نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي






) نشر في صحيفة الأولى عدد السبت الماضي

**

على ضوء شمعة نحن لم نكن نحتفل برأس السنة إنما لضرورة انطفاء الكهرباء وانتهاء بطاريات ما نخبئ فيها الضوء من أشياء. . أشعلنا شمعة تلو أخرى وبقينا معا أنا وأنت ورأس السنة.. لا يمكننا ونحن من مواليد هذا اليوم الأول من كل عام يأتي أن نحتفل بعيد ميلادنا وسيأتي من يقول لنا بأن احتفالنا لو حدث إما بدعة أو تقليد. .
ولكن ما الذي سيحدث لو احتفلنا به كيوم ميلاد فجر جديد؟
ما الذي سيحدث لو تغيرت مفاهيم هذا المجتمع وفتح عينيه على واقع العالم الآن وبدأ التعايش معها.. ؟
لا شيء سيحدث لو أن هذا المجتمع فكر قليلا ورأى أننا نعيش بطريقتنا الخاصة التي تحاكي واقعنا المبطن والتي لا علاقة لها بالبدع أو بالتقليد..
هذا ما أخبرك به. . وأنت تنصت لي وضوء الشمعة يعكس ظل واحد فقط هو ظل الواقع المحيط بنا خارج تلك اللحظة.. وفجأة..
تسألني عن الليبرالية وأجيبك عنها ولا أدعوك إليها.. وتنزف آلام الحاضر. . لدرجة أن الشمعة لم تكن لوحدها هي من تذوب. . وتنظر إلى الساعة وتسألني مرة أخرى عن رأس السنة وعندما أنظر إلى التأريخ في ساعتي أيضا أرى مثلما رأيت بأن الوقت تجمد ليس من البرد طبعا.. إنما من تخلف المجتمع وذوبانه في الجهل.. وثمة شيء قد تساقط بالأيام وأحداث العام مثل شجرة السدر ( الطلح ) التي عندما تجف غصونها تبدو وكأنها تشكل مشهدا جماليا من الرعب. .
يا له من عام يغادرنا وهو لم يقوى بأن يجمع آثار ما حدث فيه ويأخذها معه لتصبح من الماضي مثله تماما.. إنما يتركها لنا بأفراحها وأحزانها لنبدأ بها ( عام جديد يحترق ) بثقل تنهيدة المواقف التي حدثت في عام غيره. .
هذا العام مثلك تماما وأنت تحاول التحرر من كل هذه القيود المفروضة عليك.. تحاول فقط أن تعيش حياتك كما تحب. . ولكن قبلك سلالة جئت منها ترمي على كاهلك مخلفات عاداتها وتقاليدها.. وتمر عليك فترة وأنت تساير هذه المخلفات ولكن ليس الآن لا سيما بعد الربيع العربي. .
أنت تأبى أن تعايش الخريف في فصل آخر .. تأبى أن يسيطر عليك الظلام وأنت تجسد الضياء.. كما ترفض أن تحتفل بعيد ميلادك لأن هناك نقص في كالسيوم التأريخ وأصبح معظم الناس في بلادك من مواليد رأس السنة. .
تأبى إذا. . وترفض إذا.. وتذوب أسرع من الشموع في ظلام الحاضر الذي يحترق بين يديك.. ويبدأ إنصهارك بتجسيد الواقع والمجتمع الذي عندما ثار النور فيه إنصهر واحترق لآخر لحظة ولم يتبقى منه إلا العجز وعدم القدرة على الوقوف من جديد..
ياااااااااه.. هذا المجتمع كنزوة الظل المحيط بنا يستهلك النور بالتفرد لوجهات النظر لا بالشمولية .. لا أحد سينكر الآن بأن المجتمع لم يستفيق ولكنه باستفاقته أعطى الجهل القدرة على ارتداء ربطة عنق وجسده ليخرص عقول الناس وتتويهها. .
ليتنا يا أنت وأنا ورأس السنة سنكون مع الشقر والعيون الزرقاء نحتفل برأس السنة في موفنبيك لا أن نبيع ضمائرنا كما فعل سياسيين بلادنا وباعوا لسياسيين هؤلاء الذين نريد الاحتفال معهم..
بصراحة تخبرني وأخبرك أيضا بأن تنسى وأنسى الموضوع وكأننا حالة تشبه شطرين من الألم كانت تجسدها بلادك من قبل أن تولد أنت وأنا.. ألا تدرك بأنه من التعاسة أن نختتم العام بمثل هذا الهذيان أم من التعاسة أنهم يحكمون البلاد مصعرين خدهم عنها وقد حقنوا الجنون في وريد القادم ولذلك شل المجهول الذي نتمنى أن يأتي ويفاجئنا. .
وحدها التفجيرات والاغتيالات نتوقعها وتأتي مرعبة لنا ومفاجئة قليلا.. ولكن كل ما يأتي بعد ذلك متوقع إدانات وتجاهل وتهكم ولجان رئاسية بعجز جمهوري لا تقوى على إيضاح شيء كما حدث تماما...
منفضة سجائر قبل أن تنطفئ بنا الشمعة الأخيرة وبها لو نحاول إطفاء الحكومة ومسئوليها الآن لا اعتبرتهم المنفضة سجائر تالفة وأبت أن نطفئهم فيها .. وأطفئت الشمعة وفي تلك اللحظة إتضح لنا بأن رأس السنة ليس له جسد وعدنا صغارا نحاول أن نبكي على ذلك الجسد الذي أصبح رأسه وحيدا وبعيدا عنه.. وفي أول دمعة لو عرف رأس السنة ذلك لبكى لأننا ليس لنا وطن .. مقصلة التخلف والتسويف أبعدته عنا..
.. فأينا أجدر بالبكاء وأينا أحق بالدمعة.. لولا أن الدموع أصبحت مستهلكة والدليل عجوز ما استيقظ فجأة بعقلية طفل يبكي ليصبح رئيس الوزراء ..
والشيء المستهلك يفقد اهتمامه دائما ومصداقيته دائما بين الناس ولكنهم استهلكوا الوطنية وفقدوا ثقتهم بالوطن مع ذلك..
وأنت وأنا وغيرنا سنبدأ العام الجديد لوحدنا..



انتهى بتأريخه