المشهدُ الأوَّل
( يُفتحُ الستار والساعةُ تشيرُ إلى الساعة الثانية صباحًا ، المسرحُ يغزوه الظلام ، عدا بقعة مضيئة مسلَّطة على طاولة وكرسي خشبيان يستقرَّان في منتصف المسرح يجلسُ عليها شابًّا أغرًّا ، يتكأ بمرفقه على الطاولة وراحةُ يدهِ الدافئة تحضنُ خده ، ويده الأخرى يقبضُ بها قلمًا يُشقلبه بين إصبعيه ليضع سنَّته على الورقِ أمامه يكتبُ تحت ضوء شمعته ناطقًا ماتخطُّه يداهُ بصوتٍ مسموعٍ )
أبتاه ..
إنَّ في القلبِ مآسٍ حُظِرَتْ عن المشاهدين ، وجراحًا هيَّجها الظالمون
أبتاهُ ..
قد نعق الغراب
وتكاثرتْ حولي الذُّباب
وسلكتُ دربًا شائكًا
ففقدتُ عقلي والصواب
سجنوك ياأبتي ..!
لأنَّ روحك الحرَّى
ألقتْ بنفسها
بين أنياب الصعاب
ولم تهبْ نبح الكلاب
سجنوك ياأبتي ..!
لأنَّ الحقَّ يُدميهم
فيعييهم جواب
ويقهرهم عتاب
( يسقطُ القلمُ من يديه المرتجفتين وجسده ينتفضُ من حُرْقَة البكاء وتكالب الظلم
الذي سينفجرُ عن صحوةٍ قريبةٍ ، يضع رأسه على الطاولة وتنزلقُ يده مترنحة نحو الأسفل كأنما فقد روحه ولم يعُد يملك من هذه الدنيا ذا قيمةً ومعنى ويقول )
أبتاه ..
والله إنَّ مماتنا خيرٌ لنا من واقعٍ نحيا به كالأيتام .
( يُسدل الستار)
__________________________________________________ _________________
المشهد الثاني
(يعجُّ المكان بضجيج القنابلِ والبنادق ، وأصوات ارتطامِ الأبنية للأذن خارق ، وأنوارٌ ملوَّنةٌ خافتةٌ تُضئُ تارةً وتنطفئُ أخرى )
(يتحدَّث أحدُهم من خلف الكواليس وتُخفض أصوات الانفجارات : )
في ليلٍ من يومِ الإرهابِ الأسود ، زعزع أمن أوطاننا الإسلامية علوجٌ أنذالٌ من قوَّاتِ الاحتلال ونظامٌ فاسدٌ من قوَّات الرئيس الظالم، فالتفت المدينةُ برداءِ الخوف ، وغدتِ الأراضي خرابًا تسكنها الأشباح ويستوطنها السفَّاح الذي أخاط من دماء شعبه المسلم الزكية أثوابًا قانية تلتفُّ حوله كالأغصان لتلاحقه ذنوبه ومااقترفته يداه من جرائمٍ ينحتها التاريخ في جبين عهده النتن ، فهاهي ذكرى مجازرُ فلسطين تتكرر مشاهدها المؤسفة ، وهاهي خيامُ البائسين والأرامل والثكالى .
( يُفتح الستار وتعلو أصوات القنابل مرَّة أخرى ومازالت الأضواءُ معتمة ، ووقع الأقدام الوجلة تركضُ على المسرحِ بخوف تتخللها طلقاتُ رصاصٍ متوالية وصُراخُ النساء وشهيقُ الأطفال وانفجاع الرجال ، تُفتح الأنوار ليتجلَّى للجمهور بيوتًا مهدَّمة بجانبها جثثًا للكبار والصغار بعضهم يتدثرون بشراشف بالية ، وجثثًا أخرى متدحرجة على سلالم المسرح بقعُ الدماء كخرائطٍ في كلِّ مكان ، وفي أحدِ جوانبِ المسرح تنتصبُ مجموعةٌ من الخيامِ يقبع بها بعض اللاجئين منتظرين ، هناك شيخٌ كبير يتمدَّدُ عند عتبةِ أحد البيوت ، وبنية شعثاءٌ غبراء على وجهها معالمُ الشحوبِ وأماراتُ الحزن تبحث عن بقايا الأطعمة في سلة المهملات ثم تقوم وتمدُّ يدها سائلة بعض الواقفين على المسرح هنا وهناك وتقول)
لله ، لله يامحسنين
أعطوني مايملأُ جوفي ، أعطوني لأسدَّ الرمق
ماتت أمي وأبي حُرِق
سُجِن الأخوة وجرحي انفتق
لاأعلمُ أين المرفأ ؟ وماذا سيكون مصيري ؟
رحماك ياربااه
فقد أعياني الأنين وتلكَّأت في رواحها الخطوب
(فتى يقعد يضمُّ ركبتيه إلى صدره تداعب أنامله التراب وآخرٌ بجانبه في عينيه متاهاتُ الضياع وآلافُ الاستهامات البريئة )
الأول : بأيِّ ذنبٍ يُقتل الأطفال ؟وتُخدشُ عفة النساء ؟
بأيِّ ذنبٍ تُفجَّر المنازل ؟ وتُحرقُ أفئدةُ الأرامل ؟
وتُنهبُ الأراضي ؟ ويُعذَّب الشباب ؟
نحن نتضوَّرُ جوعًا والملكُ الهاربُ يشبعُ تخمة
يسلبُ كلَّ الأموال ،يُسقى مُدام ويُراقص غانيةً خرقاء
أمَّا بطانته فأخبثُ من في الكون !
( يتحدث صديقه الثاني بجانبه بصوتٍ ساخر )
فعلوا كلَّ ذلك لنظلَّ مأسورين لديهم نمدُّ أيدينا استجداء ، نبحثُ عن لقمة ،نطأطئ الرأس لأقدام الجشع السافل
نتشرَّدُ في سراديب الحياة وتتلقفنا المنايا ونحنُ في غفلة عمَّا يحدثُ خلف الأسوار !
لكن ..
هيهات هيهات ، تموتُ الحرَّة ولاترضعُ بثديها ياصديقي
الأول يتجاوب معه : خطتهم خطة غرب بحتة ، وستُغلق ملفاتُ قضيتنا بحجة مجموعة إرهاب وهمية
الثاني : صبرًا ،إنَّ فرج الله قادم وإنَّ بعد العسر يسرا بل يسرين
(بجانب أحد الخيام تنتحب بعض النسوة ويولولن أخريات تذمرًا وشكايةً ، يرتفع صوتُ إحداهنَّ )
ألا لعنةُ الله على الظالمين
شُلَّت أيادي الحاقدين
(تمسح دمعتها بكمها وتُكمل بصوتٍ مكلوم )
بالأمسِ كنتُ أميرةً
واليوم في أسرٍ وضعف
قد كان تاجي مرصَّعًا
وموائدي تزدهي بالطعام
واليوم أبغي رشفةً
من بعد جدبْ
( تهتف أخرى بصوتٍ متحشرج)
سفكوا الدماء ،عرقلوا أهداف مستقبلنا ، هدموا قصور آمالنا ، واستباحوا أعراضنا
ورضيعي يعوي من أمس ، وكأنَّ به مسٌّ من شيطان أو دعوةُ قسّ ..!
عيوني دمعت لبكاه ورفعتُ أكفي لسماء الذي برأ الخلق كي يرزقنا لتنبلق أبواب الخير ويزيح عنَّا بغي الطاغي ولظاه
(وتنفعل ثالثة )
حسبنا الله عليهم ونعم الوكيل ، اللهم عليك بمن اعتدى وتجبر وأراق دماء عبادك الثمينة
حسبنا الله عليهم ونعم الوكيل ..
متى سنوقف العدوان الغاشم ؟ ونزعزع عرش الظالم
هيَّا انهض ياعثمان وتدجَّج بسلاح الإيمان
قل كلمة حق تعصفُ بقلوب الجبناء
ثوروا ياأبنائي ثوروا وستنهمرُ الدعوات
قوموا مع الشيخ مجاهد ولتصفعوا خدَّ المارد
(يقوم الأطفال ويرددون هذا النشيد وهم يخرجون من المسرح بتؤدة إلى حين إسدال الستار)
"
في ربوع المجد كنَّا ** نصنع النصر المبين
ونبيـــــــد الظلــــــم إنــــــــــــــا ** نورنـــــا نـــــور اليقيـــــــــــــــن
إنهـــــــــا أنهــــــــــــــــــــار ُ دمٍّ ** فوق أرض المسلمـين
ويتـــــــــــامى وأيــــــــــامى ** وثكــــــــــــــــــالى وأنيـــــــــــــــــــــ ــن
كن لنا عونًا إلهى ياإله العالمين
يابلادي يابــــــــــــــــــــــ ـــــــــــلادي ** أشرق النــــــــــور المبيـــــن
أشرقت شمس البوادي ** صحوة الدين المتيـــــــن
هلَّل الكون وغنَّى ياإله العالمين
سنعيد المجد يومًا * لديــــــار المسلمين
ونقيم العدل إنَّا ** جند ربِّ العالمين
انصر الحقَّ إلهي ياإله العالمين" (1)
( يُغلق الستار )
________________________________
(1) أنشودة في ربوع المجد كنا لاأعلم من الشاعر الذي كتبها لكنها أحد الأناشيد الرائعة الموجودة في اليوتيوب