أخي الفاضل فكير سهيل لماذا هذا التهافت والتسارع في الرّد، والحكم على كلام عالم عارف دقيق جدا في كلامه .. تحكمُ على كلامه في بعض المواضع أنّه كلام بلا فائدة وتحويل للأنظار وهروب.
هذا عارف وضع هنا في هذه الخلاصة التي تبدو صغيرة وقصيرة ومختصرة، وضع علوماً جمّة واحتمالات كثيرة وردوداً عظيمة، لكن على العاقل المنصف وطالب الحقّ والمتفهّم، لا العجول المتهافت للرّد ..
يا أخي اعذرني على لفظة التهافت ولكن هذا ما وجدته كوصف، هذا دين، فادرك نفسك قبل أن يأتي يومك الأخير وتصفعك نفسك صفعة كبرى، وتعضّ على يديك وحينها لا ينفع النّدم.
______________________
تعقيبك وسؤالك كان: ما هو الخاص و ما هو العام؟ كان عليه أن يوضّح حتّى نفهم. و أين هو الدّليل النّقلي على هذا التّقسيم.
هو وضّح وأجاب ولكنّك لا تقرأ، شرعت مباشرة في الرّد على كلمة عميقة تحتاجُ إلى الكثير من النّظر والعمق لفهمها والوقوف على وجوهها ومراداتها العميقة والواسعة والدقيقة كذلك.
أنت منطلق من خلفية تسفيه الرجل وعقليته، من أجل ذلك جاءت ردودك سطحية لأنّها مبنية على قراءة سطحية.
أجاب في الجزء الأخير : وها هي إجابته :
أمّا طلبك الدّليل فموجود، وكثير ومنه :
روى ابن عيينة عن جريج عن عطاء عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنهم أجمعين عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال (إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا أهل العلم بالله ، فإذا نطقوا به لم ينكره إلا أهل الغرة بالله) اهـ.
روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : "حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وِعَاءَيْنِ : فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَلَوْ بَثَثْتُهُ قُطِعَ هَذَا الْبُلْعُومُ"
قلتُ: هذا الحديث حققه محدث العصر الألباني _ رحمه الله _ فوجد أعلى مراتبه ضعيف جدا و بعض روايته منكرة و بعضها لا تثبت .
و الحديث الضعيف يا أخ إدريس الشعشوعي لا يحتج به في العقيدة و أقصى استعمالاته في فضائل الأعمال.
وروى البخاري عن علي بن أبي طالب موقوفا أنّه قال "حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذّب الله ورسوله"
قلت : شرح أهل السنة هذا الحديث فقالوا: لا تحجبوا عن الناس العلم الشرعي أي علم القرآن و علم السنة و لكن تدرَّجوا معهم في التبليغ رويدا رويدا ، و هكذا كان القرآن ، فالقرآن لم يحرم الخمر فُجأة بل تدرج من نهي عن شربه و قت الصلوات فقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى...) ، ثم بين ضرره : ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما) ثم حرمه : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) ، و هكذا الشرع يترفق بالناس ، و على الداعية أن يتدرج في تبليغ العلم .
أما احتجاج المتصوفة بهذا الحديث المقوف فهو دأبهم في تحريف معاني النصوص الشرعية.
وروى البيهقي في الشعب عن المقدام بن معدي كرب مرفوعا "إذا حدثتم الناس عن ربهم فلا تحدثوهم بما يعزب عنهم ويشق عليهم"
قال عنه الألباني رحمه الله تعالى : ضعيف.
وروى الديلمي عن ابن عباس مرفوعا "أُمِرْنا أن نُكلِّمَ الناسَ على قدْر عقولِهم"
أعلى مراتبه حسن لغيره. و هناك رواية مرسلة : ( إنا معاشرَ الأنبياءِ أُمِرْنا أنْ نُكلمَ الناسَ على قدرِ عقولِهمْ)
و تفسير الحديث هو نفس تفسير الحديث (حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذّب الله ورسوله) .
وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود قال "ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة"
له نفس تفسير الحديث (حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذّب الله ورسوله)
وقال ابن عباس رضي الله عنه : "لو فسّرتُه لكم لكنتُ فيكم الكافر المرجوم"
لم تذكر أخي الكريم مصدرك حين نقلت و ليتك تفعل فنتتبع الأثر.
وروى الساداتُ أنّ الشريف الرّضيّ الإمام زين العابدين حفيد سيدنا عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهما قال:
إنّي لأكتُمُ من علمي جواهرَهُ
كي لا يرى الحق ذو جهل فيفتَتِنا
وقد تقدّم في هذا أبو الحسن
إلى الحسين ووصّى قبلَهُ الحسنا
يا رُبَّ جوهرِ علمٍ لو أبوحُ به
لقيل لي أنت ممّن يعبد الوثنـا
ولاستحلّ رجال مسلمون دمي
يرون أقبح ما يأتونه حسنا
أقول الرد على هذا الكلام من وجهين :
1. حاشا الإمام زين العابدين أن يقول مثل هذا الهراء و إنما كذبت عليه المتصوفة كما كذبت عليه الروافض
و الإمام زين العابدين هو أعلم منا بحديث أبي هريرة كما في صحيح ابن حبان عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:
( مَن كتَم عِلْمًا تَلجَّم بلجامٍ مِن نارٍ يومَ القيامةِ)
2. القرآن و السنة ينفيان كلام المتصوفة و يثبتان أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يكتم عنَّا شيئا من الوحي و الإمام زين العابدين هو إمامنا في هذا الفهم و من الأدلة
على ما نعتقد:
قال ابن كثير رحمه الله: (﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ [المائدة: 67].
يقول تعالى مخاطباً عبده ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم باسم الرسالة, وآمراً له بإبلاغ جميع ما أرسله الله به, وقد امتثل عليه أفضل الصلاة والسلام ذلك, وقام به أتم القيام.
قال البخاري عند تفسير هذه الآية: حدثنا محمد بن يوسف, حدثنا سفيان عن إسماعيل, عن الشعبي عن مسروق, عن عائشة رضي الله عنها, قالت: "من حدثك أن محمداً صلى الله عليه وسلم كتم شيئاً مما أنزل الله عليه فقد كذب, الله يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾", هكذا رواه هاهنا مختصراً وقد أخرجه في مواضع من صحيحه مطولاً.
وكذا رواه مسلم في كتابي الإيمان, والترمذي والنسائي في كتاب التفسير من سننهما من طرق عن عامر الشعبي, عن مسروق بن الأجدع, عنها رضي الله عنها, وفي الصحيحين عنها أيضاً أنها قالت: "لو كان محمد صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئاً من القرآن لكتم هذه الآية: ﴿وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ﴾ [الأحزاب: 37]".
____________________
كثير من أمثال هذه النصوص جاءت عن السلف الصالح، وهي معبّرة عن تفاوت القابليات في الفهم والفقه.
بينا و لله الحمد درجات الأثار التي نقلتها فوجدنا معظمها ما بين ضعيف أو مجهول أو مفسر بغير مراد الله تعالى و مراد رسوله صلى الله عليه و سلم .
بل الواقع يقولُ أنّ هناك تفاوت في المستويات والعقول والقابليات، وأنّ العلم والدين هو ذوق قلبي وشهود روحي، قبل أن يكون تنظيراً عاماً. بل حتى لو كان تنظيراً عاماً فكرياً، فالفكر والعلوم مستويات، ولها قابليات.
ألا ترى إلى المدرسة كيف كانت مستويات : مستوى ابتدائي ومتوسط وثانوي وعالي ؟ وأعلى ... الخ.
وكلّ مستوى فيه درجات وسنوات/ سنة أولى وثانية وثالثة .. الخ.
ولو جئت لطالب ابتدائي بمسألة ثانوية لعجز أمامها عجزاً أمام قابليته وأساسه الذي تلقّاه ؟ فكيف بمسألة اكبر ؟
يا أخي الكريم صنف الله الناس إلى مسلم و كافر فقال الحقُّ تبارك و تعالى :
(هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير ) سورة التغابن .
و علمنا الله مراتب أهل الإيمان فقال الخلاق العليم :
( مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رفيقا.) سورة النساء آية (69).
جاء في موقع اسلام ويب :
( فقد دل القرآن والسنة على أن من المؤمنين الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، وأنهم في الفضل والمنزلة على هذا الترتيب، فأفضل المؤمنين هم الأنبياء ثم الصديقون ثم الشهداء ثم الصالحون، فأعلى مرتبة يصل إليها أتباع الأنبياء أن يكونوا صديقين.
قال ابن القيم رحمه الله: فالصديق هو الذي صدق في قوله وفعله، وصدق الحق بقوله وعمله، فقد انجذبت قواه كلها للانقياد لله ولرسوله.
وهاهنا نقطة ينبغي التنبه لها، وهي أن درجات الصديقين تتفاوت، لأن الإيمان ليس له حد ينتهي إليه، بل إنه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وهذا معتقد أهل السنة والجماعة، فمن ظن أن هناك درجات إيمانية يقف عندها المؤمن صديقاً كان أو صالحاً، فقد أخطأ، قال تعالى: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ [المدثر:37].
قال ابن القيم: فإن لم يكن في تقدم فهو في تأخر ولابد، فالعبد سائر لا واقف، فإما إلى فوق وإما إلى أسفل، إما إلى أمام وإما إلى وراء، وليس في الشريعة أو الطبيعة وقوف البتة.)
فلا تسخفّوا الدين والفقه فيه، والذوق .. ولا تسطّحوه رجاءً.
هل الذوق مصدر لتلقي الدين؟
هل الذوق مصدر لفقه دين الله؟
ما هو الذوق عندكم ؟
ومردُّ العلم والفقه في التوحيد كما ذكر الشيخ رضي الله عنه إلى الذوق،
هذا مخالف للقرآن و السنة ، فمصدر الدين عند أهل السنة و الجماعة الوحيان : القرآن و السنة.
فالله عزَّ و جلَّ يقول عن القرآن أنه مصدر التشريع الأول : (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ (13) ) سورة الشورى .
و الله تعالى يقول عن نبيه و سنة نبيه : : ( ... وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) ) جزء من آية في سورة الحشر.
و يقول الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه و سلم : ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (31) ) سورة آل عمران .
فلا ذوق إلا في دين المتصوفة .
فهناك مرتبة العوام ومرتبة الإسلام، وهناك مرتبة الخواص مرتبة الإيمان وهي للسالكين والقابلية فيها ذوقية وقلبية، كما ذكر، فهي خاصة بهم، وهناك درجة أعلى وهي لخواص الخواص أهل مرتبة الإحسان وهم الذين قامت عقيدتهم بالله تعالى لا بالنّفس. وهي مجهولة لسواهم مطلقاً، ولا يقعُ فيها التعبير. لأنّ التعبير فيها مهما عبّر عنها أخطأ وغلط.
هذا التقسيم تحدثنا عنه كثيرا و هو من صتع المتصوفة حتى يقنعوا أتباعهم أن ما يأتون من أذكار و أحزاب و رقص و شطح لا أصل لها في الدين ديناً
ولنا عودة للوقوف على تساؤلاتكم ؟ أو الوقوف على كلام الشيخ ما استطعنا الى ذلك سبيلا.