أحـــلام منسيــة

ـ ــــــــــــــــــــــ أحلام منسيـــة ـــــــــــــــــــــــــ
انـزوت في الغرفة.. أخذت مكان ظلها متقوقعة على جسدها.. تسرق الحيرة سكونها... تاركة روحها تسبح في فضاء صمتها، تخاطب الغائب الحاضر فيها،، مفرِّج كُربها ومولِـع نيران الرجعة إليه..
شخصَّت المكان من حولها وهي تتحسس انطواءها،، تلهبها كلماته النائمة في خلدها،، توقظها رعشة جسدها البارد حينما يهفو حنينه إليها.. لاح طيفه أدركت بالصدفة أنه يمرّ من أمام شرفتها المطلة علـى الشارع الرئيسي للمارين عندما دوى صوت "طارق" يهز أرجاء البيت الصامت...
ـ أين أنتم.. أريد شـرب القهوة..
كان "طارق" لا يكترث لأحد، ولا يتحرك حتى لجلب كأس ماء يشربه أو ترتيب حاجياته…
وقفت في هلع يصبغها لون الزعفران بشفاه داكنة، تردد في ذاتها ((قد تخوننا الكلمات، وقد ترعبنا الأصـوات، وتبكينا الفواجع، ويبقى حنانك يسكن شغاف القلب، لأنك وببساطة روح واحدة تسكنني)).
كل مـرة تعاود اللحظة نفسها.. بداية ونهـاية لمشوار حياتها معه،، نفس المكان يأخذ شكل الذكـرى بتقاسيم وجهها الحزين،، تسـائل روحها وقد أضناها السؤال وأتعبتها المواويل الشعـرية المنكسـرة فيها.. هناك على المكتب الصغير تتربـع نساء نزار بطبوعهن وحكاية عشقه لهن،و خلـف الجدارية المنسية أحلام السلام الدرويشية "حاصر حصارك لا مفر"..
لا تزال الحجرة الضيقة مظلمة، نوافذها مغلقة ضياؤها خافت يخبو وراء ستار بني داكن، أوراق مبعثرة وأقلام رصاص بالجانب متكسرة وأحلام مؤجلة..الزغاريد تملأ الحي، والألـوان الزاهية تلون السماء النائمة، والفرح يعلو الوجوه.. والفتيات الصغـيرات مزهوات بملابسـهـن البيضاء...
ـ هل بقيت وحدي؟
كلهن تزوَّجن..هل فاتني القطار.. عانس.. عانس..
ضاقت بها الدنيا واسودت في عينيها أيامها المتتالية.. جدران البيت تطبق على أنفاسها، أخبـار صديقاتها تزيد مـن تعاستها (تزوَّجن).. كل يوم تأخذ رحلة عمر ضائع وبلهفة تهيم في زوايا البيت، يحرسها ظلها.. تهزها الكلمات.. عانس.. عانس.
إن ثمة إحساس بالانكسار والحلم فعصفت بذهنها ملامح وجهها وتجاعيد الزمن ترتسم.. آه تخرج من صدرها ألمـاً…
لي جسـد مدفون هنا ولا حاضر يحنو على أيامي المبحرة، يتوسع الجب في أعماقي وأنتظر طائراً يجثو عند شباك نافـذتي، وأبلغ الحلم ويتلاشى اليأس أمامي ثم أعود على مركب تسكنه الأمنيات وأغاني العشق،، تتركني الدروب بأغلال الفرح مقيدة وأطوي الليالي الحزينـة والأنين،، ما أخشاه أن تهوى روحـاً بأنفاس باردة…
آه لو يتوقف المطر لحظة عرسي وأغســل بمائه الوجوه النائمة وأرمي بدعوات الفرح أمامهن، فأنا أشبَـه بالصخرة تلامس الظلام.. لا شيء يوقظ دفء قلـبي أو نظرة تعاتب غفلـتي عن رؤياك فأنحـني شوقـاً وأمضي..
أحرّر نفسي من أخ سليط اللسان.. يعيرني كلما سمع بفرح في الحي..
أحرر نفسي من صراخ يقتادني كل مسـاء إلى الذاكـرة المشلولة،، يحاصرني صمتي.. لقد بقيت أشبه بالغـراب الأسـود الذي يحـوم علــى الجيف فتسخر منه الطيـور الجميلة مزهـوة تزقزق.. لحظتي أن أموت وأحيا بـين أربعة جدران تحاربني في صمت، وأعترف أمامهـا بانهزامي..
تقف.. تنظر إلى المرآة.. تمعـن النظر في وجههـا.. تستنطـق عينيها قائلة:
ـ أنت امرأة جبانة.. يهزمها العمر فتهرب من المواجهـة، قلبك مازال ينبض بالحياة يا امـرأة..
والعشق يهفو إلى روحك فيمتد نوره في صباح يوم جميـل.. وتجلسين على أجنحة العشق والشوق والوعـد…
بقلم / بنور عائشــة ( عائشة بنت المعمورة)
عضو اتحاد الكتاب الأنترنيت

السلام عليكم ورحمة الله
أختي الكريمة القاصة / عائشة
النص قد حمل بين جنباته ملمحاً إنسانياً متقداً ، بل ومتكئاً على لغة شاعرة ، جاءت ملامح الشخصية الرئيسة هنا ، تحوم حول شخصية شبه ثانوية (طارق ) ، لتتخذه منطلقاً لخلق الأزمة ، هبوب رياح الحشرجة النفسية التي تعاني منها نتيجة لمشكلة اجتماعية (العنوسة) ، لتلمس واقعاً بلغة ذاتية ، أقرب إلى لغة الخاطرة أكثر منها من لغة الحكي ، فأسهبت فيها نظراً لإخراج الشحنة المتكتلة داخلها ، دون اعتبارات الوعي ، والصنعة ، شكل القالب ، لتنزلق بنا إلى نهاية مفتوحة ، كالمحقق الصحفي الذي يعرض المشكلة ، يتركها دون تدخل أو طغيان رأي ، وهو نوع من العلاج الذي يدعى بالعلاج الهادىء .
مودتي

الفاضلة "عائشة":

أعجبني ما قرأته ...
وأعجبني كذلك العنوان "أحلام منسية" فهو رائع

سلمت ودمت بود
لك ألف باقة ورد

وفل

عائشة...

توتر جدلي ملحوظ بين الذات وذاتها..وبين الواقع والخيال ايضا..فمن خلال بعض التخيلات التي تلازم رحلة الانسان استطعتِ ان تخرجي بهذا النص من دائرة الشخصنة الى دائرة اوسع واعم..الا وهي دائرة الاشكال..والمرأة في تخيلاتها هذه انما تستمد خوفها وفزعها من نظرة الاجتماع اليها قبل نظرة اخيها..فاخوها ليس الا فرد يمكن تجاهل شكواه وطعناته..لكن الاجتماع المتمثل في قول اخيها هو ما يجعل من الاشكال هذا امرا يحتاج منا ومنها الى وقفة اخرى وقفة تعيد الامور الى نصابها اذا صح القول.
لقد ابدعت بلاشك في رسم الصورة الداخلية لذات المرأة وهي تمر بهذا الاشكال..ولقد اصبتِ بلا شك في نقل ما قد يخالج نفس اية امرأة قد تقع في نفس الحال..ولايمكن تجاهل الحوار الداخلي هذا على كونه مجرد حوار..لا بل هو في الاساس اسس يمكن الانطلاق منه الى افاق ابعد..لانه يكشف بلا روتوش وبصورة مباشرة ما قد تعانية المراة جراء الوقع في الياس من نفسها..ومن ثم محيطها..ان رؤية الاخرين بدأ من اخواتها ومن ثم صديقاتها وجاراتها ووو..وهن يتزوجن ويذهبن ويخرجن مع رجالهن..امر يستدعي انتباه الذات الاخرى التي تتطلع لذلك لكنها لاتجد من يضمها ويواري رغبتها.. وعند التمادي برؤية وتكرار هذه الصور قد يولد في النفس الاخرى امور لايحسب عواقبها..فالكآبة والياس امران عاديان جدا..لكن تركم الرغبات التي تولد جراء التفكير والرؤية المستمرة يخلق حالة اخرى..وهذه الحالة قد تخرج عن المألوف العادي..فتصبح آفة اجتماعية.
ومن ثم لننظر الى النفس التي اصيبت ببعض الياس وهي نفس تتطلع ومن تتمنى..أ ليس من الامكان ان يؤدي هذا التطلع والتمني الى سلك طرق قد لاتتماشى مع العرف..ومن ثم ماذا يكون المصير..؟

ان الاشكال..لايعد في كوننا نطرح موضوعا حساسا انما الاشكال يكمن في كوننا لحد نطرحه ولانبحث عن اسباب ولادته ولا سبل الخروج منه.
ارنك تضعين النقاط فوق الحروف هنا بحرفية
اهنئك عليها

محبتي لك
جوتيار

أهلا ..أهلا ..
أعتـــز بوقفتكم عند " أحلام منسية " شاكرة لكم التواصل و الثقة المتبادلة ...
بالفعل أمور كثيرة تجري في المجتمع ..مسكوت عنها وتشريحها يضفي الكثير من أخذ العبر وكيفية التعامل مع وضعيات اجتماعية تزلزل كيان الأسرة وبهفوات قد تبدو بسيطة لكن خطورتها بركان يحرق كل شيء ؟


ــ أعتز مرة أخرى وشاكرة لوقفتكم واهتمامكم ..
دمتم لنا نورا و للواحة

الكاتبة / عائشة بنـــور

نص قصصي مميز يرصد ظاهرة اجتماعية ويدعو للتحرر من قيودها النفسية لأن الحياة لا تتوقف عند موقف ما أو حالة ما.

هو نص موفق أحييك عليه.

أهلا ومرحبا بك دوما في أفياء واحة الخير.



تحياتي

تحية تقدير واكبـار ............


وأخيرا عدت إلى الواحة بعد غياب طويل ..عدت إلى الواحة وظلالها وكم اشتقت للأحبة فيها ولكم جميعـا مني هذه الباقـــة لصمودكـم .


شكـرا أستاذي لمرورك الكريم ودمت رمزا للعطاء .


الروائية بنور عائشة ـ عائشة بنت المعمورة ـ

رسمت الاحلام المنسية بريشة فنان
لغة انسابت كالموسيقى الحزينة
طرح عميق لإحدى مشاكل المجتمع بأسلوب سلس
اسجل اعجابي
مودتي وتقديري

قص موفق بسرده ومعالجته للفكرة بعرض متقن للصراع الذي تخوضه البطلة بعد وقوعها بين براثن واقع معاق لوقوفها عند تفاصيل كانت من الإعاقة وقوفها عندها

دمت بخير

تحاياي

قصة هادفة ومكتوبة بأسلوب مشوق
أمتعتني قراءتها

شكرا لك أختي

بوركت