وردية فراولة ، السرد بزاوية مستحيلة .
قراءة في رواية : "وردية فراولة للروائي : أحمد الملواني


كعادة كل رواية تحمل بعض الجرأة ، ستسمع الكثير من الانتقادات، ولن يكون سهلاً قرار قراءتها ، ناهيك عن تحليلها وفك رموزها .
وردية فراولة ، رواية مصورة بكاميرا عالية الوضوح " ‘Ultra HD " وذات الكاميرا مزودة بتقنية الواقع الافتراضي ، أي أنها مصورة بزاوية مستحيلة ، 361 درجة، وهي زاوية مستحيلة رياضياً ، لكنها ممكنة عبر رواية أحمد الملواني .
ورغم أنني ربما أتفق مع غيري من منتقدي الرواية ، في عدم الاشادة ببضع كلمات تضمنتها الرواية ، الا أن مهنيتي وعشقي للرواية الحقة، سوف يمنعان بعض كلمات من التأثير على حكمي العام على رواية ، كانت بالنسبة لي جرعة حقيقية من الأدب ، في وقتٍ غزت الفوارغ السوق، وصار الغث أكثر طغياناً ، وهذا للأسف طبيعي ، لأن جمهور اليوم لن يفهم أدب محفوظ، ولن يدقق في حروف السباعي، ولن يسبر أغوار ادريس ، وانما يريد جرعة سهلة بسيطة من الأدب السهل، السرد السلس الذي يبدأ الحدث وينهيه دون أي لف أو دوران، فالتلاعب بالسرد، والأزمنة، والأمكنة ، حرفة الأدباء العظام، والكتاب الثقال، وهي حرفة لا ينافسهم فيها أحد، لكن الجمهور لا يتقنها، ولو قسنا ذلك بالدراما الغربية ، سنجد أن أفلام الخوارق التي اكتسحت بها مارفل السوق ليست أعلى قيمة فنية من أفلام أخرى ثقيلة لم تنجح جماهيرياً ، أفلاماً بنيت على قصص واقعية عبقرية، ومارس أبطالها التمثيل بأصوله ، ففشلت في اللحاق بركب الأبطال الخارقين، والبدل الحديدية ، والانفجارات الكثيرة المتوالية والمتع البصرية اللامحدودة .
بالتأكيد ليس كل من لم يعجب برواية الملواني هو ضعيف الذوق ، لأنه لولا اختلاف الأذواق، لبارت السلع ، لكن هي نظرة منصفة لكل من قرأها مرة ، من فضلك : أعد القراءة مرتين .
وردية فراولة تناولت حدثاً عادياً ، سريعاً خاطفاً ، كان يمكن وصفه ببضع صفحات، فقام الملواني بمشرط الطبيب بتشريحه، وبكاميرا المصور المحترف بتصويره من جميع زواياه، مركزا الكاميرا عبر الزوم ان لكل شخصية على حدة ، ثم بمهارة القاص البارع عاد بنا عبر الزمن الى بدايات كل شخصية من عمال المصنع الاثنا عشر ، فعرفنا خلفياتهم الثقافية والتربوية ، صراعاتهم النفسية ، بيئتهم ، الانفعالات التي تعتمل في نفس كل منهم ، ثم استطاع أن يرسم لنا الحدث بحرفية ، منتقلاً من عقدة صغرى الى عقدة كبرى ، وصولاً الى الذروة ، عبر تفصيل سيأتي لاحقاً .
الزمان : زماننا الحالي/ الحدث الرئيس في الرواية يتقاطع مع فلاش باك يمتد عبر خط الشخصيات كلها
توقيت الحدث : مساء ، في وردية الليل
مدة الحدث : الليلة بكاملها
المكان: أحد مصانع البلاستيك/ مصر
الشخصيات : تناولها الكاتب عميقاً عاكساً البعد التكويني الدال على الجانبين الخلقي والخلقي يضم الخاء وفتحها، والبعد الاجتماعي وارتباط الشخصية بمحيطها الأسري الخارجي ، والبعد النفسي الوجداني، رغبات نفوسهم وصراعاتهم الداخلية وتقلباتهم المزاجية .
شخصيات الرواية هم : اثنا عشر عاملاً في وردية الليل/ رئيس الوردية/صاحب الشركة/مدير المصنع/شادية/غفير المخزن
صاحب الشركة: شاب ورث كل شيء عن والده، لاهي عابث يعشق الجنس والسهرات والشرب وجلسات المزاج ، يعتقد أن الانسان خلق ليمارس الجنس، وأن المتعة الوحيدة العبقرية في الحياة هي مضاجعة النساء . ومفتاحه هذا أحسن استغلاله الأستاذ خليل، رئيس وردية الليل.
الأستاذ خليل: رئيس وردية الليل ، تربطه علاقة مصالح مشتركة مع صاحب الشركة، فهو يعمل قواد خاص به، يوفر له مخزون لا ينضب من النساء ، وبهذه الحجة أقنعه بالابقاء على المصنع القديم، ليوفر له نوعية مختلفة من النساء، واستطاع اقناعه بوردية الليل، وأن يكون هو رئيسها ، مع صلاحيات مدير مصنع .
حمادة السلطان : مولانا السلطان كما يلقبه الناس ، يعمل غفير على مخزن الشونة في وردية الليل، طلب الوظيفة بنفسه من الأستاذ خليل فوافق عليها مكرهاً ، مجرد بلطجي من الطراز الحديث، الطراز الذي لا يراعي أي قيم ، اصطنع مشادة مع عمه البلطجي المعروف مصطفى بركان ، حتى نال علقة محترمة من عمه قبل أن يفعل أي شيء، فانتظر حتى رد الصاع صاعين، لينصب نفسه بحكم المنطق، رئيساً على بلطجية الحي ، ثم بلطجية المناطق المجاورة، فيصبح الزعيم، ويجعل صبيانه ينسجون الأساطير والحكايات الخرافية والجرائم الوهمية عنه، حتى أصبح الكل يخشاه .
جميل الساعي : المسؤول عن تأمين الفراولة/الترامال لوردية الليل، يتسبب بضياع تموين الليلة التي تتأزم فيها الأحداث، بسبب شبقه ورغبته في ممارسة الجنس مع احدى العاملات ، تدعى شادية .
شادية : احدى العاملات اللعوبات في الوردية الصباحية، يسيل لعابها عند رؤية شريط الترامال في يد جميل الساعي، فتقرر أخذه بأي ثمن حتى لو مقابل أن تترك جسدها لجميل رغم قرفها منه ، حتى تعود بالمخدر لابراهيم عشيقها .
عمال وردية الليل:
1. سعد عبد الرازق : شاب لاه عابث ، ملحد لا يؤمن بالأديان السماوية كلها رغم أنه مسلم بالاسم ، يمشي بمبدأ التقية، أو بمبدأ جعل الناس يؤمنون بما يحبون، يصلي الجمعة بحكم العادة، ويصوم رمضان كنوع من المجاراة للناس، سمح لزوجته بالنقاب، وكان صديقه الوحيد ملحد مثله، لكن من المسيحيين بالاسم ايضاً ، صديقه سمعان .
2. سمعان : نصراني بالاسم، لا يؤمن بالأديان أيضاً ويعتقد أنها خلقت للالهاء، قوي الشخصية والشكيمة، لا يحب التمييز والاختلاف ، ويؤمن بالمواطنة ، يصادق المسلمين، وأمه تتسول أمام مساجدهم ، حتى قيل أنه يسكنها جني مسلم ، يواجه العالم بعدائية كونه مسيحي من الأقلية، وغير مؤمن أصلاً بالمسيحية أو غيرها، وفي عمل الدورية يكره دور القواد الذي يلعبه الأستاذ خليل ، ويكرهه شخصياً دون أن يحاول اخفاء هذا الكره .
3. ظريف : النصراني الثاني في الوردية، على عكس سمعان جبان رعديد يخاف من أي مواجهة مع الآخرين، ويداهن الجميع طوال الوقت، لديه مخاوف اجتماعية جمة بعد أن تركه أخواه وسافرا ما جعله يرعى أمه المريضة ويبقى حتى الأربعين دون زواج .
4. رمضان بلية: الواشي ، مجرد جهاز تسجيل متنقل ، يسجل كل حرف يسمعه لينقله الى الأستاذ خليل، ومثل أي واش فان الجميع يبغضه ويتجنبه ، بدأت قصته بالوشاية عندما وشى بأمه وقرصة أحدهم لمؤخرتها، لينتهي الأمر بأمه قتيلة ووالده في السجن، وخالة تكرهه مما جعله يذهب لدار الأيتام .ليمارس هوايته في الوشاية بزملاء الملجأ، حتى وصل الأمر أنه خطب فتاة فضاجعها وفتن عن ذلك لأهلها، فهاجموه يبغون قتله ليفر محتمياً بالسلطان .
5. اسماعيل أكشن: الأكبر سناً بينهم، كومبارس فاشل، يحاول ممارسة الكذب على الجميع، حتى في مشاعره حين ادعى حزنه على ابنه الفاسق، ثم كان أكثر منه فسوقاً حين ضاجع أرملة ابنه برضا زوجته وعلمها حتى يبقيها هي وولديها في منزلهم .
6. الشيخ رجب : رجل ضخم الجثة، ملتح، تربى في مساكن الصفيح، في بيئة قذرة، صوت العاهرات وغنجهن كان يسمعه يومياً ، فتحاول والدته اعلاء صوتها بالقرآن حتى تغطي على آهات الجارات، ثم تعرض لاغتصاب من جارته نكاية بأمه، حفظ القرآن على يد أمه وآثر التدين هروباً من وقعه القذر، غيور على الدين كما يحب أن يصف نفسه لكن يجبن من المواجهة الفعلية.
7. عمرو النص: الأصغر بين عمال الوردية، فاكهة الشلة ، قصير القامة خفيف الظل، هو الحلنجي الذي يلعب بالبيضة والحجر ، من نفس حارة السلطان، وهو من ساهم في تلميعه ورسم صورة خارقة عنه ، يصفه الكاتب أنه من المبشرين بنبوة السلطان، ولعل أغلب ما روي عن السلطان من خوارق كان من نسج خيال عمرو النص .
8. عبد المرضي : الفني الخاص بالوردية، يحب الفتي واظهار نفسه بمظهر العارف بكل شيء وأي شيء، مما يجعله بالتبعية كثير الكلام مكروه الصحبة، يهرب منه رفاقه تجنباً لصداع محتمل .
يلقبه السلطان بالعرص، حيث أن بنته من زوجته الثانية نامت مع زميلها في الكلية فصورها وهي عارية، وذهب هو الى السلطان يطلب عونه ولم يخذله السلطان وان استمر بسبه في كل مناسبة .
9. قنديل : رجل متعجرف، يفرض وجوده على الآخرين "حشري" كاذب ومتوهم ، يصفه اصدقاؤه بالسوداوي، كان والده يكره أمه وفرض عليهم حياة صعبة بسبب هذا الكره، ما جعله يفكر في قتله، قبل أن يتراجع ويقرر أمراً واحداً : عليه أن يكره الجميع .
10. شعبان طريشة : صديق قنديل، حسن الخلق ولسانه طيب لكنه منعزل، ادعى ضعف السمع حتى يبتعد عن الناس، فقد طرده والده هو وأخوته من المنزل حتى يتزوج في الشقة، عمل خفيراً عند زوج أخته، يعاني من ضعف جنسي وخشية تؤرقه من الليل، ومن شبق زوجته وتوهم خيانتها له مع صديقه الوحيد قنديل، يعتقد أصدقاؤه ويحاولون دائماً اثبات أنه ليس ضعيف السمع، فيما يحرص دائماً ألا يكشفوا سره .
11. الأباصيري : مدمن خمر، في الخمسين من عمره، والده سكير ومهمل دائم الصراعات مع زوجته، قتل الأباصيري ابنه في نوبة سكر ، ثم ألقى الجثة من المنور ، واستمر في حياة يضرب فيها أبناءه وزوجته تتحمل كل ذلك ، كان يكره جبن ظريف ويسميه : ظريف الأرنب .
12. سعيد شاورما : في بداية الأربعين من عمره، سافر في شبابه الى هولندا، قضى فيها عشر سنوات، عمل في المطاعم حتى صار شيف شاورما، وصاحب رفيقة هولندية، ثم مرض والده فعاد يلبي نداء والده الذي أرسل في طلبه لأن الأخ الأكبر لسعيد استولى على كل نقوده وتحوشيته ، فذهب اليه سعيد وعاد مضروبا متورماً، فحاول بعدها الانتقام بطعن أخيه محاولاً قتله، ثم تنازل عن كل شيء وعن أمواله بصفقة عقدها مع أخيه مقابل خروجه من ورطته .
التناول الشامل للشخصيات، وأبعادها والتأريخ لها منذ النشأة وحتى الوصول للعمل في وردية الليل، جعلنا ندرك أن لكل من عمل في هذه الوردية أسبابه الخاصة، وهذا التأصيل جعلنا أكثر ادراكاً للحدث الذي مر عبر مراحل وصولاً للذروة
تمهيد للحدث/ البداية : سمعان يسب دين صديقه سعد ، أمراً عادياً بين الاثنين، ويسمعه الجميع فلا يعترض أحداً ..
الاطار العام للحدث، المكان والشخوص والجو العام : اثنا عشر عاملاً في وردية الليل، التي ابتدعها الأستاذ خليل، عبر فكرة جهنمية ليقنع صاحب الشركة بجدواها، وهي أن يتم توفير الفراولة/حبوب الترامادول المخدرة ، لجميع العمال، بحيث يكونوا أكثر عطاءا كل ليلة .
في يوم الحدث، يتمنى الساعي مضاجعة العاملة بالمصنع المدعوة شادية، فيظهر لها شريط الترامال وهو يبتلع حبة منه، فتسلم نفسها له في الحمام، وتتقبل أن يضاجعها بقذارته من أجل شريط المخدر الذي ستهديه لعشيقها ابراهيم .
ينتج عن هذا الأمر أن الليلة ستكون بدون تموين، بدون مخدر ، بدون فراولة .
يقترح الأستاذ خليل على الجميع أن يمثلوا ، أن يلعبوا لعبة يؤدوا فيها دور المسطول، أن يتقمصوا شخصيات يتمنوها كأنهم بالفعل شربوا شريطاً من المخدر .
الحدث : الشيخ رجب وهو يؤدي دوره في اللعبة يتمقص دور الشيخ الشجاع الذي يريد الثأر لدينه، فيقرر تلقين سمعان درساً لسبه الدين ، يضربه بقضيب حديدي حتى يكسر أضلاعه .
ظريف المسيحي يكون قد قرر هو الآخر أن يكون شجاعاً ، فيستل سكيناً ليطعن الشيخ رجب في مقتل .
تصاعد الحدث : يقرر العمال العشرة المسلمين الانتقام لمقتل الشيخ رجب على يد ظريف ، حيث يأخذ الحادث منحى الطائفية فوراً .
يقوم السلطان/الغفير/البلطجي بلعب دور خبيث في فعل الآتي :
فهو يقوم بايواء ظريف في مخزن الشونة وتسليحه بسلاح آلي
ثم يقوم بتسليح جميع العمال ، وفتح المخزن على ظريف ، وادخل سبعة منهم اليه ، ثم اغلق المخزن عليهم مرة أخرى
بعد قوله لهم " كل واحد مسؤول عن قراره، اوعوا بس يا ولاد الوسخة تقلبوا اللعبة اللي بينكم جد "
وطبعاً اللعبة كانت قد تحولت للجد منذ زمن ، وهو يقفل الباب خلفهم ، ويمارس دوراً يجب تأمل رمزيته، في تأجيج الفتنة الطائفية وتسليح الطرفين.
المعركة : تبدأ المعركة بداخل المخزن ، بتفرقهم اثنان اثنان الا الأباصيري كان وحده، فتدور معركة بينه وبين ظريف تنتهي بموت الأباصيري وسقوطه مهشم الرأس برصاصات ظريف .
ثم تتوالى المعارك بين ظريف وسعيد شاورما، شاورما يطلق خرطوشه على ظريف فتصيب الشظايا اسماعيل أكشن،
ليحسم سعد عبد الرازق المعركة ، بضربات سيفه على راس ظريف، حتى يقطع رأسه تماماً عن جسده .
ولأن اسماعيل أوشك على الموت بفعل غباء سعيد ، فانه يطلق رصاصاته حتى آخر طلقة يفرغها في جسد سعيد فيقتله، ويتفقوا جميعاً أن يلبسوا تهمة قتل سعيد والأباصيري لظريف .
أما عبد المرضي والنص بالخارج وهما مع السلطان، فقد وقعا في شراكه أيضاً حين طلب السلطان من النص اظهار مقطع الفيديو الذي يصوره وهو يمارس فيه الجنس مع ابنة عبد المرضي .. فهرب النص ، وشجع السلطان عبد المرضي أن يقوم لينتقم لشرفه المهدور منذ زمن ، يشجع السلطان عبد المرضي، ليبدأ في رمي زجاجات المولوتوف على النص، حتى يسقط دون أنفاس .
أما في الداخل فان شعبان يقرر قتل صديقه قنديل، الذي يظن أنه يخونه مع زوجته ، فيواجهه ويرفع سلاحه نحوه، فيبادر قنديل لضربه بالسيف في يده ، وهو يعترف له بالفعل بخيانته لزوجته معه ، فيرمي السيف ويمسك بالبندقية موجهها لصديقه، فيتحمل شعبان الاهانات حتى يستل السيف عن الأرض ويضعه في صدر صديقه قنديل . ويضغط قنديل زناد البندقية، ويسقطا متعانقين قتيلين معاً .
ولم يتبقى حياً الا رمضان بلية وسعد والعم اسماعيل المصاب ، يعود سعد وحيداً ، ويخبر اسماعيل أنه قتل بلية ، يتحامل اسماعيل ويضرب سعد بالبندقية ثم بالسيف حتى يقتله ويسقط فوقه ميتاً أيضاً .
انفجار الماكينات بفعل النار يشعل دورة المياه التي يختبئ فيها النص، فيقتله ، والسلطان هرب من النافذة أمام عيني الأستاذ خليل، وعندما حاول خليل أن يقلده ، سقط من النافذة ليتهشم رأسه .
تنتهي المعركة بموت عمال الوردية جميعهم، والأستاذ خليل، والناجي الوحيد هو السلطان نفسه .
عندما تعود شادية للعمل في الصباح تفكر في جميل الساعي ورغبتها فيه مرة أخرى ، وتفاجئ بالمصنع المحترق والجثث المهشمة الرؤوس ، نعلم نحن أن جميل الساعي مات موتاً طبيعياً على فراشه ، ووجهه يحمل ابتسامة ما .
اللغة : كانت اللغة قوية متماسكة ، وحتى العامية في الحوار كانت مفهومة بغير افراط، شابت الجرأة بعض الألفاظ تحديداً ، ولو حذفت من النص لن تضعفه ، ولو بقيت لن تؤثر عليه، لهذا آثرت ألا أركز عليها كثيراً بضعة كلمات كان يمكن الاستغناء عنها لفرط دلالتها في الشارع وعنفها على أذن المتلقي، ولو أن تجميلها كان سيكون ذا وقع عادي جداً ، فأن تستبدل الكلمة الفصيحة الدالة على الجنس بأخرى عامية يسبب نفوراً قد أبرره أنا ولا يبرره غيري، لكن النص رغم كل شيء كان متماسكاً قوياً ولم يكن نصاً سهلاً أبداً .
في الختام :
القصة عبقرية بامتياز ، جسدت واقعاً سياسياً معاشاً ، رمزت للدور الذي يلعبه الشيطان بين الأخوة واصحاب الوطن الواحد ، الشيطان الذي يدعم كل طرف، ويمول كل طرف، ثم يخرج من أي معركة دون أن يمس .
الدور العبقري الذي لعبه النبي المحتمل، الشيطان المحتمل، مولانا السلطان ، كان هو جوهر الرواية ، لكن الرواية كانت أبعد عن الاتكاء على شخصية واحدة ، بل أنها وقفت على الشخصيات جميعها، شخصيات رباعية الأبعاد، حملت عمقاً وفكراً ناضجاً للكاتب ، ملحمة انتهت بمقتل كل اطراف اللعبة ، وبقاء الشيطان وحده ، ملحمة لم يدر بخلد من بدأ بقراءتها أن نهايتها ستكون هكذا ، نهاية غير متوقعة ، لكن الكاتب لم يرتكن لعنصر المفاجأة، لأن الأحداث مشبعة بفكر عميق، يجعله أعلى بمراحل من الاتكاء على عنصر المفاجأة وحده .
خرجت من الرواية بصداعٍ مزمن ، ليس بسبب عدم استمتاعي بها، بل بسبب عمق استمتاعي بها، كأنك أخدت جرعة مضاعفة من الفراولة المقصودة في روايتنا، حبة واحدة كانت تكفي لجعلك سعيداً منشرح الفؤاد ، لكن شريطاً كاملاً سيكون وجبة ثقيلة جداً ، وجبة أدبية دسمة ، تناولتها في يومين فقط ، منذ وصلتني الرواية بالأمس وحتى انتهيت منها اليوم . جرعة من المتعة الأدبية التي مسحت عن عقلي كل ترهات الروايات التي قرأتها في الشهور الأخيرة ، رواية بحق .
أحمد الملواني ، أنت روائي قدير، تستحق أن تُقرأ ، دون أن يطالك الغرور ، تستحق أن تغتر .
تحية أدبية خالصة

أحمد عيسى
غزة