أحدث المشاركات

نظرات في رِسَالَةٌ فِي الصُّوفِيَّةِ وَالْفُقَرَاءِ» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» برق الخاطر ... قسم جديد لأعضاء واحة الخير» بقلم د. سمير العمري » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» الثعبان الأقرع يداهمني في المنام بقلمي» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» بعض الحزن موت وبعضه ميلاد.» بقلم ناديه محمد الجابي » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» الغاية لا تبرر الوسيلة» بقلم جلال دشيشة » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» أمات العربُ؟» بقلم غلام الله بن صالح » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» غار النصر في غزة» بقلم احمد المعطي » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» رواية قنابل الثقوب السوداء .. مسلسلة. التالي» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» الموشحات الكشكية 1'2'3» بقلم محمد محمد أبو كشك » آخر مشاركة: محمد محمد أبو كشك »»»»» في شارع واحد» بقلم عبدالحليم الطيطي » آخر مشاركة: عبدالحليم الطيطي »»»»»

النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: لين في مدينة السحاب / أحمد عيسى

  1. #1
    الصورة الرمزية أحمد عيسى قاص وشاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    الدولة : هـنــــاكــــ ....
    المشاركات : 1,961
    المواضيع : 177
    الردود : 1961
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي لين في مدينة السحاب / أحمد عيسى

    لين في مدينة السحاب


    قصة طفولية للكبار أو العكس


    في مدينة السحاب يمكنك حقاً أن تطير، كذا فكرت لين وهي تنطلق بعجلة بخارية طائرة ترتفع عن الشارع قرابة المتر، تدور في شوارع فسفورية مبهرة ، حتى أنهكها التعب ، عادت الى سريرها السابح على وسادةٍ هوائية، قفزت اليه، ثم دون أن تفكر غرقت في نومٍ عميق، لم يوقظها منه الا يدان صوفيتان، امتدتا اليها لتوقظاها من نومها ككل صباح .
    تعرف دائماً أنه "فكري" دبدوبها الصغير الناطق، أسمته فكري لأن شعره مجعد مثل عمها فكري، الذي استشهد يوماً ما، قبل أن تترك بلادها حيث الصواريخ تقتل كل شيء، لتغادر الى مدينة السحاب .
    اعتدلت في كسلٍ وفكري يشير لها بإصبعه علامة الصمت، يقول بصوتٍ كالهمس:
    - لا تصدري صوتاً ، المكنسة العجوز سوف ترانا .
    كانت مكنستها لها أعين، وتراقبها دائماً حتى أنها لا تغادر الصالة المقابلة لغرفة لين الا لتكنس غرفة أخرى، فتستغل لين الفرصة لتغادر مع فكري ، والدتها تعد طعام الافطار في الهواء الطلق بحديقة المنزل الأمامية ، وهي تتسلل من الباب الخلفي مع فكري، وصوت المكنسة العجوز يأتي من الصالة ، انحبست أنفاسها حين اقتربت منهما، تسمرت أمام الباب الخلفي النصف مفتوح، حتى ابتعد صوت المكنسة وأم لين تقتادها لتجففها في الشمس قليلاً ، وعلى أطراف أصابعها واصلت لين وصديقها رحلتهما، الى الحديقة الخلفية، حيث اشجار الفواكه المتنوعة، فهناك لكل شجرة باب ، وبكل بابٍ عالم مختلف.
    حين جربت قبل يومين أشجار الخوخ ، عادت من هناك محملة بثمار الخوخ، وبحكاياتٍ لا تمل عن ازدهار الشجر في "الجورة" و " حيفا" وعن وقتٍ كان الخوخ مثمراً طوال العام، وعن زمنٍ كانت أشجار الخوخ تموت فيه من الشيخوخة، لا باثر قصفٍ ما ، أو جرافةٍ صماء تقتلع الحياة دون مبرر.
    تسللت رويداً مع فكري وهي تمسكه كأنها تخاف أن تفقده، قالت له :
    - أمي بالمنزل، ولا نريد أن نتأخر .
    قفز فكري في نشاط، وقطف زهرة برية جميلة ، ناولها اليها، وانحنى أمامها قائلاً :
    - ليس قبل أن تقبلي زهرتي هذه .
    ضحكت لين، وقبلت منه الزهرة ودستها في خصلات شعرها ، قائلة :
    - تعرف أنني أحب الشيكولا أكثر، لكن هديتك مقبولة ، لن أرد طلبك .
    تقدمها الى حيث أشجار العنب وهو يقول :
    - وكأنك تملكين حق الرفض .
    يضحكان وهو يقف أمام جذع شجرة العنب، ضغط على دائرة فيه، فاذا بسلمٍ ينزل من أعلى الكرمة، تسلقه ثم مد يده اليها .
    نظرت لين اليه: الى أين تأخذني يا صديقي ؟
    - مفاجأة ككل مرة . يجيبها بينما تمسك يده الصوفية وتلحقه الى أعلى ، سلماً تبدو درجاته أكبر وأعلى من تصوراتها .
    رأت أنها تقترب من السحاب حقاً ، ثم بدا أنها تتجاوز السحاب فعلاً ، لتجد نفسها تقف فوق احدى الغيمات .
    أمامها عالمٌ آخر ورديٌ تماماً ، به أشجارٌ تنبت سكر البنات، ومراجيحٌ من الشيكولاتة، تتقافز بها فتيات وفتيان صغار، شلالات صغيرة من عصير المانجو، وقطط بيضاء تمشي على قدميها ، ولكل قطة ربطة عنق، وزي مختلف ، حتى أن بعضهن بفساتين صغيرة، وبكامل أناقتهن .
    جاءتها طفلةٌ سمراء تركب طائرة صغيرة خضراء اللون، حطت أمامها بهدوء ومدت اليها يدها وقد انحنت بحركة مسرحية موحية : هيا معي .
    نظرت لين الى فكري وقالت بانبهار:
    هل يمكنني أن أذهب معها ؟
    ضحك فكري :
    - طبعاً يا صديقتي، فقط لو وعدتني بألا ترغميني على شرب اللبن مرة أخرى .
    تركته لين قافزة، انطلقت في الطائرة الخضراء مع صديقتها الجديدة، ثم قفزت منها من علو شاحق وفكري يضع يده على فمه خوفاً عليها، لكنها سقطت فوق السحاب دون أذىً، حيث حملتها السحابات القطنية الى قفزة أخرى أصغر، كأنها فوق وسادة طرية .
    تركت لين العنان لنفسها، ترقص وتمرح، تتقافز في كل مكان وهي تطوح بصديقها الصوفي يميناً ويساراً ، حتى سقطت على الأرض منهكة تتسارع أنفاسها، وشعرت بالسحاب تحتها أكثر خشونة مما سبق، أكثر واقعية أيضاً .
    بين سحابتين تحتها رأت الدنيا سوداء ، ليس نهاراً كما يبدو فوق السحاب . مالت لتنظر للأسفل ، وصوت فكري في أذنيها :
    - هي مدينتك القديمة ، حالكة السواد لأن الكهرباء منقطعةٌ بالكامل .
    - سابقاً كانت مدينتي بقعة سوداء وسط بياض ناصع ، فما الذي حدث ؟
    نكس فكري رأسه : أطفأت العواصم المجاورة أيضاً .
    بدا الأسى على وجه لين، فتقدم فكري منها قائلاً:
    دعينا من هذا فوالدتك بانتظارك .
    حاولت لين التحرك فشعرت بالعجز، لا تستطيع أن تقفز من مكانها أو تنهض، فتحت عينيها بصعوبة لتجد أنها في سيارة اسعاف، تحتضن دبدوبها الصغير الساكن ذو الشعر المجعد، وأمامها جندي اسرائيلي يفتش سيارة الاسعاف ويقرأ في تصاريح المرور من معبر ايرز ، السرير يحتويها مع صديقها الخيالي بينما والدها يجلس بجوارها يتحسس شعرها في حنو .
    همت أن تنادي على أمها ثم تذكرت أن أمها تركتها في حربٍ غادرة لا تتذكر رقمها، فاحتضنت دبدوبها كأنها تخشى أن يختفي هو الآخر ، وعندما عاد والدها يتقطع قهراً بعد رفض مرورهم لأسباب لا تعلمها، قالت له بصوتٍ خفيض:
    - لا تبتئس أي والدي، أنا بخير ويمكنني الانتظار .
    ثم أصابها المرض بارتعاشة استفاقت منها والعرق يتصبب على وجهها، فقالت لدبدوبها بينما والدها يغطيها حتى لا ترى دموعه :
    - لا تقلق يا صديقي، لن يأخذوك مني مهما حاولوا، فمدينتنا الحلوة حلمٌ نخبئه بأعماقنا، والحلمُ لا يموت .
    ****
    أموتُ أقاومْ

  2. #2
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,035
    المواضيع : 310
    الردود : 21035
    المعدل اليومي : 4.96

    افتراضي

    من على سريرها في سيارة الأسعاف حيث ترقد في عجز عن أن تنهض أو تتحرك
    كانت تطلق لين لخيالها العنان ليأخذها في رحلة في مدينة السحاب حيث انطلقت
    طائرة في رحلة مبهرة. وفي سحب خيالها كان فكري صديقها الدبدوب المسمى
    على أسم عمها الشهيد حيث في بلادها الصواريخ تقتل كل شيء.
    وبالخيال الذي نتنفس فيه رغباتنا فعلت لينا كل ما تحلم به ـ أكلت من ثمار فاكهة
    بلادها ، قابلت أمها التي رحلت .. ـ صعدت فوق السحاب لتتألم وتتعجب من بقعة
    السواد تحت منها ،لم تقتصر على مدينتها فقط وإنما شملت كل العواصم المجاورة أيضا.
    ورغم اشتداد المرض والشعور بالقهر عند منع سيارتهم من العبور .. مازالت لين تحلم
    بمدينتها الحلوة ـ والحلم لا يموت.

    بحر من الفكر والأدب يجود علينا بدرره الثمينة
    ومعك ومع لينا حلقنا فوق السحاب
    ومازال الأمل موجود طالما أن الحلم لا يموت.
    شكرا على وجبة أدبية فاخرة .. في نص
    عميق ـ رقيق ـ مؤلم
    دمت دائما رائعا. نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    الصورة الرمزية خلود محمد جمعة أديبة
    تاريخ التسجيل : Sep 2013
    المشاركات : 7,724
    المواضيع : 79
    الردود : 7724
    المعدل اليومي : 2.01

    افتراضي

    نعم لن يقتلوا احلامنا وسنبقى ما دام الحلم مستمرا
    أ. احمد عيسى حرفك رائع وقصك رائع
    بوركت وتقدير بحجم الوطن في قلوبنا

  4. #4
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.76

    افتراضي

    لم يتركوا للطفولة غير حلم بين غيبوبة الجريح وأمله بالحياة
    ورغم بعض الخيال في شطحة حلمها لكن مدينة السحاب التي استقبلت لين موجودة يعيش فيها أطفال أولئك الذين يصنعون الموت في بلادها
    وبين حلمها والواقع في ضفتي الحقيقة حملنا الكاتب في نص قصّي هادف يحكي وجع الطفولة كما عذابات الناضجين في بلاد لم تعد تعرف غير الدم

    دمت بخير أديبنا الكريم
    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

المواضيع المتشابهه

  1. لَوْ كَانَ عَرْشُكَ فِيْ السَّحَابْ
    بواسطة عبده فايز الزبيدي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 37
    آخر مشاركة: 11-09-2016, 11:18 PM
  2. تعازينا للشاعرة مرشدة جاويش بالشهيدة لين الخلف
    بواسطة نداء غريب صبري في المنتدى الروَاقُ
    مشاركات: 15
    آخر مشاركة: 04-10-2013, 02:44 AM
  3. أحببت لين :: شعر :: صبري الصبري
    بواسطة صبري الصبري في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 18
    آخر مشاركة: 19-04-2012, 01:06 AM
  4. واجب العزاء لأخينا الشاعر والقاص أحمد عيسى .. في وفاة والده
    بواسطة إياد عاطف حياتله في المنتدى الروَاقُ
    مشاركات: 22
    آخر مشاركة: 12-07-2008, 02:01 PM
  5. الخرع عند الاطفال Rickets ( الكساح) ، ( لين العظام)
    بواسطة د. عمر جلال الدين هزاع في المنتدى عُلُومٌ وَتِّقْنِيَةٌ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 28-11-2006, 01:22 AM