أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: منهجية التعامل مع شارلى ايبدو

  1. #1
    الصورة الرمزية هشام النجار أديب
    تاريخ التسجيل : May 2013
    المشاركات : 959
    المواضيع : 359
    الردود : 959
    المعدل اليومي : 0.24

    افتراضي منهجية التعامل مع شارلى ايبدو

    لابد من الاعتراف أولاً بأن هناك فراغا إسلاميا حضاريا فى الساحة الأوروبية هو الذى أعطى المساحة للإرهاب ليتحرك بسلاحه، بمعنى أن موازين التدافع الحضارى من خلال الأدوات العصرية غير التقليدية كوسائل التأثير الأكثر انتشارا اليوم مثل الصحف والفضائيات والإعلام والسينما والمسرح لصالح الغرب، وفى المقابل تعتمد المؤسسات الإسلامية الرسمية والدعاة المستقلين على الوسائل التقليدية من خلال الكتب والخطب والمواعظ فى المساجد.

    اختلال موازين القوى جعل تلك المؤسسات – وفى مقدمتها الأزهر الشريف – فى موقف ضعف لا تملك إلا ردود أفعال خجولة لأنها لا تمتلك أدوات الفعل وغير حاضرة على الإطلاق فى ساحة التأثير الحضارى بوسائله العصرية، تلك الساحة التى يبزغ فيها حاليا نجما إيران وإسرائيل من خلال أذرعها وأموالها ورموزها فى هوليوود، ولا أضعف من هذا التعبير لفضيلة الإمام الأكبر السابق الدكتور محمد سيد طنطاوى "رحمه الله" عندما خاطب المسيئين فى الغرب من خلال تلك الأدوات قائلاً: "كيف تسيئون إلى الرسول وقد مات ولا يملك الدفاع عن نفسه"! بالرغم من أن الأزهر الشريف خاض فى مشوار امتلاك أدوات التأثير الحضارى فى الخمسينيات والستينيات وحتى بداية السبعينيات شوطا كبيرا، وكان علماؤه الأجلاء يشاركون بقوة واحترافية فى صناعة أفلام رائدة جابت العالم كله وسبقت إيران فيما تصنعه الآن، فكانت أفلام مثل "فجر الإسلام" و"الشيماء" و"بلال مؤذن الرسول".. إلخ، ولو استمر الأزهر بنفس القوة فى هذا المجال لما انشغل بردود أفعال تبدو غير ذات أثر مع ضخامة وقوة وإبهار ما يصنعه ويمتلكه الغربيون من ذوى الاتجاهات المعادية للفكرة وللمنهج الإسلامى.

    ولو كان المسلمون حاضرين فى ساحة التدافع لحضارى بقوة وبأدواته العصرية بامتلاك الصحف والفضائيات واستديوهات الإنتاج السينمائى، لما تجرأ إرهابى تكفيرى على خوض النزال، زاعما أنه مبعوث العناية الإلهية للدفاع عن الرموز والثوابت الإسلامية فى مواجهة الطاعنين الساخرين المسيئين.

    هناك إذًا غياب إسلامى حضارى عصرى عن ساحة المواجهة الفكرية والإبداعية والفنية مع المسيئين فى أوروبا، وأغلبهم إما توجه يسارى كصحيفة "شارلى ايبدو" تنتهج سياسة الاستفزاز والسخرية من الجميع، أو صهاينة بأجندات سياسية.

    نفتقد هناك روح المبادرة الإيجابية الفاعلة لربعى بن عامر الذى اقتحم الساحة وجلس ندا لند فى بلاط زعيم فارس: "الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه".

    نفتقد الشعور بأننا أمة مبعوثة لهداية الأمم: "قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى"، والبصيرة توجب على من اتبعوه التطور وامتلاك أدوات التأثير الحضارى ومواجهة الهاجمين بنفس أدوات هجومهم، لا مقابلة الفيلم والمقال والرسم بالرصاص فتأتى الخطوة على هوى المعادين ليرسخوا من تلك الصورة السلبية للإسلام فى أذهان الشعوب الأوروبية.

    والمتضرر الرئيسى وسط هذه المعادلة المضطربة، حيث حضور للسلاح والدم والقتل والإرهاب وغياب للفعل الحضارى من المؤسسات الإسلامية الكبرى، هم مسلمو أوروبا - حسب الإحصائيات الرسمية هناك سيصبح خمس سكان الاتحاد الأوروبى مسلمين بحلول 2050م -.

    منهجية التعامل مع "شارلى ايبدو" ومع كل أداة عصرية توظف فى الإساءة للإسلام فى الغرب تتلخص فى "التجاهل مع الدور الفاعل"؛ تجاهل وإعراض وترفع عن رد الإساءة بالإساءة أو الطعن بالطعن، فضلاً عن الرد بدموية وهمجية كما فعل الداعشيون أو القاعديون، ودور فاعل إيجابى بأدوات التأثير الحضارى العصرية لعرض الصورة الصحيحة للإسلام ولنصرة ثوابته ورموزه بصورة إبداعية وفنية مبتكرة وغير تقليدية ترتفع لمستوى التحدى ويفخر بها مسلمو الغرب ويرضونها كمعبر عنهم وعن أفكارهم وأذواقهم.

    العاقل إذا قابله أحمق وشتمه لا يرد عليه ويترفع عنه ويتجاهله.. أمثال تلك الأعمال الوضيعة، وضع لنا الإسلام استراتيجية ومنهجية التعامل معها.

    وعندما قُوبل المسلمون منذ صدع النبى بالدعوة بمثل تلك السخافات والحماقات تشبثوا بأخلاق الرسول، ولم يكترثوا يوما بالمسيئين والساخرين، وكان إيمانهم القوى بعقيدتهم هو السلاح الذى واجهوا به الحاقدين، يقول الله تعالى: "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين"، ليس إعراض وتجاهل فقط، إنما دور فاعل فى الانتشار فى الساحة بإيجابية وإبداع بحسب المستجدات والأعراف "وأمر بالعرف".

    لكن لماذا الإعراض والتجاهل والترفع؟ حتى لا يلتفت لهؤلاء النكرات أحد، وحتى لا نصنع لهم مجدا من لا شيء، وحتى لا أحقق للمسترزقين الذين يتخذون من الطعن والسخرية والتطاول سبوبة على حساب الفتن الدينية، بحصد المال والشهرة التى يحلمون بها.

    من الذى صنع سلمان رشدى المغمور وأين كان قبل "آيات شيطانية"؟ لم يكن يعرفه أحد، والخومينى هو الذى حقق له الشهرة والمجد وصارت دور النشر تتسابق لنشر مؤلفاته، وأغدقت عليه ملكة إنجلترا بلقب "سير".

    وينطبق هذا على "شارلى ايبدو" وسلمان رشدى وتسليمة نسرين وعصمت زقلمة وموريس صادق ونيقولا باسيلى وغيرهم ممن أرادوا الشهرة والمجد على ظهور المسلمين.

    فى المقابل لابد من النضال بأدوات العصر ومن الحضور القوى فى ساحة التأثير الحضارى التدافعى التنافسى، فلديهم مدارس فنية وإعلامية عمرها عقود طويلة، فيها إبداع وإبهار وحرفية، وتقدم فنا حقيقيا وأدبا حقيقيا وصحافة احترافية من الناحية الفنية، لكنها تحمل فكرا للتزييف والتحريف والتشويه، وهى مدارس ممولة جيدا من مصادر معروفة.

    ما يواجهه المسلمون فى الغرب ليس هينا، فهى محاولات اقتلاع حقيقية، وهى لا تُحارب بالسُيوف القديمة ولا بهمجية داعش ودموية القاعدة ولا بالصياح والعويل والشجب والإدانة وردود الأفعال الباهتة، ولا بوسائل تقليدية محدودة التأثير والانتشار، إنما باستيعاب منطق العصر وامتلاك أدواته، ليصبح حديثنا ومنطقنا مفهوما ومتسقا مع منطق العصر.

    ليس الأزهر الشريف وحده من يتحمل المسئولية، بل مبدعونا وشبابنا وفنانونا مطالبون بأن يكونوا على مستوى الأحداث، وأن يعوا ثقافة عصرهم، مع القبض بقوة على الجذور والثوابت، ليستطيعوا إدارة الحوار فى هذه المباراة المصيرية.

    نحن ثوابتنا لا تتغير، والفكر الإسلامى لا ينكفئ إلى نقيضه بأى حال من الأحوال، لكن كل ما فى القضية أن جوهر هذا الفكر قابل باستمرار لوضعه فى قوالب مختلفة، وأن يقال ويقدم بأكثر من لغة وبأكثر من أسلوب – وهذا من أسرار عبقريته وخلوده – وقابل أن يتدثر بأكثر من رداء؛ فقد نقدمه بشكل علمى أكاديمى لمواجهة النقيض العلمى الأكاديمى، وفى مرحلة أخرى يُقدم بشكل فلسفى لمواجهة النقيض الفلسفى والمحاولات الفلسفية للخلخلة والهدم، ويقدم بشكل جدلى أو وعظى، ويقدم أيضا فى شكل إبداعى وفنى، وهذا التشكل لا يعنى استحالة فكرنا إلى لون آخر.

    وهذا المعنى أشار إليه المفكر الإسلامى محمد إقبال "رحمه الله" عندما قال: "إن المسلم كالشمس إذا غربت فى جهة طلعت فى جهة أخرى، فهى لا تزال طالعة، فالمسلم رسالة الله الأخيرة، موجة من أمواج بحر الإسلام العارم، كبحر الحياة وبحر الوجود، يتبدل الوجود ولا يتبدل كيانه، فالإسلام لا يذبل فى ناحية من نواحى العالم إلا وقامت له دولة واخضر عوده فى جانب آخر من العالم، ولم يغب له نجم إلا وظهر له نجم آخر يعم سناه أرجاءَ الدنيا"

  2. #2
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2014
    المشاركات : 473
    المواضيع : 6
    الردود : 473
    المعدل اليومي : 0.13

    افتراضي

    أعتقد أن هذا مجال للأخذ والرد بين من يوافقك الرأي ومن يخالفك والحقيقة أنني شخصيا أرى أن التجاهل هو خير طريقة كي لا نعين من يريد أن يخالف ليعرف ولكن إن زاد الأمر عن حد النجاهل فالأصوب أن يكون هناك رد فعل قوي ومناسب بروج الإسلام وبعزة الإيمان هكذا تدرجا في الخيارات حتى الوصول لحل حاسم.

    وأرى أنه لا يصح أن يكون السكوت عن التطاول المتكرر خصوصا على الإسلام والادعاء بأن هذا هو من حرية التعبير وفي نفس الوقت يسن القوانين الكثيرة التي تمنع أي تطاول على أي شيء غير الإسلام والمسلمين فمن تطاول على اليهود ولو بالإشارة حوكم بقانون معاداة السامية ، ومن أشار إلى الزنوج حوكم بقانون العنصرية .... وهكذا
    على العموم ما تجرأت علينا الشعوب إلا بسبب ضعفنا وفساد واقعنا وهواننا على أنفسنا للأسف.
    تحيتي

  3. #3
    الصورة الرمزية نداء غريب صبري شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    الدولة : الشام
    المشاركات : 19,096
    المواضيع : 123
    الردود : 19096
    المعدل اليومي : 3.80

    افتراضي

    هناك إذًا غياب إسلامى حضارى عصرى عن ساحة المواجهة الفكرية والإبداعية والفنية مع المسيئين فى أوروبا، وأغلبهم إما توجه يسارى كصحيفة "شارلى ايبدو" تنتهج سياسة الاستفزاز والسخرية من الجميع، أو صهاينة بأجندات سياسية.
    مقالة هامة جديرة بالقراءة لفهم الواقع
    شكرا لك أخي

    بوركت
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

المواضيع المتشابهه

  1. هل انتصر الاسلام فى شارلى ايبدو
    بواسطة هشام النجار في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 22-01-2015, 07:50 PM
  2. منهجية التعامل مع الأزمات
    بواسطة هشام النجار في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 10-01-2015, 06:36 PM
  3. منهجية التعامل مع زعامات الخصوم
    بواسطة هشام النجار في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-11-2014, 03:39 AM
  4. تقرير حول أُمسية أشبال ملتقى رابطة الواحة الثقافية معَ التسجيل
    بواسطة نزار الكعبي النجفي في المنتدى أَدَبُ الطِّفْلِ (لأطفالنا نحكي)
    مشاركات: 18
    آخر مشاركة: 19-03-2006, 09:40 AM