أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 9 من 9

الموضوع: إبرة وخيط ...

  1. #1
    الصورة الرمزية فؤاد البابلي قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : May 2009
    المشاركات : 20
    المواضيع : 15
    الردود : 20
    المعدل اليومي : 0.00

    افتراضي إبرة وخيط ...

    نتحرك في كل مكان لنبحث عن حيز للاحتماء فلا أمان ، وغَرَسنا شجراً وورداً وأغصاناً وأحلاماً في محيط البيت فلم يبق منه شيء ، لقد اقتلعته دبابات حاقدة لتفسح الطريق وتمهدها بخطوط وحشية متجه نحو البيت لانتزاعنا من جذورنا ، ويحاصرنا رصاص وقنابل ، وأصوات تنهش عظمنا ، وتأمرنا صيحات الجند بأن نترك المكان ونرحل ، وأزيز طائرات يدوي في كل مكان ومدافع تقصف حمماً من بعيد ، فإلى أين نذهب وكيف ؟ فنحن أكثر من عشرة أطفال صغار ويافعين وشباب وزوجة مريضة وشيخ كبير ، وإن تركنا البيت فلا بيت ! لكنه الزجاج يتطاير وأركان البيت تهتز وتعتز ، فانسحبنا من الركن الجنوبي وانطلقنا لأقارب لنا ؛ لنفر إلى أقدارنا ومعنا : محمد وأحمد وحسن وإبراهيم وخالد وأم محمد وأبو محمد وسمية وعائشة وهند وأم حسن وأم إبراهيم ، ولما وصلنا لشارع صلاح الدين لمحت في عيون الأبناء إصراراً وقوة ، وفوق رؤوسهم عز ومجد وبأياديهم رايات خافقات، وفي قلوبهم عشق للأرض وللدار وللبيت .
    يسير الموكب عظيماً رغم ضعفه قوي مزلزل له هيبة تخشاه الطائرات التي تنسحب من سماء غزة ، وفيه وقار العظماء من الفاتحين ، وفي مقدمتهم إبراهيم يأبى إلا أن يكون الأول ويعشق المقدمة ، ويحتمي الجميع بجسده الصغير الطاهر من رصاصات حاقدات غادرات تنهمر كالمطر ؛ ليتفرق الموكب ويسقط إبراهيم حاملاً رايته ليلتقطها من معه ويحملوه مكبرين ! لقد أصابته رصاصات فيعتلي الأعناق وتسبح عيونه فرحة بجسده الذي كان حافظاً لأهله وعشيرته وتزغرد النسوة باكيات .
    لما يمت إبراهيم ... ويحتمي الجميع في بيت قريب وتحتضن الأم ابنها الجريح تضمد جرحه النازف وتذرف دموعاً حارات تنزل باردة على جبينه ، وسيارات الإسعاف قريبة لكنها لا تجرؤ على التقدم وكلما حاول أحد أن يسعف الجريح تعالجه الرصاصات والقذائف فيتراجع آسفاً ، إنه الموت في كل مكان وإن لم تفقد الجسد فسيكون بتر لقطعة منه ، والأم ثكلى وإن لم يمت إبراهيم : لكنها الإبرة والخيط سوف أربط الجرح بإبرة وخيط ليقف نزف القلب ويشفى الجرح ، وتمسك الإبرة ويدها ترتجف وتغرس الإبرة في الجسد وتخرجها وألم يعتصرها ويحتويها وتشتعل أحشاؤها وترتعش أوصالها ونور يصعد من جبينها وجبينه حبات عرق ندي ، وتنبعث رائحة مسك في كل مكان ، والجميع يناشدها ألا تفعل وينظرون إليها معاتبين قسوتها مشفقين عليها ، لكنه الأمل بأن يعيش ويحيا وحين تنتهي من وخز آخر إبرة في الجرح تنتهي آخر قطرة من دمه الطاهر وتسقط آخر دمعة من مقلتها وينظر إليها إبراهيم مبتسماً لتفارق روحه الجسد وهو في حضنها فتقف بعز وشموخ وتقول الحمد لله .
    لا نهزم من خوف يتربص في كل مكان وشوق وضعف يشعرنا ببرد كانون ، وإن أخفينا آلامنا وأحلامنا وعطر أنفاسنا سنشعر بدفء إرادتنا ولن نستسلم لظالم ولن يكسرنا قيد سجان ، وسنجمع كل ما تبقى منا ونعود ومعنا كل مفاتيح الدور لنحمل غرسنا وبذرنا لينبت عشقاً في سهولنا .
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  2. #2
    الصورة الرمزية خالد الجريوي قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Sep 2010
    المشاركات : 1,330
    المواضيع : 83
    الردود : 1330
    المعدل اليومي : 0.27

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فؤاد البابلي مشاهدة المشاركة
    ......، والأم ثكلى وإن لم يمت إبراهيم : لكنها الإبرة والخيط سوف أربط الجرح بإبرة وخيط ليقف نزف القلب ويشفى الجرح ، وتمسك الإبرة ويدها ترتجف وتغرس الإبرة في الجسد وتخرجها وألم يعتصرها ويحتويها وتشتعل أحشاؤها وترتعش أوصالها ونور يصعد من جبينها وجبينه حبات عرق ندي ، وتنبعث رائحة مسك في كل مكان ، والجميع يناشدها ألا تفعل وينظرون إليها معاتبين قسوتها مشفقين عليها ، لكنه الأمل بأن يعيش ويحيا وحين تنتهي من وخز آخر إبرة في الجرح تنتهي آخر قطرة من دمه الطاهر وتسقط آخر دمعة من مقلتها وينظر إليها إبراهيم مبتسماً لتفارق روحه الجسد وهو في حضنها فتقف بعز وشموخ وتقول الحمد لله .
    .
    مشهد مذهل بقلم ساحر

    لكنه الشهيد يا أخي
    يموت ليحيا أبدا

    حفظ الله قلبك
    وأنعم علينا بنعة الخاتمة بشهادة في سبيله
    دمت وهذا الإبداع

    تقديري الكبير

    وباقة ورد نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    الصورة الرمزية كاملة بدارنه أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2009
    المشاركات : 9,824
    المواضيع : 195
    الردود : 9824
    المعدل اليومي : 1.85

    افتراضي

    قصّة تعكس الواقع المؤلم الذي يُعجز معظم الشعوب عن تحمّله، إلّا الشّعب الفلسطيني
    ومسكينة هي الأم الثّكلى التي تفقد ابنها لولا قوّة الإيمان التي تتحلّى بها
    سرد سلس بلغة معبّرة
    حبّذا لو أنهيت القصّة بجملة: تقف بعز وشموخ وتقول الحمد لله لكانت الخاتمة أقوى
    تقديري وتحيّتي

  4. #4

  5. #5
    الصورة الرمزية آمال المصري عضو الإدارة العليا
    أمينة سر الإدارة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : Egypt
    المشاركات : 23,786
    المواضيع : 392
    الردود : 23786
    المعدل اليومي : 4.13

    افتراضي

    عزيمة وإصرار لايعرفها إلا المرأة الفلسطينية
    نص موجع للقلوب أتقنت فيه أديبنا نقل المشهد باقتدار
    ومع من سبقوني من الفضليات بشأن الخاتمة
    همسة :
    تشتاقك صفحات الواحة وصفحاتك
    تحاياي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  6. #6
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.71

    افتراضي

    تبني الأمم حضاراتها بالجهد والعرق، وترفع ألوية انتصاراتها على أرض مجبولة بالدماء الزكية
    وتزهو صورة الشهادة عند فهم منطلقاتها ومعايشة ما يؤطرها من وجع سكن القلوب المحبة وأمل بالخير لحبيب أغلى هو الوطن

    قصة جميلة المضمون ، موفقة السرد

    وأوافق الرائعة كاملة بدارنة فيما يتعلق بنهاية القصة

    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  7. #7
    الصورة الرمزية نداء غريب صبري شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    الدولة : الشام
    المشاركات : 19,096
    المواضيع : 123
    الردود : 19096
    المعدل اليومي : 3.80

    افتراضي

    الشهادة حياة بعد الموت ، وألم الشهادة الذي كنا نظنه نصيب الفلسطينين وحدهم أصبح من نصيب كل العرب والمسلمين ويهودنا من أهلنا
    قصة جميلةجدا ومؤثرة جدا

    شكرا لك
    بوركت
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  8. #8
    الصورة الرمزية خلود محمد جمعة أديبة
    تاريخ التسجيل : Sep 2013
    المشاركات : 7,724
    المواضيع : 79
    الردود : 7724
    المعدل اليومي : 1.99

    افتراضي

    ومن الجرح النازف كان مدادك ففاح المسك من بين السطور
    رائع
    تقديري

  9. #9
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,131
    المواضيع : 318
    الردود : 21131
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    لانهزم من خوف يتربص في كل مكان وشوق وضعف يشعرنا ببرد كانون ، وإن أخفينا آلامنا وأحلامنا وعطر أنفاسنا
    سنشعر بدفء إرادتنا ولن نستسلم لظالم ولن يكسرنا قيد سجان ،
    وسنجمع كل ما تبقى منا ونعود ومعنا كل مفاتيح الدور لنحمل غرسنا وبذرنا لينبت عشقاً في سهولنا .

    لقد مَرّت بالشعب الفلسطيني محن شداد ومصائب عظام، ولعل أبرزها تلك الحروب الظالمة والشرسة التي
    تشنها اسرائيل على قطاع غزة، حتى صارت دماء الفلسطينيين أرخص الدماء،
    ولكن الصمود الاسطوري للشعب الفلسطيني في مواجهة حرب المجازر والابادة الاسرائيلية يسطر ملحمة بطولية
    وسيكون لها النصر بإذن الله.
    قصة مؤثرة من واقع الألم الفلسطيني.
    بوركت ـ ولك تحياتي.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي