أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 10 من 10

الموضوع: وَأدُ الحلمِ

  1. #1
    الصورة الرمزية مُنتظر السوادي قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Sep 2010
    الدولة : العراق + البصرة
    العمر : 41
    المشاركات : 584
    المواضيع : 91
    الردود : 584
    المعدل اليومي : 0.12

    افتراضي وَأدُ الحلمِ

    وَأدُ الحلم
    أُماه ...، المعلم قال " يوم الاثنين سفرة ، ستذهب مدرستنا سفرة الأُسبوع القادم " .
    عانقتْه "حسنًا يا ولدي"، دفعتْ له أَربعة آلاف إِجرة السيارة، وقد عصرها العوز، لكنّ السفرةَ فرحةُ أحمد .
    سارَ فِي الطريق المعاكس بعد عودته من المدرسة ، وصل إِلى بيت عمه ، هرولَ نحو عمّه، قبَّلَ يديه ، مَسَح َالعمُّ رأسَ أَحمد ، وناوله قطعة حلوى ، لكنَّه رفض أخذها ، ومال برأسه جانبًا .
    ما بكَ يا أحمد ؟ هل تشاجرتَ مع أَحدٍ ؟
    لم يتفوه، ما تريدُ أَنا تحت أَمرك، ورأسه مطأطِئًا بصوتٍ ينطقُه الأدبُ، " أُريد أروح للسفرة" . أَخرج العمّ محفظته وناوله ، ثم أولاد عمّه أعطوه أَيضًا ، عمّته " سأَعمل لك كيكة تعال وخذها يوم الأَحد بعدما ترجع من المدرسة" ، شكرا ، خرج وهو طائر من الفرح ، كفراشة بين نسائم الربيع .
    يَعِدُّ أَحمد الأموال " إِنها تكفي ، هذه للمرجوحة ، وهذه للركوب الحصان ، وهذه للسيارات ، يلا هذه المتبقية أُشاهد السينما ثلاثية الأبعاد" .
    أُماه ، يا أُماه ، دنا منها ويتمسح بأَطرافِ ثيابها ، " نعم حمودي ما تريد ؟"
    أُريدُ حذاءً ، فالسفرةُ عرسنا . أَصبحَ كُلُّ تفكيرِه فِي السفرةِ وأَلعابها ونقودِه .
    اقترب الموعد لم تتبقَ سوى ليلتينِ ونهارٍ واحدٍ ، يتقلبُ عَلَى السريرِ، كما تتقلبُ أَحلامُه فِي طوابيرِ الانتظارِ، لكنَّه فِي الأَخير غرقَ فِي النومِ ، فجأةً يرمي فراشَه ، والصراخ والبكاء يخرج دفعةً واحدةً ، فَزَّ مرتعباً ، تقفزُ أُمُّه عَلَى عجل ، " ما بك يا حمودي ؟"
    " ماما لِمَ تمنعيني من الذهاب ؟
    لِمَ لا يُسمحُ أَن أَركب السيارة ؟ "
    أَنت تحلم ، احتضنتْه ، ومسحتْ دموعه ، قبَّلته " لا تخف مجرد حلم هذا" .
    " ماما رأيتُ السيارات واقفةً والتلاميذ متجمعون ، والشمسَ تُغطيها غيوم الليلِ، والريح مرتفعة ، وأَنا لم أَقدر الاقتراب منهم أَنت تقفين بوجهي ، لِمَ لا يركبون فِي السيارات !! "
    أهدأ ، ما هذا إِلا حلم ، نُم يا عزيزي، الليلة أَحد ، وغدا المدرسة صباحا ، عليك النوم ، اِبعد عندك الوساوس .
    خرج أَحمد إِلى المدرسة مع أَصدقائه ، حينَ رأى باب المدرسة رجع راكِضًا نحو البيت ، يطرقُ الباب عَلَى عجلٍ ، أَحمد ما هناك ؟ ألم تذهب إِلى المدرسةِ !
    " نعم لكنّي رجعتُ أُذكرُك ، أَن تشتري لي حذاءً فغدا السفرة " .
    رفعتْه إِلى صدرِها، قَبَّلَتْه بِحنانِها " تدلل حمودي " .
    يبتسمُ ... ويقول غدا سفرتنا .
    قبل أَن يدقَّ الجرسُ مُعلنا نهاية الوجبة الأولى من المدرسة ، وَفِي تمام الساعة الحادية عشرة وعشر دقائق صباحًا ، اهتزّت الأَرضُ من تحتِ أَقدامِ التلاميذ ، فُتِحت الأبواب ، وَتساقطَ رُعبًا زجاجُ النوافذ ، الدوي أَيقظ صراخ الأطفال .. يندفعُ أَحمدُ من بين التلاميذ ، ويفلتُ من قبضة المدرسة، فقد أَمر المدير بإِغلاق كُلّ الأبواب تحرسا من انفجار آخر .
    يركض لكن لا يدري بِأَيِّ اتجاه، أَرعبَه الصوتُ، فها هو يبحثُ عن أُمِّه لِتُشعرَه بِالأَمانِ، مشهدٌ مُوحش، الدماء تصبغ الشارع ، جثث ملقاة هنا وهناك ، الأَشلاءُ متناثرة فِي كُلّ الأَرجاء ، دخانٌ يتعالى ، صياح وصراخ يدوي ، وأَنين ونياح ، الشمسُ تأكلُها سُحبٌ داكنةٌ، شردَ منه الفكر ، لا يدري أَينَ هو ، راح يتخطف النظر بينَ الجثث ، يتفطرُ فؤادُه اليتيمُ ، الشباب يجمعونَ القتلى فِي سيارات الحمل لنقلها للمستوصف القريب .
    يرى جثةَ امرأةٍ ما تزالُ فِيهَا حركةٌ ، استل من بينَهم، يقترب منها ، وقد أَخرجتْ يدها جانبا وَكَأَنَّهَا تلوّح بشيءٍ، يعبر نحو السيارة خفيةً ، ويدقق فِي تلك الجثة المغطاة بالعباءة السوداء ، وهو يقتربُ منها عرف أَنّ فِي داخلِ الكيس حذاءً، دنا منها أَكثر عرف أَنَّها أُمُّه وقد غابت عنها نبضات الحياةِ ، فِي رمقها الأَخير ، يرفعُ عن وجهها العباءة ، تبصره وعيناها مغرورقتانِ بالرحيل ، فتومئُ له بعينها إِلى يدها الميتة بِأَنَّها قد اشترت له الحذاء .
    منتظر السوادي - البصرة، 17 / 3 / 2013
    أَناخَتْ نارُهَا بَرْداً = وَعشق النَّاْرِ أَسرارُ

  2. #2
    الصورة الرمزية عبد السلام هلالي أديب
    تاريخ التسجيل : Sep 2012
    الدولة : المغرب
    العمر : 42
    المشاركات : 983
    المواضيع : 44
    الردود : 983
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي

    قرأت هنا قصة جميلة ، تفيض بمشاعر انسانية جياشة ، وهي الأم دائما رمز التضحيات الجسام ، حتى وهي بين أنياب الموت لم تنس ابنها و حلمه في امتلاك الحذاء.
    النهاية في نظري حققت المفاجأة المطلوبة ، ففي غمرة الأحداث نسينا الحذاء و ربما نسيه الطفل أيضا لهول ما رأى لكن الأم لم تنسه.
    أفضل و هذا مجرد رأي أن يقف النص عند هذا الحد : "وهو يقتربُ منها عرف أَنّ فِي داخلِ الكيس حذاءً،"
    صراحة فكرة النص جميلة جدا و معبر و كذا البناء وانسيابة السرد .
    شابت النص بعض الهنات اللغوية .
    هل " طائر من الفرح " تعبير فصيح ؟
    استمتعت بالقراءة حقا.
    أشكرك أخي منتظر.
    اللهم اهدنا إلى ماتحبه وترضاه

  3. #3
    الصورة الرمزية آمال المصري عضو الإدارة العليا
    أمينة سر الإدارة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : Egypt
    المشاركات : 23,786
    المواضيع : 391
    الردود : 23786
    المعدل اليومي : 4.14

    افتراضي

    قصة جميلة بسرديتها وأسلوبها الأنيق وتصاعد أحداثها
    الخاتمة رائعة رغم أنك جزأتها فلو قلت مثلا :
    " دنا من الجثة, ورفع عن وجهها العباءة السوداء, ودقق النظر فيه ؛ فتبصره وعيناها مغرورقتان بالرحيل, تومئ له إلى يدها الميتة التي كانت تحمل كيسا به حذاء "
    مجرد رأي لاألزمك به, ولا تؤثر على انبهاري بروعة النص
    بوركت أديبنا الفاضل واليراع البارعة
    تحاياي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  4. #4
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : May 2012
    المشاركات : 4,790
    المواضيع : 82
    الردود : 4790
    المعدل اليومي : 1.10

    افتراضي

    مؤلمة وقع هذه الأحداث على النفس , وتبقى الأم تفي بوعدها لابنها لأنها رمز المحبة والعطاء والوفاء والتسامح وغن قوبلت بعكس ذلك كله
    رائع سردك وساحر أسلوبك
    شكرا لك

  5. #5
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,113
    المواضيع : 317
    الردود : 21113
    المعدل اليومي : 4.95

    افتراضي

    نص بليغ المعنى ـ وسرد سلس ـ وخاتمة مؤلمة
    وتبقى الأم دائما هى رمز الحب والحنان والعطاء بلا حساب
    رائعة الفكرة والسرد , جميلة اللفظ والحرف
    أصدق التحايا وأعطرها .

  6. #6
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.72

    افتراضي

    مشاعر جياشة نجح النص بإيلاج المتلقي أتونها في غمرة تنقله بالحدث بين ملامح الفقر ومطالب الطفولة البريئة وجشع العابثين بحياة الناس وأمنهم لتحقيق مطامع سياسية واقتصادية دامية ...
    اكتفيت من النص عندما تكشفت لي أمه بين الجثث تحمل بيدها كيسا فيه حذاؤه وكان ما تلاه بزعمي إسهابا ترهل به النص

    تحيتي للحرف ومحموله الإنساني السامي
    دمت بخير أيها الكريم

    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  7. #7
    الصورة الرمزية لانا عبد الستار أديبة
    تاريخ التسجيل : Nov 2012
    العمر : 53
    المشاركات : 2,496
    المواضيع : 10
    الردود : 2496
    المعدل اليومي : 0.60

    افتراضي

    ملعونة شوارعنا التي يكتب قصة الموت فيها مائع اللون في البيت الأبيض وينفذها أبناء جلدتنا بأكذوبة العرق والعقيدة والمذهب
    وهم لا مذهب لهم إلا عبوديتهم لما يصب في عقولهم أعداءهم
    حزينة هذه القصة
    أشكرك

  8. #8
    الصورة الرمزية أحمد عيسى قاص وشاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    الدولة : هـنــــاكــــ ....
    المشاركات : 1,961
    المواضيع : 177
    الردود : 1961
    المعدل اليومي : 0.31

    افتراضي

    هو الموت في كل مكان ،، رأيته طفل سوري ، ورأيتها أماً سورية ، وربما أراهما من فلسطين ، أو بورما ، أو العراق ، ففي كل قطرٍ حكاية تشبه هذه ..
    مشاعر مؤلمة ، سطرتها حروفك ، واستطعت أن تجيد كما تفعل دائماً ، وأن تبدع جداً في كثير من السطور ،،، "" تبصره وعيناها مغرورقتانِ بالرحيل ""
    يا لهذا السطر وما يحمل من معان

    أديبنا القدير : منتظر السوادي

    حرفك لا يحتاج شهادة مني
    بأنه الأجمل والأقدر على ايصال الرسالة
    خالص الود
    أموتُ أقاومْ

  9. #9
    الصورة الرمزية نداء غريب صبري شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    الدولة : الشام
    المشاركات : 19,096
    المواضيع : 123
    الردود : 19096
    المعدل اليومي : 3.81

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة لانا عبد الستار مشاهدة المشاركة
    ملعونة شوارعنا التي يكتب قصة الموت فيها مائع اللون في البيت الأبيض وينفذها أبناء جلدتنا بأكذوبة العرق والعقيدة والمذهب
    وهم لا مذهب لهم إلا عبوديتهم لما يصب في عقولهم أعداءهم
    حزينة هذه القصة
    أشكرك
    قتلتني عيناها المغرورقتان بالرحيل
    وقتلني المشهد المؤلم

    شكرا لأختي لانا عبد الستار التيس استعرت لعنتها وتعليقها الرائع

    شكرا لكما

    بوركت
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  10. #10
    الصورة الرمزية خلود محمد جمعة أديبة
    تاريخ التسجيل : Sep 2013
    المشاركات : 7,724
    المواضيع : 79
    الردود : 7724
    المعدل اليومي : 2.00

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نداء غريب صبري مشاهدة المشاركة
    قتلتني عيناها المغرورقتان بالرحيل
    وقتلني المشهد المؤلم

    شكرا لأختي لانا عبد الستار التي استعرت لعنتها وتعليقها الرائع

    شكرا لكما

    بوركت
    والصمت أبلغ
    بوركت وكل التقدير

المواضيع المتشابهه

  1. وأْدُ...قُبلة ٍ
    بواسطة أحمدالحارون في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 02-03-2015, 10:08 PM
  2. وَأدُ الكلمات
    بواسطة جلال الصقر في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 20
    آخر مشاركة: 24-02-2010, 10:38 PM
  3. مَهمة وأد مستحيلة
    بواسطة ليال في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 17
    آخر مشاركة: 25-10-2007, 06:45 PM
  4. مُسَافِرٌ في الحُلْمِ إلى الحُلْمِ
    بواسطة طه محمد طه عاصم في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 25-10-2007, 12:26 PM
  5. وأد رسالة
    بواسطة وائل بن يوسف العريني في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 26-10-2006, 09:41 PM