الأثنين : 31/12/2007 05:45 م
جلست على تل قريب ، تأملت امتداد السماء فتنهدت ، كان الجو معتدلا ، فآنسني دفء الشمس وهي تلوح من خلف الأفق ، كما آنسني صوت الطيور البرية وتحليقها بحركة انسيابية جميلة . قطفت زهرة من أزهار النوير الصفراء ورميتها عاليا ، ثم عادت إلى الأرض ، مهما حلقت عاليا ستعود إلى حضن أمها الرؤوم ، لا تقوى فراقها بعد أن تغذت على رحيقها الحلو . وما بالنا نحن حين نود التحليق عاليا ، نظن أننا بلغنا قمة المجد في حين أننا نعود .. نعود.. إلى طبيعتنا الفطرية التي فطرنا الله عليها ، فنبكي ونضحك وتقابلنا الحياة بالمتقابلات كما كانت تفعل من قبل ، إنها الحياة كما هي في قوانينها مهما بلغنا .
***
معنى رائع داعبني ذات يوم تحت مصب الماء الدافئ عندما كنت آخذ دشا ، أحسست برغبة في أن أعيش حياتي كما هي ، وأن أجعل مركب أحلامي يسير وسط أمواجها دون مقاومة ، دون عنف ، الحياة ربما لا تريدنا أن نلح مرارا وأن نكرر على وتيرة مملة : سأحقق كل أحلامي ! الأحلام ليست هي كل شيء ، اليوم أعلنها : الأحلام التي نتمناها ليست كل شيء ، ولا هي الوجود الأروع ، ولا هي السعادة التي ستحملنا على جناحها بحبور وبهجة المنتصر . أحلامنا باتت تقيدنا حين لا نراها قريبة ، وحين يزداد الضباب في الطريق إليها كلما ظننا أننا على وشك الوصول إليها . لم أجبر نفسي على أن تكون هي أروع ما يمكن أن أصل إليه ؟! في حين أن ثمة أمر عظيم هو الوجود الأجمل ، هو الوجود الحقيقي لكل إنسان ، أتعرفون ما هو ؟
دعوني أهذر قليلا قبل أن أصرح به..
هل يمكنني أن أعيش الحياة كما هي ؟! ماذا يمكن أن يكون الجواب ؟! بالطبع يمكنني ذلك .
الحياة منعطفات ومواقف ومحطات وتجارب ورحلات متعددة الاتجاهات ، الحياة خليط من كل شيء ، الحياة تبدو مغامرة ، أو هي ميدان للبحث أو للتحري أو الاكتشاف ، الحياة كبيرة واسعة الأبعاد ، ممتدة الأفق ، عندما نقف لنتأمل معناها تذهب بنا الأفكار هنا وهناك .
الحياة بهذا المزيج ، وحين أقرر أن أحياها كما هي ، ستحملني على أن أجرب الكثير من المعاني والمشاعر وأن أعتنق الكثير من الاعتقادات والأفكار ، الحياة باختصار – وكما قالوا – مدرسة ، فلم لا تكون حياتي مدرسة ؟ لم لا أحيا عمري كما هو ؟ كما له أن يمضي ؟ لم أفترض أنه يجب أن يكون بالصورة التي أرسمها في ذهني الوردي ؟!
إذا سأكون بلا طموح ؟! لا .. سأحلم ، سأرسم مستقبلي ، وسأعيش حياتي كما هي كذلك . ليست معادلة صعبة ، ولكن هل بإمكانني أن أفعلها ؟!
كنت قد قررت قبل فترة أن أطلق اسما على يومياتي لعام 2008 هو : يمكنني أن أكون ، كنت منشية ، وفي داخلي بركان من التحدي ، إلا أن الهمة فترت حين رأيت أن الحياة ، حياة أي شخص ، لا بد أن تمضي كما هي .
ماذا يعني أن أحيا حياتي كما هي ؟
الحياة كما هي أن أدعها تسير وتدور دورتها وأنا معها مؤمنة بمسارها ، فإن انحادت عن مساري الذي خططت له ، ولم تكن لي يد في ذلك ، ولا بي قوة على تغييره أو تعديله ؛ استسلمت ، نعم أستسلم ، وأتقبل الوضع كما هو ، فهي حياتي قد خططت أن يكون مساري من هنا ، ولا بد أن يكون من هنا ، ستمضي الحياة كما تريد ، وهكذا سأحيا حياتي كما تريد هي من غير مقاومة ، من غير احتجاج ، من غير تصلب ، من غير انهيار .
الحياة كما هي قاعدة مريحة جدا ، وروعتها تختبئ وراء رسالة الحياة العظيمة ، ما هي رسالتي في الحياة ؟! إنها في قوله تعالى : " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " والعبادة مجالها كبير ، فهي في أداء الفرائض وإتقانها ، وفي التقوى ، وحسن الخلق ، وفي تحقيق معاني الصبر والعدل والوفاء والتسامح... إلخ إلخ ، وكيف سنعيش هذه المعاني إن لم نستسلم لقاعدة " الحياة كما هي " ؟! إذا داهمتنا المفاجآت غير السارة فهل سنصبر ؟ إذا ما تبددت الأحلام في لحظة هل سننهار ونفقد معاني الأمل بالله ؟ إذا خاننا أقرب الناس إلينا هل سنجزع وننتقم حتى نظلم ؟!
ليس الأمر هكذا فقط ، بل هل سنستحضر رسالة وجودنا حين نطبق هذه المعاني ؟ هل أؤمن لحظة الألم أن صبري عليه مثلا هو تطبيق لقاعدة الحياة كما هي ؟ هل سأستمر بصلة رحمي حين أقابل بالأذى ، فأستحضر حينها رسالة وجودي في الحياة ؟! هل أتوقف عن حقدي وكراهيتي لشخص ما حين أستحضر رسالة وجودي في الحياة ؟
الحياة كما هي عملية استحضار لرسالة وجودي في الحياة في كل لحظة ، وليس في مواقف الألم وحسب ، بل حتى حينما أستمتع بالنعم والخيرات من حولي فأحمد الله تعالى .
الحياة كما هي تعني ألا أعيش في حدود مطالبي الدنيا ، بل وفق مطلبي الكبيييير فيها ألا وهي رسالتي في نيل رضا الله سبحانه ومحبته ، الحياة كما هي أن أفعّـل معنى رسالة وجودي في كل مواقف حياتي ، في كل لحظاتي ، في كل نواياي وسلوكياتي وأفعالي وأقوالي ، في كل قراراتي وأهدافي.. في أوقات سعادتي وحزني .
فماذا تعني الأحلام التي نعكف على رسمها بخيالنا وعلى أوراقنا في ظل رسالة وجودي في الحياة ؟
أهلا بها.. ولكنها ليست هي الوجود الأعظم ، بل هي ما أظن أنها الوسيلة الأروع لأعيش رسالتي في الحياة بكل أبعادها ، والطريق إليها في ظل رسالتي هو ما سيتيح لي أعظم وجود .
***