أحدث المشاركات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 16

الموضوع: وجــــــــوه شــــــــاردة..!!

  1. #1
    الصورة الرمزية يمنى سالم قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Sep 2003
    الدولة : يـــوتـــوبيـــــــا
    العمر : 48
    المشاركات : 399
    المواضيع : 20
    الردود : 399
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي وجــــــــوه شــــــــاردة..!!


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    هذا الشارع الممتد ما بين العقبة الصغرى"الخُساف"*، وبطن الوادي السحيق"الميدان"يبدأ كل يوم نهاره بتلاوة أحلام الفقراء والمساكين..يرتل الأماني بين طرقاته غير المستوية ويسحق الواقع هامات الشاردين من رحم الوهم والشقاء والتعاسة الممزوجة بزخات فرح تقاوم تعرجات الألم.
    هذا الشارع..كلما خطوت على جبينه خطوة كلما تعثرت بدموع وضحكات، وأقع دوماً على وجوه ترسم ملامح بشرية تؤثثها أتربة المشاعر بكل أنواع التجاعيد.
    (1) إيمان
    وجه عانق السمرة حتى غلبته، رسم الهمُّ هالات فزع تحيط بعينيه، وخط الوجع أخاديد لا تنتهي..كان شارداً..يجلس على باب دكانه الصغير، يرتقب زبائن منتظرين لم يأتوا بعد..!!
    عيناه مركبٌ تائه في ملكوت الله يتفكر في حال الدنيا المتقلبة، بقلب مؤمن..وعقل لا يريد حتى أن يؤمن...!!
    (2) بكاء
    صعدت للحافلة، وجلست أمامها مباشرة، لا شيء يظهر منها سوى عينين محمرتين غارقتين في غابة رموش مبتلة...لم يفارقها الدمع.
    كانت مساحة الحديث أبلغ من الصمت...لم تنبس ببنت شفة، ولكنها فاضت بما يعتريها من ألم، بين كل دقيقة وأخرى تختلس يدها مسح أدمعها من تحت نقابها الأسود، تتنبه للحظة..تضرب بيدها باب الحافلة لتقف...وتنزل بسرعة..!!
    (3) عشق
    يسير وكأنه يخطو نحو السماء، تتأبط ذراعه كملكة انجليزية، يخترق الضوء روحه..يتسامى مع حرارة الصيف..ثم يتجمع حول عينيها...شفتيها...كل شيء حوله مليء بالحب..حتى نظرتها إليه..
    ينسيان لهيب الظهيرة، يستويان على شاطئ الصيادين "صيرة"* يجلس بجوارها محتضناً ظهرها بيده..كانت الساعة وقتها تشارف على الثانية ظهراً في صيف يوليو..!!
    (4) طفولة
    سقط على الأرض...وظل ممداً على بطنه يرقب رفاقه بصمت، وكأنه ينحني ليقف من جديد وقفةً قويةً، بمكر الأطفال وشقاوة تتطاير من عينيه كشررٍ لا يهدأ..انقض على صديقه وألقاه أرضاً...ثم صعد على ظهره منتشياً..ينغمس في ضحكة بريئة..ويصرخ مشيداً بنصره...!!
    (5) جشع
    لا أعرف كيف فقدت إحدى ساقيها، كل ما أعرفه أني كلما مررت بقربها في "السوق الطويل"*..أجدها تتوسد الأرض تمد ساقها السليمة وتلك الأخرى المفقود نصفها، والتي أكملتها بعصا خشبية قديمة، حاملة طفلة نائمة بين ذراعيها تستجدي المارّة هنا وهناك..!!
    وجهها لا يشبه الفقراء ولا المساكين...وإنما الجشعون..كلما مررت بجانبها رمقتها بصمت...ورمقتني بمقت..!!
    (6) حاجة
    يسير برفقة عصاه، يطرقها هنا وهناك..شاب في العشرينات من العمر، فقد بصره لا أعرف كيف..تراه دوماً بجانب "ريمي"* وهو يتلو آيات من القرآن الكريم..بصوت شجي رقراق..يختلط صوته بمجون الأغاني...ولكنه جاهداً يرفع صوته لتصل قراءته لمسامع المارّة هنا وهناك..لعل رحيماً يرفق به ويعطيه ما يسدّ رمقه...!!
    (7) تسول
    منذ أن بدأتُ نهاري أسير في هذا الشارع وهو يلحق بي، وأحاول الهرب منه..حينما يئست منه..توقفتُ أمام مدخل مطعم صغير وألتفت إليه وهو مازال يردد نشيده " أعطيني نقودا..أريد أن أكل" كان فتى لم يبارح الثامنة من عمره،
    - قلت له: أنت جائع.
    - نعم.
    - أدخل معي، سنتناول غذاءنا سوية
    - لا، لن أدخل
    - لماذا؟
    - لأني أريد مالا. لا أريد طعاما..سيقتلني أبي إذا لم أحضر له شيء.
    أحسست بغصة في قلبي، أعطيته ما يريد وأنا أفكر، كيف استحق هؤلاء أن يكونوا آباء..!!
    (8) جنون
    استوقفني، في البدء. ارتعبت فثيابه رثة ممزقة، وشعره متسخ وكأنه لم يعانق الماء منذ عشرين عاماً أو أكثر..استوقفني وهو يحك جسده بطريقة مريبة..فقلت له:
    - ماذا؟
    - هل رأيتِ لصا يمر من هنا؟
    - لا
    - أنتِ جميلة...هل تخونين؟؟!!
    - شكرا ..هل أذهب فضلاً..!!
    - لا...لا..انتظري..تلك الـ... خانتني..أدخلت رجال الحارة كلهم في بيتي أثناء غيابي..!!
    وشرد قليلاً...ثم صرخ..وأمسك بتلابيبي وهم بضربي...صرخت..وأنقذني المارّة..وأخذوا يلومونني لماذا توقفت لأتحدث معه..!!
    إلى اليوم ..لا أعرف السبب لماذا توقفت..!!
    (9) شقاء
    تستطيع أن تخمن من أول وهلة تنظر إليها، أنها تحمل على كتفيها ثقل سنين مرت عقيمة،
    وجهها الدائري الممتلئ الشارب من حُمرة الظهيرة، جسمها المكتظ بأرتال لحم تنوء بحمله، ترزح تحت هجير الشمس تفترش خضارها طريق المشاة.
    لمحتُ رجلاً في الثلاثين اقترب منها ، تحدثا بحدةٍ، ثم ضربها واغتصب مالها ومضى، اقتربتُ منها اسألها:"ماذا هناك..لماذا لم تستدعي الشرطة..!!" ..مسحت دموعها وعادت لتجلس حول خضارها قائلة:" إنه أخي الكبير، يريد مالاً ليشرب به الخمر..وحين رفضت حدث مثلما رأيت" وتابعت تتمتم بكلمات لا أفهمها ولكني اعتقد أنها تشتم وتسب يوماً عاثراً ساقها لتكون هي المسؤولة عن توفير لقمة العيش لرجال لم يجدوا عملاً يكفيهم مد أيديهم ليأكلوا من شقاء امرأة، إما بطالةً أو كسلاً..!!
    (10) سُخط
    مررت بقرب مقهى شهير يُدعى "مقهاية زكو"*، لم يعد في مستوى شهرته السابقة، ولكنه مازال مكتظا بالناس والسياح الأجانب، لم أجرؤ أبداً على الجلوس فيه فهذه المقاهي هي للرجال وحسب..وقفت أنتظر الحافلة لتمرّ..فاسترقت السمع لمحادثة غريبة :
    - فسدت البلد يا أخي..كم كنا مرتاحين قبل هذا التوحد المشئوم..
    - معك حق..أنظر..كثر المتسولون..وكثرت البطالة..وأبناء البلد الأصليون لم يجدوا وظائف تحتويهم، فُتح الباب لأبناء القرى..وأبناؤنا مثل النسوان في البيوت..
    - لا حول ولا قوة إلا بالله...الله يرحم زمن الإنجليز...صحيح كنا مستعمرين ولكن..كانت تكفينا رواتبنا ونحصل على أرقى المنتجات والماركات..
    - صدقت..الآن بعد ثلاثة أيام يطير الراتب..والمغالاة في الأسعار أصبحت خيالية..
    - سمعت أن كيلو السكر وصل لخمسمائة ريال..!!
    - إذن سنزيل السكر من قائمة مشترياتنا..!!
    وصلت الحافلة...وصعدت..ولم أكمل هذا الحديث..لم تكن تلك المحادثة غريبة عني..كنت أسمعها يوميا في كل مكان اذهب إليه..!!
    (11) حافلة
    سرتُ بسرعة أريد أن ألحق بالحافلة، أحرقتني شمس الهاجرة بحرارتها، كان يوم الخميس إجازة للموظفين، وهو اليوم الوحيد الذي يتزاور فيه الأقارب، إما لصلة الرحم أو لمجالس "القات" المعتادة. نادراً ما تمر بقربك امرأة في ذلك اليوم لا تفوح منها رائحة البخور والفل والكادي، استقللتُ الحافلة كانت مكتظة بالنساء إلا المقعد الأخير كان هناك رجلٌ وحيد تبدو عليه ملامح قروية لم أجد بُدا من الجلوس بجانبه وفصلت بيني وبينه امرأة في كامل زينتها وتفوح منها أجمل الروائح التي قد تُسكر، ابتسمتُ لها ويممتُ وجهي شطر النافذة كعادتي ارقب حركة البلد الرائعة..وبدأت الحافلة في التحرك، وما أن وصلنا للعقبة الكبرى "باب عدن"* إلا و تصرخ المرأة بجانبي: " يا حقير...يا سـ...." وتبدأ بضربه ضرباً مبرحا..اندهشت..ماذا هناك..!!
    نزل سائق الحافلة ومساعده وأخرجاه من الحافلة وانهالا عليه ضرباً..وتركاه هناك ومضيا..!!
    وطول الطريق وهي تشتمه وتدعو عليه، بصراحة لم اعرف ماذا حصل، سألتها فأجابتني:" وكأنه ليس لديه نساء...تعرفين... لو كان شاب من أبناء عدن لترك الحافلة حين رآها ممتلئة بالنساء...أولادنا متربون وليس مثل هذا الحقير الذي لم يكن جالساً بأدبه.. التفتُ إليه ورأيته قد أخرج..." وهمست ببقية حديثها في أذني..أحسست بالحرج، وهممت أن أقول لها إنها السبب ولكني خفتُ أن تضربني..!!
    ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
    الخُساف: هي بداية كريتر أو عدن وعدن هي العاصمة التجارية لليمن، وعاصمة اليمن الجنوبي سابقاً.
    الميدان: آخر منطقة في ذلك السوق الممتد بشكل طولي، و هو عبارة عن ساحة دائرية فيها مواقف سيارات وحافلات وبعض باعة متجولين يفترشون الأرصفة.
    صيرة: منطقة في كريتر مشهورة بقوارب الصياد و بالمطاعم الشعبية التي تقدم وجبات شعبية تُعرف بالمخبازة وهي عبارة عن سمك مشوي وخبز بالسمن البلدي، وفتة تمر وغيرها من المأكولات الشعبية.
    السوق الطويل: هو السوق الذي دارت فيه الأحداث، وهو طويل بالفعل يمتد طولا على مسافة كيلو أو أكثر.
    ريمي: مطعم صغير يقدم وجبات هندية وهو مشهور جداً هناك.
    مقهاية زكو: مقهى زكو..وهي شهيرة أيضاً..تقدم الشاي العدني وهو عبارة عن شاي حليب بجوزة الطيب.
    القات: نبات مخدر جرت العادة على مضغه في مجالس تسمى "مقيل"
    باب عدن: أو بوابة عدن هي منطقة واقعة على عقبة كبرى فيها جبلان كان يصل بينها سور حجري كبير سقط معظمه في الحروب التي تتالت على عدن..وأصبح الآن هناك بناء يمثل هذا الباب قديما على شكل نافورة بعد خروجك من العقبة.

    لَمْ أتوكأ بعد على شرف حضورك في قلبي، أنت موجود لكنك كـ ضمير الغائب، أفهمه ولا أراه، ويعرب دوماً حسب محله من حالات قلبي!

  2. #2
  3. #3
    الصورة الرمزية وفاء شوكت خضر أديبة وقاصة
    تاريخ التسجيل : May 2006
    الدولة : موطن الحزن والفقد
    المشاركات : 9,734
    المواضيع : 296
    الردود : 9734
    المعدل اليومي : 1.49

    افتراضي

    يمنى سالم ..

    أبدعت في تصوير الشارع ، ولقطات أخذت من أكثر من زاوية ، تعالج مواقف اجتماعية ، بأسلوب أدبي راق ، كتب بيراع متمرسة سامقة .
    لو كتبت كل مشهد لوحده لكان حكياية منفرة في شارع قديم كان يوما .

    أسجل إعجابي وتقدير ..
    دمت رائعة متألقة .
    //عندما تشتد المواقف الأشداء هم المستمرون//

  4. #4
    الصورة الرمزية الصباح الخالدي قلم متميز
    تاريخ التسجيل : Dec 2005
    الدولة : InMyHome
    المشاركات : 5,766
    المواضيع : 83
    الردود : 5766
    المعدل اليومي : 0.86

    افتراضي

    مجرد حضور للتأمل من جديد
    اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَما صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهيمَ. إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

  5. #5
    الصورة الرمزية سحر الليالي أديبة
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    الدولة : الحبيبة كــويت
    العمر : 38
    المشاركات : 10,147
    المواضيع : 309
    الردود : 10147
    المعدل اليومي : 1.50

    افتراضي

    مدهشة أنت يا يمنى ...!!
    بحق أسرتني حروفك هنا
    لله درك من مبدعة

    سلم ققلمك يا منى
    لك خالص حبي وودي وباقة ورد

  6. #6
    الصورة الرمزية منى محمود حسان قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    المشاركات : 1,584
    المواضيع : 163
    الردود : 1584
    المعدل اليومي : 0.24

    افتراضي

    رائع ما صورتيه اختى يمنى بالقلم لنعيشه معك كأننا نراه

    ومعايشة جميلة للواقع وأحلامه بأسلوب راقى وجميل

    تحيتى لك ودمت بكل الخير

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  7. #7
    الصورة الرمزية حسنية تدركيت أديبة
    تاريخ التسجيل : Jan 2006
    الدولة : طانطان
    المشاركات : 3,596
    المواضيع : 313
    الردود : 3596
    المعدل اليومي : 0.54

    افتراضي

    يمنى سالم اسجل اعجابي بكل حرف هنا وارجو لك مزيدا من التألق
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيhttps://www.youtube.com/watch?v=FLCSphvKzpM

  8. #8
    الصورة الرمزية يمنى سالم قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Sep 2003
    الدولة : يـــوتـــوبيـــــــا
    العمر : 48
    المشاركات : 399
    المواضيع : 20
    الردود : 399
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    غاليتي وفاء شوكت..
    بعض الأمكنة تفرض عليك عشقها بشكل أو بآخر..
    ورغم الغربة والبعد إلا أني أعشق مدينتي الصغيرة..
    وأحبها بجنون...

    مرورك مواسم ماطرة بالجمال..

    شكرا لك من القلب..

    كوني بخير

  9. #9
  10. #10
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة