بإشراقة شهر محرم .. تطل علينا شذرات الهجرة المحمدية ..
وشذى عطر السيرة النبوية .. إشراقة نتلمس من
خلالها معالم الطريق .. وتعكس النور
على واقعنا المرير .. فتتبدد الكآبة .. وتنقشع الهموم ..
وتتلاشى الآلام .. فتهدأ النفوس .. وتطمئن القلوب ..
هجرة في طياتها مخزون من الدروس والوقائع والأحداث
التي لا تنضب .. لا أجيد سرد الأحداث ..
ولا يمكنني في هذه العجالة أن أتحدث عن أسباب الهجرة ..
ومقدماتها ومراحلها .. وعن عبرها وعظاتها ..
الحديث عنها يحتاج إلى مئات المقالات .. الكل يفهمها وعلى
دراية بها .. ولا خير فينا إن لم نعلمها ..
ما أريد الحديث عنه يكمن في عبقرية محمد
صلى الله عليه وسلم في تأسيس الوطن وهويته ..
وهذا ما كان .. بعدما زرع الرسول صلى الله عليه وسلم العقيدة في نفوس أصحابه ..
فحب الوطن شعور غريزي في جوف الضمير الإنساني ..
فالإيمان هو الذي يخلق في النفس البشرية قيمة الوطن ..
فلم تكن الهجرة جبنا ولا انهزاما ولا ارتجالا ..
وإنما كانت من أجل الدين والبحث عن موطن يكون واحة أمن وأمان ..
وما تطلبته العقيدة من موطن تتجسد من خلاله ..
مثلها الوطنية بحاجة ماسة إلى إيمان يكون تربتها الخاصة ..
علاقة متلازمة بين العقيدة والوطن .. فكانت البركة عنوانا للبلد ..
حدث عظيم انشغل النبي عليه الصلاة والسلام به منذ أن بزغت شمس النبوة ..
عبقرية أدهشت الغرب بصنائعها .. حتى أصبحت الهجرة درسا
لمن يريد أن يبني مجتمعا قويا شامخا ..
درسا لمن يريد أن يستأصل الأدران التي تلوثت المجتمعات بأوبائها ..
حقا .. لقد أثبت التاريخ ذوبان الجاهلية أمام هذه العبقرية الفذة ..
ولن يأبى التاريخ أن يعيد نفسه إذا غيرنا ما بأنفسنا ..
وحتى نسير على بصيرة من أمرنا لا بد من وقفة حساب للماضي ..
ومراجعة لتصحيح المسار .. وعودة صادقة إلى الله تعالى ..
وقفة محاسبة ومراجعة مع أنفسنا وواقعنا ..
لأن الذكريات في تاريخ الإسلام محطات مضيئة يستلهم
منها المسلم أسباب القوة .. ويقتبس من نورها ما يضيء طريق المستقبل ..
إننا حقاً محتاجون إلى مراجعة شاملة نتقصى فيها تقصيرنا في ديننا ودنيانا ..
نعم .. لابد لنا ونحن نودع عاماً هجرياً مثقلاً
بالمآسي والأحداث مليئاً بالآلام .. ونستقبل عاماً هجرياً جديداً
من وقفة جادة نترجم فيها معاني
الهجرة العظيمة إلى خطة عمل بناء تشمل كل جوانب وطننا الغالي ..
إنني أوجه نصحي إلى نفسي المقصرة أولا .. وإلى كافة المسلمين
بأن نتقي الله في عملنا ونتذكر المصير الخطير الذي ننتهي إليه ..
قال تعالى : ((وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ
مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ )) البقرة: 281
وتجلية لهذه النصيحة أوصي بالأمور التالية :ـ
العودة إلى كتاب الله وسنة رسوله والعمل بمقتضاها ..
واتباع شرع الله في شؤون حياتنا .. كي نسعد في الدارين .
القضاء على الفراغ الروحي الذي يعاني منه الشباب مما انعكس على سلوكهم
تمرداً وتشرداً وضياعاً وشذوذاً ..
العمل على تطهير المجتمع من كل ما يتنافى مع الفضيلة والقيم والأخلاق
الإسلامية النبيلة والعادات والتقاليد العريقة ..
ترسيخ أصول الود والمحبة والرحمة والتسامح في القلوب ..
وهذا أدعى إلى قيام البنيان الواحد المتكامل الذي يشد بعضه بعضا ..
الأخذ بأسباب العزة والتخلي عن روح اليأس ..
والتأسي بصاحب الهجرة عليه أفضل الصلاة والسلام ..
فإن هجرته لم تكن إلا حركة تغيير قادت الأمة من الضعف إلى
القوة ومن الهوان إلى العز ومن الضيق إلى السعة ..
وكل عام وإماراتنا بألف خير