نلاحظ على مستوى جهود ومواقف وحضور الحركة الاسلامية فى المشهد العام عدم تناسب بين الجهد المبذول ونتائجه على الأرض ؛ حيث جهود جبارة وأعمال مرهقة ومنهكة بدون نتائج ايجابية تضاف الى مكاسب الحركة ، وهناك خلل بين الفعل ونتائجه .
لماذا خسر التيار الاسلامى قطاع من حضوره الشعبى وجماهيريته ؟
لماذا الانهيار السريع لمكاسب الحركة دعوياً وسياسياً واجتماعياً ؟
لماذا التعثر والارتباك والانقسامات ؟
هذه الأسئلة وغيرها لابد وأن توضع تحت البحث والدراسة فى هذه المرحلة وعدم تناولها بشكل تبسيطى متعجل فى زحمة الصراعات والتقلبات والتحولات غير المدروسة .
هل الأمر يتعلق فقط بالنية ومستوى الايمان والطاعة ؟
لا ليس كذلك لأنه قد يكون الواحد متجرداً مخلصاً قوى الايمان نقى القلب ولديه من الحماسة والعاطفة الايمانية فائض ، لكنه قد لا يكون على وعى كامل بما هو حياله وبأبعاد العمل الذى باشره والقضية التى حملها ، وطبيعة وحقيقة الأهداف والشروط والمراحل والأولويات .
وقد كان عمر رضى الله عنه من أكمل الناس ايماناً وصدقاً وأنقاهم قلباً ، لكن لم يكن على وعى كامل واحاطة شاملة بأبعاد وأولوية قضية " النفاق " وأسلوب التعامل مع المنافقين وكانت رؤيته استعجالية وطرح بحماسة زائدة حل سرعة التخلص من زعيم المنافقين .
ويأتى هنا دور صاحب الرؤية الشاملة لأبعاد القضية الذى يشرحها ويتأمل فى مدى خطورتها الآنية ويدرس تبعات وأبعاد ونتائج حرق المراحل والقفز الى أساليب قد لا تناسب ظروف المرحلة .
الفعالية هنا تكتمل عندما تتكامل الرؤية والوعى مع الايمان والنية والارادة الصادقة والعلاقة المخلصة مع الله فتكتمل – مع عوامل أخرى – دورة الانجاز وتسهم تلك المواقف المدروسة مع غيرها فى تحقيق النجاحات والانجازات الواقعية على الأرض .
هناك صالحون وطيبون ومخلصون بالطبع – وأعرف كثيرين منهم – لكن عمر رضى الله عنه احتاج لتعلم تلك الخبرة الانجازية من المعلم والأستاذ والقدوة والخبير الأول صلى الله عليه وسلم .
حيث اختار الرسول صلى الله عليه وسلم " الترفق بهم وحسن صحبتهم ؛ حتى لا يقول الناس ان محمداً يقتل أصحابه " .
هناك معطيات ونتائج .. والنتائج السلبية توقعها الرسول فهو حريص على عدم تأليب الرأى العام ضد الدعوة وضد الرسول وتلامذته ، وربما أثر ما طرحه عمر على معنويات المسلمين أو افتتن البعض منهم بسبب تلك الممارسات العنيفة اذا حظيت بمن ينفذها وصارت أسلوباً معتمداً من القيادة مع كل من تحوم حوله الشكوك بكونه " منافق " .
فضلاً عن حاجة المناوئين للدعوة لانقسامات كهذه داخل الصف المسلم لاستغلالها وتوظيفها فى اختراقه والتحريض ضده وتطوير الهجوم عليه بوسائل متنوعة ومن خلال الضعف الذى سيطرأ من داخل عمق الدعوة هذه المرة .
اكتسب عمر " المؤمن " صاحب النية الطيبة تلك الخبرة الادارية وصولاً الى اكتمال فعالية الدعوة وانجازاتها ، وذكره الرسول " المؤمن وصاحب الوعى " بذلك حتى يكتمل تماماً الدرس ويظل راسخاً فى ذاكرته وذهنه ؛ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لاحقاً بعد وضوح ملامح المآلات والنتائج : " كيف ترى يا عمر ؟ أما والله لو قتلته – يقصد أبى بن سلول – يوم قلت لى أقلته ، لأرعدت له أنوف لة أمرتها اليوم بقتله لقتلته " !
وعى كامل واحاطة شاملة اذاً بالواقع والنتائج وحالات النفوس وأسلوب تفكير المحيطين فى مختلف المراحل .
فقال عمر معترفاً : " قد والله علمت لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم بركة من أمرى " – رواه البخارى –