أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: متانة الأسلوب-حسين علي الهنداوي

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Apr 2016
    المشاركات : 710
    المواضيع : 706
    الردود : 710
    المعدل اليومي : 0.24

    افتراضي متانة الأسلوب-حسين علي الهنداوي

    م
    تانة الأسلوب

    المستشار الأدبي
    حسين علي الهنداوي
    شاعر وناقد
    مدرس في جامعة دمشق
    صاحب الموسوعة الأدبية (النرصدالأدبي )
    حجم الموسوعة( خس عشرة ألف صفحة )
    سوريا -درعا




    إذا كان الوضوح ألزم صفات الأسلوب وأولاها بالرعاية -لأنه يحقق الغاية الأساسية، وهي الإفهام- فإننا نلاحظ أن الفنون الأدبية التي يغلب فيها الوضوح هي النصوص القائمة على المعاني العقلية لقصد الثقافة كالقانون، والفلسفة، والجغرافيا. ولكننا أحيانًا لا نقتصر فيما نكتب على نشر الحقائق وإنما نعني كذلك أو أكثر من ذلك بإيقاظ العقول الخامدة وبعث الشعور والحماسة، وإثارة العواطف في نفوس الناس، وبذلك نهب للأفكار حياة أقوى من حياتها العقلية، لتكون ممتعة مؤثرة، فهذه الحياة هي التي تسمى القوة. نلاحظ إذًا أن القوة صفة نفسية، تنبع أول أمرها من نفس الأديب الذي يجب أن يكون نفسه متأثرًا منفعلًا إذا شاء من قرائه حماسة وانفعالا، وهي لذلك صفة العاطف والإرادة والأخلاق قبل أن تكون صفة الأسلوب؛ فالكاتب الذي يدرك الحقائق بوضوح، ويعتقدها بصدق، ويحرص على إذاعتها، تجد في عبارته صدى ذلك، وهي قوة لا تكون بالتقليد والتصنع، وإنما هي من قوة الأخلاق وصدق العقيدة وصحة الفهم وبعد أغواره، وإذا كان الغرض من الوضوح هو الاقتصاد المباشر، في إجهاد مواهب القارئ، فإن الغرض من القوة الاقتصاد غير المباشر بإيقاظ عقله، وعواطفه، وأخيلته، لتدرك المعاني بقوة، وتحظى بمتعة جديدة؛ إذ كانت قوة الأسلوب صدمة للعقل، ودعوة للنزال، والبحث عن مواطن الرالعة والفائدة، وهناك قاعدتان لتحقيق القوة الأسلوبية، نذكرها فيما يلي:




    أولًا: قوة الصورة

    ويراد بالصورة القوية ما تتجاوز بالعقل معناها الحرفي إلى معنى أو معانٍ أخرى مجازية أو غيرها، وذلك يكون بالتمثيل، والكناية، والاستعارة من كل ما يفتح أمام القارئ آفاقًا من التفكير أو التخييل، من ذلك قول بشار:
    إذا أنت لم تشرب مرارًا على القذى ... ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه
    فيمكن أن نفهم من هذا البيت معاني ثلاثًا بهذا الترتيب:
    أولها: هذا المعنى الحرفي الساذج، وهو أن يحتمل الإنسان شرب الماء على قذاه أحيانًا لأنه لا يضمن صفاءه دائمًا.
    ثانيها: احتمال الصديق على ما به من عيب، فلم يسلم إنسان من العيوب وهذا المعنى هو المناسب؛ لأن بشارًا كان يعاتب.
    وثالثها: وهو الأخير، احتمال السقوط في الحياة وتحمل عنت الدهر، فالفوز المطلق غير محتوم. على أن مثل هذه الصورة الخيالية، والعبارات البيانية، تبين لنا كيف يتصور الأديب الأشياء، ويتناولها بعقله وخياله، وتجعلنا نشعر بشعوره ونتحد معه، ولو لحظات. ونذكر هنا بعض الوسائل التي تحقق للبليغ قوة التعبير:
    1- من ذلك، ما ذكر قبلا، من استعمال الكلمات المألوفة، المحدودة المعنى، العربية، فذلك يفيد في وضوح الأفكار والصور، كما يفيد في قوتها ،واستقرارها في العقول، وليس ينفع هنا اللفظ المشترك، ولا الغامض، ولا الكلمات الأجنبية التي لم تشرب روح العربية؛ لأنها إذا فقدت الإلف والوضوح فقدت القوة. ولقد حمل ذلك بعض كتابنا على استعمال الكلمات والأمثال العامية بحجة أنها تحمل ذوق الشعب، وشعوره، وتدل على كل ما يحيط بالفكرة من أطياف.
    2- استخدام الكلمات الوصفية التي تفيد في جمال الأسلوب وفي قوته معًا، ويراد بالكلمات الوصفية، تلك التي تصور مشاهد أو حوادث تلفت النظر، وتروع الفؤاد، وتثير الإعجاب، دالة على ما في الموصوف من بهجة ممتعة، أو صوت مجلجل، أو إبداع عجيب، كما رأيت ذلك في فن الوصف، وكقول بديع الزمان في المقامة الأسدية: "فإذا السبع في فروة الموت، وقد طلع من غابة، منتفخًا في إهابه، غريبة تؤدى معنى المبالغة المقبولة والإيجاز الطريف، وتفتح للقارئ مجال التفكير والتخييل؛ ومن هذا الأخير قولهم: ليلة نابغية، ورأس كليب، وثالثة الأثافي والمستحيلات الثلاث. ومن المجاز قول ابن خفاجة الأندلسي يصف نهرًا:
    متعطف مثل السوار كأنه ... والزهر يكنفه مجر سماء
    وغادت تحف به الغصون كأنها ... هدب يحف بمقلة زرقاء
    والريح تعبث بالغصون وقد جرى ... ذهب الأصيل على لجين الماء
    4- التحاشي عن الكلمات الضعيفة، والحشو الفارغ، والعناصر الثانوية في العبارات، ثم الاكتفاء بأركان الكلام، حتى يترك لها المجال لتبعث آثارها دون عائق. وأكثر ما يبدو ذلك في الخطابة، والجدل، والمناظرة، وفي الشعر والنثر الأدبي كما سبق، ومن هذا الضرب الأمثال والحكم، ومثل: رب عجلة تهب ريثًا، حسبك من شر سماعه، {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاة} .
    ثانيًا: قوة التركيب
    يستطيع المتكلم أن يدل على الكلمات ذات المعاني الهامة بغيرها في المنطق وتكرارها، ولكن الكلام المكتوب لا أثر فيه للصوت، لذلك يجب أن يعرف القارئ، أهمية هذه المعاني بوسيلة أخرى ليست صوتية، وهي وضع كلماتها حيث تكتسب عناية وانتباهًا. ويتم هذا بالوسائل الآتية:
    1- تقديم الكلم أو تأخيرها بالنسبة إلى موضعها الطبيعي دلالة على القصر أو التفخيم، أو حسن الذوق واللياقة أو الأهمية مطلقًا، مثل: {إِيَّاكَ نَسْتَعِين} ، على الأخلاق خطوا الملك وابنوا، لا إله إلا الله.
    هناء محا ذاك العزاء المقدما ... فما عبس المحزون حتى تبسما
    2- من أسباب القوة الطباق البديعي الذي مر ذكره في الوضوح؛ لأن المقابلة نوع من التحدي بين المعاني والمنافسة في الظهور وهذه قوة المعاني، مثل: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا} - {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ، وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} .
    لئن ساءني أن نلتني بمساءة ... لقد سرني أني خطرت ببالك
    3- لما كانت القوة تستلزم السرعة في أكثر الأحيان، كان الإيجاز
    لازمًا في العبارة عامة، وفي التراكيب خاصة، لذلك تجد تراكيب الخطابة مقتضبة سريعة، كأنها أوامر ونذر صارمة، كذلك الحوار التمثيلي والجدل الأدبي لما تتطلب من سرعة الأداء. وقد يظهر التناقض بين القوة والوضوح، إذا كانت تلك إلى الإيجاز والاكتفاء بالعناصر الهامة في حين أنه محتاج إلى هذه العناصر الثانوية لبسط الأفكار وإنارة جوانبها. ومعنى هذا أن تحاول صفة الحياة على حطام الأخرى. وللخلاص من ذلك يترك الأمر للأديب، فيؤثر أحد الجانبين تبعًا لمقتضى الحال. ومع ذلك فإن مَهَرَة الكتَّاب والخطباء يجمعون في أساليب بين الصفتين: الإطناب في مرتبة العرض لإيضاح الأفكار والتدليل عليها، ثم الإيجاز أخيرًا لتلخيصها وقوة تأثيرها.
    التعديل الأخير تم بواسطة آمال المصري ; 06-05-2016 الساعة 08:24 PM سبب آخر: حذف بريد الكتروني

المواضيع المتشابهه

  1. صفات الأسلوب في الخطابة-المستشار الأدبي: حسين علي الهنداوي
    بواسطة حسين علي الهنداوي في المنتدى قَضَايَا أَدَبِيَّةٌ وَثَقَافِيَّةٌ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 21-05-2016, 09:31 PM
  2. الأسلوب والعمل الأدبي-ج2-المستشار الأدبي: حسين علي الهنداوي
    بواسطة حسين علي الهنداوي في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 21-05-2016, 06:34 PM
  3. الأسلوب والعمل الأدبي ج-1--المستشار الأدبي :حسين علي الهنداوي
    بواسطة حسين علي الهنداوي في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 21-05-2016, 06:30 PM
  4. جمال الأسلوب- حسين علي الهنداوي
    بواسطة حسين علي الهنداوي في المنتدى قَضَايَا أَدَبِيَّةٌ وَثَقَافِيَّةٌ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 06-05-2016, 06:09 PM
  5. صفات الأسلوب -حسين علي الهنداوي
    بواسطة حسين علي الهنداوي في المنتدى قَضَايَا أَدَبِيَّةٌ وَثَقَافِيَّةٌ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 06-05-2016, 06:03 PM