يقول العارف بالله الشيخ : عبد الغني العمري - الإدريسي الحسني حفظه الله تعالى.


باب : شبه المنكرين.

الشيخ، لماذا؟


_________________________________


يقر الناس بالمشيخة في كل شيء: في تعلم القراءة والكتابة، وفي تعلم العلوم الشرعية وغير الشرعية، وفي حفظ القرآن العزيز؛ ولكنهم يتوقفون في المشيخة الإيمانية. فإن كان الإيمان أمراً شرعياً، فليُلحق بالقرآن أو بالعلوم الشرعية.

والشيخ في الحقيقة - إن كان اللفظ يثير حساسية المقلدين - هو الإمام في مجال ما. يأتم به من لا يحسن ذاك المجال في طور تعلمه. فإذا صار مثل شيخه في إتقانه، فله أن ينفصل عنه ليستقل بنفسه أو ليلازم شيخاً آخر يستفيد منه ما لم يكن عند الأول. هذا لا ينكره إلا جاحد!

أما إن كان المرء يعتقد أن الإيمان "يختص" به الله وحده، بخلاف المجالات الأخرى التي تتعلق بالمعاش وما ماثله، التي هي عنده من اختصاص الناس؛ فليعلم من كان على هذا أنه مشرك في نظره. فالأمور عند أهل التوحيد كلها لله، وهو مؤتيها ومعلمها. لا يُحجبون بمن جعله الله سبباً لها ومظهراً فيها. فالله هو الذي يعلم النجارة لصبي النجار، وهو الذي يشفي المريض عند الطبيب، وهو الذي يقوي إيمان المريد عند الشيخ المربي.

بقي أن نقول: فكما يعمل الإنسان بمبدإ "الأخذ بالأسباب" في أغلب جوانب معاشه وتديّنه، فليعمل بنفس المبدإ لتقوية إيمانه وتخليص إيقانه. وإلا فليعد إلى نفسه يسائلها عن سبب التوقف!

نعم، قد يدعي المشيخة الإيمانية أناس بعيدون عنها، يلبسون على العامة بالخرافات والترهيب النفسي؛ لكن هذا لا يعوق العاقل عن طلب الشيخ الرباني إن أنصف. فلو أعرض الناس عن طلب أطباء الأجسام مثلاً، لمجرد أن طبيباً يعرفون عنه الدجل وقلة الإتقان، لاتُّهموا في عقولهم، لأنهم يفوتون مصلحة محققة بسبب شائبة جزئية يمكن تجاوزها.

أما في ميدان الإيمان، الذي هو أساس الحياة الطيبة، فالأمر صار أهون من أن يستلفت الناظر!!

والنتيجة هي ما نراه بأعيننا من ضعف في الإيمان عند عموم المسلمين، وحتى عند علمائهم. جَعَلَ الناس يتمسكون ببعض آثار التدين التي لا تغني دون تحقيق معناها ونفخ روح الحياة فيها. وهل الهزائم التي تعيشها الأمة على جميع الأصعدة إلا من هذا الضعف؟!

وقد يسأل سائل: وكيف لي أن أجد شيخاً ربانياً حقاً، من دون أن أتعرض للانخداع بالمدّعين؟
نقول: أنت وظنك بربك. فإن كنت تعتقد أنك تريد وجهه صِدقاً، ثم يُسلمك إلى من يلهو بك ويسخر منك، فأنت محتاج إلى تجديد إيمانك وتَعَلُّمِ حسن الظن بربك.

يا عبد الله! إن لم تجد في أحوالك خيراً، فاعلم أنه منك. فعد إلى نفسك تفقّدْها. فإن لم تستطع، فاعلم أنه في مثل هذا احتيج إلى الشيخ.




__________________________

بقلم الشيخ العارف بالله عبد الغني العمري حفظه الله تعالى.
http://www .alomariya.org/chobahmonkirin_suite.php?id=1