أحدث المشاركات

مصير الكوكب على متن الشراع الشمسي» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة فى بحث تجربة ميلغرام: التجربة التي صدمت العالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» وذُلّت الأعناق مقتطف من رواية قنابل الثقوب السوداء...» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح »»»»» الفصل الثاني من رواية وتستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الأم الجريحة» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» و تستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الفصل الأول من الرواية بقلم بوشعيب» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة في بحث أمور قد لا تعرفها عن مستعمرة "إيلون موسك" المستقبلية» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» نعم القائد» بقلم عطية حسين » آخر مشاركة: احمد المعطي »»»»» قراءة في مقال يأجوج و مأجوج ... و حرب العوالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» الطفل المشاكس بقلمي» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» @ تَعَاويــذ فراشَــةٍ عَاشِقـَـة @» بقلم دوريس سمعان » آخر مشاركة: دوريس سمعان »»»»»

النتائج 1 إلى 9 من 9

الموضوع: المتحف الوطني

  1. #1
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : May 2009
    العمر : 53
    المشاركات : 57
    المواضيع : 8
    الردود : 57
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي المتحف الوطني


    المتحف الوطني

    وائل راشد

    لم يستطعْ أبو العبد في تلكَ الليلةِ عندما وضعَ رأسهُ على وسادتهِ، مهيئاً نفسهُ لنومٍ باتَ صعباً. أن ينسى منظرَ رئيسِ البلديةِ المحاط بجيشٍ من الزبالين وسريةٍ لحفظ النظام، وهو يومئ لسائق "البلدوزر" بأن يهوي بتلكَ الكتلةِ الفولاذيةِ الهائلةِ على عربتهِ المتنقلة، التي كان يبيعُ عليها الخضراوات. متجاهلاً توسلاتهِ التي بدتْ مستحيلةَ الاستجابة.
    في غضونِ دقائق، حلَّ الدمار بما لا يقلُ عن عشرين عربة، وأكثرَ مِنْ أربعين "بسطة" كانت قبل دقائق تملأ المكان بالحيوية والحركة. فهذا السوق يرتادهُ الأغنياءُ قبل الفقراء. أما الآن، وبأمرٍ من رئيسِ البلديةِ، أصبحَ كأنهُ خارجٌ من غارةٍ جوية.
    لم تستطعْ خديجة أن تمنعَ عينيهِ المتعبتينِ الخائفتينِ الهرمتين، من أن تفيضا بدموعِ الخوف والقهر والهزيمة. فأبو العبد الذي شاركَ بأكثر من تسعين معركة في الحرب لم يُهزم بواحدة منها، خسرَ الآن أهم معركة في حياته. لقد أصبحَ عاطلاً عن العمل بعد أن راحتْ " الحيلة والفتيلة".
    - يا أم العبد لم يستجبْ لتوسلاتي. لأول مرة في حياتي أستجدي أحداً. قلتُ له: "أرجوك يا سيدي عندي سبعة أولاد لامعيلَ لهم من بعد الله سوى هذه العربة".. تجاهلني يا خديجة، تجاهلني وكأنني حشرة. قولي لي يا خديجة من أين سأطعمُ الأولاد؟. كيف سنعيش بعد أن قطعوا رزقي؟.
    قالت له خديجة محاولةً تهدئته: "وكّل الله يا رجل. بيفرجها الله يا أبو العبد. بتعرف أنو في كل سنة عند افتتاح المهرجان بيصير نفس الموال بعدين بترجع الأحوال مثل ما كانت".
    - لكنهم حطموا العربة يا خديجة. في كل مرة كان رجال البلدية يشفقون لحالي، أما هذه المرة فهم مصّرون على إزالةِ السوق. لقد وقفَ رئيسُ البلدية على كومةِ الخراب التي أحدثها البلدوزر، مخاطباً الجموع البائسة كما لو أنه بطل قام بأهم عمل بطولي في التاريخ: (حفاظاً على الوجه الجمالي لمدينتنا، وبما أن المهرجان الدولي سيقام في هذه المدينة ذات التاريخ العريق، والتي سيأتي إليها السياح من كل أنحاء العالم. سنزيل هذا السوق القديم حتى لا ينتقد أحد هذا المظهر غير اللائق بمدينة تاريخية. وسنقيم مكانه متحفا عظيماً، ليعلمَ العالمُ أجمعْ أننا بناة الحضارة والتاريخ الذي يتغنون به اليوم. قاطعت خديجة زوجها وهو يردد كلمات رئيس البلدية.
    - ماذا يعني متحف وطني يا أبو العبد؟.
    - مكان يضعون فيه آثار الأجداد الذين ماتوا منذ آلاف السنين، فيه أوراق متهرئة، أوان فخارية، مصنوعات زجاجية، وقطع صدئة من النقود القديمة.
    - قالت خديجة والدهشة بادية عليها: "من أجل كومة من الفخار نموتُ جوعا ً"؟.
    أبو العبد البالغ من العمر خمسين عاماً كان رجلاً من رجالات المقاومة الباسلة، قاتل بكل عزم ونجا من الموت عشرات المرات. كان شاهداً على العديد من الانتصارات والخيانات وانقسام الصف، وفي عملية شبه انتحارية، َفقَدَ أبو العبد "من تهتزُ لهُ قلوب الرجال" إحدى ساقيه، وأصيبَ بعدد كبير من الشظايا ، في مواضع مختلفةٍ من جسده، لم يستطعْ الأطباء إخراجها، فظّلتْ كأنها قنبلةً موقوتة. وكل ما استطاع أن يحصل عليه مقابل سجله الثوري المّشرف لسنواتٍ طويلة. "ساقٌ بلاستيكية" من صنع ألمانيا، لتساعد هذا الفدائي الذي تقاعد عن حمل السلاح، وصُرفَ له مبلغ من المال، ساعده على الزواج من خديجة ابنة عمه التي أحبها حباً لا يوصف منذ مراهقته. وبادلته ذاك الحب بحب أكبر وأسمى. فهي لم تتركه بعد تعرضه لهذا الحادث، وتزوجت منه دون تردد حتى لو كان بلا ساقين.
    اليوم يضع أبو العبد رأسه على وسادتهِ جاهشاً بالبكاء كطفل صغير. وأصابع أم العبد تمسح الدموع التي تراها للمرة الأولى، مما دفعها للبكاء بشدة شاعرةً أن أبا العبد يعاني الآن أمراً أكبر بكثير من فقدان ساقه، فالأفواه السبعة في خطر.
    في الآونة الأخيرة كان يعود إلى بيته متعبا مطرق الرأس، متجهم الوجه لشعوره أن رجولته أُنتقصت. فالرجل بمفهومه" من يخطف اللقمة من فم السبع".
    بعد سلسلة من اللف والدوران، والنبش في دفاتره القديمة، عاد إلى بيته مساءً يغمره السرور
    - يا أم العبد الحمد لله فرجت. اندفعت أم العبد لدى رؤية التبدل في حال زوجها.
    سألته : هل وجدت عملاً؟.
    أبو العبد: الحمد لله انفرجت وسأباشر العمل غداً. أخيراً سنخلص الأولاد من أكل شوربة العدس.
    خديجة: ما هو العمل؟.
    أبو العبد: سأعمل ناطوراً ليلياً، هذا ما قاله صديقي المهندس خالد.
    - ماذا قلت ؟ ناطور ليلي ؟ هل تستطيع القيام بأعمال الناطور والسهر طوال الليل؟.
    أجابها أبو العبد: كيف لا ؟ لقد مرت علي أيام "أمر من الحنظل" وأنا في الجبهة. المهم يا خديجة أني سأعمل. سأذهب غداً لأ ستلم عملي الجديد.
    في صبيحة اليوم التالي أبلغه المهندس أنه سيعمل ناطوراً في المتحف الوطني الجديد، الذي سيشيد على أرض السوق القديم. في تلك اللحظة تذكر أبو العبد كلمات رئيس البلدية: "سيزال السوق القديم حتى لا يسخر السياح من هذا المنظر العشوائي لمدينتنا التاريخية". وعندها راح يقارن بين أمرين:
    الأول: هو أن منظر السوق كما قال رئيس البلدية غير حضاري، ومؤذ لأنظار السياح الأجانب. والثاني: الجوع ، الفقر والدمار الذي حل بالعائلات التي تضررت من إقامة المتحف.
    هل إزالة السوق وإلحاق الأذى بالعائلات المستورة وجعلها تنظم إلى قافلة الفقراء هي مسألة حضارية؟.
    أيهما أكثر حضارة، الموت جوعاً، أم بناء متحف للتغني بحضارة ربما يكون الغرب قد سرقها منا. لكنه تذكر الأفواه السبعة والزوجة المخلصة الصامتة فاستسلم ليد المهندس وهو يقوده إلى عمله الجديد.
    راحت الآليات تجتث جذور السوق القديم، وبدأت حركة الإعمار لهذا المتحف الذي سيخلد تاريخنا.
    كانت الليالي تمر على أبي العبد وهو متيقظ بكليته. لم يكن يغمض له جفن، حتى أصبحت عيناه كقطعة جمر حمراء لاهبة، وجسده ناحلاً كقلم رصاص.
    شهد نشأة هذا البناء الضخم. كان رائعاً بكل المقاييس. صممه أبرع المهندسين على هيئة قصر من العصر الأندلسي، كَّسوا جدرانه بالحجارة البازلتية السوداء، وأكثروا من القناطر الإسلامية والأعمدة، ليشعر كل الزائرين بأن هذا المتحف الذي يضم بداخله تاريخاً مجيداً، هو قطعة أثرية بحد ذاتها.
    عامٌ مضى وأبو العبد يحرس هذا البناء، تفانى في الحفاظ على موجوداته من الإسمنت ، الحديد ومواد البناء، فالعمل هوإخلاص بالدرجة الأولى.
    الأسبوع الأخير قبل الافتتاح المرتقب ، شارك أبو العبد في حراسة القطع الأثرية ثلاثة من رجال الأمن، وفي الليلة التي سبقت الافتتاح الكبير، شعر أبو العبد بتعبٍ مفاجئ، وأحسَ بأن الشظايا التي تركها الأطباء في أحشائه عاجزين عن إخراجها خوفاً على حياته، بدأت تقطع شيئاً ما بداخله، وبوجود رجال الأمن لا ضرر من مغادرته الحراسة، والذهاب إلى البيت ليرتاح قليلاً من هذا الألم الذي أصابه.
    لأول مرة منذ عام يعود أبو العبد إلى بيته ليلاً. لدى وصوله البيت أحست خديجة، عندما بدأ جفن عينها اليسرى يرتعش دونما تفسير، بأن خطبا ما ألمَ بزوجها. بسرعة ساعدته في خلع ملابسه، ألبسته ( البيجاما ) ثم فكت ساقه البلاستيكية بعد أن طلب منها ذلك،و سارعت لإعداد طعام العشاء. وما إن عادت إلى الغرفة حتى وجدت جثة مصفرة ملقاة على الأرض دون حراك. في تلك اللحظة أطلقت خديجة للسانها العنان، لتبكي زوجها الذي غادرها في حيرة ومصير مجهول لأولاده السبعة.
    في صبيحة اليوم التالي اجتمعت النسوة في بيت أبي العبد لمواساة خديجة، وبينما يقطع محافظ المدينة التاريخية بمقصه المذهب الشريط الأحمر للمتحف الذي يحوي فخار الأجداد وزجاجهم المكسر وقطعهم النقدية الصدئة، كانت جنازة متواضعة في الحي الفقير لرجل قدم لشعبه أحلى أيام شبابه وقدم للمتحف الوطني آخر أيامه.

  2. #2
    الصورة الرمزية ابراهيم السكوري أديب
    تاريخ التسجيل : May 2008
    الدولة : المغرب
    العمر : 43
    المشاركات : 350
    المواضيع : 25
    الردود : 350
    المعدل اليومي : 0.06

    افتراضي

    سلام الله عليك يا وائل ..
    امتعتني بإداعك الجميل و أحزنتني في الآن ذاته ..
    قصة محكمة الشكل و المضمون ، مزج جميل بين السرد و الوصف و الحوار..بناء رائع لأحداث النص..
    هؤلاء الفقراء لا أحد يبالي بحالهم فالأهم السياح و الشركات الكبيرة ..لا يريدون من العالم إلا المستهلكين لما ينتجون و يبيعون .. اما تارخك في المقاومة و الدفاع عن الوطن ... فلا قيمة له في البورصة ..
    أحيانا أتساءل هل أصاب أجدادنا في مقاومة المستعمر أم أن الأحسن لولم يفعلوا و بقي المستعمر و نعرفه مستعمرا عدوا دون زيف ؟؟؟؟
    دام إبداعك متألق ..
    ملاحظة : لاحظت أنك تشير أحيانا إلى تفاصيل يمكن الاستغناء عنها لأنها تفهم من سياr الأحداث و رهان القصة ،ثم حتى لا نقدم للقارئ كل شيء ....
    أرجو ألا أكون قد جانبت الصواب

    تحياتي
    دع الأقــدار تـفـعـــل مــا تــشــاء
    وطــب نفســا إذا حكــم القضــاء

  3. #3
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : May 2009
    العمر : 53
    المشاركات : 57
    المواضيع : 8
    الردود : 57
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    الأستاذ ابراهيم السكوري:
    ممتن لمرورك على متصفحي وممتن لجميل مشاعرك.
    أصبت أستاذي فأنا أغرقت في توضيح بعض المفارقات والمشاهد
    لك الود كله
    دمت بخير
    وائل راشد

  4. #4
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : May 2009
    العمر : 55
    المشاركات : 61
    المواضيع : 11
    الردود : 61
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    ا
    لمبدع وائل راشد :
    الجندي المجهول ،هو الذي يدفع الضريبة..لانه يعمل بصمت ويموت بصمت
    دمت مبدعا

  5. #5
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : May 2009
    العمر : 53
    المشاركات : 57
    المواضيع : 8
    الردود : 57
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    الأستاذ سمير شكرا لمرورك العطر
    دمت بخير

  6. #6

  7. #7
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : May 2009
    العمر : 53
    المشاركات : 57
    المواضيع : 8
    الردود : 57
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    الأستاذ مصطفى السنجاري:
    مرورك على قصتي زادها شرفا واشراقا
    دمت بخيراستاذي

  8. #8
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.74

    افتراضي

    أوطان تتعامل مع أهلها كأرقام، وتقزم الناس لصور بلا مشاعر
    وقصة جميلة بموضوعة إنسانية ذات بعد اجتماعي وحبكة استرجاعية زادت النص تشويقا وتأثيرا

    دمت بخير أيها الكريم

    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  9. #9
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,063
    المواضيع : 312
    الردود : 21063
    المعدل اليومي : 4.96

    افتراضي

    بلغة ساحرة وسرد شيق محبك متدفق جعلتنا ننساب مع أحداث
    تلك القصة الإنسانية لنعيش مع أبي العبد مأساة حياته ونتألم معه
    ونحزن على وفاته، في نص له قيمة فكرية وأدبية.
    أحييك على هذا العمل المميز.

المواضيع المتشابهه

  1. رثاء المتحف الإسلامي
    بواسطة صبري الصبري في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 07-03-2014, 11:04 PM
  2. المتحف في معنى السبعة أحرف
    بواسطة عدنان أحمد البحيصي في المنتدى مُنتَدَى الشَّهِيدِ عَدْنَان البحَيصٍي
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 13-03-2006, 02:41 PM
  3. المتحف في معنى السبعة أحرف
    بواسطة عدنان أحمد البحيصي في المنتدى مُنتَدَى الشَّهِيدِ عَدْنَان البحَيصٍي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 06-03-2006, 02:40 PM
  4. نشيد الطغاة-النشيد الوطني لحكام العرب
    بواسطة فارس عودة في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 24-11-2003, 04:32 PM
  5. منتخبنا الوطني .... وصاحب شهـــار !!!
    بواسطة جمال حمدان في المنتدى الأَدَبُ السَّاخِرُ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 21-05-2003, 08:43 AM