حول هذه القضية ثارت الحركة الاسلامية على منتسبين للدعوة السلفية وأهانوهم وكذلك فعلوا بأناس منهم كالدكتور راغب السرجانى ، بعد مقال اشتغل فيه على محور المصالح والمفاسد فى الصراع الدائر حالياً على السلطة .. وغيرهم كثير . وشيخ الاسلام ابن تيمية لأنه رجل منهج فقد اهتم فى المقام الأول بالقواعد المنهجية والأصول .. يقول رحمه الله " وهذا ونحوه هو الذى أوجب أنى صرفت جل همى الى الأصول " ، وهو لا يتخذ رأياً فقهياً زمانياً الا وفق القواعد والأصول الكلية المنهجية التى أصلها .. فيمَ أهمل الاسلاميون اليوم – فى معظمهم – قواعد الفقيه المنهجى الرائد وأصوله المنهجية وأصابهم التيه فى فتاويه وأرائه الجدلية الزمانية المتناثرة فى كتبه ، وفى حين تجب العودة الى أصوله المنهجية لاستصحابها فى التعامل مع الفروع والحوادث والمستجدات العصرية بفكر منضبط موزون ، نجدهم كثيراً ما يقولون " قال شيخ الاسلام ابن تيمية " .. وبالعودة الى مناسبة القول نكتشف أنها ليست قاعدة فى أصل المنهج انما قول متعلق بفتوى زمانية تناسب حادثة معينة وبفقه الفروع ، وهذا ليس فقط اساءة لابن تيمية انما تضييع للدين وتخريب فى مكتسبات الأمة وتشويه للمنهج . فى نفس القضية التى شتموا فيها السرجانى وغيره حين استصحبوا منهجية المصالح والمفاسد تحدث الفقيه المنهجى الرائد شيخ الاسلام ابن تيمية .. فهذا هو اذاً حسمه لقضية الصراع بتأصيل منهجى – وليس بفتوى زمانية – فهل يجرؤ أحدهم على الرد عليه والتجاوز فى حقه ، ولو كان حاضراً بيننا بعلمه وفنه ومنهجيته لقال ذات الكلام . يقول شيخ الاسلام : " وقد تكلمت على قتال الأئمة فى غير هذا الموضع ، وجماع ذلك داخل فى القاعدة العامة ؛ فيما اذا تعارضت المصالح والمفاسد والحسنات والسيئات أو تزاحمت ، فانه يجب ترجيح الراجح منها فيما اذا ازدحمت المصالح والمفاسد وتعارضت المصالح والمفاسد ، فان الأمر والنهى وان كان متضمناً لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة فينظر فى المعارض له ؛ فان كان الذى يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر من مصلحته ، لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد هو بميزان الشريعة ، فمتى قدر الانسان على اتباع النصوص لم يعدل عنها والا اجتهد برأيه لمعرفة الأشباه والنظائر ، وقل أن تعوز النصوص من يكون خبيراً بها وبدلالتها على الأحكام ... وعلى هذا اذا كان الشخص أو الطائفة جامعين بين معروف ومنكر بحيث لا يفرقون بينهما ، بل اما أن يفعلوهما جميعاً أو يتركوهما جميعاً لم يجز أن يؤمروا بمعروف ولا أن ينهوا عن منكر ، بل ينظر ان كان المعروف أكثر أمر به وان استلزم ما هو دونه من المنكر ، ولم ينه عن منكر يستلزم تفويت معروف أعظم منه ، بل يكون النهى حينئذ من باب الصد عن سبيل الله والسعى فى زوال طاعته وطاعة رسوله وزوال فعل الحسنات ، وان كان المنكر أغلب نهى عنه وان استلزم فوات ما هو دونه من المعروف ، ويكون الأمر بذلك المعروف المستلزم للمنكر الزائد عليه أمراً بمنكر وسعياً فى معصية الله ورسوله ، وان تكافأ المعروف والمنكر المتلازمان لم يؤمر بهما ولم ينه عنهما .. فتارة يصلح الأمر ، وتارة يصلح النهى ، وتارة لا يصلح لا أمر ولا نهى حيث كان المعروف والمنكر متلازمين وذلك فى الأمور المعينة الواقعة " ( مجموع الفتاوى 28 – 60 ) . بل هنا يتحدث الشيخ القرضاوى – فى كتاب من فقه الدولة فى الاسلام – تعليقاً على ما فعله التابعى البصير أبو مجلز السدوسى مع من جاءوا يسألونه عن حكام بنى أمية وحكم الخروج عليهم على خلفية آية " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، ولأنه يعلم أنهم أرادوا بهذا فتوى ورخصة للخروج على الحكام وسفك الدماء والفوضى أخبرهم – على غير الحقيقة - أنها انما نزلت فقط فى أهل الكتاب ترجيحاً للمصلحة ! يقول الشيخ القرضاوى الذى قال بأن الخروج فى ذكرى يناير فرض عين – وقال تلميذه سلامة عبد القوى وهو مستريح على أريكته فى تركيا ان قتل السيسى وأعوانه واجب ! - : " ان السبب يكمن فى خوفهم من مسارعة بعض الناس الى اتهام الأمراء والحكام بالكفر الأكبر بكل جور يحدث ، ولو كان سببه الهوى والمحاباة ونحو ذلك مما لا يكاد يسلم منه أمير أو حاكم الا من عصم ربك وقليل ما هم " ! فتلك منهجية شيخ الاسلام والشيخ القرضاوى .. اشتموهما اذاً .