أحدث المشاركات
صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 21

الموضوع: نظارة محطمة تحت عجلة قطار

  1. #1
    الصورة الرمزية هشام النجار أديب
    تاريخ التسجيل : May 2013
    المشاركات : 959
    المواضيع : 359
    الردود : 959
    المعدل اليومي : 0.24

    افتراضي نظارة محطمة تحت عجلة قطار

    سبق الى القطار لحجز التذاكر هو وولده الوحيد الصغير صاحب العينين اللامعتين الضيقتين تشبهان أعين اليابانيين ، على أن تلحقة زوجته وابنتهما الوحيدة ذات العشر سنوات ، وعندما فاجأه القطار بالحضور والتحرك استقله حاملاً ولده صاحب الست سنوات قبل مجيئهما ، وفى الهاتف طلب منهما أن يلحقاهما بالأتوبيس أو الميكروباص .
    يفرح الأطفال بالمناظر الطبيعية على الجانبين وبحركة القطار البهلوانية وجريانه وسط البيوت والأراضى وبصوته الزاعق وسيره الصاخب ، محذراً ومنذراً بمقدمته المتجهمة كل من يتجرأ ويقف فى طريقه أو يفكر فى مواجهته .
    يحرص هو على اصطحاب الابنة لتعايش البشر والمواقف والنماذج الانسانية المتنوعة التى لا تتكرر ولا تجتمع الا فى رحلة القطار .
    من الصعب أن يفهم الولد الصغير هذه الأمور وتلك القضايا الانسانية العميقة ، فعمره لا يسمح ، كما تصور هو ، ومن يراه مندمجاً فى مراقصة القطار فى هزاته صعوداً وهبوطاً وشمالاً ويميناً ، يستبعد انتباهه لشئ آخر يتعلق بالمشاعر أو بالأفكار .
    انضم اليهما شاب فى العشرينات ضعيف البنية هادئ الملامح بشعر كثيف أجعد ، يرتدى نظارة طبية ويحمل أوراقاً تعطى انطباعاً ما حول عمله الوظيفى الحكومى ، ويسيطر عليه الارتباك ، ومنظره العام يوحى بوضعه الاجتماعى المتوسط حيث يرتدى ثياباً عادية محاولاً الحرص على التأنق والتلطف مع الآخرين .
    لكنه ظل يتحدث فى هاتفه طوال الوقت ويعاود النظر الى ساعته والى أسماء المحطات ، وتتساقط دموعه من خلف نظارته ويضغط بيده اليسرى بشدة على قلبه ، وقد جلس قبالتهما ، يحكى لمن يحادثه عن امرأة فى الأربعينات ترتدى شالاً من الصوف على رأسها وعباءة سوداء مطرزة وذات بنية متينة ووجه منتفخ جاءته فى العاشرة صباحاً مكان عمله بدوامه الحكومى لتقضى مصلحة لها واتهمته بالتحرش ، وخرجت بعد مشادة معه الى المكاتب ومدير الهيئة تلطم على وجهها وتخبط على صدرها وتشكو الاهانة وانتهاك حرمة جسدها .
    يقترب القطار من محطته النهائية ويزمجر كالعادة ويهتز اهتزازات ارتدادية تخلع القلوب ، ويجرى الشاب محاولاً ضبط ثيابه والسيطرة على أوراقه ومغالبة وجع قلبه ، مشيراً فى كلماته الأخيرة عبر الهاتف أنه سيكون فى المستشفى العام بجوار السينما التى خطط لحضور الفيلم الأجنبى الجديد المعروض فيها بمفرده .
    الرجل يحاول جاهداً تتبعه فى الزحام فتعوقه حركة ولده البطيئة ، فيحمله وينتظران على الرصيف الرئيسى بجوار الكافيتريا لحين وصول الزوجة والابنة ، ويمر أمامهم ناس من كل شكل ولون ، ويفقد الأب ولده للحظات وبعد شهقة ذهول يجده أمامه ، ومع وصولهما يتصاعد صوت الاسعاف وتتجه الأنظار لشاب محمول على الأكتاف يحاولون مساعدته على التنفس وافساح الطريق أمامه لتسهيل وصوله سريعاً لعربة الاسعاف .
    وبعد أن استدلوا عليه فى المستشفى وحضروا مراسم الجنازة فى قرية قريبة من عاصمة المحافظة استقلوا القطار الأخير ، وأخرج الابن الصغير ذو الستة أعوام من جيبه بقايا نظارة محطمة ، وراح يحكى لأخته بالتفصيل عن مأساة شاب ضعيف البنية والقلب مات بعد أن صدمته أنثى متينة البنيان فتحطمت نظارته ، والأب يشاهد وينصت للحوار مندهشاً .

  2. #2
    الصورة الرمزية عبد المجيد برزاني أديب
    تاريخ التسجيل : Dec 2010
    الدولة : فاس المغرب
    المشاركات : 607
    المواضيع : 63
    الردود : 607
    المعدل اليومي : 0.12

    افتراضي

    يعجبني السرد القصير الذي يجعلك من أول سطر تتلهف إلى حيث يريد السارد أن يأتي.
    والحقيقة أن النص رائع الفكرة والحبكة، أحداثه مشوقة وجاءت بقفلة غير منتظرة بتاتا.
    بعض الأطفال يفاجئوننا. بدل اللعب والاستمتاع بحركية القطار والمناظر غير المتاحة إلا في فرص قليلة، ترى الطفل متابع لقصة الشاب والشاهد الأول على مأساته.
    تحيتي أستاذ هشام النجار وتقديري العميق لقلمك.

  3. #3
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,125
    المواضيع : 317
    الردود : 21125
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    كان الطفل قديما رمزا للبراءة والعفوية .. ولكن العالم تغير وأصبحت ثقافة الأطفال
    مستمدة من التلفزيون والدراما ـ وأصبح الطفل الصغير شديد التركيز، وأكثر استيعابا
    وتسجيلا لما يجرى حوله.
    قصة جميلة بأسلوب حكائي متميز ، وسرد بلغة بسيطة محببة، وأسلوب رصين وعرض
    واضح يتيح الفهم والتأثر والإنفعال والتفاعل.
    عندما أقرأ لك .. أشعر وكأنك تسرد صفحات من الذاكرة..
    وكأني بك هذا الإبن الصغير ذو الستة أعوام.
    تحياتي وكل تقديري.

  4. #4
    الصورة الرمزية هشام النجار أديب
    تاريخ التسجيل : May 2013
    المشاركات : 959
    المواضيع : 359
    الردود : 959
    المعدل اليومي : 0.24

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد المجيد برزاني مشاهدة المشاركة
    يعجبني السرد القصير الذي يجعلك من أول سطر تتلهف إلى حيث يريد السارد أن يأتي.
    والحقيقة أن النص رائع الفكرة والحبكة، أحداثه مشوقة وجاءت بقفلة غير منتظرة بتاتا.
    بعض الأطفال يفاجئوننا. بدل اللعب والاستمتاع بحركية القطار والمناظر غير المتاحة إلا في فرص قليلة، ترى الطفل متابع لقصة الشاب والشاهد الأول على مأساته.
    تحيتي أستاذ هشام النجار وتقديري العميق لقلمك.
    شرفنا وأسعدنا هذا الحضور الراقى لأديبنا الكبير المبدع عبد المجيد برزانى ، ولاشك أن الظاهرة تحتاج لمعالجات كثيرة من زوايا مختلفة ، وهناك تجارب ومشاهد حياتية مشوقة يمكننا اقتناصها ، فعقليات الأطفال وخيالاتهم وقوة ملاحظاتهم تحتاج تحتاجها أقلامنا .
    شكراً جزيلاً أيها الراقى المتألق .
    تحياتى وتقديرى

  5. #5
    الصورة الرمزية هشام النجار أديب
    تاريخ التسجيل : May 2013
    المشاركات : 959
    المواضيع : 359
    الردود : 959
    المعدل اليومي : 0.24

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نادية محمد الجابى مشاهدة المشاركة
    كان الطفل قديما رمزا للبراءة والعفوية .. ولكن العالم تغير وأصبحت ثقافة الأطفال
    مستمدة من التلفزيون والدراما ـ وأصبح الطفل الصغير شديد التركيز، وأكثر استيعابا
    وتسجيلا لما يجرى حوله.
    قصة جميلة بأسلوب حكائي متميز ، وسرد بلغة بسيطة محببة، وأسلوب رصين وعرض
    واضح يتيح الفهم والتأثر والإنفعال والتفاعل.
    عندما أقرأ لك .. أشعر وكأنك تسرد صفحات من الذاكرة..
    وكأني بك هذا الإبن الصغير ذو الستة أعوام.
    تحياتي وكل تقديري.
    الحقيقة سيدتى الكريمة أننى أعتمد على الواقع المعاش وعلى الذاكرة معاً ، وقد قال الأديب أشرف الخمايسى كلمة أرانى شريكاً معه فيها ، فهو يقرأ بعينين مثبتتين للخلف فى تجارب ماضية ومعاشة ويستخرج من التفاصيل الكثيرة والمشاهد التى لا عد لها ولا حصر أهم اللقطات وأكثرها تأثيراً وتشويقاً ، هذا النوع من السرد ومن الحكى يطيب لى ويستهوينى ، فأنا أحب قراءته من غيرى وأهوى الكتابة به .
    نسأل الله السداد والتوفيق والقبول ، وشكراً جزيلاً أديبتنا القديرة على ملاحظاتك الدقيقة القيمة وحضورك الثرى الذى نسعد ونفخر به دائماً .
    خالص تقديرى وأطيب أمنياتى .

  6. #6
    الصورة الرمزية كاملة بدارنه أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2009
    المشاركات : 9,824
    المواضيع : 195
    الردود : 9824
    المعدل اليومي : 1.85

    افتراضي

    سرد واقعيّ جاذب غنيّ بالتّفاصيل المثرية حتّى القفلة الرّائعة
    جميل أن نرى طفلا يعتني بما اعتنى به هذا الطفل
    بوركت وبورك قلمك
    تقديري وتحيّتي

  7. #7
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,125
    المواضيع : 317
    الردود : 21125
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    ،( هذا النوع من السرد ومن الحكى يطيب لى ويستهوينى ، فأنا أحب قراءته من غيرى وأهوى الكتابة به .)
    وأنا أيضا أحب هذا النوع من السرد واستمتع به ويستهويني
    فشكرا لقلمك البارع.

  8. #8
    الصورة الرمزية هشام النجار أديب
    تاريخ التسجيل : May 2013
    المشاركات : 959
    المواضيع : 359
    الردود : 959
    المعدل اليومي : 0.24

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة كاملة بدارنه مشاهدة المشاركة
    سرد واقعيّ جاذب غنيّ بالتّفاصيل المثرية حتّى القفلة الرّائعة
    جميل أن نرى طفلا يعتني بما اعتنى به هذا الطفل
    بوركت وبورك قلمك
    تقديري وتحيّتي
    شكراً جزيلاً للمبدعة القديرة كاملة بدارنة ، يسرنى أن النص لاقى اعجابك وتلك علامة على أن الله وفقنى لما أردت الوصول اليه من خلاله سرداً وتصويراً ومضموناً .
    تقبلى خالص التحية والتقدير

  9. #9
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.71

    افتراضي

    فكرة استنسخ فيها الكاتب الوجع من الواقع باتعدام النزاهة فيه وغياب الصدق والانصاف وضياع الحق واستذئاب النفعيين
    وأداء سردي شائق اثث النص من خلاله بترسيم مكاني هيأ بطبيعته المتحركة الغارقة في الضجيج لفهم الصراع الداخلي للشخوص وقام على تنام حدثي أعد ليفور بعد غليان رواية طفل لفاجعة قد تؤثث غده بأثرها فيه

    غائية عالية كمنت وراء السرد

    دمت بخير أيها المبدع

    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  10. #10
    الصورة الرمزية آمال المصري عضو الإدارة العليا
    أمينة سر الإدارة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : Egypt
    المشاركات : 23,786
    المواضيع : 392
    الردود : 23786
    المعدل اليومي : 4.13

    افتراضي

    قطار الحياة نرى من خلاله نماذج شتى وقصص من الواقع المعاش من كل شيء ونقيضه
    اتسم النص بالحركة والسرعة والضجيج الذي جعلنا نعيش أجواءه ونتفاعل معه
    أحييك أديبنا الفاضل
    تحاياي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. لا توقفوا عجلة الفكر
    بواسطة عمار باطويل في المنتدى الحِوَارُ المَعْرِفِي
    مشاركات: 17
    آخر مشاركة: 30-11-2009, 10:59 AM
  2. أديبنا محمد سامي البوهي و(نظارة طبيّة)في جريدة إماراتيّة
    بواسطة منى الخالدي في المنتدى أَنْشِطَةُ وَإِصْدَارَاتُ الأَعْضَاءِ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 06-05-2007, 05:38 PM
  3. نظارة طبية
    بواسطة محمد سامي البوهي في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 09-12-2006, 08:24 PM
  4. عجلة الطائرة : قصة قصيرة
    بواسطة ضيف الله في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 12-02-2006, 09:42 AM
  5. نظارتي - الأعمى من لا يملك نظارة .
    بواسطة سهيل عيساوي في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 30-07-2005, 12:48 PM