منذ ان بدأت عملها فى المدرسة تطاردها الحكايات وتحاول ان تتفاداها .تأتى الى المدرسة فى الثامنة ،تخرج الات الموسيقى ،قبيل تحية العلم تتراقص اصابعها على "الأورج " يصاحبها عزف طلابى طلابى أتقنت تدريبهم عليه سريعا فتمتلئ الأجواء بنغمات بلادى ..بلادى ...تجلس فى حجرة الموسيقى تنتظر حصصها ، يصعد اليها الطلاب مسرعين بشغف. أول مرة تأتى فيها الى المدرسة مدرسة موسيقى ..أول مرة تفتح فيها حجرة الموسيقى بعد ان باتت كعلبة صفيح صدئة ألقيت فى أطراف المبنى .كان صوتها عذبا رائقا يصعد بالطلا ب الى افاق علوية فأسمعهم يرددون وراءها تراتيل ملائكية من أغنيات سيد درويش وعبدالوهاب وعبدالحليم .
ولاأعلم من اين كانت تأتيهم تلك الحكايات عنها .فأحمد مرسى مدرس الرياضيات يؤكد انها كانت تعزف مع فرقة فى شارع الهرم اثناء دراستها بمعهد الموسيقى بالقاهرة ،ماجدة بدران مدرسة العلوم تقسم بدينها وأيمانها انها كانت تغنى فى أفراح شبرا وعبدالحكم رشيد مدرس اللغة العربية يتهم الوزارة بالهيافة لتوظيفها مدرسات هلس من ارباب شارع محمد على.
تكاثرت الحكايات المتصاعدة اليها فى حجرة الموسيقى بالدور العلوى الاخير ، اغلقت على نفسها نوافذ الحجرة واسدلت ستائرها فخيل لى انها أغلقت نوافذها فى وجه دخان اسود يتصاعد من براكين تفور فى حجرة المدرسين بالدور الارضى ..فقط جعلت الباب مواربا يسمح بدخول بعض الهواء .
الأسبوع الماضى انفجر فو وجهها عبدالحكم رشيد ،أخرج لها من فوهته حمما اصابتها فى اعماقها .اتهمها بتخريب العملية التعليمية ،تحريض الطلاب على التأخير عن حصص اللغة العربية ولم يفوت الفرصة فاتهم الوزارة بسوء التخطيط وسوء اختيار موظفيها ..كل ذلك لأن الطلاب تأخروا دقيقتين فى حصة الموسيقى ، كانت هى جالسة داخل الحجرة وكان عبدالحكم منتصبا على باب الحجرة وخلفه الطلاب يتقافزون ويهللون ..بالكاد سحبت عبدالحكم من ساعده ،دفعته الى أسفل ،صرخت فى الطلاب فتفرقوا الى فصولهم . ، كان صوت عبدالحكم لايزال واضحا وهو ينزل درجات السلم
-مدرسة هلس تعطل حصتى .....ده اللى كان ناقص
عدت اليها فى حجرتها ..وجدتها صامتة وامتلأت مقلتيها بالدموع ..كأن ذلك الدخان الاسود لفحها عن قرب ..حاولت تهدئتها وتطييب خاطرها ، لم أفلح لكنها شكرتنى بلطف ثم استأذنتنى وأغلقت الحجرة وانصرفت.
يوم ........يومان .........ثلاثة
سألت عنها ادارة المدرسة فأخبرنى المدير بارتياح انها قدمت للادارة طلب نقل وأخذت اجازة لحين النقل فوجدتنى أشعر بأن المدرسة كلها باتت كعلبة صفيح صدئة وليست فقط حجرة الموسيقى المغلقة
هيثم عبدربه السيد
1/3/2008