَمُ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 02-01-2007, 03:03 PM
  2. ستّ الكلّ
    بواسطة سعيد أبو نعسة في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 25-03-2006, 10:17 PM
  3. ستّ الكل
    بواسطة سعيد أبو نعسة في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 21-03-2006, 08:12 PM
  4. معاهدة صلح بكتبها يا ست الكل
    بواسطة د.جمال مرسي في المنتدى أَدَبُ العَامِيَّة العَرَبِيَّةِ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 23-10-2005, 01:04 AM
  5. الكل مدعو للحضور
    بواسطة عدنان أحمد البحيصي في المنتدى مُنتَدَى الشَّهِيدِ عَدْنَان البحَيصٍي
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 04-05-2005, 09:29 AM