أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: محاكمة وامرأة............

  1. #1
    الصورة الرمزية صبيرة قسامة شاعرة
    تاريخ التسجيل : Mar 2014
    المشاركات : 96
    المواضيع : 18
    الردود : 96
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي محاكمة وامرأة............

    كانت أول محاولة لي في الرواية بدأتها وأنا في عمر 19
    ورغم بعد منهجها قليلا عن الرواية إلا أني اعتمدتها للقضية التي تعالجها والثقافة التي تتضمنها
    محاكمة وامرأة---------------------------------------------

    في عالم لم يعهد لأحد العيش فيه على أرضية الواقع، أين تتجلى الطبيعة بشتى معالمها الخلابة؛ بين زهور مختلفة العطور والأشكال، وجداول وأنهار متباينة الأذواق والألوان، وأشجار وارفة الظلال، تتمشى رونق تلك الفتاة الحالمة الشابة منبهرة في أسمى معاني الجمال، وإذا بها تتعثر في صخرة قاسية، فترفع النظر إليها وتنفض عنها غبار السنين، فتتبدى لها رموز غريبة تجهل معناها.
    تتمعن رونق تلك الرموز بشغف والفضول يسيطر على تفكيرها، وفجأة يبرز رجل غريب تظهر على ملامحه الجدية والوقار، فيمضي الرجل في طريقه دون أن ينتبه إليها.
    تستوقف رونق الرجل الغريب مستفسرة، وتسأله معنى الرموز المبهمة، فينظر إليها بكثير من الدهشة، ثم يقول: هي تعني أيتها الساذجة "مرحبا بك في عالم الأقساط".
    تقول رونق في حيرة من أمرها: عالم الأقساط، وأين هو؟
    الرجل الغريب: نعم عالم الأقساط، وقد تجرأت على دخول القسم الخاص بالرجال، وهي جريمة في عالمنا هذا.
    رونق: أرجوك سامحني فأنا غريبة عن هذا العالم...
    الرجل: لا بأس، ولكن لا بد أن تسرعي في مغادرة هذا المكان.
    رونق : وأين سأذهب إذن؟
    يجيبها الرجل وهو ينفض سترته: إلى المكان الخاص بالنساء.. أين يتجمعن، هيا بنا، أسرعي فقد اقترب موعد المحاكمة..
    تنظر إليه رونق نظرة إبهام والحيرة تستبد بها: تجمع النساء... ومحاكمة...؟!!
    يتوقف الرجل لحظة ثم يقول: يبدو أنك فقدت ذاكرتك تماما إذ لم تتذكري هذا اليوم العظيم.
    تمضي رونق في طريقها وهي تكلم نفسها: ما أعجب هذا العالم! لم أعلم قبل هذا اليوم أن الدول والقارات والعوالم أصبحت تقسم على أساس الذكورة والأنوثة...
    يردد الرجل بصوت خافت: اتبعيني بسرعة.
    وفجأة تسمع رونق ضجة وهتافات وأصوات متزاحمة فيعتريها شيء من الفضول لمعرفة سبب هذه الفوضى..

















    تقتحم رونق ذلك الازدحام فيغيب عن أنظارها الرجل الغريب تبحث عنه وتلتفت يمينا ويسارا دون أن تجده، فلا تكترث لأمره كثيرا وهي تتسلل بين جمع كبير من النساء يحملن رايات ويهتفن " معا لتحقيق النصر في المحاكمة" ، "لتحيا المرأة وليسقط الرجل".
    تنبهر رونق، وتفضل الملاحظة، وإذا بامرأة تبدو عليها ملامح الكبر والأناقة تتصدر الجمع وتصعد على المنصة، ورونق تزداد دهشة وتساؤلا عن ماهية هذه المرأة.
    تندلع أصوات التصفيق، ثم يعم الصمت أنحاء ذلك المكان، فإذا بالمرأة تبعثر أوراقا، وتتهيأ للكلام فتقول:
    " بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وبعد،
    يا مجمع النساء، ها قد جاء اليوم المشهود الذي عانت لأجل وجوده آلاف النساء، وكابدت الآلام بغية قيامه، وضحت بالنفس والنفيس آملة تحققه.
    إنها محاكمة المرأة ...المحاكمة الفاصلة بين ميلاد المرأة المستعبدة وتحررها، وسنقطع شوطا طويلا من هذه المحاكمة إذا اخترنا المرأة التي ستمثلنا فتحد من كلام المستغلين، وتصنع من قيودهم أغلالا تعلقها على رقابهم.
    آه، يبدو أن الكلام أخذني حتى نسيت التعريف بنفسي، ومع هذا لا أظن واحدا في البشرية جمعاء يجهلني، أو لم يسمع عني، فقد تداولتني ألسنة الناس منذ خلق آدم، وتناولتني الكتب بشتى أنواعها وأبرزها كتب التاريخ والشعر والأدب فضلا عن الكتب المقدسة.. فكنت المرأة النموذج في عالم النساء، ودليل ذلك أن الصحف إذا أرادت جمع النساء في كلمة واحدة نطقت باسمي: حواء.
    وكلّ صورني على هيئة: فالصنف الأول رآني أم البشر وخالني رمز للعطاء والحياة، والصنف الثاني وصفني بمحرضة آدم، فكنت برأيه أشبه للشيطان من الإنسان، أما الصنف الثالث فجعلني الأنثى الضالة بين الجنة والأرض..
    وما كان مجيئي إلى هذا الكوكب الكبير في هذا اليوم الذي سيظل بصمة على سطور التاريخ إلا لتدشينه رفقتكن يا فلذات كبدي، وأمنيتي الوحيدة أن تبقين على متنه فتتوجنه بحكمتكن وتنرنه بحسنكن، ولا يخفى عليكن أن هذا الكوكب هو جائزة معتبرة للفائز في هذه المحاكمة.
    رونق (متمتمة): إذن هذا التقسيم مؤقت..
    ثم تسأل امرأة بجانبها، هل لك إخباري عن مصير الخاسر في المحاكمة؟
    فتصرخ المرأة في وجهها غاضبة:صه، سوف تعرفين لاحقا.
    وتكمل حواء خطبتها:
    "فإذا كنا نحن النساء الفائزات في هذه المحاكمة، ظفرنا بنيله والتربع على عرشه مدى الحياة، والتمتع بما فيه من خيرات ونعم، وكأنه الجنة التي خرجنا منها، وهذا مبتغانا الأول والأخير.
    أما إذا خسرنا – لا قدر الله – فما لنا إلا أن نجر أذيال الخيبة راجعات إلى الأرض نجد ونكد فيها لتحصيل لقمة العيش.
    فلنحرص إذن على نيل هذا الكوكب المثالي، ونتشبث بحقوقنا ومبادئنا لتحقيق مرادنا، فنضع نقطة نهاية على سطور التضحيات.
    عفوا، لقد خرجت عن موضوعي الأول، والمتعلق بتدشين هذا الكوكب المقترن بمحاكمة المرأة، والتي ستتم يوم الجمعة أي بعد غد.
    فبعد أن أعلن الرجال محاكمتنا محاكمة لا بد من فوزها، بدأت في حملتي التوعوية التي تضم الحق في كل ما نمهد له ونخطوه... ولم أقبِل على هذه المحاكمة إلا لتحقيق الحق وسحق الباطل قدر ما استطعت، ولأجل هذا الحدث الجليل سنقوم بامتحانات في كل مكان من هذا الكون الذي يضم جميع البشر من أبيكم آدم إلى آخر مخلوق من هذه السنة – سنة الخير والبركة – 3000 للميلاد.
    زمرد: سمعنا أن أبينا آدم سيقوم بمثل هذه الحملة التحسيسية، فهل سننجح في اختيار محامية تمثلنا؟
    حواء: ولم لا يا صغيرتي؟ فنحن لا ننقص الرجال حكمة ورصانة وقوة عقل، ضفي إلى ذلك عاطفة إنسانة جياشة وعطاء مثاليا..
    رونق: أماه، إن كوكبنا كبير، كيف سيتم الامتحان؟
    حواء (مبتسمة): إن هذا الامتحان يا بنيتي كباقي الامتحانات التي كنتم تجرونها في المدارس والجامعات، غير أن هذه الأخيرة شهدت بعض مظاهر الغش والمصالح التي تداولها مجتمعنا الإنساني، ولتفادي مثل هذه الآفات أمرنا القاضي بوضع آلات تختبر كل ما في أذهان الممتازات منكن، ولعل هذا أفضل لبلوغ الهدف المنشود ألا وهو سيادة العدل.
    بال: أنا وغيري نتساءل إن كان الرجال سيقومون بمثل هذه الاختبارات، فما رأيك يا أم البشر؟
    حواء: نعم، لأن هذه الاختبارات من أوامر القاضي، ولأننا عندما فتحنا هذا الكوكب جعلنا له اسما يتعدى كل ظلم وباطل، أليس عالم الأقساط؟
    ثم تضيف وهي على وشك الانصراف: إذن يجب عليكن التهيؤ لامتحان الغد، الامتحان الذي سيغير مجرى التاريخ، ويمسح كل مظاهر الشر من نفوس البشر.
    وفي تلك اللحظة اعترضتها رونق بسؤال آخر: رويدك أم البشر، هل لنا أن نعلم ماهية القاضي؟
    حواء (وهي تضع يدها على رأسها): آه، كدت أن أنسى، إن القاضي يا بناتي ولتجنب كل ما يزرع الشك في نزاهة المحاكمة، مخلوق ما شابهه بشر، بديهي النزعة، محق القول ذو عقل جامح وذاكرة خلاقة....

    تهمس فكتوريا كاترين مبارحة مكانها السابق، "هيا بنا إلى اجتماع الرجال علنا نعرف موقفهم من هذا الحدث العظيم".
    ثم تتسلل الفتاتان بين أشجار كثيفة لتبلغا مكان اجتماع الرجال، فتقف كاترين وراء صخرة كبيرة وتنادي فكتوريا قائلة:" هيا أسرعي في الاختباء وإلا تفطنوا لوجودنا" وهي تحاول استراق السمع والنظر.
    تقول كاترين وهي تطبق رأسها: اقتربي بهدوء، لا زالوا في اجتماعهم السخيف.
    ثم يبرز آدم مرفوع الرأس متقد العينين على منصة عالية مزينة بألوان قوس قزح، وهو يقول:
    إنني أناشدكم تفويض رجل لنصرتكم في هذه المحاكمة، كي نحقق أحلامنا وآمالنا المنصبة حول امتلاك هذه الرياض الفسيحة الأرجاء، وطرد النساء منها لسيادة العالم الكامل.
    حاتم (بصوت عال): بعد أن أنهيت كلامك يا أبا البشرية، أريد سؤالك مسبقا عن نسبة نجاح النساء في المحاكمة.
    آدم (وهو يقهقه): نجاح النساء..؟!! لا أظن ذلك أبدا، فنحن من سيكلل بتوجيه الاتهامات، والنسبة ضعيفة لا محالة إن قورنت بنسبتنا، وسننتظر هذه النتيجة بفارغ الصبر، غدا تعلّق نتائج الاختبار وبعدها تحين المحاكمة.
    وبعد إجراء الامتحانات بوضع آلات زودت بطاقة كبيرة تكشف مدى قدرة المترشحات والمترشحين الفكرية تحت إشراف القاضي، يخاطب آدم القاضي قائلا:
    " .. انتهت العملية بنجاح، ولكننا حصدنا مجموعة من الرجال الذين بلغت نسبة ذكائهم الذروة، فما هي الخطوة التالية؟"
    القاضي: فلننتقل إلى المرحلة الثانية وهي الاقتراع السري والمباشر حسب بنود قانون عالم الأقساط، لأن الوقت لن يتسع لإجراء امتحان آخر، وأعلم الجميع أن الاقتراع سيتم من الساعة السابعة صباحا إلى الثامنة مساء، كما يجب جمع المعلومات التي تخص كل مترشح ومترشحة ضمن استمارات بذكر اسم المترشح، وإلى أي عصر وبلد ينتمي..
    وبعد انتهاء الإجراءات الانتخابية تم فرز الأوراق فإعلان النتيجة.



    تبرز حواء بفستان أبيض طويل تداعب أذياله زهور الياسمين فتمشي مشية ملكة على بساط أبيض إلى أن تصل إلى مكانها الأول، وهي تحمل بيدها جملة أظرفة وأوراق، وعلامات السرور تعبث بمحياها فتقول:
    " بعد أن تمت الانتخابات نزيهة لنا الآن إعلان اسم المرأة الممثلة للنساء في محاكمة المرأة، إن المرأة التي ستتحمل عبء تمثيلنا في محاكمة المرأة هي.. هي:
    رونق فلتتفضل تحت تصفيقاتكن إلى جانبي للتعريف بنفسها"
    ثم تبرز رونق حائرة وتقول متلعثمة: "أنا.." ثم تضيف " هل تقصدينني يا أم البشر؟"
    حواء (مبتسمة): نعم يا بنيتي تقدمي إلى هذه المنصة لإلقاء كلمة تبرز أهدافك.
    فتتقدم رونق وهي تلتفت خائفة ومحرجة فتقول في نفسها: " كيف سأتكلم بين جميع هؤلاء؟" ثم تستجمع قواها متمتمة: "لا بد من المحاولة".
    تستعد رونق استعداد من يقدم مرغما على حرب ضروس، فتوجه كلامها إلى النساء وهي تصطنع الابتسامة:
    "السلام عليكن يا أخواتي، إنه ليشرفني أن أرفع راية تمثيل المرأة في هذا الحدث الهام، ولا تكون هذه المهمة إلا عبئا ثقيلا عمن يقوم بها، فهي تكليف قبل أن تكون تشريفا.
    وبعد أن ملت الأقلام والأوراق هذه المسألة العويصة التي راحت ضحيتها آلاف بل ملايين النساء وجب علينا مناقشتها مناقشة حضارية عادلة..، ثم أ لم تكن المرأة ضحية طوال عصور التاريخ؟
    فابنة الجاهلية وئدت وهي قطعة لحم، وكم استنجدت باكية قلوبا ثكلتها وهي في التراب دفينة، لكن هيهات لها من مجيب، فضلا عن ابنة العشرين التي كانت توهب لنهر النيل خوفا من هيجانه، وما نسيت لن أنسى أجمل الجميلات التي كانت ترمي للبركان تحاشيا لثورته لتتلقاها حممه فترحب بها الترحيب الذي يليق بملكات الجمال، وبعبارة مختصرة كانت المرأة بين سطور التاريخ "كبش فداء".
    ثم تتنهد بعمق وتضيف: " هذه بضع أمثلة اختصرتها من سجل التاريخ وغيرها الكثير الكثير كن تحصيل حاصل لنوبة جنون أو لجهل يهز وجدان كل امرأة لتثور وتنادي معا لتحقيق النصر في محاكمة المرأة.
    وحينها تزدحم أصوات النساء وتصفيقاتهن إعجابا بكلمات رونق.
    تتم رونق كلامها: أنا كما تعلمن يا حاضرات أدعى رونق، جئت من العصر الحديث وتحديدا من الألفية الثالثة، عشت حياتي في بلد نامية آنذاك.
    درست الحقوق وتعلمت كيف تستطيع المرأة المطالبة بحقوقها من خلال القانون الوضعي والدين الإسلامي.. كنت كاتبة وشاعرة، وطالما كرست دواويني للمرأة بصفة عامة، والمناضلة بصفة خاصة.
    أنا لا أنكر أن عصرنا لم يحلل وأد البنات، ولا كان يعمد إلى قتل السيدات، وأن قانوننا جعل من المرأة كيانا إنسانيا له بعض الحقوق، ولكن شتان بين وضع القانون وتطبيقه، فعلى الرغم من كل هذه الامتيازات إلا أن نظرات المجتمع بقيت تلاحقني على أنني ضعيفة لا حول لي ولا قوة، هذا عدا عن إلصاق التهم بي وجعلي المذنبة الأولى والأخيرة في ذلك الكون.
    ومن أبرز مظاهر استهجاني أنه إذا تأخر ميلاد حامل الاسم العائلي ورزق الله رجلا مولودة كان لها من الأسى النصيب الأكبر فقط لأنها أنثى، وهذه أول إدانة للمرأة.
    وحينها ترصدتها كلمات امرأة تجهلها: وما الإدانة الثانية يا ممثلة النساء؟
    رونق: أما الإدانة الثانية التي تطاردها أينما كانت وكيفما كانت وضعيتها الاجتماعية، هي أنها تحتاج إلى من يعيلها وينفق عليها، لذا فهي تخضع مجبرة لقانون العائلة دونا عن القانون المطبق في المحاكم والذي يدرس في الجامعات، ويبيح هذا القانون للرجل أن يضرب أخته ويوبخها ويحتقرها دون مراعاة لفارق السن، وكان للأب أن يأخذ أموال ابنته دون رضاها أو استشارتها، وكذا يفعل الزوج وكل من تخضع لسلطته لا يفوّت فرصة التجبر عليها.
    وكل هذا لا يساوي إلا قطرة في بحر عميق؛ بحر جشع وتسلط واستبداد، فكان لا بد من وجود هذا اليوم الذي يحد من اتهامات الرجال، وسنحرص على الانتصار لنختتم المعاناة بالتحرر من قيود حقيقية ووهمية وضعها المجتمع وطبقت على المرأة دون استفتاء.. إلى لقاء يجمعنا في الغد القريب في محاكمة المرأة.
    وحينها علا التصفيق تلك الساحة الكبيرة تشجيعا لرونق.
    دعوت القوافي كي تصون ودادنا..وتعلم أنّا بالقصيد نكلم

  2. #2
    الصورة الرمزية صبيرة قسامة شاعرة
    تاريخ التسجيل : Mar 2014
    المشاركات : 96
    المواضيع : 18
    الردود : 96
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي

    أتى اليوم المشهود، إنها محاكمة المرأة، التف جميع البشر حول تلك القاعة الجميلة المزخرفة بشتى أنواع المجوهرات، التي تتسع لكل البشر بما يحملون من معتقدات وتقاليد ولغات وديانات.
    لم ينتظر القاضي كثيرا حتى حضر كل الأطراف الممثلين، وكذا الشهود دون نسيان آدم وحواء ضيفا الشرف في هذه المحاكمة، وقبل بداية المحاكمة سأل القاضي الطرفين الصلح قائلا:
    " لا أستطيع تفويت فرصة سؤالكما نسيان الضغائن، والتسليم بالصلح لتعيشا معا حياة سعيدة على متن هذا الكوكب المثالي، فلا تشوهه أحقاد ولا تلوثه طبائع البشر، فما رأيكما؟
    يقول حاتم – ممثل الرجال – في تكبر مبالغ فيه: ليس سهلا أن نعود أدراجنا بعد كل الخطوات التي مررنا بها.
    ثم يضيف: آسف، لا صلح في لحظة كهذه.
    القاضي مخاطبا رونق: وما رأيك يا ممثلة النساء؟
    فتجيب رونق بهدوء: أنا أرى أن هذا السؤال شكلي لا مضمون له، وأظنك تعلم يا سيدي القاضي أن الصلح في مثل هذه الحالة من طرف واحد يدعى استسلاما، وهذا ما لن يكون أبدا.
    ثم تقول بصوت تملؤه الثقة: إن كل الآمال معلقة على هذه المحاكمة فأنى لنا محوها بكلمة واحدة؟
    يقرر القاضي افتتاح الجلسة الأولى والأخيرة ، فيقول وهو يغلق أزرار مئزره:
    نقرر الآن افتتاح جلسة المحاكمة في هذا الموضوع الشائك الذي قاده الجهل إلى بيوتكم، وحركته العصبية والتشدد المزروع في معتقداتكم، وطورته عادات وتقاليد لا تزال مستوطنة فيكم، وبعد أن أخفقت أنامل الاتهام في حصده، وراح ضحيته العديد من البشر قررنا أن نضع له حدا.
    وشاء القدر أن يكون حاتم ورونق من نفس العصر ألا وهو العصر الحديث، فرونق دارسة حقوق وشاعرة، أما حاتم فهو أستاذ أدب ولغة، ملم بالتاريخ، وكذا الشريعة فليتفضلا إلى مكانهما...
    ثم يضيف: أرجو من الحضور التزام الصمت أثناء المحاكمة احتراما لقواعد قانون الأقساط، وإلا اضطررت إلى طرد المثيرين للضجة.
    وبعد أن حبست الأنفاس، وتراكضت النبضات، وتراكمت الزفرات فتحت الجلسة، فاستهلت بصوت مطرقة القاضي التي تعودنا سماعها، وكان الطرفان يخمنان في الطريقة السهلة للفوز بالبراءة ونيل وسام الكمال، وتملك الجائزة المعتبرة.
    على أن القاضي لم يفضل أحدهما بأولوية الحوار إقرارا لمبدأ المساواة المتبنى في عالم الأقساط، فبدأ الطرفان بالتشاجر والسبب أن كل واحد منهما يريد افتتاح الحوار، استند حاتم على مبدأ القوامة ظنا منه أنه يؤهله بداية سرد الاتهامات، أما رونق فتمسكت بالمبدأ الغربي القائل: "النساء أولا"، فسادت الضجة أرجاء القاعة الواسعة إلى أن طرق القاضي على مكتبه قصد إعادة الصمت إلى المحاكمة.
    لم يتمكن القاضي من زج أحد الطرفين في السجن بتهمة الإخلال بالنظام العام وعرقلة سير المحاكمة، لذا ابتدع حيلة تخرجه من هذا المأزق، فأخذ قطعة نقود وقال: "إذا أسفرت هذه القطعة النقدية على رسم رجل سيبدأ حاتم الحوار، والعكس صحيح.
    رمى القاضي القطعة النقدية ولسخافة الموقف انهال كل من حاتم ورونق لتصيدها، فوقعت على الأرض وجاءت برسم رجل.
    أصرت رونق على إعادة القرعة مرة، اثنان وثلاثة..، فتوالت الكرات ونفس الرسم يجتاح القرعة إلى أن شكت رونق بنزاهتها، وأبت إلا رؤية القطعة النقدية، وبعد اطلاعها عليها اكتشفت أنها لا تحمل رسم امرأة، وحينها عم الصفير القاعة، فالمحاكمة كادت تبدأ بخدعة بريئة.
    استاء القاضي مما ظهر عليه من تحيز غير مقصود فاخترع حيلة جديدة علها تعينهم في بداية المحاكمة، وتمثلت هذه الحيلة في تعداد الرجال والنساء المتواجدين بين جدران القاعة، على أن تكون الأولوية للأغلبية.
    ولكنه استعان بمعادلة غريبة حيث جعل امرأة + امرأة = رجلا ، ولأن عدد الحاضرين هائل أتى القاضي بآلة ووضعها على الجانب الأيسر، أين كانت تجلس النساء، فأعطته العدد
    بالملايير، وكذلك فعل مع الرجال، ثم قارب العددين فإذا بعدد الرجال أزيد من عدد النساء – حسب المعادلة السابقة – برجل واحد.
    وهكذا بدأ حاتم بسرد اتهاماته بعد أن أذن له القاضي بذلك ليقول:
    "سيدي القاضي، لقد عاني الرجال من صنف النساء معاناة لا حدود لها، ولعل أبرز قصة نخرجها من سطور التاريخ هي قصة شجرة الخلد، فمن لا يدري أن أمها حواء ساهمت في خطيئة أبينا آدم، بل أقول أنها من وسوسه للخروج من الجنة ونعيمها، ليورثنا الأرض بجحيمها وفنائها، بعد أن عجز الشيطان عن إغواء آدم بقطف التفاحة من تلك الشجرة المحرمة عليهما.
    ثم يضيف بتهكم: نعم عجز الشيطان وأفلحت المرأة المخلوقة من ضلع الرجل، وقد صدق المثل القائل أن الشيطان أستاذ الرجل وتلميذ المرأة.
    ودون أن يتم حاتم حديثه تعالت أصوات الرجال الضاحكين المستفزة للنساء، وفي نفس الوقت كانت رونق تفكر في حل يخرجها من قفص الاتهام.
    استرسل حاتم في اتهاماته حيث قال أن المرأة جعلت من الرجل لعبة تلهو بها متى تشاء، وتصنع منها ملاذا لعقدها وأمراضها النفسية، أليست من أقام حروبا عمرت عشرات الأعوام، وساهم بدمار ما بعده دمار؟؟ وأرى أن حرب البسوس خير دليل على ذلك، فمن لا ينكر أن المرأة أودت بتلك القبيلتين المتشابكتين إلى حرب ضروس لم نعرف نهايتها إلا بعد أربعين عاما.. أربعين عاما من الخراب والمعارك التي أراقت أنهار دماء وكادت أن تحكم على الحياة بالانقراض.. أبعد كل هذا تنكرين كونك مجرمة، وتريدين الخروج من دائرة التجريم خروج السالم من المعارك؟ أي سخافة هذه؟؟
    وبعد أن أتم حاتم كلامه منح القاضي لرونق الحق في الدفاع قائلا:
    " ما رأيك يا ممثلة النساء في الاتهامات الموجهة إليك؟"
    رونق: كذب وافتراء يا نصير العدل.
    القاضي: أتني إذن ببراهين تجسد قولك هذا.
    فقالت رونق وهي تحطم جدار الخوف بعد أن كان طاغيا عليها:
    ماذا أقول يا سيدي القاضي، لا أحد أنصفني في تاريخ امتد طويلا وكنت على مرّه الضحية الأولى والأخيرة.
    القاضي: فلتثبتي صدق ما تقولين إذن.
    رونق: زعم الرجل أنني أو بالأحرى أمي الأولى مخرجة سيدنا آدم من الجنة... وأنني أرغمته على الأكل من تلك الشجرة الملعونة، فلِم كان قول القرآن مخالفا لذلك؟
    ألم يقل جل وعلا: "فأزلهما الشيطان عنها.." ثم تضيف والسخرية تطغى على كلامها: وإن كنت لا تعلم تأويل "فأزلهما" يا أستاذ اللغة العربية، فالضمير المتصل "هما" وجد لكل من المرأة والرجل، وقلت أنني من وسوسه فلم يقول تعالى "فوسوس إليه الشيطان"، وأظن أنني لا أدعى بالشيطان يا أيها الرجل.
    القاضي (مقاطعا إياها): يبدو أن لك خلفية لا بأس بها في مداعبة الكلمات وإعطاء الحجج والتحليلات، فلتكملي ردودك على اتهامات حاتم.
    تستدير رونق قليلا إلى الوراء كأنما تبحث عن شيء ما ثم تعود إلى أجواء المحاكمة قائلة: سمعا وطاعة يا سيدي، ثم تخاطب حاتم بقولها:
    أما عما زعمته عن كوني أستلذ بعذاب الآخرين وأنني مريقة للدماء، آسفة أن أقول أنك مخطئ.
    وأظن أنك لا تعرف من حرب البسوس سوى اسمها، فلو تمعنت في صفحات التاريخ لوجدت أن من قام بها رجل لا امرأة، وقد كان يدعى بالمهلهل أو الزير سالم، فبدل أن يقتل رجلا واحدا فداء لكليب قتل العشرات، ومن جملة ما نظمه قوله وهو يتهدد بني شيبان:
    لما نعـى الناعي كليبــا أظلمت شمس النهـار فمــا تريد طلوعا.
    قتلوا كليبا ثـم قالــوا: "ارتعوا: كذبوا، فقـد منعوا الجيـاد رتوعـا.
    كلا و أنصاب لنــا عاديـــة معبــــودة قـد قطعـت تقطيعـا.
    حتـى أبيــــد قبيلة، وقبيلة و قبيلة، وقبيلتيــــن جميعــا.
    وتذوق بأسا آل بكر كلهـــا، وانهــد منهـا سمكهـا المرفوعا.
    حتـى نرى اوصالهم، وجماجما، منهــم عليهـا الخامعات وقوعـا.
    ونرى سبـاع البر تنقر أعينـا، و تجــر أعضـاء لهم وضلوعـا.
    ألا ترى أن هذه الأبيات تبرز مدى شراسة الرجال وحبهم لسفك الدماء والتنكيل بالمبادئ السامية واستمرار الحياة؟؟
    كما أن عدد الرجال السفاحين هائل لا حصر له، وعدّ معي – إن استطعت – أسماء بارزة في تاريخنا الذي لم يحرف بعد.
    فها هو قابيل يقتل أخاه هابيلا، فيعلم البشر ماهية الجرائم بجنايته العظمى، ثم أ لم تصل إلى مسامعك جرائم فرعون، ذلك الطاغية المستبد، الذي كان يقتل الأولاد خوفا على عرشه وملكوته الزائل، وضف إليه نابليون بونابرت الذي كان يجمع أكبر عدد من الأراضي على حساب دماء الآخرين، وكذا هتلر الذي شن حروبا ومعاركا من أجل إعلاء راية النازية، ولكي يسود العالم الجنس الآري على حد تفكيره، ومن لم يشهد بوحشية رئيس الوزراء اليهودي شارون الذي نكل بالفلسطينيين أشد التنكيل، وأخذ في التوسع شيئا فشيئا في البلاد العربية مستعملا أخطر التقنيات، مدعيا أن الشعب اليهودي هو شعب الله المختار.
    تتنهد رونق بعمق ثم تكمل: وبعبارة موجزة أقول أن نسبة النساء القامعات هي 0.1 بالمائة من نسبة الرجال، إن صح تقديري، وأعطني أدلة تخالف قولي هذا إن كنت تريد الاستمرار في
    المحاكمة، وإلا فلتأت براية تنبؤ باستسلامك أيها المدعي.
    ثم تذكر متداركة: آه، نسيت أن أضيف أن كل الرجال العظماء الذين تفتخر بهم أنت وأبناء جنسك كانت وراءهم نساء عظيمات لم تدخل معظمها كتب التاريخ، لكنها بقيت على ألسنة الناس، فمن لم يشهد بعظمة خديجة زوجة الرسول – صلوات الله عليه – وأم المؤمنين؛ ألم تساند زوجها في حمل ثقل الرسالة السماوية التي كلفه الله بها، ناهيك عن آسيا عقيلة فرعون التي ساندت كلمة الحق رغم شراسة زوجها وحبه لإراقة الدماء، رضوان الله عليهن، والأسماء كثيرة لولا ضيق الوقت لذكرتها.وقد صدق أحمد أمين الكاتب الفذ عندما قال: "أ تعلم المرأة لما خلقها الله؟ خلقها لتجعل من الرجال عظماء".
    وخلاصة القول: وراء كل رجل عظيم امرأة ..
    تحفز حاتم للكلام ثم أخذ يتمتم ساخرا: نعم وراء كل رجل عظيم امرأة شريرة... تسحبه إلى الخلف.
    القاضي: ما أنت متمتم أيها الرجل؟ أنا لم أعهد هذا الجبن في الرجال من قبل..
    رونق: أظنه ذكرني، لكن صوته كان خافتا جدا..
    ارتبك حاتم قليلا ثم استجمع قواه قائلا:
    ... لقد كنت أقول أن هذا لا يمنع من وجود بعض النساء الشرسات، المحبات لخطف النفوس، وإدانة الأرواح، وكم جميل أن أرى بين صفحات التاريخ امرأتي لوط ونوح، واسمهما كما أظن: والهة ووالغة، هما مثال حي على النساء اللواتي سكنهن الشيطان وتولى مهنة قيادتهن، والدليل على ذلك أن الله ذكرهما في القرآن الكريم..
    ثم يضيف: ثم من لم يسمع بفضاعة ما فعلت هند ابنة الجاهلية حين حرضت رجلا لقتل حمزة، المسلم الأبي، وأوصت بالإتيان بكبده تلوكه وتستلذ برؤيته منفصلا عن جسده، أي وحشية تفوق هذه الوحشية؟
    إن حب المرأة للدماء فاق كل التصورات، وعرض العالم للدمار في كل لحظة..
    يقول القاضي وقد تملكته الرغبة في معرفة دفوع رونق:
    "هيا يا ممثلة النساء، ادفعي بالتي هي أحسن.."
    رونق: أنا لا أنكر أن بعض النساء كنن عدوانيات، وحق لهن ذلك.. ودون أن تنهي رونق كلامها سادت الضجة ثنايا القاعة السحرية المرصعة بألوان الجواهر المتلألئة، فقالت امرأة:
    "أ عيناك ممثلة لنا كي تشتميننا؟"
    وقالت أخرى: "تبا لك أهكذا يكون الدفاع عن الحقوق؟"
    لم تكترث رونق لكلماتهما وقالت: "أنظروا مبتغاي لا كلماتي"
    ثم أتبعت الزفرات وأتمت حديثها: إن ذلك يا ندي الرجل كان بسببك أنت...
    فيقاطعها حاتم قائلا: وما دخلي أنا في جرائمك؟ ألا تستطيعين الكف عن إلصاق التهم بالأبرياء يا أيتها المرأة.
    القاضي مخاطبا حاتم وعلامات الغضب تستبد بوجهه:
    من سمح لك بالكلام، أم أنك خلت نفسك القاضي؟
    حاتم: آسف سيدي.
    القاضي: إذا أعدت تدخلاتك هذه مرة أخرى سوف أعاقبك عقابا شديدا.
    ثم يلتفت إلى رونق ويقول: لتكملي كلامك أيتها المرأة..
    رونق: حاضر سيدي..
    وتوجه كلامها مجددا لحاتم: نعم أنت من أراد أن يفرض سيطرته وتسلطه علي، ولأنني لم أستطع الصراخ في وجهك والتحرر من قيودك عمدت إلى طريقة أخرى تشفي غليلي منك.
    وأود أن أبدأ من أين انتهيت: هند، ابنة الجاهلية، من قتل لها حمزة أباها وأخاها.. أرادت أن تثأر لهما، وأنا أشهد للرجال بغباء لاذع، فأنتم مجرد وسيلة أستعملها ،أنا المرأة، للوصول إلى غايتي وهذا ما حدث، أما عن نساء الأنبياء فهن طفرة في تاريخي الحافل بالتضحيات، ثم إن ما تلحقه بالمرأة من اتهامات هو رد فعل لهمجيتك وحبك للتملك واستبدادك.
    أتنكر أن المرأة كانت على مر العصور ضحية لغرائزك العدوانية؟ فلقد حرمتها الحياة يوم كنت تدفنها في التراب، وهي لم تلقى ترحيبا أحسن من هذا الترحيب في عصور أخرى.
    أما عن العصر الحديث وما قبله بكثير ومع أن الله منع وأد البنات إلا أن البنات كانت توأد. سلني كيف وسأخبرك...
    حاتم (متهكما): وكيف ذلك يا حضرة الفيلسوفة؟
    رونق: أنا لم أوجد هنا لأكون فيلسوفة بل محامية عن بنات جنسي دافعة للاتهامات الموجهة ضدهن.
    وأتمت رونق كلامها:
    إن وضعية البنات عند الجاهلية كانت أحسن من وضعيتهن بعدها، أنا لا أتكلم عن العصر الإسلامي، بل بعدما أخذ الرجال من القرآن ما لا يلبي رغباتهم، فكلما بُشر أحدهم بأنثى أصبح وجهه أسودا سواد معتقداته البالية، فيكون جاحدا لمعروف ربه ورافضا لمشيئته.
    آه، يا سيدي القاضي ما نسيت لن أنسى قصتي التي بقيت محفورة في وجداني، وأبت إلا أن تختلجني بين اليوم والآخر، فقد واجهت صعوبات جمة وليست النظرة العنصرية التي آلمتني، بل الحياة التي بعدها هي التي أردتني بلا موت، فأبي لم يرضى بي بعد أن كان معلقا آماله على ابن ذكر، وإزاء خيبة أمله تلك، ترك أمي في المستشفى وغادر بيتنا ليتركني يتيمة وهو حي يرزق، فقد سافر إلى بلد أجنبية، وبعد آونة لا بأس بها سمعنا أنه كوّن أسرة أخرى، هذا عدا عن تهربه من نفقتي، ولذا اضطرت أمي بعد أن التأمت جراحها على العمل عند جارة لنا كخادمة في بيتها، وكانت تجني بعض المال يحمينا من تسول قوتنا، كما أصرت أمي على أن أدخل المدرسة وأتعلم، وكم رددت على مسامعي أن الشهادة الجامعية سلاح ضد الظروف التي تتعرض لها المرأة في هذه الحياة، إلى أن أصبحت طالبة في الجامعة، ولأن أمي كبرت وتعبت كثيرا وقعت فريسة داء عضال أودى بها إلى الحياة الأخرى، وبقيت وحيدة لا أملك من يعيلني ويساعدني كي أتم دراستي، فكرت كثيرا ثم قررت بيع البيت الذي نشأت فيه وحملت منه ذكريات كثيرة.
    تسكت رونق قليلا والحزن يفتك بها وقد غالبتها دموعها ثم تكبت إحساسها وتضيف:
    اشتريت بيتا صغيرا وأقمت في الجامعة تفاديا لكثرة المصاريف، هكذا إلى أن أنهيت دراستي. وقد تذكرت بيتين كنت أحفظهما أيام دراستي ومفادهما قول الشاعر:
    ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخلفاه ذليـــلا.
    إن اليتيم من تلقـــــى له أما تخلت أو أبا مشغــولا.
    فأبي شغل في حالته هذه بالمعتقدات البالية التي ورثها عن العصور القديمة، فقد كان الشاعر إذا أراد هجاء أحدهم ذكره باسم أمه ولا أعيبه فالفيلسوف القدير أفلاطون كان يأسف من كونه ابن امرأة وهو ذو العلم الجليل.
    وحينها قاطعها حاتم: أظنها محاكمة موضوعية لا ذاتية، ولا يحق لك سرد حكاية شخصية.
    رونق: بل أنا عينة حية من مجتمع النساء، والدليل ما قلته قبل حين.
    ثم تنهدت بعمق وقالت: إن حكايتي يا سيدي القاضي ويا أيها الحضور الكريم ما هي إلا جرعة من كؤوس بؤس النساء، ولقد تذكرت حكاية أخرى ستدمي قلوبكم وتروع وجدانكم.
    يقول حاتم ساخطا: هيا أسرعي، إنها ميزة النساء ثرثارات ولا يمللن من الكلام الفارغ.
    رونق: بل من الكلام الهادف الذي يذر حكما، ثم أتمت سردها قائلة:
    ذات يوم ذهبت لزيارة جارتي في المستشفى فرأيت نساء مجتمعات ينتظرن مولودا جديدا، وعندما دخلت عليهن بعد الولادة رأيت ما لم يخطر ببالي ولا ببال أحد.
    القاضي: وماذا رأيت يا بنيتي؟
    تقول رونق وعلامات الحزن بادية عليها: رأيت نساء يبكبن بكاء يذرف جل دموع العين، سألت عن السبب ظنا مني أنهن يبكين لفقدان الطفل أو أمه. ثم تنبعث من عمق أشجانها آهة ممزوجة بالألم كادت أن تزعزع قلوب الحاضرين.
    فسألها القاضي فزعا: ما دهاك يا بنيتي؟ ماذا حدث؟
    تقول رونق والدموع تستوطن عينيها المتلألئتين بالعزم والأمل: آه يا سيدي القاضي لو فقد المولود وأمه لكان أهون مما سمعت.
    فقاطعها حاتم مجددا: وما سمعت يا امرأة؟
    وحينها ثارت ثائرة القاضي فرمى كوبا كان بقربه وأخذ يوبخ حاتم قائلا:
    يبدو أنك لن تعرف حدودك إلا بعد أن أطردك من المحاكمة وأقضي بفوز النساء..
    طأطأ حاتم رأسه خجلا وسط ازدحام الأصوات والهتافات، فنادى رجل بضرورة استبدال حاتم لأنه متهور ولا يليق بأن يكون ممثلا للرجال، فيما صرخ آخر بانحياز القاضي للنساء، وهذا ما لا يقبل أبدا.. وهكذا إلى أن أصبحت أجواء المحكمة مخضبة بالضجيج والأصوات المستهجنة والضجرة.
    بيد أن القاضي لم يجلس مكتوف الأيدي؛ فقد طرق بمطرقته مرة واثنان وثلاثة.. إلى أن عم الصمت مجددا أجواء المحكمة، وعندها صرخ القاضي وهو يتأمل وجوه الحاضرين: " حقا لا يليق بكم العيش في هذا العالم الجميل، لأن دناسة أفكاركم لن تغادركم أبدا...
    والآن إن لم يسد الصمت سوف أنسحب من هذه المحاكمة وأترككم مثقلين بعبء اختيار قاض آخر عله يكمل عني هذه المحاكمة السخيفة..
    خوفا من كلمات القاضي ساد صمت منقطع النظير، فأمر القاضي رونق بإتمام ما أتت به فقالت وهي تخاطب نفسها وتضع يدها على رأسها قصد استرجاع أين وصلت:
    ماذا كنت أقول؟؟ تذكرت، وصلت إلى سبب بكاء النساء في ذلك اليوم المعتم.
    ثم أطردت حديثها بحزن شديد: سمعت أن المرأة أنجبت طفلة، إن هذا الحدث كان يحزن حتى في العصر الحديث...
    وريثما هدأ القاضي من سخطه خاطبته رونق قائلة:
    لن أكثر من الكلام لكنني تذكرت نقطة يجب أن أضع يدي عليها.
    القاضي: وما تلك النقطة يا محاربة الرجال؟؟
    يتمتم حاتم بلهجة الاستياء: لا أظن هذه محاكمة للمرأة بل محاكمة للرجل.
    رونق وقد سمعت ما قاله: إنها محاكمة ومن يجب أن يحاكم فيها سيحاكم.
    ثم تعمقت في حديثها قائلة: سيدي القاضي إن مأساة المرأة لا تنتهي في السلوك الأول الذي تشهده وهي في المهد رضيعة من استهجان لها وكره لمجيئها على أرض الله الواسعة، بل يمتد ذلك إلى معاملتها فيما بعد فهي تعامل شر معاملة إن قيست بمعاملة الرجال، ورحمها الله إن لم يكن لها أخ أكبر أو أصغر منها.
    القاضي مستفسرا: وما تقصدين بقولك هذا؟؟
    رونق: إن المرأة في نظر البشرية ذليلة مستعبدة بغض النظر عن كونها ابنة، أختا، أو زوجة، وقد امتد الاستعباد للأم في بعض الأحيان.
    القاضي: استعباد للأم؟؟ ماذا تقولين؟؟ صدقا أن لك أسلوبا يضخم الأمور بشكل رهيب.
    تقول رونق دون أن تولي كلام القاضي أي اعتبار:
    كلنا يعرف أتم المعرفة أن البنت تابعة لوالدها، حسب الشرع الإسلامي، فضلا عن معتقداتنا وتقاليدنا.. ولك أن تلقي معي نظرة عن وضعية المرأة عند اليهود؛ وذلك من خلال أول شاهدة تكون معنا.
    القاضي: فلتتقدم المرأة الشاهدة إلى الأمام للإدلاء بشهادتها.
    المرأة: تحية خالصة للحضور الكريم، إن ديانتنا يا سيدي كانت مجحفة حق الإجحاف بالمرأة، ولست أدري إن كنت تتصور ما كانت تجسده من مبادئ ومعتقدات وأفكار يتلعثم اللسان مشدوها عند الإدلاء بها، ومن ينكر أنها وهبت للأب الحق في تجريد ابنته من الميراث، ولا يكون لها نفس الحق إذا تعلق الأمر بالابن، وذلك طبقا للمقولة الشائعة: "الرجل يحجب المرأة في الميراث"، هذا عدا عن منحها الحق للرجل ببيع ابنته القاصر كالرقيق، فهي عندنا تساوي الأمة أو العبد، فضلا عن بعض المعتقدات التي تترجم في قولهم أن البنت معرة لأبيها.
    كما أنكرت ديانتنا حق المرأة في إبداء رأيها وذكرت أن كل من يأخذ بنصيحة زوجته مأواه جهنم..
    القاضي: أ لهذه الدرجة؟؟
    المرأة: وأكثر يا سيدي، فالمرأة لا شهادة لها عند الربانيين بخلاف القرائين، وقد جردت أيضا المرأة من حقها في إرث زوجها، وكل مالها بعد موته مؤخر الصداق. وهي إن عثرت على لقية تكون من حق زوجها مادام قائما بما عليه من واجبات.. هذه بعض مظاهر تعاسة المرأة في ظل ديانتنا يا سيدي.
    القاضي: هل أتممت كلامك؟؟
    المرأة: نعم.
    القاضي: فلتعودي إذن إلى مكانك السابق.
    حاتم: أ لي أن أستأذنك أيها القاضي لقول جملة قصيرة جدا؟؟
    القاضي: لك ما تريد.
    حاتم: إن هذه المرأة لم تؤدي اليمين القانونية حسب شروطها في عالم الأقساط.
    القاضي: يبدو أنك على حق هذه المرة، ثم يهتف على المرأة اليهودية:
    "من فضلك العودة إلى مكان الشاهدات لأداء اليمين.ّ
    المرأة اليهودية (وهي تطبق أوامر القاضي): أقسم بالله العلي العظيم أن أقول الحق ولا شيء غير الحق والحق وحده.
    القاضي: لا بد أن نغير في حالتك هذه اليمين لتصبح: أقسم بالله العلي العظيم أن كل ما قلته حق ولا شيء غير الحق والحق وحده.
    فتعيد المرأة مقولة القاضي ثم تنسحب وسط الازدحام.
    رونق: أعلم أنك ستدفع يا ندي الرجل بأن هذه الديانة محرفة، ودليل ذلك ما أتى به القرآن بين طيات سوره وآياته، فقد أقر الإسلام بمساواة الرجل والمرأة حينما قال جل وعلا: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى".
    كما جعل معاملة النساء معاملة حسنة طريقا إلى الجنة، حيث قال محمد رسول الله، صلى الله عليه وسلم:"من كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو بنتان أو أختان فأحسن صحبتهن واتقى الله فيهن فله الجنة"
    القاضي: وهل أنت متأكدة من هذا الحديث؟؟
    رونق: يقال أنه نقل على لسان أبي سعيد الخدري.
    القاضي: فليحضر إذن أبو سعيد الخدري إلى جانبي لتأكيد صدق ما تذكره رونق.
    فيبرز بين الجماهير رجل ذو لحية بيضاء، يمشي مشية عالم في تأن ووقار إلى أن يبلغ المكان الذي أعد للشاهدين.
    القاضي: هل أنت أبو سعيد الخدري؟
    أبو سعيد: نعم سيدي.
    القاضي: وهل أنت من ذكر هذا الحديث؟
    أبو سعيد: نعم سيدي.
    القاضي: هل سمعته عن رسول الله أم عن غيره؟
    أبو سعيد: سمعته عن رسول الله عليه أزكى الصلوات على ما أذكر.
    القاضي: إذن هو صحيح على ما تقول.
    أبو سعيد: نعم.
    القاضي (مخاطبا رونق): وأين سمعته أنت؟
    رونق: في الحقيقة أنا لم أسمعه بل قرأته في كتاب من الكتب التي كانت متداولة في عصرنا.
    يلتفت القاضي إلى أبي سعيد الخدري ويقول: شكرا لتعاونك معنا، ولتتفضل إلى مكانك السابق.
    فينقضي أبو سعيد وفي وجهه نور يضيء كما يضيء القمر سماء الليالي الحالكة السواد.

  3. #3
    الصورة الرمزية صبيرة قسامة شاعرة
    تاريخ التسجيل : Mar 2014
    المشاركات : 96
    المواضيع : 18
    الردود : 96
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي

    رونق: .. كما أحل الإسلام حق المرأة في الانتخاب، وحجتي في ذلك أن النساء بايعن الرسول عليه أزكى الصلوات على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينه في معروف فبايعهن الرسول.
    وكانت المبايعة مع تخفيف في شروط البيعة عن المرأة في بعض الأحيان، بسبب مسؤوليتها الخاصة في الأسرة ولا ينقص هذا التخفيف من أجرها عند الله..
    القاضي: هل أنهيت كلامك الآن؟
    رونق: نعم.
    فيوجه القاضي نظره إلى حاتم ثم يقول: أما الآن فأريدك أن تبدي رأيك – باعتبارك ممثلا للرجال- في تعليم المرأة، عملها، ووضعيتها في البيت والمجتمع..
    وحينها أخذ حاتم في التصفيق والجميع يتساءل عن السبب، ثم قال:
    برافو، أعترف أنك ذكية، أأردت بكلامك الطويل أن تنسيني ما سألتك الإجابة عنه من أولئك النساء اللواتي ذكرتهن؟ نعم أعترف أنك ذكية ولكنني أذكى منك.
    وأنا أهبك الآن الكلمة للإجابة على ما طرحته من إشكالية نساء قامعات مستلذات بعذاب الآخرين، لأتم بعدها إجابتي عن أسئلتك.
    وبعد أن أذن القاضي لرونق بالكلام قالت: أنا لم أجزم بكلامي السالف الذكر أن المرأة ملاك من السماء ليست له سيئات.
    إن للمرأة طبيعة بشرية وكل بني آدم خطاء....
    فالقاعدة أن النساء لطيفات والاستثاء هو ما قلته قبل حين.
    حاتم (ساخرا): كم أخاف أن يتحول الاستثناء إلى قاعدة بعد قليل.
    رونق: اطمئن لن يكون ذلك أبدا.
    حاتم:على كل حال إن الاعتراف سيد الأدلة، والحمد لله أن بعض النساء في بعض الأحيان يكنن موضوعيات في كلامهن
    رونق: هيا أسرع فقط وأجبنا عما سألك القاضي.
    حاتم: أتقصدين رأيي في تعليم المرأة وعملها.. إلى غير ذلك من خزعبلات تتفوهين بها؟
    تقاطعه رونق ساخطة: إلزم حدودك وإلا..
    يتم حاتم حديثه دون الالتفات إليها: إن المرأة لم توجد إلا كي تكون خادمة في بيت والدها أولا، ثم في بيت زوجها؛ هي تطهو طعامه وتغسل ثيابه وتنظف بيته وتعتني بشؤونه.. ولا أرى لها دورا أحسن من هذا الدور.
    فلِم تتعلم لتدخل بذهنها مثلك ترهات تتمثل في حرية المرأة ومساواتها مع الرجل، وهو موال تبنته جل المظاهرات التي طالبت فيها المرأة بحقوقها، ثم ألا يقال أن المرأة راعية في بيت زوجها؟
    ضفي إلى ذلك أن المرأة هي كومة مكائد وحيل شيطانية تستعمل سلوكها التدليسي في زرع الشر في كل مكان على متن المعمورة، أليس الأفضل لها ألا تتعلم كي لا تتفاقم تلك المكائد والحيل فتصبح معضلة وكارثة في تاريخ البشرية؟
    أما عن عمل المرأة فأنا أصرح أأني ضده تماما، لماذا تعمل المرأة ما دامت لا تحتاج إلى نقود؟ فالرجل يكسوها ويطعمها ويسقيها.. فهو يكد طوال يومه ليأتي لها بتلك اللقمة هذا عدا عن دورها في تربية الأولاد وشؤون بيتها مصداقا لقول الشاعر:
    في دورهن شؤونهن كثيرة كشؤون رب السيف والمزراق.
    وحينها قاطعته رونق: أنا أرى أنكم معشر الرجال تأخذون من الكلام ما يعجبكم وتحذفون منه ما لا يلبس رغباتكم ويصدق معتقداكم، إن هذه القصيدة أيها السيد المحترم تحمل عنوان تربية النساء، والتي مطلعها يا أستاذ اللغة والأدب:
    من لي بتربية النساء فإنها في الشرق علة ذلك الإخفاق.
    الأم مدرسة إذا أعددتهـا أعددت شعبـا طيب الأعراق.
    الأم أستاذ الأسـاتذة الألى شغلت مآثرهم مدى الآفـاق.
    أظننت أنك تتكلم مع امرأة عادية؟ آسفة أن أذكرك أنني شاعرة، وملمة بالأدب العربي، كما أن معظم الشعراء والمثقفين الرجال نادوا بحرية المرأة وضرورة تعليمها فخالفوا رأيك الذي أظنه شخصيا لا أكثر، ولي شاهد لا بد من استحضاره في الحين، كان يرى أن تعليم المرأة واجب؛ إنه محمد الحلوي فليتفضل إلى المكان الخاص بالشاهدين، طبعا بعد إذن القاضي.
    القاضي: فليتفضل الشاعر القدير محمد الحلوي إلى مكان الشاهدين، للإدلاء بشهادته بخصوص قصيدة على ما أظن.
    يتسلل من بين الحضور رجل مطأطأ الرأس، متجهما، إلى أن يصل إلى المكان المعهود، ثم يقف وقفة شامخة و يدير بصره بين الجمع الكبير.
    القاضي: هل أنت محمد الحلوي؟
    محمد الحلوي: نعم سيدي.
    القاضي: هلا ذكرت لنا القصيدة التي تريد رونق أن توظفها في تعليم المرأة وعملها؟
    يقول محمد الحلوي وهو يحاول التذكر: هلا ذكرت لي مطلعها فلي قصائد كثيرة أخشى أن تختلط علي...
    رونق: سمعا وطاعة أيها الشاعر القدير، إنها قصيدة عمودية، يتضمن مطلعها:
    لا تغمطوا بنت حواء مواهبها..
    ودون أن تتم رونق البيت الأول قاطعها محمد الحلوي قائلا: الآن تذكرتها..
    ثم يأخذ في سردها البيت تلو الآن فيقول:
    ................................. فـــــــإنهــا كالفتى روحا ووجدانا.
    لو خليت تــرد العلم الذي حرمت **لأغدقت غيثها في النشء هتانا.
    ولاستنار بهـا شعــــب يناوئهــــا **وفـــــاق عنها فضـاء العلم ميدانا.
    أيقتل المرء بنتا فـــي جهالتهــــا**ضحيــــــــة ثم يدعى بعد إنسانا؟
    لا تحسبــوا أنكم ترضون خالقكـم**بجهـــــــلها أو تنالوا منه رضـوانا.
    الله أكبر أن يهــــوى ضلالتهــــــــا**والشــرع أسمـى تعاليما و تبيانا.
    أما لكم في نساء الوحي من عظـة**و في نسـاء أبي بكر و عثمانا؟
    فعلمــــــــوها فإن العلم معجــــزة **كـم جددت أمما شاخت وأوطانا.
    فالعلم للبنت إن راقــت فضـائلها **نــــور يعيد لهـا المجد الذي كانا.
    والبنت إن علمـت أعــددتهـــا ملكا**مقـــدسا نقيــا قلبـــــــا وجثمانا.
    وإن تركت شرور الجهــل تركبهــــا **أعددت منها لهذا الشعب شيطانـا.
    وحينها تهتز القاعة على أصوات التصفيق الصادرة من النساء، فضلا عن وشوشات الرجال ثم يقاطعه حاتم والغضب يقتلع عقله:
    ما هذه الخيانة العظمى؟ كيف تصنع دليلا لإدانتنا ونحن من ندافع عنك اليوم ونريد منحك معنا هذا الكون المثالي؟
    فيجيب محمد الحلوي متلعثما: لكنني لم أتوقع وجود هذا اليوم، قص لساني كم أنا غبي!
    القاضي مخاطبا محمد الحلوي: شكرا لك على إفادتنا، لك أن تعود إلى مكانك السابق.
    فيمضي محمد الحلوي ونظرات الرجال القاسية تتبعه، والكلمات المستهجنة تحيط به من كل مكان، وهو يتمتم ساخطا:" ما أغباني! ما كان علي أن أضع هذه القصيدة لتكون حجة ضدي في هذا اليوم" ثم يغيب وسط الضباب.
    رونق: شكرا للشاعر محمد الحلوي على تعاونه معنا لإعلاء كلمة الحق، ولنعد إلى موضوعنا الأول ألا وهو تعليم المرأة وعملها، وقد تذكرت حديثا شريفا رُوي عن رسول الله صلوات الله عليه والذي محتواه: "من كانت له بنتا فأدبها وأحسن أدبها، وعلمها وأحسن تعليمها، وأسبغ عليها من نعم الله ما أسبغ عليه، كانت له سترا أو حجابا من النار"
    ثم كيف تريد لمجتمع أن يتطور ويزدهر إذا كان نصفه مشلولا؛ ذلك حال المجتمعات الغارقة في مياه الجهل والانحطاط، فإذا لم تتعلم المرأة أورثت أولادها جهلها.
    تصمت رونق قليلا ثم تتدارك كلامها: إن للمرأة يا أيها المدعي سرعة بديهة وذكاء خارق... فكيف لك أن تجعلها سجينة بيتك تتحكم فيها كما تشاء، إن درجة حيل النساء تتفاقم إن كثر وقت فراغها وحل جهلها...
    وأنا أؤيد الكواكبي حين قال أن المستبد يحبذ جهل رعيته، كذلك الرجل....
    ولذا يجب أن تدرس المرأة وتتعلم.
    وبعد أن سمح القاضي لحاتم بالكلام، تعالت أصوات النساء الهاتفات "ظهر الحق وزهق الباطل" فلم يكترث حاتم كثيرا بهذه الهتافات، ثم استهل حديثه قائلا:
    إن ما ذكرته من آراء الشعراء كان محض مجاملة لبنات جنسك لا أكثر، لكن الحقيقة ورأي
    الأغلبية يقول أن المرأة هي كتلة أحاسيس حيوانية وانفعالات دائمة، فماذا ستفعل في عالم المنطق والعلوم؟ لا أظنها ستفلح أن تعلم أو تتعلم.
    ضفي إلى ذلك وصف الرسول صلى الله عليه وسلم المرأة بأنها ناقصة عقل، فكيف ستخرجين من هذا المأزق في هذه المرة؟
    رونق: أنا لا أنكر أن الرسول عليه أزكى الصلوات ذكر بأن النساء ناقصات عقل دون تحديد لدرجة النقص، لكن مفهوم هذه العبارة تداول خطأ في أوساط المجتمعات، ومن تداولها يا ترى؟ أبناء جنسك بالطبع.
    أما أنا فأريد أن أفهمك محتوى هذه العبارة وهو مختلف تماما عما تخمن فيه أنت وغيرك من المتخلفين.
    إن هذه العبارة يا سيدي المحترم لا تعني بأي شكل من الأشكال أن عقل المرأة أقل من عقل الرجل، أو أن الرجل يستطيع القيام بعملين في وقت واحد على عكس المرأة، أي غباء يعادل هذا الغباء؟؟
    إن عقل المرأة يا سيدي القاضي ويا ندي الرجل لا ينقص عن عقل الرجل حكمة وذكاء وعلما وثقافة، غير أن الله ميزها بعاطفة إنسانية تؤهلها للاعتناء بأولادها، وأداء مهمتها الأكثر أهمية في هذا الوجود؛ فهي تجعل منها غيرية لا تعرف من الأنانية سوى اسمها، تمتلك ذخائرا من الحنان تسقي قلوب أبنائها وتعلم البشرية كيف تكون التضحية بأسمى معانيها، والدليل على ذلك أن بعض النساء ردن عالم المعرفة وجعلن من عقولهن منارة على مر العصور؛ فعائشة زوجة رسول الله كانت راوية لبعض الأحاديث عن الرسول – ص-، وتوجد أيضا شاعرات كرسن ألسنتهن لقول شعر ينبض حسا وينمي الثقافة البشرية، وعلى رأس هؤلاء الخنساء مازجة العاطفة بالعقل، حيث رثت أخاها صخرا بأجود القصائد، وآمل أن يسمح لي القاضي باستدعائها كي تلقي علينا بعض الأبيات الخالدة في قلوب الناس.
    القاضي: يليق بامرأة كتلك أن تستدعى، فلتتفضل الخنساء إلى جانبي كي تلقي بعض إبداعاتها.
    يلتفت الجميع إلى الوراء باحثين عن الخنساء، فتبرز خلف الضباب امرأة لها من الإباء ما لا يمتلكه غيرها، رافعة الرأس، ترتدي ثوبا من الحرير يشبه أثواب الجاهلية الجميلة، إلى أن تصل إلى أول القاعة فتبتسم ابتسامة منيرة ثم تستدير إلى القاضي.
    القاضي: هل أنت الخنساء؟
    المرأة: هذا ما كنت أدعى به في أوراق الكتب وسطور التاريخ.
    القاضي: وما اسمك إذن؟؟
    الخنساء: الحقيقة أن الخنساء كنيتي لا اسمي، والخنس، لمن يريد أن يعرف معناه تأخر الأنف عن الوجه مع ارتفاع قليل في الأرنبة، وهي صفة مستحبة.
    أما اسمي فهو تماضر بنت عمرو بن الحرث بن الشريد ابن رياح.. ابن امرئ القيس. وتماضر تعني البيضاء أو البياض.
    وأما ما جئت كي أطلعكم عليه فهو قصائدي المتواضعة في رثاء أخواي صخرا ومعاوية، فقد قلت في رثاء معاوية قصيدة عمودية مطلعها:
    ألا لا أرى في الناس مثل معاوية
    إذا طــــــرقت إحدى الليالي بداهيه.
    بداهية يضغي الكلاب حسيسهـا
    وتخـرج مـــــــن سر النجي علانيـه.
    ألا لا أرى كالفارس الورد فارسا
    إذا مـــــــــــــا علته جرأة وغلانيـــه.
    وكان لزار الحرب، عند شبوبهـا
    إذا شمرت عن ساقها، وهي ذاكيه.
    ثم تنتابها موجة صمت كأنها تسترجع ذكراهما فتقول والدمع يستوطن عينيها:
    أما ما قلته في رثاء أخي صخر:
    قذى بالعين أم بالعين عـــــوار
    أم ذرفت إذ خلت من أهلها الدار.
    كأن دمعي لذكراه إذا خــطـــرت
    فيض يسيل على الخـدين مدرار!
    تبكي لصخر هي العبرى وقد ولهـت
    ودونــــــه من جديد الترب أستــار.
    تبكي خناس، فما تنفك مــا عمرت
    لهـــــــا عليه رنين وهي مفتـــار.
    وأتمت الخنساء ذكر بعض قصائدها والجميع يتسمع بشغف ويدلي إعجابه بإحساسها المرهف وعباراتها الدقيقة وألفاظها العذبة.. إلى أن انتهت منها، فخاطبها القاضي قائلا:
    "لولا أن وقت المحاكمة قصير لطلبت منك ذكر قصائدك كلها".
    الخنساء: هذا من لطفك يا سيدي، والآن هل تسمح لي بمعاودة مكاني السابق.
    القاضي: نعم أيتها الشاعرة القديرة.
    فتتم رونق كلامها قائلة: هي الخنساء التي ملأت الجاهلية بشعر ينبض حسا وجمالا، وسأعود إلى موضوعنا السابق، أما عن خديجة أم المؤمنين فكانت تاجرة، وهناك نساء صعدن إلى القمر، وطبيبات عالمات بسرائر النفس والجسد، وكذا قاضيات ومحاميات وأديبات ومدرسات.. والأهم من كل هذا أن النساء كنن يذهبن إلى الحروب كممرضات ومجاهدات، ومن المجاهدات في عصري حسيبة بن بوعلي،.. التي ضحت وجماعة من بنات جنسها بكل غال من أجل أن يكون الوطن حرا مستقلا.
    فقاطعها حاتم قائلا: هذا ما بقي لنا أن تذهب المرأة إلى الحروب وتقودها وتصبح بعد ذلك ملكات وقياصرة..
    ألا يكفي أنكن قلدتن الرجال في كل شيء حتى في تسريحة شعوركن وثيابكن وعملكن، أهذا ما تعنيه المساواة في قاموسكن؟؟
    ثم يضيف: أي مساواة تقر بأن تصبح المرأة نسخة طبق الأصل عن الرجل؟
    فقاطعته رونق قائلة: إن ذلك يا سيدي القاضي ويا ندي الرجل ناتج عما سماه توفيق الحكيم بعقدة الرجل؛ فالمرأة إزاء ما فرضه المجتمع عليها من تبجيل للرجل ووضعه كمخلوق مثالي أصبحت تريد أن تكون مثله بأي طريقة ولا تعيبها إن غيرت بعض ما رآه المجتمع أبرز مظاهر أنوثتها كي تصبح رجلا أو شبيه رجل.
    فالمرأة باتت تدخن كالرجل، تتاجر بالمخدرات كالرجل، تود فعل كل ما يفعله الرجل لا لشيء ولكن لكي يحترمها المجتمع ويبجلها كما فعل مع الرجل، وكل ذلك جراء اللقب المثالي الذي وضعه الرجل لنفسه وصادق عليه المجتمع بأسره بآراء رسخته ومواقف تعسفية كنت السبب في وضعها، وعادات وتقاليد ومعتقدات ربما تدفعنا إلى السخرية من الوضع السائد.
    ثم ألم يقلد الرجل المرأة؟ فقد أصبح يطيل شعره ويرتدي أقراطا في أذنيه، ناهيك عن الذهب والحلي والخواتم وحتى ساعات الذهب عند المترفين..
    وفي وقتها صرخ القاضي ساخطا: ما هذه السخافة؟
    لو كنت أعلم أن البشر يفكرون هكذا لما وافقت على القضاء في هذه الجلسة؛ إن للرجل والمرأة خصائص مختلفة وما أجمل لو تكاملا ليصنعا مجتمعا مثاليا وحضاريا.
    ثم يهدأ قليلا ويقول: إن هذه الطبيعة المختلفة هي سبب استمرارية الحياة، ولذا لعن الله المتشبهين بالنساء والمتشبهات بالرجال، لكل منكما طريقة عيشه وإن اجتمعتما تحت وصف واحد ألا وهو البشرية، لست أدري لما يقلد أحدكما الآخر.
    وبعد إتمام القاضي لتوبيخه استأنفت رونق كلامها قائلة:
    "أ تسمح لي بإتمام كلامي يا سيدي القاضي؟؟"
    القاضي: تفضلي.
    رونق: عفوا لإطالة الحديث ولكن علي أن أركز على نقطة أساسية وهي أن المرأة زجت في سجن سرمدي لا بداية ولا نهاية له، هو ليس سجنا للمجرمين ولكنه سجن الحريم، إن المرأة يا سيدي القاضي مخلوق لم يسمح له بالخروج إلا ثلاث مرات في الحياة بأكملها؛ أما الأولى فعند خروجها من بطن أمها، والثانية عند ذهابها إلى بيت زوجها، والأخيرة وقت رحيلها إلى مصيرها المحتوم فتخرج من قبر الدنيا إلى قبر الآخرة.
    والغريب في الأمر أن الكثير اعتقد أن الله تعالى أمر بذلك.. كذب وافتراء، أتوني بسورة إن كنتم صادقين، فالمرأة لا تمكث إجبارا في البيت إلا عند عدتها أو معاقبتها على منكر فعلته. فالمرأة كانت بتلك المعتقدات الضحية الأولى والأخيرة، فقد عاشت لا مرئية بل كانت مثل كتلة مخدرات هي موجودة ولكن يستحي مالكها من إخراجها حتى تصريفها.
    ثم تنهدت بعمق وقالت: إن الدموع تكاد تنهطل من عيني كلما تذكرت عدد النساء اللواتي كان الموت مصيرهن لأنهن لم يجدن طبيبة لمعاينتهن في عصر أنكر وجود طبيبات ومتعلمات، على الرغم من أن الله جعل من العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة.
    القاضي: هل أنهيت كلامك يا ممثلة النساء؟؟
    رونق: لولا ضيق الوقت لقلت كل ما يجيش بصدري..
    وبعد أن سمح القاضي لحاتم بالكلام، ابتسم ابتسامة ازدراء، ثم قال:
    هذا هو طبع المرأة تتمسكن لتتمكن، وهذا هو مفتاح مكائدها وحيلها الجهنمية، لطالما مثلت دور الضحية في كل مكان وزمان لتسيطر على الرجل، وكانت دموعها سلاحا فتاكا إلى أن جعلت من الرجل لعبة تتسلى بها عندما ترغب، أ تراك تنكرين أن المرأة هي العقل المدبر للرجل؟ إذا وجدت أبت إلا أن تتحكم في كل أمر يخصها أو لا يخصها..
    فالمرأة تعمل كل ما بجهدها للاستحواذ على الرجل، وكأنه ملك خاص لها.. بغض النظر إن كان أما أو زوجة؛ فالأم تسعى إلى تسيير شؤون ابنها من ميلاده إلى كهولته، وكم تردد عبارة: افعل هذا ولا تفعل ذاك، وأنا أشبهها بالقطة التي عادة ما تأكل صغارها إذا أحست أن أحدا يريد الاقتراب منها، كذلك تفعل الأم إذا شعرت أن ابنها سيخرج عن إرادتها أصبحت مخلوقا شرسا، تتمسكن أمامه وتتجبر في تسيير أموره واصفة إياه بالابن العاق، وهيهات لو كانت هذه نهاية المشاكل التي تفرضها المرأة على الرجل.
    ثم يسأله القاضي وهو يضع يده على ذقنه متسمعا بشغف: وماذا بعد؟
    فيطرد حاتم في حديثه ليقول:
    الزوجة أيضا تقوم بذات الموقف، ولكنها تعمد إلى حيلة جديدة، إلا أن الغاية واحدة، ولأنها لا تملك سلطة الأم فهي تعمل على حياكة المكائد والحيل وتردد عبارة: أمك تفضل أخاك ذاك عنك، وأنها قالت كذا وكذا، ولقد وصفتني بأني هكذا، إلى غير ذلك من عبارات سخيفة لكنها توقد النار بلا وقود. وتقوم الحرب الأنثوية.. التي أصفها بالأهلية، فالأم تتشبث بموقفها والزوجة تتخذ نفس الموقف، فيحتار الرجل بين رضى أمه وإرضاء زوجته التي يعدها أمانة في عنقه، وهنا نجد صنفين من الرجال؛ أولهما يختار أمه لتعلقه بها وفهمه منها أنها ذات الحق وأنها مظلومة وأنها... فيغير زوجته ويكون أبغض الحلال، أما القسم الثاني فيختار زوجته ظنا منها أنها أهينت وأصيبت في كرامتها، وأن أمه تهذي، وأن عقيلته تريد بناء شخصيتها، فيضيع أمه التي كان يوما من الأيام جزء منها وتحملت من أجله أعباء لا تعد ولا تحصى وعاشت معه لحظات حياته لحظة لحظة، فرحت لفرحه وحزنت لحزنه، وكانت تتمنى له دائما النجاح والتفوق.
    وخلاصة القول أن المرأة كالعقرب إن لم تجد من تلسع ستلسع نفسها، ويضيع الرجل بين هذه وتلك.
    ثم يقاطعه وسط ذلك الحشد الكبير أحد الرجال المتواجدين بالقاعة: ما أفضع هذا؟؟
    ويتبعه آخر بقوله: صنف مثل هذا لا يستحق المكوث في هذا العالم الطاهر...
    ويصرخ ثالث بعبارة: ليحيا الرجل ولتسقط المرأة.
    فيعم الضجيج مجددا، ويحتار القاضي في همجية البشر مرة أخرى، فتنتابه فكرة أو لنقل خدعة جديدة فيحمل محفظته وأوراقه ويهم بالخروج، فيعترضه جميع البشر يخطبون وده وعلى رأسهم آدم وحواء متوسلين إياه الرجوع إلى جو المحاكمة على شرط ألا تسود الفوضى ثنايا القاعة الفسيحة الأرجاء، فيقول آدم: أرجوك أيها القاضي التحلي بالصبر.
    ثم يضيف: ذهب الكثير وما بقي سوى القليل.
    وتستنجده حواه استنجاد غريق بقارب النجاة..
    وبعد أخذ ورد وعناء كبير عاد الجميع إلى مكانه وعلى رأسهم القاضي بعد أن هدأت بعض ثائرته قائلا:
    إن سادت الضجة مجددا سوف أغادر هذا الكون وأترككم في همجيتكم، فأنا هو المعني بإعطاء الحق في الكلام أم أنكم ظننتم أنفسكم في سوق إن لهذا المكان قداسة، ولا أحد يتكلم دون إذني، هل سمعتم؟؟
    ثم يستدير لحاتم ويقول: هيا أسرع وأتم ما كنت تقول لننتهي من هذه السخافة.
    حاتم: كنت أقول أن للمرأة حيل تجعل منها أمة للشيطان، ودليل ذلك قوله تعالى عن حيل النساء في سورة يوسف: "إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم".
    كما تداولت الألسنة الشعبية مثلا كان دارجا في وقتنا الماضي ومفاده: "إذا اتفقت الحماة والكنة دخل إبليس للجنة"، وهذا مستحيل كما تعلمون.
    ومن كل ما سبق أستخلص أن النساء يعمدن إلى زرع الشر في كل مكان حتى بينهن، وليس هذا فقط، بل إن طبع المرأة يتمثل في دس المكائد وهذا لما يسكنها من أمراض قلب تشكل داهية كالحسد والغيرة فضلا عن الأنانية...
    ثم يخاطب رونق قائلا: ألم تذكري أن المرأة هي المدرسة الأولى؟؟
    فكيف يحق لها أن تعلم أجيالا معاني الأخلاق وهي تفتقر إليها، ويترجم ذلك فيما يأتي: تنتقل من بيت إلى آخر مرددة: إن تلك الجارة قالت بأنك كذا وكذا، وتلك سحرتك، وأخرى اغتابتك ورابعة شتمتك.. فضلا عن طريقتها المألوفة في القتل: دس السم في الطعام، وهو شكل من أشكال الخيانة التي لا تفارق المرأة، أبعد كل هذا تنكرين أن المرأة شيطان في جسد حيوان؟ وقد صدق أسلافنا الإغريق عند وصفها بالشيطان الجميل.
    ترتبك رونق حتى تكاد تتلعثم، وأخيرا تقاطعه: رويدك ماذا تقول؟ شتان بين المرأة والشيطان.. فالشطان مخلوق من نار والمرأة مخلوقة من طين، والشيطان يكره الخير والمرأة تحبه، والشيطان.. والشيطان..
    حاتم: دعيني أكملها والشيطان يدس المكائد ويحرض البشر، والمرأة تدس المكائد وتحرض الرجال، أليس كذلك؟
    رونق: أظنك ظلمت المرأة أيها الرجل.
    حاتم: أنا أقول الحقيقة لا أكثر ولا أقل.
    القاضي: ألا تملكي يا ممثلة النساء تعليقات تنجيك وأخواتك من هذه الاتهامات؟
    رونق: بلى وكيف لا أملك.
    ثم استجمعت قواها قائلة:
    إن هذه الأفعال يا سيدي القاضي لصيقة بشخصية مرتكبها أيا كان؛ رجلا أو امرأة، وقد كان لي أستاذ بهذه السمات وأكثر من ذلك؛ كان استغلاليا يريد أن ينهب طلابه لا أن يهبهم العلم، وأما ما أفزعني أكثر أنه لم يكن يرغب بأداء واجبه أمامنا على أتم وجه بل كان يتملص من أسئلتنا ولا يقدم لنا ما يجب أن يدرس وجحته في ذلك أننا سنزاحمه ذات يوم مهنته فتقل فرص ربحه.. هذا ما كان يقول.. كان يذكر لنا أنه منع نفسه من أتفه الأشياء كي يشتري الكتب الباهضة الثمن، كنت أبغض طريقته الاستفزازية، كلامه السوقي، وقد تلاشى ذلك البغض يوم رأيته يسقط أمامي وهو حامل محفظته فتناثرت أشلاء نظارته لتنكسر وأرى ما كانت تحجبه؛ ضمادة على اتساع عينه!! فساقني الفضول إلى سؤال من لهم دراية به، فعلمت أنه أصيب بما رأيت جراء عدم رؤيته لاسمه في قائمة الناجحين بالبكالوريا مع أنه كان ناجحا، أصابه السكري، فأطفأ نور عين وترك الأخرى لتشغل العالم بنظرة حقودة ويائسة..

  4. #4
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,124
    المواضيع : 317
    الردود : 21124
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    قصة طويلة طريفة الفكرة طيبة المضمون ـ وقد أدرتي شراع القص بقوة وحنكة
    ودافعت عن قضية المراة بسرد جميل وأسلوب متمكن، ووضعتي كم من المعلومات
    التاريخية ،وكم من الأشعار التي تخدم القضية التي تدافعين عنها بسرد مشوق ولغة
    لا تخلو من الطرافة وببراعة في التعبير.
    كان لطيفا ممتعا ما قرأت وفي انتظار حكم المحكمة سأكون على انتظار.
    دمت بكل خير. نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  5. #5

المواضيع المتشابهه

  1. لا بحر وامرأة وطفلة..
    بواسطة خالد بناني في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 29-12-2018, 07:10 PM
  2. ألف رجل وامرأة واحدة ..
    بواسطة عصام الديك في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 10-05-2008, 09:09 PM
  3. صراع بين رجل وامرأة
    بواسطة زاهية في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 20
    آخر مشاركة: 25-06-2007, 09:37 PM
  4. رجل وامرأة.. ومرآة ( مقال لسعدية مفرح )
    بواسطة محمد سامي البوهي في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 13-03-2007, 07:57 PM
  5. على خلفية محاكمة الصمصام
    بواسطة الصمصام في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 02-06-2003, 05:09 AM