أحدث المشاركات

برق الخاطر ... قسم جديد لأعضاء واحة الخير» بقلم د. سمير العمري » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» الثعبان الأقرع يداهمني في المنام بقلمي» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» بعض الحزن موت وبعضه ميلاد.» بقلم ناديه محمد الجابي » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» الغاية لا تبرر الوسيلة» بقلم جلال دشيشة » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» أمات العربُ؟» بقلم غلام الله بن صالح » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» غار النصر في غزة» بقلم احمد المعطي » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» رواية قنابل الثقوب السوداء .. مسلسلة. التالي» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» الموشحات الكشكية 1'2'3» بقلم محمد محمد أبو كشك » آخر مشاركة: محمد محمد أبو كشك »»»»» في شارع واحد» بقلم عبدالحليم الطيطي » آخر مشاركة: عبدالحليم الطيطي »»»»» يغمس خبزة بالماء» بقلم عبدالحليم الطيطي » آخر مشاركة: عبدالحليم الطيطي »»»»»

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 19

الموضوع: مقالة مهمة في فن القصة القصيرة، والأقصوصة.

  1. #1
    الصورة الرمزية د. مصطفى عراقي شاعر
    في ذمة الله

    تاريخ التسجيل : May 2006
    الدولة : محارة شوق
    العمر : 64
    المشاركات : 3,523
    المواضيع : 160
    الردود : 3523
    المعدل اليومي : 0.54

    افتراضي مقالة مهمة في فن القصة القصيرة، والأقصوصة.

    عنوان المقالة:
    مفهوم القصة القصيرة بين آراء النقاد، ورؤى المبدعين
    اسم الكاتب: د / عبدالعزيز السبيل
    التاريخ: 1421هـ
    --------------------------------------------------------------------------------
    مفهوم القصة القصيرة بين آراء النقاد ورؤى المبدعين :
    على الرغم من أن السرد واحد من أقدم الفنون، فإن هذا لايعني أن كل قصة يقل عدد كلماتها، يمكن أن تكون مثالاً لما عرف فيما بعد بالقصة القصيرة.
    القصة القصيرة الحديثة (من ناحية مقارنة) جديدة في الأدب، بل إنها أصغر عمراً من الرواية. لقد تم تأصيلها في السنوات الأولى من القرن التاسع عشر، وبعد خمسين عاماً من ظهورها، بلغت مرحلة النضج في أعمال عدد من الكتاب من أبرزهم موباسان وتشيكوف، ثم ازدهرت بحيث وصلت إلى أكبر قدر من التعبير المكثف الذي عرفته القصة، وتمثل ذلك في أ‘مال عدد من الكتاب المحدثين الكبار في بداية ومنتصف القرن العشرين من أمثال جيمس جويس (1882 – 1941م) وفرانز كافكا (1888- 1923م)، وإرنست هيمنجوي (1898- 1961م) وغيرهم.
    إلا أن ثمة إشكالية تتصل بفن القصة القصيرة؛ أصوله ،مفهومه، نظرياته، تقنياته… وهي إشكالية لعلها تبرز في هذا الفن أكثر من أي فن أدبي آخر. وفي الواقعأنه لم تسد نظرية لشكل القصة القصيرة، بل إن معظم سمات هذا الفن جاء بها الممارسون له من الكتاب أمثال فرانك أكونور (1903- 1966م) والناقد المبدع بيتس (1905- 1974م)، وقبل ذلك إدجار ألن بو (1809- 1849م) وموباسان (1850- 1893م) وغير هم.
    في البدء يمكن لنا أن نلاحظ أن معظم الكتاب مبدعين ونقادًا يركزون على مسألة السرد والرواية وكأنها التقنية الوحيدة!
    دون ريب، السرد هو البوابة الرئيسية التي يدلف من خلالها كاتب القصة القصيرة وكذلك الرواية، لكن هناك معالم ودروسًا أساسية لاتساعد في رفع المستوى التقني للقصة والرواية فحسب، بل من دونها لاتكون قصة قصيرة إنما تصبح شيئاً آخر.
    وليس من الممكن الحديث عن القصة القصيرة بمعزل عن الرواية، فثمة تداخل بينهما. بل إن هناك من يرى أنه من المستحيل تمييز القصة القصيرة من الرواية على أساس معين غاير الطول. إلا أن المشكلة تكمن في أنه لايوجد تحديد لطول أي منهما، فالقصة الطويلة والرواية القصيرة، مفهومات للقصص التي – بسبب طولها- لايمكن تصنيفها على أنها قصة قصيرة أو رواية.
    من جانب آخر لايستطيع أحد أن يقول إن القصة القصيرة أكثر وحدة من الرواية؛ فكل منهما يمكن أن تكون ذات وحدة متساوية، كما أن الونيت والملحمة يمكن أن تكونا ذات وحدة متساوية، رغم الفارق الكبير في طوول كل منهما. أيضاً لا يمكن لأحد القول إن القصة القصيرة تتعامل مع شخصيات أقل، أو فترة زمنية أخصر من الرواية، وحيث إن هذه هي الحالة الغالبة، فإن القصة ذات الصفحات المحدودة يمكن أن تتناول عدداً كبيراً من الشخصيات خلال أكثر من عقد من الزمن، في حين أن الرواية الطويلة يمكن أن تقصر نفسها على يوم واحد في حياة ثلاث أو أربع شخصيات.
    تلك رؤية لبعض النقاد، لكن براندر ماثيوز أحد المنظرين الأوائل للقصة القصيرة يؤكد قبل قرن من الزمان (1901م) أن القصة القصيرة لايمكن أن تكون جزءاً من رواية، كما أنه لايمكن أن يتوسع فيها كي تشكل رواية. ويؤكد بشكل قاطع بأن القصة القصيرة ليست فصلاً من رواية، أو حتى حادثة أو مشهداً تم استقطاعه من قصة طويلة، لكنها في أحسن أحوالها ما تؤثر في القارئ بحيث إنه يصل إلى قناعة أنها سوف تفسد لو أنها كانت أطول من ذلك، أو لو أنها جاءت على نحو تفصيلي أكبر.
    إلا أننا في الأدب العربي نجد عدداً من الكتاب تتداخل قصصهم القصيرة مع أعمالهم الروائية مثل يجيى الطاهر وإبراهيم أصلان ومحمود الورداني. وقد أشار خيري دومة في كتابه (تداخل الأنواع في القصة المصرية القصيرة) إلى أن يحيى الطاهر نشر قصصاً قصيرة في مجموعة (الدف والصندوق) ثم أخلها بعد ذلك في سياق روايته (الطوق والأسورة) وينشر إبراهيم أصلان كثيرا من نصوص (وردية ليل) في الدوريات، ثم يعيد تجميعها وإكمالها لينشرها تحت اسم رواية. وينشر محمود الورداني بعض قصصه القصيرة في الدوريات وضمن مجموعاته القصصية، ثم يدخلها بهعد ذلك في سياق روايته (نوبة رجوع).
    أحد القضايا المهمة التي تتعلق بفن القصة القصيرة تتمثل في النظر إليه ضمن إطار المقدار الكمي للكتابة مع إغفال كافة الجوانب الأخرى. نحن على يقين أن القصة القصيرة هي الابن الشرعي أو بشكل أدق يمكن أن تكن الشقيقة الصغرى لفن الرواية، لكن هذا لايعني بحال من الأحوال أن القصة القصيرة رواية يقل عدد كلماتها.
    القصة القصيرة لاتحتمل أن تعالج عدداً من القضايا لعدد من الشخصيات عبر أجيال مختلفة؛ لأنها لو فعلت ذلك فلن تكون سوى سرد لأجداث متتابعة، تخلو من التكثيف اللغوي والمعالجة المركزة. الروائي غالباً ما يتناول شخصيات أكثر، وربما يغطي بشكل تفصيلي فترة زمنية طويلة، ويتناول عدة جوانب من الشخصية الواحدة لكن هذا لايحدث في القصة القصيرة.
    ثمة اتفاق أن الروائي وكاتب القصة القصيرة يستخدمان نفس المادة، التي يلتقطانها غالباً من الواقع المعاش الذي يحيط بهما، لكن الاختلاف بينهما إنما يكون في اختيار الصيغة والشكل الأنسب للتعامل مع هذه الأحداث. وهنا يؤكد الطاهر أحمد مكي أنه لاقيمة للزمن هنا. وإذا كان (طول الرواية هو الذي يحدد قالبها، كما أن قالب القصة القصيرة يحدد طولها)، فإن في الوقت نفسه (لايوجد مقياس للطول في القصة القصيرة إلا ذلك المقياس الذي تحدده المادة نفسها، فالروائي قادر على تحويل الثواني إلى دقائق في القراءة، واللحظة إلى تحليلات متأنية) القصة القصيرة تحوي العناصر الأساسية لتقنية الرواية لكنها تأتي بشكل مضغوط ومركز.
    حين يأتي عباس محمود العقاد لتعريف القصة القصيرة، نجده يربطها بالرواية لكنه يرى أنها تخالفها. هذه المخالفة – حسب رأيه- لاترجع إلى التفاوت في عدد الصفحات أو السطور أو الإسهاب والإيجاز، وإنما يكون في الموضوع وطريقة التناول.
    القصة القصيرة كما يرى فتحي الأبياري، تعالج جانباً واحداً من الحياة يقتصر على حادثة واحدة، لاتستغرق فترة طويلة من الزمن، وإن حدث ذلك فإن القصة تفقد قوامها الطبيعي وتصبح نوعاً من الاختصار للرواية.
    من جانب آخر ،هناك ارتباط عكسي من حيث الإبداع، فماثيوز يؤكد في كتابه (فلسفة القصة القصيرة) أن المستوى الكبير الذي تمتاز به الروايةالأمريكية في ذلك الزمن (1901م) يعود الفضل فيه إلى القصة القصيرة، حيث نجد تقريباً أن كل روائي أمريكي تقرأ أعماله من قبل الناطقين بالإنجليزية، قد بدأ ككاتب للقصة القصيرة. وقبل ذلك في سنو 1887م أشار محرر مجلة الناقد إلى كتابة القصة القصيرة والرواية بفوله (كقاعدة يتم إنتاج القصة القصيرة في مرحلة الشباب، في حين أن الرواية إنتاج الخبرة)
    وهناك العديد من كتاب القصة الذين حاولوا الهروب من القصة القصيرة، من أبرز هؤلاء تشيكوف (1876 - 1941م) ولعله انتقال أو تطور من كتابة القصة القصيرة إلى الرواية. وفي الثلث الأول من هذا القرن نجد أن عدداً من الكتاب العرب تحولوا من كتابة القصة الصيرة إلى الرواية، ومن هؤلاء أحمد خيري سعيد، ومحمود طاهر لاشين ومحمود تيمور ويحيى حقي… كما يشير إلى ذلك سيد حامد النساج.
    أما إنتاج الرواية والقصة القصيرة فقد وجد لدى كثيين من الكتاب العرب الذين لاتتسع لهم القائمة. وفي الجزيرة العربية نجد مثلاً إسماعيل فهد إسماعيل وليلى العثمان ومحمد عبد الولي وزيد مطيع دماج وأمين صالح وعبدالله خليفة وغيرهم.
    وحين ننظر لساحتنا المحلية نجد الأمر ذاته قد حدث مبكراً على يد أحمد السباعي مثلاً، وفي فترة لاحقة يبرز إبراهيم الناصر الحميدان الذي نجده في إنتاجه السردي يوازن بين الرواية والقصة القصيرة. ومن كتابنا المحليين من بدأ بالقصة القصيرة ثم اتجه بعد ذلك إلى الرواية مع استمرار إنتاجه للقصة القصيرة، من هؤلاء عبدالله جفري وغالب حمزة أبو الفرج. أما الجيل التالي فنجد منهم عبدالعزيز مشريوعبده خال وحسن النعمي وعبدالعزيز الصقعبي.
    في محاولة لإعطاء تعريف للقصة القصيرة كتبت الناقدة الأمريكية برولكس في مقدمة (أفضل قصص أمريكية 1997م) تقول بأن القصة القصيرة شكل أدبي صعب، يتطلب اهتماماً أكبر من الرواية من أجل السيطرة والتوازن. إنها اختيار المبتدئين في عالم الكتابة، تجذبهم بسبب إيجازها ومظهرها الودود (الخادع) للموضوعات المختصرة، أو وظيفتها المدركة كاختبار حقيقي قبل محاولة كتابة الرواية ذات الخمسمائة صفحة. ولعله يجدر التأكيد أن هذا الرأي ليس على ظاهره فهو لايجعل القصة القصيرة محطة عبور فقط، بل إنه يؤكد واقعاً عايشناه ولازلنا في حياتنا الأدبية يتمثل في أن الذين كتبوا الرواية مروراً بالقصة القصيرة أقدر على تملك ناصية الكتابة والتععامل مع التقنيا السردية (ولندع الاستثناءات جانباً) لكننا نؤكد أن القصة القصيرة عالم فني متكامل بذاته ومحطة بقاء داءم لكثير من المبدعين. لكنه خادع بإغرائه، فهو مع فارق الإبداع مثل الشعر ينتسب إليه كثيرون ويبدع فيه قليلون، وهي كالشعر:
    صعب وطويل سلّمه
    إذا ارتقى فيه الذي لايعلمه
    زلت به إلى الحضيض قدمه
    لكننا رغم ذلك نؤكد صلة الترابط والأسر السردي بين فني الرواية والقصة القصيرة، ومن النقاد من ينظر إليهما نظرة صراع زمني. فإذا كان القرن التاسع عشر يعتبر قرن الفرواية فإن القرن العشرين دون ريب قرن القصة القصيرة، كما يؤكد ذلك الناقد المغربي نجيب العوفي، في كتابه (مقارنة الواقع في القصة القصيرة المغربية) ويضيف (لقد فقدت الرواية أو كادت تلك الأبهة التقليدية، وذلك الاسترسال النهري الوئيد، وفوجئت بفن جديد مشاغب وآسر، يقاسمها النفوذ ويتخطاها في السباق. بل إن رواية القرن العشرين ذاتها لم تنج من أسر وفتنة هذا الفن الجديد، فإذا بها في أهم نماذدها عبارة عن مونتاج قصصي، أو مجموعة من اللوحات القصصية المتصلة المنفصلة، على غير ذلك المنوال المتلاحم المنسجم الذي نسجت عليه الرواية الكلاسيكية، وهو ما أصبح معروفاً لدى بعض النقاد بـ (الرواية الأبيسودية).
    وفي محاولة لتقريب مفوهم القصة القصيرة، يرى بعض النقاد ضرورة اشتمالها على وحدة الموضوع ووحدة الغرض ووحدة الحادثة. فالرواية قد تحطي نظاماً حياً طويلاً ومعقداً ،فتضم السيرة الكاملة لإنسان أو مجموعة من الناس، بل قد تضم جيلين أو ثلاثة، أما القصة القصية فمن المستحيل عليها أن تفعل ذلك.
    وإذا كانت الشخصيات في الرواية تبدأ صغيرة ثم تكبر مع الأحداث، وتتحرك من مشهد لآخر، ومن مكان إلى مكان، كما تقول الروائية فرجينا وولف (1882- 1941م)، فإن الأمر يختلف بالنسبة للقصة القصيرة، فالزمن لايتحرك إلا في إطار ضيق جداً، كما أن الشخصيات لاتتحرك كثيراً ولايمكن لهم أن يكبروا في السن.
    يشير محمد يوسف نجم في كتابه (القصة) إلى أن الرواية ’’ تصور فترة كاملة من حياة خاصة أو مجموعة من الحيوات‘‘ بينما القصة القصيرة ’’تتناول قطاعاً أو شريحة أو موقفاً من الحياة‘‘ ولذا فإن كاتب القصة القصيرة يتجنب الخوض في تفاصيل الأحداث التي تكون في الرواية، لأنه يعتمد الإيحاء في المقام الأول. وإذا كانت الرواية تعرض لسلسلة من الأحداث الهامة، وفقاً للتدرج التاريخي أو النسق المنطقي فإن القصة القصيرة تبرز صورة واضحة المعالم لقطاع من الحياة من أجل إبراز فكرة معينة. ويضيف إلى أن الفرق الجوهري بين الأقصوصة والقصة (ويعني القصة القصيرة والرواية) أن ’’الأقصوصة تبني على موجة واحدة الإيقاع، بينما تعتمد القصة على سلسلة من الموجات الموقعة، تتوالى في مدها وجزرها، ولكنها أخيراً تنتظم في وحدة كبيرة كاملة‘‘. وهذه عبارات شعرية تؤدي نفس المعنى الذي سبق طرحه من أن القصة القصيرة تركز على حدث واحد، بلغة ورؤية مكثفة، في حين أن الرواية تقوم على سلسلة من الأحداث المتتابعة، وبالتالي يمتد الزمن إلى وقت طويل في الرواية، في حين تكون القصة القصيرة محدودة الزمن جداً.
    شكري عياد يؤكد في هذا الإطار أنه (من الجائز أن تمتد أحداث القصيرة على زمان طويل) ويمثل لذلك بواحدة من أشهر قصص موباسان ( الحيلة). أما رشاد رشدي فيبين أن كاتب القصة القصيرة غير معني بسرد تاريخ حياة كاملة لشخصية من الشخصيات أو إلقاء الضوء على أحداث متعددة، أو التركيز على زوايا متعددة للشخصيات والأحداث، فتلك من مهام كاتب الرواية. أما في القصة القصيرة فإن الكاتب يوصور الحدث من زاوية واحدة فقط، ويصور موقفاً محدداً من حياة الفرد. والاستثناءات مهما كثرت رغم قيمتها الأدبية تظل خارج إطار التصور العام .
    لو أردنا تقديم تعريفاً للقصة القصيرة فسنجد أن ثمة طرقاً مختلفة، لكن بأي طريقة تم تعريفها، ستبقى بشكل أساسي فن اتصال موجز، بمعنى أن الشكل الأساسي لها أن تكون محدودجة الكلمات، وهذا التعريف في الواقع ينطلق من مفهوم الرواية، ولذلك فإن من أقدم التعريفات للقصة القصيرة ما قدمه مؤصل هذا الفن الشاعر الأمريكي إدجار ألن بو، فهو يعرف القصة القصيرة التي أسماها القصة النثرية بطريق بدائية حيث يرى أنها المروي الذي يمكن أن يقرأ في جلسة واحدة، ورغم بساطة هذا التعبير إلا أنه يخرج من رحم الرواية، التي عادة ماتحتاج إلى فترة أطول في قراءتها.
    وقد أثار هذا التعريف بعض النقاد فتساءل وليام سارويان أن مشلكة هذا التعريف تكمن في أن بعض القراء يمكنهم الجلوس فترة أطول من الآخرين، ويأتي ويلز ليعطي تعريفاً زمنياً أكثر تحديداً، فيشير إلى أن القصة القصيرة هي التي يمكن قراءتها في مدة تتراوح بين ربع ساعة وثلاثة أرباع الساعة، ثم يضيف إنها حكاية تجمع بين الحقيقة والخيال، وتتسم بالتشويق والإمتاع، وليس من المهم أن تكون إنسانية أو غير إنسانية، تمتلئ بالأفكار التي تثير القارئ، أو تكون سطحية تنسى بعد قراءتها بلحظات، (المهم أن تربط القارئ لمدة تتراوح بين ربع ساعة وخمسين دقيقة، ربما يثير فيه الشعور بالمتعة والرضا) كما جاء في كتاب فن اغلقصة لحسين القباني.
    وفي محاولة لإيجاد تعريف أكثر دقة ضمن إطار الكم، نجد سارويان نفسه في حديثه عن القصة القصيرة يحدد أ، القصة القصيرة ينبغي أن تتراوح كلماتها بين ألفين وخمسمائة كلمة وعشرة آلاف كلمة، فإن قلت عن هذا العدد أصبحت قصة قصيرة جداً، وإن زادت عن ذلك أصبحت قصة قصيرة طويلة، وإن تجاوزت عشرين ألف كلمة أصبحت رواية قصيرة، لكنه بعد ذلك يضيف بأن مثل هذا التحديد، وإن بدا مريحاً لبعض النقاد، فإنه لا معنى له.
    وفي نفس الإطار نجد أن ناقداً آخر هو جرويج يحدد بأن طول القصة يجب أن يكون حوالي ثلاثة آلاف كلمة، ويرى بيرنت أنها أقصر من الرواية، لكنها عادة لاتكون أكثر من خمسة عشر ألف كلمة.
    وإذا كانت الصحافة لعبت دوراً كبيراً في تقديم القصة القصيرة للقراء وانتشارها على مساحة جغرافية وثقافية واسعة فإنها حولتها إلى فن محكوم بصياغة محددة، بل رفضت عدداً معيناً من الكلمات؛ كي تناسب مساحة محددة قررتها الصحيفة سلفاً. وقد حدث ذلك في فترة مبكرة في عدد من الصحف الغربية، بل إن ثمة تزامناً تقريبياً بين نشأة الصحافة وانتشار القصة القصيرة، وإن كلاً منهما قد خدم الآخر، ففي الوقت الذي نجد أن الصحافة لعبتت دوراً كبيراً في توسيع رقعة قراء القصة القصيرة وزيادة انتشارها على مساحة جغرافية أكبر ومستويات اجتماعية وثقافية مختلفة، فإنها في نفس الوقت فرضت عليها مقداراً كمياً محدداً،نظراً لمحدودية الزوايا والصثفحات، واتخذت الصحافة من القصة القصيرة بدلاً عن الرواية، التي كانت تنشرها مسلسلة، لكنها حين رأت أن القارئ ليس بمقدوره المتابعة اليومية أو الأسبوعية الدائمة تحولت إلى القصة القصيرة حيث وجدت فيها البديل الأفضل المناسب للصحيفة السيارة المقروءة في ذات اليوم.
    وفي عالمنا العربي، يؤكد يحيى حقي في (فجر القصة المصرية) أن من أسباب تغلب القصة القصيرة على الرواية في مصر مع بداية القرن أن الجرائد اليومية كانت تمثل الطريق الوحيد للنشر، إذ لم تبدأ مطابع كثير في نشر مجاميع قصصية قصيرة، كما أن الجرائد- على حد تعبير حقي- تفضل نشر قصة كاملة مستوعبة الموضوع من أن تنشر قصة مطولة، فالقصة الطويلة (الرواية) حين يتم نشرها على أجزاء عديدة، سيجد القارئ صعوبة في متابعتها ،ناهيك أنه التزام قد لاتستطيع الجريدة الوفاء به بشكل منتظم.
    وظاهرة نشر الروايات مجزأة لم تنته من الصحافة، ولعل القارئ لايزال يذكر رواية إبراهيم شحبي التي كان ينشرها ملحق الجزيرة الثقافي خلال الفترة الماضية، وكذلك رواية عبده خال (عندما ترحل العصافير) التي استمر نشر أجزائها لأسابيع عديدة في جريدة عكاظ، خلال الفترة الماضية، وللمعلومية فإن هذه الرواية صدرت عن دار الساقي بلندن ولكن بعنوان (مدن تأكل العشب) ولعل التسمية الأخيرة تمثل رؤية الناشر.
    حين ننتقل إلى مسألة الكم اللفظي في تعريف القصة القصيرة، فإن هناك جوانب أخرى ترتبط بالمفهوم تستحق وقفات طويلة، لكن سنجد أنها تسير على نفس المنوال، من حيث تعدد مفاهيمها بين النقاد.
    القصة القصيرة عند نشأتها – مثل بقية الفنون- ظلت متأثرة بنظرية أرسطو في الرتاجيديا التي يرى أنها تمر بالمراحل الثلاث المنطقية؛ البداية والوسط والنهاية، بمعنى أن هناك عملاً كلياًت متكاملاً. وهذا الأمر سرى على بقية الفنون الأدبية فيما بعدتقريباً، وحيث أن القصة القصيرة تلتصق بالفن الروائي فقد انتقل هذا المفهوم إليها.
    من أهم أساسيات القصة ماعبر عنها ماثيوس بشكل موجز حيث قال إن القصة القصيرة لاوجود لها إذا لم يكن هناك قصة تحكى، ويؤكد الناقد ويت بيرنيت هذا المعنى في قوله (إني لا أعتقد أنك تستطيع كتابة قصة قصيرة جيدة دون أن يكون في داخلك قصة جيدة … أفضّل أن يكون لديك شيء تقوله من غير تقنيات القصة، عن أن تملك التقنيات وليس لديك شيء تقوله)
    والحقيقة أن التأكيد على وجود قصة مسألة متفق عليها تقريباً، لكنها تنبء عن الرؤية الأساسية للقصة في بداية نشأتها، ولعل ماثيوس وهو يؤكد هذا الأساس في القصة القصيرة، يشير بتوقع منه إلى ما ستؤول إليه القصة القصيرة حيث غدت مجموعة من المفاهيم المختلفة، التي من بينها انحرافها من فن القص إلى مسائل تعبيرية كثيرة، ضمن إطار فن التجريب ،وهو أمر تتيحه القصة القصيرة أكثر من أي فن أدبي آخر. هذا الأمر جعل محمد الشنطي يقول (إن القصة القصيرة من أكثر الفنون استعصاء على التنظير والتأطير الشكليين، إلى الحد الذي أدى إلى شيوع القون بأن كل قصة هي تجربة جديدة في التكنيك) ولذلك نجد أن سارويان يرى أن القصة القصيرة هي أكثر النفون الأدبية حرية. هذه الحرية جعلت عدداً من الكتاب يكتب ماشاء كيفما شاء دون الإلتفات لأصول الكتابة الفنية لهذا الشكل الكتابي.
    ولعل المتابع للإنتاج القصصي على المستوى المحلي يلاحظ هذا الأمر بوضوح في العديد من المجموعات القصـصية المجبوعة، وعـشرات القصص المنشورة في الصحافة. لقد أصبحت القصة القصيرة فن من لافن له، وأصبحت تقترب من بحر الرجز بالنسبة للشعراء، مع فارق الانضباط الإيقاعي في الرجز، والإنفلات الفني في القصة القصيرة. إن أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى ذلك يتمثل في أن هؤلاء الكتاب المشار إليها آنفاً غفلوا عن مسألة هامة جداً، وهي أن الحرية التي يتيحها هذا الشكل، وقد لاتوجد في أي فن آخر، لاتعني بأي حال من الأحوال انفلات هذا الفن من أي قيود كتابية فنية.
    ونظراً لعدم وجود تحديد واضح وصارم لمفهوم القصة القصيرة منذ البدء، فإننا رأينا بعض التحولات في صياغة القصة القصيرة قد حدثت في مرحلة مبكرة. فإذا كانت القصة القصيرة كما أسلفنا تسير في تسلسل منطقي تبدأ بمقدمة لحدث يتطور حتى يصل إلى النهاية ضمن حبكة قصصية تحددها قدرة المبدع، فإن تحولاً في كتابة القصة قد حدث على يد واحد من أبرز روادها وهو تشيكوف حيث عمل على إعادة صياغة كتابة للقصة القصيرة، فألغى مقدمة الحدث ونهايته ولم يبق سوى جزء من الحدث دون أن يقود إلى نهاية محددة، فالحبكة بمفهومها التقليدي لم تعد تتوفر في القصة القصيرة. وهذه الظاهرة وجدت في القصة القصيرة في مصر في نهاية السبعينات، حين حدث تحول في كتابة القصة القصيرة في أعقاب حرب 1967م، أشار إلى ذلك مراد مبروك الذي لاحظ بروز ظاهرة تفتيت الحدث واللغة، وتبعثر الحدث في البناء الكلي للقصة، ولم يعد متمركزاً في نقطة معينة.
    إضافة إلى ذلك فقد انتفت البداية والنهاية في القصة، وتحولت إلى مجموعة من البنى المتراصة والمتسلسلة تسلسلاً غير منطقي، لكن يوجد بينها الترابطات النفسية ووحدة الشعور. وتمثل هذا النوع من القصص في كتابات إدوار الخراط وإبراهيم عبد المجيد ومجيد طوبيا وغيرهم.
    امتداداً للآراء الكثيرة والمختلفة حول مفهوم فن القصة القصيرة تستوقفنا فاليري شو في رأي أكثر مباشرة، حين أشارت إلى معقولية القول بأن تقديم تعريف محدد للقصة القصيرة أمر مستحيل، وتضيف بأنه لاتوجد نظرية يمكن لها أن تشمل الجوانب المتعددة لطبيعة هذا الفن، الذي لايتميز بشيء محدد، سوى ما يبدو أنه يحقق الغرض السردي في مساحة موجزة نسبياً.
    الناقد بيتس أحد المبدعين في فن القصة القصيرة خصوصاً في أول حياته، ثم اتجه بعد ذلك إلى الرواية، وقد أصدر مايربو على عشرين مجموعة قصصية وعشرين رواية، تولكن مانحن بحادة إليه ونحن نستعرض بعض مفاهيم القصة القصيرة هو كتابه النقدي الشهير (القصة القصيرة الحديثة 1972م) بعد أن يستعرض بيتس تعريفات مختلفة للقصة القصيرة يصل إلى نتيجة مؤداها أن جميع التعريفات تشترك في مسألة واحدة، وهي أنها جميعاً لاتقود إلى نهاية مقنعة فلا يوجد من بينها مايمكن أن يشمل جميع القصص القصيرة.
    وعلى حد تعبير سيدجويك الذي يشير إليه بيتس، فقد أصبحت القصة القصيرة مجموعة أشياء متنوعة، تشمل الحالة والمشهد والشخصية والسرد القصصي، بمعنى أنها مجال لإبراز المواهب الشخصية… إن القصة القصيرة في النهاية، سواء كانت قصيرة أم طويلة، شاعرية أم أخبارية ذات حبكة فنية أملا، متماسكة أم واهية مترهلة، فهي أشبه مايكون بالسائل الذي ينزلق بين اليدين. وبعد أكثر من عقد من الزمن تأتي سوزان لوهافر لتشير أنه يصعب أن تختلف مع بيتس في هذا المفهوم.
    وحين نصل إلى هذه المرحلة من عدم القدرة على تحديدج مفهوم واضح لفن القصة القصيرة نحد بعض النقاد يلجأ إلى طريقة معاكسة من أجل الخروج من مأزق التعريف، فاليري شو مثلاُ تشير أنه من الممكن إعطاء وصف للقصة القصيرة من خلال الإشارة إلى مالايمكن أن يكون قصة قصيرة وبهذه الطريقة ستكون هناك مرونة في تحديدها.
    وفي هذا افطار نجد ناقداً آخر هو سومرس يتساءل لماذا نبذل مجهوداص لتعريف القصة؟ علينا أن ندرك أن المقال ليس قصة قصيرة ،ووصف إحدى الشخصيات ليس قصة قصيرة، بل إن الوصف ليس قصة قصيرة، كما أن الحوار ليس بالضرورة أن يكون قصة قصيرة، وتسجيل أحداث كالمذكرات اليومية أو وصف تفصيلي لسفينة غارقة، لايكون قصة قصيرة. هنا يستوقفنا قول سومرس عن الحوار (ليس بالضرورة) وهي إشارة مهمة لأن القصة القصيرة يمكن أن تقوم على الحوار فقط كتقنية وحيدة لكن لايمكن فصله عن مفهوم القصة القصيرة المتعدد.
    عباس محمود العقاد في كتابه (خواطر في الفن والقصة) يتبنى نفس المفهوم تقريباً، فبدلاً من تقديم تعريف للقصة القصيرة، يرى أنه من الأسهل تقديم تعريفات سلبية بمعنى معرفة ما لايشترط للقصة القصيرة للوصول إلى شروطها وبالتالي تعريفها بشكل أكثر تحديداً، فالعقاد يرى أنه لايشترك في القصة القصيرة العناية برسم الشخصيات بشكل دقيق، فالقصة القصيرة قد تكتفي بعمل واحد فقط لهذه الشخصية، أو يوم واحد من أيامها، كما أنها لاتتناول حوادث متعددة، ولاحتى تفيض في حادثة واحدة، ولايتوقع أن تطبق مذهباً نفسياً أو اجتماعياً، وأخيراً لاتشترط الحبكة المحكمة في القصة القصيرة.
    ويضيف رشاد رشدي إلى هذا المعنى في كتابه الشهير (فن القصة القصيرة) قوله ’’القصة القصيرة ليست مجرد خبر أو مجموعة أخبار، بل هي حدث ينشأ بالضرورة من موقف معين ويتطور بالضرورة إلى نقطة معينة يكتمل بها معنى الحدث‘‘
    ومن زاوية الفن الأدبي يتضح أنه بالرغم من ارتباط القصة القصيرة بأصول شعبية فإنها – حسب رأي سوزان لوهافر- تمثل ظاهرة خاصة تختلف عن الرواية وعن الملحمة، ومن ناحية نقدية نحن في ا لواقع أمام شكل فني جديد.
    ويعبر ماثيوز عن هذه الرؤية بإشاراته إلى أن الفكرة التي يطورها بشكل منطقي شخص يملك حس الشكل وموهبة الأسلوب هو مانبحث عنه في القصة القصيرة . ولاشك أن توفر الحس الفني والموهبة، كفيل بمستوى متميز من الإبداع.
    بعض التعريفات الحديثة تؤكد أن القصة القصيرة هي التي تهتم بأن تترك أثراً واحداً من خلال التعبير عن مشهد واحد مهم، يشترك فيه عدد قليل من الشخصيات وأحياناً شخصية واحدة، وهذا الشكل يتجه نحو الاختصار في المشهد والتركيز في السرد، ولذلك كما يقول بيرنت غالباً ما يركز كتاب القصة القصيرة في القرنين التاسع عشر والعشرين على شخصية واحدة في مشهد واحد، وبدلاً من تتبع تطور الشخصية يتم التحدث عنها في لحظات محددة.
    وبذلك تحقق القصة القصيرة الوحدات الثلاث في المسرح الـكلاسيكي الفـرنسي، وحـدة الحدث ووحدجة الزمان ووحدة المكان. وهنا نجد أن القصة القصيرة كما حدد ذلك براندر ماثيوس بوعي كبير في مرحلة مبكرة جداً من تاريخ القصة القصيرة تتعامل مع شخصية واحدة، وحدث واحد، وإحساس واحد، أو مجموعة أحاسيس تتصل بحالة واحدة.
    ويأتي الناقد وليام كيني ليؤكد أن القصة القصيرة عادة ماتقوم على حادثة واحدة تمثل أ÷مية كبيرة للشخصيات. ليلة في الغابة ووصول قاتلين إلى مطعم القرية الصغيرة، مثل هاتين الحادثتين، يمكن أن تكونا نموذجين للقصة القصيرة. ورغم كل هذا تبقى القصة القصيرة ذات تميز في إيقاعها وتكوينها، وهي غالباً ماتعتمد على تركيز الحدث، وقد يكون فيهاحدث مفاجئ، مرض قصير، حفل، لقاء بلا غد، بمعنى أن (تصور فترة زمنية قصيرة في حياة أبطالها، ولكنها فترة مشحونة بلحظات مكثفة،تنبى بإيجاز عن ماضي الشخصية وتخطط لمستقبلها) كما تقول نادية كامل في بحث لها عن (الموباسانية في القصة القصيرة).
    وقد أشار عز الدين إسماعيل إلى التركيز في معالجة الحدث وطريقة سرده، وفي الموقف وطريقة تصويره صفة أساسية، ويضيف في كتابه الأدب وفنونه (ويبلغ التركيز إلى حد أنه لاتستخدم لفظة واحدة يمكن الاستغناء عنها، أو يمكن أن يستبدل بها غيرها، فكل لفظة لابد أن تكون موحية، ولها دورها تماماً، كما هو الشأن في الشعر).
    إن عدم وجود تعريف محدد، يعود في جزء منه إلى أن القصة القصيرة مثلها مثل باقي الفنون بدأت في الظهور أولاً ثم حاول النقاد إيجاد مجموعة من النظريات لهذا الفن الجديد. ولذا، ليس غريباً أن نجد من النقاد من يقرر أن ليس ثمة تعريف محدد واضح للقصة القصيرة.
    ورغم ارتباط القصة القصيرة الوثيق الصلة بفن الرواية، من حيث اشتراكهما في مجموعة من التقنيات، فإنها في فترة متأخرة أصبحت تقترب من الشعر، وأصبحت تقترب من الشعر، وأصبح هناك سؤال مطروح يتمثل في (هل القصة القصيرة أقرب إلى الشعر أم إلى الرواية) وهذا السؤال لم يتم طرحه من قبل النقاد بدءاً ،بل إنه جاء نتيجة لنتاج المبدعين الذين أرغموا النقاد على تحويل أنظارهم،من ارتباط القصة بالرواية، إلى ارتباطها بالشعر، الأمر الذي جعل الناقد يرى أن معظم كتاب القصة القصيرة المحدثين يتفقون على أن القصة القصيرة أقرب إلى العشر منها إلى الرواية.
    وعلى المستوى المحلي تم طرح هذا السؤال في مرحلة تاريخية تتمثل في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات حين صدر عدد من المجموعات القصصية التي لاتمثل امتداداً للقصة القصيرة قبل ذلك، وإنما تمثل توجها جديداً في كتابة القصة ينحو منحى الشعر من حيث اللغة والغموض. إضافة إلى الإيقاعات الشعرية في بعض الجمل. وقد لاحظ ذلك أستاذنا الدكتور منصور الحازمي حين تحدث عن هذا الجيل (الذي اقتربت لغته من لغة الشعر) حسب تعبيره. ومن السمات البارزة التي لاحظها علي الدجميني حين قدم مجموعة عبد العزيز مشري (الموت على الماء 1979م) الكم الشعري المتدفق من عباراته، أما في مجموعة محمد علوان (الخبز والصمت 1977م) فنقرأ في قصة يحكى أن، نكتبها شعرياً دون أن نتدخل في النص:
    ظلام حالك
    أمواج البحر زبد
    وغيوم ولآلئ
    ورمال صفراء
    تحفر قبراً فوق الشاطئ
    صياد يغمض عيناً،
    والتبغ حلقات من أحلام مدحورة
    ضاقت في الصدر
    خرجت دخاناً وهباء
    بيد معروقة
    يجمع صيداً يخذله
    ويعود لستة أفواه مبقورة…
    والأمثلة كثيرة في هذا الإطار، وهنا يجدر التأكيد على ما أشار إليه خيري دومة، أنه في الوقت الذي تقترب فيه القصة القصيرة من ذاتية الشاعر ورؤيته الشخصية فإنها لايمكن أن تتخلى عن نثيرة الرواية وموضوعيتها.
    في الوقت الذي بدأت القصة القصيرة تأخذ حيزاً في خارطة الآداب الغربية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، لم يكن للقصة في أدبنا العربي مع مطلع هذا القرن شأن يذكر، بل كان ينظر إليها على أنها مجموعة من الطرائف المسلية، وقد كانت بعض المجلات تنشر القصص المترجمة تحت عنوان (فكاهات) ولعل هذا الانتقاص من قدر القصة هو الذي جعل محمد حسن هيكل مثلاً ،كما يرى بعض النقاد، لم يصرح باسمه حين كتب رواية زينب ترفعاً عن أن يعده أدباء عصره رواية حواديت وفكاهات وهو المحامي ذو القيمة الاجتماعية الراقية.
    ونجد إن إحدى المقالات سنة 1930م التي أشار إليها سيد حامد النساج في كتابه (تطور فن القصة القصيرة بمصر) تشير إلى أن (الناس إلى حين قريب، كانوا ينظرون إلى القصة بعين السخرية والازدراء ولايعدونها من الأدب الرفيع شيئاً، بل أغلبهم يظن أنها لهو وعبث).
    ولذا فإن الباب الذي دخلت من خلاله القصة القصيرة إلى الأدب العربي لم يكن بالتأكيد الجانب الفني، فحين ننظر إلى بداية القصة القصيرة في مصر مثلاً، نلاحظ أنها كانت تتوجه بشكل مباشر إلى الإصلاح الاجتماعي، وكان الكتاب يسعون نحو تحقيق هدف أخلاقي لايخص مصر فقط، بل ينسحب على كافة الأقطار العربية، في بداية نشأة القصة القصيرة فيها، بصرف النظر عن زمن النشأة، بمعنى أن ا لتجربة ذاتها تتكرر في كل قطر تقريباً، وأكدت معظم الدراسات التي تناولت نشأة القصة في الأدب العربي ’’أنها كانت حاجة اجتماعية قبل أن تكون حاجة فنية، بمعنى أن اضطلاعها بوظيفتها كان أبرز الدوافع إلى كتابتها‘‘ على حد تعبير عبدالله أبو هيف.
    أما عبدالله العروي فيرى أن القصة القصيرة ’’هي الشكل الأدبي المطابق لمجتمعنا المفتت، المحروم من أي وعي اجتماعي‘‘ ويضيف نجيب العوفي أن القصة القصيرة جاءت منذ بداية القرن دليلاً على ’’التململ الوطني القومي وعلى الصيرورة الاجتماعية التاريخية، ومؤشراً ثقفاياً بالغ الدلالة على مايسمى النهضة أو المعاصرة أو الحداثة‘‘. ومن منطلق مقولة تشيكوف بأن القصة القصيرة كذبة متفق عليها بين القاص والمتلقي، يعلق العوفي بقوله ’’أصبحت الكذبة الفنية الصغيرة أداة لهتك الأكاذيب الكبيرة التي تخنق الضمير العربي، وتعريه لهذا المسكوت عنه، الذي هو الحقيقة‘‘.
    وحين نبحث عن أصول عربية للقصة القصيرة، نجد في تراثنا الكثير مما يمكن أن يؤثر بشكل مباشر على تطور فن القصة القصيرة، إلا أننا لانظفر برؤية واضحة تقرر أن القصة القصيرة امتداد لشكل، أو أشكال تراثية في أدبنا العربي، رغم بعض الآراء التي ترى أنها ترتبط بفن المقامة، فب الوقت ذاته نجد مايؤكد أنها تأثرت بشكل مباشر بالثقافة الغربية من خلال مبديها الأوائل، فالطاهر أحمد مكي مثلاً، يقرر دون تردد بأن القصة القصيرة لم تنشأ من أصل عربي ’’وإنما ترعرعت بتأثير من الأدب الأوربي مباشرة‘‘ وتؤكد آمال فريد أن هذا الأمر ’’لم يعد موضع جدال؛ فإلى جانب إجماع النقاد والدارسين على ذلك نجد أن جيل رواد القصة القصيرة أمثال محمود تيمور ويحيى حقي ونجيب محفوظ ويوسف السباعي وإحسان عبد القدوس ويوسف إدريس… هذا الجيل لاينكر فضل إدجار ألن بو أو موباسان عليه. ولقد كان محمود تيمور رائد القصة القصيرة، يفخر عندما أطلق عليه النقاد (موباسان القصة العربية).
    ويشير فتحي الأبياري إلى أنه حين انضم محمود تيمور إلى مجمع اللغة العربية رحب به طه حسين وأشاد بفنه القصصي قائلاً ’’لقد سجلت به لنفسك خلوداً في تاريخ الأدب العربي لاسبيل إلى أن يمحى، هو القصص على مذهبه الحديث في العالم الغربي‘‘، وإذا كان هذا في المشرق العربي، فإننا نجد أن المحاولات الأولى لكتابة القصة القصيرة في المغرب أيضاً، بدأت بعد الحرب العالمية الأولى، وكان الباعث عليها كما يقول عبدالله كنون ’’قراءة بعض المترجمات منها، أو الاطلاع عليها في لغتها الأصلية بالنسبة لمن يحسنون لغة أجنبية‘‘ ويصل أحمد هيكل إلى نتيجة يؤكد معها ’’أن القصة القصيرة بصورتها الفنية في الأدب الحديث قد أخذت عن أدب الغرب، ولم تنحدر من التراث أو تتطور عن فن عربي مشابه‘‘ كما جاء في كتابه (الأدب القصصي والمسرحي في مصر).
    خلال الصفحات السابقة تم استعراض مجموعة من الآراء التي تؤكد أن القصة القصيرة في الأدرب العربي لم تكن امتداداً لأشكال عربية تراثية، بل إنها جاءت بتأثير مباشر من الآداب الغربية. وعندما نصل إلى نتيجة كهذه، فإن مفهوم القصة القصيرة في الأدب العربي قد تأثر بشك لكبير بمفهومها في الآداب الغربية أيضاً. وفوق ذلك يمكن ملاحظة أن القصة القصيرة في أدبنا العربي تأثرت بشكل مباشر بتلك التيارات الفنية التي مرت بها القصة الغربية.
    وقد شهدت فترة الستينات وبداية السبعينات تحولاً في مسيرة القصة القصيرة العربية، وتحديداً في مصر من حيث الاهتمام بهذا الفن، وفي تفسير سوسيولوجي يعلل سمير حجازي (فصول 4:2) هذه الظاهرة بأنها تأتي نتيجة ’’الأزمات الثقافية والتحولات الاجتماعية غير المحتملة‘‘ التي أدت إلى إحساس الكاتب بالاغتراب، الذي أوجد نوعاً من التوتر النفسي، مما جعله يتخذ من القصة القصيرة وسيلة للتعبير؛ لأنها تتميز ببعض الخصائص الفنية، فهي تقوم على ’’تصوير موقف معين من زاوية معينة، بطريقة تميل إلى الانكماش، وتعتمد على الجمل الوصفية الدقيقة‘‘ التي تصور ’’الواقع الداخلي والخارجي بطريقة تهمل عنصر الزمن وتسلسل الحوادث، والكاتب يصور لنا هذا الموقف بلغة الشاعر المرهف‘‘.
    ولعل هذا الرأي يقترب إلى حد كبير من واقع القصة القصيرة في عدد من البلدان العربية مع اختلاف نسبي في الفترة الزمنية التي تمر بها، لكنها غالباً حدثت بين عقدي الستينات والسبعينات، التي امتازت بانطلاقة فنية جديدة للقصة القصيرة لم تتكئ كثيراً على التراث القصصي في مرحلة سابقة، بل نجد أننا أمام تحول جديد في كتابة القصة يأخذ زوايا واتجاهات متعددة تختلف من كاتب لآخر، من ناحيتي المعالجة والقالب الفني. وهو تحول يرتبط بالتحول الاجتماعي الذي طرأ، ومن الطبيعي أن يكون الفن السردي وتحديداً القصة القصيرة الوسيلة الأفضل للتعبير عن هذه التحولات، لأنها ذات إيقاع سريع ومتجدد.
    وحين النظر إلى القصة المحلية، نجد أن تحولاً بارزاً حدث للقصة القصيرة مع ظهور جيل جديد مبدع لهذا الفن، حدث ذلك ابتداء من منتصف وبداية الثمانينات، وهو جيل لايمثل امتداداً للجيل السابق، ولم يتأثر به، بل كان تأثره المباشر بالكتاب العرب خارج الوطن. ومن أبرز هؤلاء وهم من جيل واحد تقريباً جار الله الحميد وعبد العزيز مشري ومحمد علوان وحسين علي حسين، فإبراهيم الناصر وغالب حمزة أبو الفرج ومحمود عيسى المشهدي، لايمثلون أي حضور في قصص الجيل الجديد. ويلخص الدكتور منصور الحازمي تجربة هذا الجيل بقوله ’’لقد اختلفت القصة القصيرة على أيدي هؤلاء الشباب اختلافاً كبيراً عما كانت عليه عند أسلافهم من الواقعيين، لم تعد تعني بالبيئة المادية أو الواقع الحسي، بل باللحظات الشعورية والمواقف النفسية ا لمتوترة، ولم تعد تهتم بالمشاكل الاجتماعية اهتماماً مباشراً، بل بما قد تعكسه هذه المشاكل من أحاسيس ذاتية غامضة، لاتبحث عن حل معين وإن كانت تومئ إليه أحياناً‘‘وهذا يعني بشكل مباشرأن مفهوم القصة القصيرة لدى هؤلاء قد اختلف تماماً عن ذلك المفهوم الذي تبناه أسلافهم.
    ولعله يجدر الاحتراز والإضافة ونحن نتحدث عن القصة المحلية بالقول إن ماذكر آنفاً ينطبق على مجموعة من الكتاب، لكننا نجد في ذات الوقت مجموعة منت الكتاب الآخرين من نفس الجيل يمكن أن نعتبرهم امتداداً للجيل السابق من أمثال محمد منصور الشقحاء وعبدالله باقازي وعبد الله سعيد جمعان وخليل الفزيع. وهذا القول يصدق على المجموعات الأولى لكلا الفريقين (بما في ذلك رأي الحازمي السابق) وإلا فإننا وجدنا بعد ذلك تغيراً أو تحولاً في الإنتاج التالي لمعظم هؤلاء، ولعل عبدالعزيز مشري رحمه الله أبرز المثلة وضوحاً في هذا الإطار، وتعدد المفاهيم لدى الكتاب يمكن استخلاصه من المستويات الفنية المتفاوتة لقصص المجموعة الواحدة لكاتب بعينه. الأمر الذي يتضح منه في غال الحوال عدم تبلور مفهوم محدد للقصة القصيرة في ذهن الكاتب ضمن إطار مرحلة معينة. نقول ذلك لإدراكنا أن ثمة تحولات في المفاهيم تحدث لبعض الكتاب من مرحلة إلى أخرى.
    من الملاحظ أن كتاب القصة في عالمنا العربي بشكل عام يعتمدون في كتابتهم على الخبرة الكتابية والقرائية لفن القصة من خلال من سبقهم من الكتاب، وعلى ضوء ذلك يتحدد لديهم مفهوم أو مفاهيم القصة القصيرة، لكن ماهي حصيلتهم النظرية في هذا الفن وتقنياته ومناهجه؟ سؤال جدير بأن يطرح على المبدعين، وإن كان متوقعاً أن معظم الإجابات ستكون نافية لقراءة مكثفة واعية للنظرية القصصية وتقنيتها خصوصاً في بداية مرحلة الكتابة. ليس هذا افتراضاً بل نتيجة تستنيد بشكل أساسي، على التفاوت الكبير في مستويات الكتابة القصصية لدى الكثير من الكتاب في أرجاء الوطن العربي. ولتأكيد ذلك تجد الإشارة إلى استجواب نشرته مجلة فصول مع ثمانية وعشرين كاتباً للقصة القصيرة في العالم العربي، طرحت عليهم العديد من الأسئلة وكان من بينها السؤال التالي ’’هل قرأت شيئاً عن أصول هذا الفن القصصي، أو عن طرائق كتابته؟‘‘
    الملفت للنظر، أن أغلب هؤلاء الكتاب أجابوا بالنفي! ومن بينهم أسماء كبيرة في عالم القصة أمثال إبراهيم أصلان ومجيد طوبيا ونجيب محفوظ ويحيى حقي ويوسف إدريس، فإبراهيم أصلان يقول ’’لا أظن أن هناك كتباً قرأتها بتأن في هذا الموضوع‘‘، ومجيد طوبيا يقرر ’’لم أقرأ شيئاً عن أصول هذا الفن القصصي أو عن طرائق كتابته، قبل الممارسة الواعية للكتابة‘‘ أما نجيب محفوظ فيجيب عن السؤال بقوله ’’خلاف ماقرأت عن فن الرواية، لم أقرأ إلا القليل عن فن القصة القصيرة بل وقرأته في سن متأخرة‘‘ ويقول يحيى حقي ’’في أول الأمر لم أقرأ شيئاً عن أصول هذا الفن القصصي، لكن عندما تقدمت قليلاً وكأي إنسان يحترم نفسه، قرأـ‘‘ ويأتي يوسف إدريس وهو الأكثر التصاقاً بالقصة القصيرة ليقول بصرامة وصراحة ’’لا، لم أقرأ، إن ماأعرفه بالحس والسليقة والفطرة أجدى مما يمكن أن أقرأه في هذا المجال‘‘
    وربما لو طرح هذا السؤال على عدد أكبر من كتاب القصة القصيرة في سائر الوطن العربي، لجاءت الإجابات متشابهة، وهذا مادعا ماهر فهمي أن يقرر في حديث عن بعض كتاب القصة، أن الكثيرين منهم ’’لديهم رسالة عامة، ويعرفون أن القصة وسيلة لإيصال هذه الرسالة… لكن قوانين كتابة القصة القصيرة والتركيبات النفسية والفكرية ولحظات تخلقها في النفس البشرية تبقى نادرة‘‘
    ولاأتوقع أن كتاب وكاتبات القصة المحليين سيكونون بمنأى عن هذه النتيجة، وهذا ماأكده شفوياً بعض كتاب القصة، وفي لقاء صحفي قال سباعي عثمان ’’في دنيا الأدب (وهي صفحات ثقافية كان يشرف عليها) اكتشفت موهبة القصة في نفسي، وكان ذلك بالصدفة من خلال زاوية يومية كنا نتبادلها أنا والزملاء في جريدة المدينة‘‘ ولعل سباعي عثمان ليس الوحيد، الذي وجد نفسه يكتب قصة دون وعي كامل بفن القصة ومفهومه وتقنياته.
    وكم أتمنى أن أقوم باستبيان على المستوى المحلي، يشترك فيه أكبر عدد ممكن من المبدعين والمبدعات يتفضلون فيه بالإجابة على أسئلة عامة حول تجربتهم القصصية بشكل خاص، ورؤاهم حول فن القصة القصيرة، فهذا دون ريب سيقود إلى نتائج تخص الإبداع المحلي.
    ولعل سؤالاً يتم طرحه في هذا الإطار، يتصل بالعلاقة المباشرة بين الإبداع وبين دراية المبدع بمفاهيم الفن الذي يبدعه! وبطريقة أخرى ’’ماذا سيفيد تحديدج مفهوم القصة القصيرة بالنسبة للمبدع؟‘‘ وهو سؤال طرحه جريدي المنصوري عقب محاضرة لي في نادي الطائف الأدبي حول مفهوم القصة القصيرة، وهذا السؤال يتركز حول العملية الإبداعية نفسها، وهنا يجدر التأكيد على مسألتين أساسيتين، الأولى تتمثل في أن الدراية النظرية وحدها لن تخلق مبدعاً أو إبداعاً، والثانية أن الكاتب الذي يظل أسيراً للتنظير الإبداعي لن ينتج إبداعاً. إن المبدع يجب أن لاتحده قيود نظرية، ويتوقع منه أن يكون (أكبر من العروض) وفوق تحديد مسالك ودروب الفن. إلا أن ثقافة المبدع بشكل عام تؤثر في إبداعه، ومعرفته بأساليب ونظريات وتقنيات فنه الإبداعي، ستزيد دون ريب من معرفة دهاليز فنه وخباياه وبالتالي تملك ناصيته. وهذا ينتج عنه مزيد من الإبداع.
    في إطار البحث عن مفهوم القصة القصيرة، تستوقفنا قضية المصطلح باعتبار دلالته، التي تنبع من المفهوم، ومن الملفت للنظر جداً أن هذه القضية لاتؤرق الباحثين في هذا المجال، فالكتب الأولى التي درست القصة القصيرة في الأدب العربي لم تطرح بدءاً قضية المصطلح، منها دراسة عبدالعزيز عبد المجيد (القصة القصيرة العربية الحديثة) ودراسة محمود حامد شوكت (الفن القصصي في الأدب المصري الحديث) ودجراسة سيد حامد النساج (تطور فن القصة القصيرة في مصر منسنة 1910 إلى سنة 1933م) وهذه الدراسات الثلاث رسائل دكتوراه. إضافة إلى كتاب يحيى حقي (فجر القصة المصرية) وكتاب عباس خضر (القصة القصيرة في مصر منذ نشأتها حتى سنة 1930م)
    وبالرغم من صدور عشرات الكتب التي تتناول القصة القصيرة بشكل تاريخي، أو دراسة اتجاهاتها العامة، أو دراسات لمبدعين بشكل انفرادي، نجد أنها غالباً لاتقف عند قضية المصطلح. من هذه الكتب مثلاً حسن البنداري (فن القصة القصيرة عند نجيب محفوظ 1988م) إيفلين فريد جورج يارد (نجيب محفوظ والقصة القصيرة 1988م) عبد الحميد عبد العظيم القط (يوسف إدريس والفن القصصي 1980م)، وقد استخدم القط في كتابه مصطلحات (القصة القصيرة والأقصوصة والقصة القصيرة الطويلة) دون تحديد نقدي لهذه المفاهيم. ويرى الدكتور حسام الخطيب أن عدم تحديد المصطلح برزت معه ’’صعوبة تحديد تاريخ دقيق لنشأة القصة العربية الحديثة‘‘.
    ورغم أننا لانجد تعدداً كبيراً في مصطلحات القصة القصيرة، فإننا لانجد في أدبنا العربي اتفاقاً على مصطلح واحد لهذا الفن، فالعقاد مثلاً في كتابه (خواطر في الفن والقصة) يستخدم مصطلح (الحكاية القصيرة) أو (الحكاية النادرة)، وهذه حسب رأيه تقابل (short story) ،كما يستخدم مصطلح (القصة الصغيرة) لنفس المفهوم، وقبل ذلك نجد يحيى حقي في (فجر القصة المصرية) يتراوح بين استخدام مصطلحي (القصة الصغيرة) و (القصة القصيرة) أما محمد يوسف نجم في (فن القصة) فيستخدم مصطلح (الأقصوصة) ويشاركه في ذلك فتحي الأبياري، دون وقفة نقدية لسبب اختيارهما لهذا المصطلح، رغم أن الأبياري كان على وعي بهذا الاستخدام، ح يث أشار في دراسته عن تيمور، إلى أن الأقصوصة هو مايسمونه باللغة الإنجليزيةshort story وباللغة الفرنسية conte. أما محمد الهادي العامري فرغم أن دراسته جاءت بعنوان (القصة التونسية القصيرة) فإنه يستخدم مصطلحات (القصة القصيرة والأقصوصة والقصة) لتشيرة إلى مفهوم واحد. وفي دراسة حمزة بوقري للقصة القصيرة في مصر، نجده يستخدم مصطلح (الأقصوصة والقصة القصيرة) بشكل تبادلي لنفس المعنى.
    يقف صبري حافظ وقفة أطول عند قضية المصطلح (فصول4:2) فيشير إلى تذبذب الدارسين بين استعمال مصطلحي (الأقصوصة والقصة القصيرة) للدلالة على المصطلحين الإنجليزي والفرنسي. ويؤثر صبري حافظ مصطلح الأقصوصة، لأسباب منها إيجازه، وإمكانية اشتقاق صفة أقصوصي منه. إضافة إلى أن مصطلح القصة القصيرة على حد تعبيره، ’’يحمل ميسم الترجمة الواضحة من الإنجليزية التي تفتقر إلى صيغ التصغير. ومن هنا تحتاج إلى كلمتين حيث تكتفي العربية بكلمة واحدة. ولن هذا المصطلح كلمة واحدة في الفرنسية وأخرى في الألمانية Kurzgeschichten وإن كانت مركبة …فلماذا يصر الكثيرون على استخدام الترجمة الحرفية للإصطلاح افنجليزي؟‘‘
    ورغم شرعية مايطرحه الناقد صبري حافظ، فإنه لايمكن النظر إلى قضية هذا المصطلح بمعزل عن المصطلحات الأخرى، المتعلقة بفن السرد الحديث.
    ولعله من الضروري أن تكون معالجة المصطلح ضمن إطار جمعي للمصطلحات المتعلقة بالفن الأدبي الواحد، فما يبدو مقنعاً حين التعامل معه على انفراد قد لايبدو كذلك حين يتداخل مع مجموعة من المصطلحات الأخرى. إلا أنه بالرغم من ذلك فإن مصطلح (القصة القصيرة) قد أخذ من الشهرة والتداول بين النقاد والمبدعين ما جعله جديراً بالتبني. أما مصطلح الأقصوصة فإني أميل إلى استخدامه مقابلاً لمصطلح Novella، متفقاً في ذلك مع مجدي وهبة، وسعيد علوش حسبما جاء في معجم كل منهما. وهو العمل الأدبي الذي يقع بين الرواية Novel والقصة القصيرة، ويمكن اعتبار (قنديل أم هاشم) مثالاً له.
    د. عبدالعزيز السبيل الرياض

    =======
    الإخوة الكرام
    أتمنى ان تروق لكم كما راقت لي.
    أخوكم: مصطفى
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي ولريشة الغالية أهداب الشكر الجميل

  2. #2
    الصورة الرمزية عبد القادر رابحي شاعر
    تاريخ التسجيل : Jul 2006
    المشاركات : 1,735
    المواضيع : 44
    الردود : 1735
    المعدل اليومي : 0.27

    افتراضي

    الأستاذ الكريم الفاضل استاذنا الدكتور مصطفى عراقي..
    اشكر لكم هذا الكرم الجمسل في تعميم الفائدة حول موضوع على اهمية كبيرة..
    قرأت و اسفدت كثيرا...
    و اريد أن اقوا وفق ما جاء في هذه المقالة القيمة إن مسألة الحجم الذي بإمكانه أن يشكل الفارق الرئيسي بين الروايو و القصة القصيرة و الأقصوصة هو حجم عادة ما يكون في أذهان النقاد المقعّدين للأجناس الأدبية و نشأتها ... أما بالنسبة للمبدع ، فالمسألة لا تطرح تماما بهذاذه الصورة ل، المبدع عموما ما يخلق أشكالا و أحجاما و سرعان ما يضيق بها ذرعا فيهجرها إلى ما هو اصغر منه أو أكبر منها و أطول منه أو أقصر منها..
    إن العمق الساسي- و هذا ما لا أعتقد أن أستاذي الكريم يخالفني فيه - هو في مستوى العمق الإبداعي الذي يقدمه العمل الأدبي..
    ام تري معي |أستاذي الكريم أن الأجناس الأدبية نشأ بعضها من ضلع بعض و أن المبدع عادة ما يكون أميل إلى ضغط الدال و توسيع المدلول عن طريق التكثيف.. و أن ثمة خيطا تنازليا بين أقدم الأجناس الأدبية المكتوبة(الملحمة) و أحدثها(الأقصوصة)....


    تحياتي لكم
    و شكرا عبد القادر

  3. #3
    الصورة الرمزية د. نجلاء طمان أديبة وناقدة
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    الدولة : في عالمٍ آخر... لا أستطيع التعبير عنه
    المشاركات : 4,224
    المواضيع : 71
    الردود : 4224
    المعدل اليومي : 0.68

    افتراضي

    أظن دكتور مصطفى أن عنوان المقالة هو أبلغ رد
    وأضيف
    هى رأئعة من روائع الرائع
    تحية وشذى أيها الرائع
    الوردة السوداء
    الناس أمواتٌ نيامٌ.. إذا ماتوا انتبهوا !!!

  4. #4
    الصورة الرمزية حنان الاغا في ذمة الله
    أديبة وفنانة

    تاريخ التسجيل : Nov 2006
    الدولة : jordan
    المشاركات : 1,378
    المواضيع : 91
    الردود : 1378
    المعدل اليومي : 0.22
    من مواضيعي

      افتراضي

      الأخ الدكتور مصطفى

      عودتنا دائما على نتابعة كل ما هو قيّم ، وهذه الدراسة جاءت في وقتها حقا .
      قرأتها إلا قليلا منها لم أتمكن من قراءته ، لكنهازيارة سريعة
      سأعود لقراءة هادئة بإذن الله
      وتعقيب مختصر جدا الآن ، هو أن القصة القصيرة كما أراها لا يمكن أن تكون نصا أو جزءا مجتزءأ من الرواية
      فهي تكوين مختلف ، وإن كان يشترك مع الرواية بما تقدمه لنا اللغة من طبق زاخر بالمفردات والمعاني والصور البلاغية وغير ذلك
      شكرا د. مصطفى فهي وجبة غنية
      أعود بإذن الله
      "يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي"

    • #5
      الصورة الرمزية وفاء شوكت خضر أديبة وقاصة
      تاريخ التسجيل : May 2006
      الدولة : موطن الحزن والفقد
      المشاركات : 9,734
      المواضيع : 296
      الردود : 9734
      المعدل اليومي : 1.49

      افتراضي

      الأستاذ والأخ الفاضل / د. مصطفى عراقي ..

      جزاك الله خيرا على ما نقلت لنا من علم ومنفعة وفائدة ، حقا المقالة طويلة ولا أعتقد أن طباعتها على الحسوب كان أمرا هينا عليك ، ولذا ندعو لك بعظيم الثواب وخير الجزاء .
      لم أستطع أن أغلق هذه الصفحة دون أن أتم قراءتها ..

      لك التحية والتقدير ..
      مودتي .
      //عندما تشتد المواقف الأشداء هم المستمرون//

    • #6
      الصورة الرمزية النواري محمد الأمين شاعر
      تاريخ التسجيل : Mar 2007
      الدولة : المغرب
      المشاركات : 824
      المواضيع : 42
      الردود : 824
      المعدل اليومي : 0.13

      افتراضي

      الأخ والاستاذ الفاضل / مصطفى عراقي
      تمنياتي لك بالتوفيق ومواصلة التميز ان شاء الله
      وفي انتظار مشاركاتك القادمة والمفيدة كما عهدناها دوما
      جزاك الله خــيرا ..
      فأتعس مازار الهوى قلب عاشق = وألطف مازار الهوى قلب شاعر

    • #7
      الصورة الرمزية د. مصطفى عراقي شاعر
      في ذمة الله

      تاريخ التسجيل : May 2006
      الدولة : محارة شوق
      العمر : 64
      المشاركات : 3,523
      المواضيع : 160
      الردود : 3523
      المعدل اليومي : 0.54

      افتراضي

      اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد القادر رابحي مشاهدة المشاركة
      الأستاذ الكريم الفاضل استاذنا الدكتور مصطفى عراقي..
      اشكر لكم هذا الكرم الجمسل في تعميم الفائدة حول موضوع على اهمية كبيرة..
      قرأت و اسفدت كثيرا...
      و اريد أن اقوا وفق ما جاء في هذه المقالة القيمة إن مسألة الحجم الذي بإمكانه أن يشكل الفارق الرئيسي بين الروايو و القصة القصيرة و الأقصوصة هو حجم عادة ما يكون في أذهان النقاد المقعّدين للأجناس الأدبية و نشأتها ... أما بالنسبة للمبدع ، فالمسألة لا تطرح تماما بهذاذه الصورة ل، المبدع عموما ما يخلق أشكالا و أحجاما و سرعان ما يضيق بها ذرعا فيهجرها إلى ما هو اصغر منه أو أكبر منها و أطول منه أو أقصر منها..
      إن العمق الساسي- و هذا ما لا أعتقد أن أستاذي الكريم يخالفني فيه - هو في مستوى العمق الإبداعي الذي يقدمه العمل الأدبي..
      ام تري معي |أستاذي الكريم أن الأجناس الأدبية نشأ بعضها من ضلع بعض و أن المبدع عادة ما يكون أميل إلى ضغط الدال و توسيع المدلول عن طريق التكثيف.. و أن ثمة خيطا تنازليا بين أقدم الأجناس الأدبية المكتوبة(الملحمة) و أحدثها(الأقصوصة)....
      تحياتي لكم
      و شكرا عبد القادر

      =========

      أخي الحبيب الشاعر الناقد ذا الرؤية

      كان هذا هو الغرض من نقل هذه المقالة المهمة التي لخصت أهم ملامح الفنون القصصية بين التنتظير والإبداع
      أن نتناقش ونتأمل

      دمت بكل الخير أيها الفاضل مبدعا وباحثا


      محبك: مصطفى

    • #8
      أديب وناقد
      تاريخ التسجيل : Oct 2006
      الدولة : الكويت _ مصر
      المشاركات : 133
      المواضيع : 5
      الردود : 133
      المعدل اليومي : 0.02

      افتراضي

      أستاذنا الحبيب الشاعر والناقد القدير الدكتور مصطفى

      اختيار المرء وافر عقله , كما يقولون

      وهذا درس مختار بعناية فائقة
      نحن في أشد الحاجة إليه متلقين ومبدعين
      كما أننا في حاجة إلى تثبيته تقديرا وتعميما للفائدة

      مع وافر مودتي وتقديري
      إيهاب

    • #9
      الصورة الرمزية حسام القاضي أديب قاص
      تاريخ التسجيل : Mar 2006
      الدولة : مصر+الكويت
      العمر : 63
      المشاركات : 2,213
      المواضيع : 78
      الردود : 2213
      المعدل اليومي : 0.34

      افتراضي

      أخي وأستاذي / د. مصطفى عراقي
      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

      هي كما أسلفتم بالفعل مقالة مهمة جداً في فن القصةالقصيرة والأقصوصة
      عرض واف لمجموعة من آراء المبدعين والنقاد ، هذه الآراء وضعت مفهوم القصة القصيرة
      داخل طيف كالطيف اللوني ، مساحة عريضة غير محددة الحواف يستشعرها المبدع الحقيقي
      فقط بل ويدرك أبعادها دون تحديد ما .
      لك الشكر العميق أساذنا العزيز على هذا الاختيار الدقيق لما كنا نحتاجه بعيداً عن بعض الاجتهادات غير الموفقة من البعض.

      تقبل تقديري واحترامي .
      حسام القاضي
      أديب .. أحياناً

    • #10
      عضو غير مفعل
      تاريخ التسجيل : Mar 2006
      الدولة : الكويت
      المشاركات : 34
      المواضيع : 6
      الردود : 34
      المعدل اليومي : 0.01

      افتراضي

      أحسنت أخي وأستاذي / د. مصطفى عراقي

      بارك الله فيك 00اختيار موفق 00حقا أنها مقالة قيمة ومهمة جدا00

      لك وافر الأحترام والتقدير

    صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

    المواضيع المتشابهه

    1. مقالة مهمة في فن القصة القصيرة، والأقصوصة.
      بواسطة د. مصطفى عراقي في المنتدى قَضَايَا أَدَبِيَّةٌ وَثَقَافِيَّةٌ
      مشاركات: 17
      آخر مشاركة: 14-09-2012, 02:44 AM
    2. القصة القصيرة جدا: قراءة في التشكيل والرؤية
      بواسطة د. حسين علي محمد في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
      مشاركات: 17
      آخر مشاركة: 27-06-2010, 01:08 PM
    3. القصة القصيرة تحت المجهر
      بواسطة سعيد أبو نعسة في المنتدى قَضَايَا أَدَبِيَّةٌ وَثَقَافِيَّةٌ
      مشاركات: 21
      آخر مشاركة: 15-05-2006, 12:17 AM
    4. مبارك عليكم دوحة القصة والأقصوصة
      بواسطة نسيبة بنت كعب في المنتدى الروَاقُ
      مشاركات: 6
      آخر مشاركة: 25-04-2006, 01:01 AM
    5. فهرست أدباء القصة القصيرة و دوحة النثر
      بواسطة نسيبة بنت كعب في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
      مشاركات: 48
      آخر مشاركة: 13-04-2006, 08:59 PM