سؤال خطر على بالى .. وأنا أتابع الخيبة القوية لـمسيرة الدبلوماسية العربية فى مواجهة الإعتداءات المتكررة للعدو الأمريكي والصهيونى على العرب والمسلمين .. فى فلسطين والعراق والسودان وليبيا من قبل .. و والسياسات التوسعية المستمرة فى مدينة القدس التى تنتهجها ، وسياسات التعالى الأمريكية والصهيونية على قرارات الأمم المتحدة منذ بداية الصراع .. ودبلوماسية صهيونية تعرف طريقها جيدا ولديها سيناريوهات جاهزة وبديلة .. فى مقابل سياسات عربية خانعة ذليلة .. وليونة دبلوماسية خليعة .. تشهد بأن أصحابها لايحملون هموم هذه الأمة وليسوا على مستوى المسئولية التاريخية .. دبلوماسية كسيحة تسير بشكل عشوائى غير مدروس .. أهدرت معها ماء الوجه فضلا عن الوقت والمال .. وشاركت فى قتل كل صور الجهاد والبطولة والمقاومة والإنتفاضة .. بل ربما كانت تلك هى مهمتها الأساسية بعد أن تورط كثير من رموزها كسماسرة وعملاء فى خدمة الإستعمار الأمريكى والصهيونى .. أما السؤال الذى خطر ببالى هو .. إذا كان ثمة احتمال لأن أكون متجنيا على الدبلوماسية العربية وغير موضوعى .. إذن فلماذا لم تتخذ تلك الدبلوماسية العربية ولو موقفا واحدا يدل على أن تلك الأمة مازالت على قيد الحياة .. وأسئلة أخرى تدفقت على خاطرى .. مالذى يمنع حكام العرب من الإجتماع للتشاور وانقاذ مايمكن انقاذه فى وقت تنهار من تحـتنا القواعد ويخر علينا السقف .. لماذا لايفكر الدبلوماسيون العرب مثلا فيما كانوا يفكرون فيه عآم 47 .. من الإنسحاب الجماعى من الأمم المتحدة التى كانت ومازالت منذ نشأتها .. أداة استعمارية لإتخاذ القرارات التعسفية ضد الدول العربية لاسيما تلك التى لم يخضع حكامها بعد لبيت الطآعة الأمريكى ؟؟


لقد كتب طه حسين حول هذا المعنى فى مسامرات الجيب فى 14 ديسمبر 1947 كلاما أرجو أن نتدبره جيدا .. لما كان يحمله من نظرة استشرافية للمستقبل حيث تحقق ماقال .. وأكثر مما قال .. بعد أكثر من خمسين عآما .. حيث يقول بالنص : (( يقال ليس علينا بأس من البقاء فى هيئة الأمم المتحدة وانكار مالايلائمنا من قراراتها كما تفعل روسيا ، وهذا هو الحمق كل الحمق .. فنحن لانستمتع بما تستمتع به روسيا من حق الإعتراض الذى يجعل بقاءها فى هذه الهيئة نافعا لها كل النفع .. ونحن بعد ذلك لانستطيع أن نكون أعضاء فى الهيئة ثم لانحترم قراراتها ولا نذعن لأمرها .. ذلك شىء لاسبيل إليه .. قد يتاح لنا الآن ولكنه لن يتاح لنا غدا أو بعد غد (..) .. فلنتوكل على الله إذن ولنترك هذه الهيئة وما هى ممعنة فيه من العبث (..) الذى قد يستحيل فى يوم من الأيام إلى جد منكر (..) يجر على المشتركين فيه أهوالا لسنا فى حآجة إليها ؟؟ )) .


وقد حدث بالفعل ما توقعه طه حسين من أكثر من نصف قرن .. فقد ساهمت تلك الهيئة بشكل مباشر وغير مباشر فى اضفاء الشرعية على احتلال العصابات الصهيونية لأرض فلسطين بدءا بقرار التقسيم وماتبعه بعد ذلك من قرارات لاتسمن ولا تغنى من جوع .. سوى الشجب والمطالبة بالإنسحاب لتخدير قوى المقاومة العربية .. قرارات ظاهرها فيه بعض الرحمة وباطنها فيه ترسيخ أقدام الإحتلال والإغتصاب ، واضطرت الحكومات العربية - كما تنبأ طه حسين - إلى التراجع عن الإعتراف بعنصرية الصهيونية (.. ) ، وأشجع مافعلته الدبلوماسية المصرية هو الإمتناع عن التصويت على القرار الذى يقضى بذلك رغم ما يحمله من أبشع صور الإجحاف والظلم ومخالفة الحقيقة والضمير البشرى (..) ، وأدى إنصياع العرب وحدهم وبعض الشعوب المستضعفة والخضوع الكامل لقرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة تحت مسمى الشرعية الدولية إلى ضعف وليونة الحكومات العربية الداعية إلى أى سلام والسلام ، وعجزها عن اصدار ردفعل مناسب على جرائم العدو الصهيونى .. بل وانصاعت لقرارات لاأخلاقية لادينية لاقومية لاوطنية بالمشاركة فى قتال و حصار شعوب عربية وإسلامية والتواطؤ مع الإستعمار الأمريكى والصهيونى لقتلهم وتجويعهم إلى آخر البلاوى التى اضطرت الحكومات العربية إلى ارتكابها بسبب اشتراكها فى الأمم المتحدة واصرارها على البقاء فيها رغم عدم وجود أى منفعة من وراء ذلك كما يقول طه حسين (.. ) ، ولكم أن تتخيلوا ماذا كان سيكتب طه حسين لو عاش و رأى الإعتداءات الوحشية الأمريكية تدمر البنى التحتية لدول وشعوب بحجة تأديب حكامها .. دون الرجوع إلى خيال المآته الذى مازال العرب يصرون على البقاء تحت ظله .. وماذا كان طه حسين سيكتب عن الأمم المتحدة لو رأى مايسمى بمفاوضات السلام العربية الصهيونية تتم خارج نطاق الأمم المتحدة ؟؟ فالحقيقة التى نستخلصها من قراءة تاريخ الصراع العربى الصهيونى أن الأمم المتحدة كانت أحد أهم الأدوات الإستعمارية التى استعملها الإستعمار الأمريكى والصهيونى على أكمل وجه و بشكل مباشر وغير مباشر فى الإستيلاء على أرض فلسطين وإقامة الكيان الصهيونى على أنقاضــــها وتخدير الأمة العربية ؟؟