من وحي الهجرة
أمن شذ ا يثربٍ هبَّت ؟ فثــار دمي
تلك النُّسيمات أحيت ميِّت الهممِ
أم أيقظ الشوقُ ذكرى مـن أحب أنا ؟
وهيَّجَ الوجدُ روح العاشق الوجِم
ما لي أرى الدَّمع مـن قيد العيون همى ؟
من حُرقة الرُّوح أم من جذوة الألمِ ؟
لو غاب عــن خافقٍ ولهــان طيفهم
لأصبح القلب كالمعتل مـن سقمِ
حبُّ النسـوغِ لِعطر الأرض إن وجمت
وشـوقُ طفلٍ لضرع الأم إن تَصُمِ
لو أن مــــن جنبات الروض آنسني
بعض الأريج وأنســام مع الدِّيم
لكنت أهديت روحي مـــا تتوق له
لتنتشي من كؤوس العشق والِحكم
من يثرب الخير يجني الشهد مبتهجــاً
عسى تُداوى جروح الدامع الكَلِمِ
يعيش كالطير لا تُضنيه نائبـــــة
والروح تهتف فوق البيت والحرم
واحرَّ قلباه يـا طــــه إذا هرعت
قوافل الخير نحـــو الأجر والنِّعم
يفرُّ مــن أضلعي كالطير من قفصٍ
كالصَّقر يَهبطُ للظبيات مـن قمم
قلبي المشوق الذي تبكيــه نائحــةٌ
أو شدو تائهــةٍ في غيهبِ الظُّلَمِ
ما اسطاع يخفي تباريح الهوى أبـــداً
من كابَد الحب مـا ظني بِمنفَطم
أتيـت حررتنــا مــن رقِّ أنفسنا
ومن شريعة أهل الغـاب والصَّنم
نامــي حمائمنا وابـنِ العشوش فلن
ترقى إليك يَــدٌ في الأشهرِ الحُرُم
وزغردي يا شجيراتٌ بأرضِ مــنى
فالغيثُ آتيكِ بالأسحارِ والظُّلَـمِ
حفَّتك رحمــــة هادينا بِطلعتها
وإن دعاكِ فَلبي واصل الرَّحــمِ
يا مالىء الأرض عدلاً والقفار نــدىً
ومنقِذَ الناس مـن أسياط مُحتكم
يا ناشر الحُــبِّ صُغتَ الحبَّ مُتَّئداً
فَأيقظ الصِّدقُ أهل الكأسِ والنَّغمِ
وحنَّ حين فارفتــه جذعٌ بذي سلمٍ
قليتني الجذع ألقى روعـة الَكِلمِ
وليتني الماء يجري مـن أصابعــه
وألثم الطُّهر مــن مستودع الكرمِ
طوبى لعينٍ رأت أو أصبعــاً لمست
طوبى لغارِ حرا والترب مـن إضَمِ
ما أجمل العيش في أكناف صحبتـكم
أفيقي يا نفسُ يا قلبَ الوجيعِ هِمِ
أعجزت بالقول – لما قلت - أبلغنا
بمنهج الوحي لا بالسِّفر والقلـم
حتى غدونا تهـــاب الروم موكبنا
والفرس خوَّفهـا ربعيُّ
فابشري يـا روابي السِّند وابتهجي
آتيك أفضلُ مــن يمشي على قَدَمِ
آتيك نــور الهدى بالراكبين على
سُرج الخيول بناة الفكــر والقيم
صدَّقت يــا أيها الصديق أصدقنا
فصرت كالبدر نوراً في ذرا الأكم
وصـار صـوتُ أبي حفصٍ تردِّده
الراسيـات
وصار عثمان ذو النورين مـن ورعٍ
يُصغي لتسبيح حبِّ التَّمر والطَّلَمِ
وذا علي بعون الله نخَّ لـــــه
في خيبرَ البـــابَ نّخَّ العيرِ لِلُّجَمِ
كـــذا بلال بجنات العلا سُمعت
أصوات مشيته مـن أصدق الأمم
بُشِّرتَ في جنَّةٍ أنهـــارها عسلٌ
أخلصتَ للطُّهر فارقَ اليومَ وابتَسِمِ
هذا هو الحب يا قيس أتعرفــه ؟
كما عرفنـاه أم ما زلتَ في صمم ؟
محمــد كان في الدُّنيا الضياء لنا
وهو الشَّفيع لنـا في الموقف العمم