الأدب الجاهلي
المكانة والحقائق
أولاً-مكانة الأدب الجاهلي :
احتل الأدب الجاهلي مكانة عظيمة في نفوس الدارسين بشكل عام ؛والعامة بشكل خاص، والدلالة على ذلك استمرارية قراءته ، ودرسه ، ومناقشته في مختلف الأوساط الأدبية ، والشعبية؛ فهة أدب خالد على مر العصور ؛ بل هو النموذج الأبرز في نفوس الناس جميعاً بعد القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة؛ وما هذه الحظوة التي يلقاها هذا الأدب في الجامعات العربية والأجنبية إلا لأنه يحمل قيماً جمالية بالإضافة لقيمه المعنوية ؛ وقد وردت شهادات كثيرة على أهمية دراسته .
1-جاء في طبقات ابن سلام (وكان الشعر في الجاهلية عند العرب ديوان علمهم, ومنتهى حكمهم, به يأخذون وإليه يصيرون) .
2- سأل الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ، وقد ذكر الشعر ( يا كعب! هل تجد للشعراء ذكرًا في التوراة ؟ ، فقال كعب: أجد في التوراة قومًا من ولد إسماعيل ، أناجيلهم في صدورهم، ينطقون بالحكمة، ويضربون الأمثال، لا نعلمهم إلّا العرب) .
3-عندما سمع النبي –صلى الله عليه وسلم- قول زهير بن أبي سلمى:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلًا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزود
قال: "هذا من كلام النبوة ".
4- كان أبو عمرو بن العلاء يقول: ( كان الشعراء في الجاهلية يقومون من العرب مقام الأنبياء في غيرهم من الأمم ) .
5-أورد الجاحظ في خبر عن الهيثم وابن الكلبي وأبي عبيدة: ( فكل أمة تعتمد في استيفاء مآثرها ، وتحصين مناقبها على ضربٍ من الضروب , وشكل من الأشكال ، وكانت العرب في جاهليتها تتحلّى في تخليدها بأن تعتمد في ذلك على الشعر الموزون والكلام المقفَّى، وكان ذلك هو ديوانها).
6-عن ابن سيرين قال : ( قال عمر بن الخطاب: "كان الشعر علم قوم لم يكن لهم علم أصح منه ، فتشاغلت عنه العرب , وتشاغلوا بالجهاد وغزو فارس والروم ، ولهت عن الشعر وروايته ، فلما كثر الإسلام وجاءت الفتوح، واطمأنت العرب بالأمصار، راجعوا رواية الشعر, فلم يؤولوا إلى ديوان مدوّن، ولا كتاب مكتوب، وألفوا ذلك, وقد هلك من العرب من هلك بالموت والقتل، فحفظوا أقل ذلك، وذهب منه الكثير).
ثانياً-حقائق عامة حول الأدب الجاهلي
من الحقائق الثابتة أن العرب اهتموا بالشعر اهتماماً خاصاً وجعلوا للشعراء مكانة كبيرة تفوق كل مكانة ، حتى أن الملوك اتخذوا هؤلاء الشعراء سفراء ووزراء يكلفونهم مهمات السفارة والوفود إلى الملوك ، ولهذا ينسب الأدب الجاهلي إلى العرب الذين كانوا قبل الإسلام والمقصود هنا الأدب بمعناه الخاص، وهو (النتاج العاطفي الذي يعبر فيه صاحبه بالألفاظ عن شعور عاطفي، وفيه إثارة للقارئ والسامع، أي ذلك التعبير العاطفي المثير، وهذا يكون عادة في الشعر الرائع والنثر البليغ) . ومن يرجع إلى كتب الأدب والقصص والتاريخ والأخبار والسير يجد أن الأدباء في العصر الجاهلي كانوا أكثر من أن يحيط بهم حصر، فكل قبيلة كان بها عدد كبير من الأدباء الذين روي لهم نتاج أدبي، وبطبيعة الحال كان فيهم المقل والمكثر، وهم يتفاوتون في إنتاجهم كمًّا وكيفًا، وإذا تذكرنا أن عدد القبائل العربية شماليها وجنوبيها كان كثيرًا توقعنا أن نجد لهم نتاجًا أدبيًّا ضخمًا. وقد كانت ظروف الجاهليين تساعد على إبداع النصوص الأدبية في جودة وإتقان، فالأحداث التي كانت تقع بينهم، والصلات الاجتماعية التي كانت تربط بعضهم ببعض والمجالس التي كانت تعقد ؛ إما بين أفراد القبيلة الواحدة ، أو القبائل المتحالفة للتشاور وحل المشكلات ؛ وإما بينهم وبين خصومهم لإنهاء نزاع أو فض خلاف ، والمناسبات المختلفة التي كانت تستدعي بعث الرسل والوفود، والمجتمعات العامة التي كانت تضم أكبر عدد من القبائل، فتعرض فيها الأمور على نطاق واسع -كل هذه الظروف- كان الاعتماد فيها على فصيح القول وبليغ العبارات، ثم إن مجالس السمر التي كانت تعقد ليلًا حينما ينتهون من مشكلاتهم اليومية، فيلتفون حول المواقد، أو في رحاب النسيم العليل، كانت تهيِّئ فرصًا ذهبية لأصحاب المواهب الفنية ليمارسوا نشاطهم الأدبي، في كل ما يروق لهم من قصص أو أخبار، أو تصوير أدبي، نثرًا كان أم شعرًا؟ كل حسب ميوله واستعداده، يشجعه على القول والإجادة فيه إرهاف الجميع أسماعهم إليه من صغيرهم إلى كبيرهم، رجالًا كانوا أم نساء ؟. ولا شك أن مما ساعد على كثرة النصوص الأدبية، والحرص على جودتها، ما كان من تنافس طبيعي بين أصحاب المواهب الأدبية في القبائل المختلفة التي كان يسود بينها النظام القبلي، وكل منها تعمل على أن تحتل الذروة العليا في جميع الميادين، وفي مقدمتها ميدان الفصاحة والبيان الذي يجعل ذكرها على كل لسان، في كل زمان ومكان. كل هذا يجعلنا نعتقد أن نتاج الجاهليين الأدبي كان وفيرًا غزيرًا، ولكن للأسف لم يحفظ لنا من هذا التراث إلا شيء قليل جدًّا، يدل على ذلك قول أبي عمرو بن العلاء: ( ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقله، ولو جاءكم وافرًا لجاءكم علم وشعر كثير). ويستدل ابن سلام على ذهاب هذا العلم وسقوطه، بقلة ما بأيدي الرواة المصححين لطرفة وعبيد والذي صح لهما قصائد بقدر عشر، وإن لم يكن لهما غيرهن فليس موضعهما حيث وصفا من الشهرة والتقدمة، ويقول: (إن كان ما يروى من الغثاء لهما فليسا يستحقان مكانهما على أفواه الرواة، ونرى أن غيرهما قد سقط من كلامه كلام كثير غير أن الذي نالهما من ذلك أكثر، وكانا أقدم الفحول، فلعل ذلك لذلك. فلما قل كلامهما حمل عليهما حمل كثير) ، كما أننا كثيرًا ما نجد في كتب الأدب والتاريخ شعراء يذكرون في بعض الأخبار والحوادث، ولهم بيت أو أبيات معدودة، ومن المستبعد أن يكون ذلك كل ما قالوه في حياتهم، حقيقة قد يكون هؤلاء أو بعضهم غير مشهورين، ولكن من المحتمل أن يكونوا قد قالوا أكثر من ذلك، ولكنه ضاع أو أهمله الرواة. والحق أن كثيرًا من نتاج الجاهليين الأدبي قد ضاع، ولعل من أهم الأسباب في ذلك بعد الزمن بين وقت إنشائه ووقت تدوينه وحدوث أحداث جسام في هذه الفترة جعلت رواته وحفظته يتشاغلون عنه أو يقلون. ويؤيد ذلك ما رواه ابن عوف عن ابن سيرين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه قال: ( كان الشعر علم قول لم يكن لهم علم أصح منه، فجاء الإسلام، فتشاغلت عنه العرب، وتشاغلوا بالجهاد وغزو فارس والروم، ولهيت عن الشعر وروايته، فلما كثر الإسلام وجاءت الفتوح واطمأنت العرب بالأمصار راجعوا رواية الشعر فلم يؤلوا إلى ديوان مدون ولا كتاب مكتوب، فألفوا ذلك، وقد هلك من العرب من هلك بالموت والقتل، فحفظوا أقل ذلك، وذهب عنهم منه أكثره). على أن ما تحدث عنه عمر رضي الله عنه من أدب الجاهليين الباقي ووصفه بالقلة، لم يصل إلينا كله، إذ جاءنا منه جزء قليل بسبب ما حدث عن عوادي الزمن، والاضطرابات السياسية المختلفة، ونهب المراكز الحضرية على يد المغول، فكل ذلك كان له أثر كبير في ضياع جزء كبير مما كان له حظ التدوين من هذا التراث. ومع قلة التراث الجاهلي، فإننا نجد أن النثر فيه أقل بكثير جدًّا من الشعر فيه، فالغالبية العظمى من هذا التراث شعر، مع أن العكس كان ينبغي أن يكون، فالعادة والواقع يؤيدان أن النثر أكثر من الشعر، وذلك لسهولة الأول وخلوه من الحدود والقيود، والشعر يحتاج إلى موهبة خاصة، ومقدرة لغوية ظاهرة، ومن ثم فالنثر أكثر دورانًا على الألسنة، وأسهل تأليفًا من الشعر، ولعل السبب في قلة الموروث من النثر الجاهلي أن أدب هذه الفترة كان يحفظ ويتناقل بطريق السماع والحفظ والرواية، ولم يدون إلا بعد مرور العصر الجاهلي بفترة طويلة، والنثر عادة مما يصعب حفظه، كما أنه لا يبقى في الذاكرة طويلًا، في حين أن الشعر يعلق بالذهن بسهولة، لما فيه من النغمات الموسيقية المنتظمة، وهذه تحبب كلا من القارئ والسامع فيه، وتستهويه لترديده، فيعلق أسرع وأسهل، ويظل في الذاكرة زمنًا أطول من النثر. والأدب الجاهلي بالصورة التي وصل بها إلينا، يدل دلالة قاطعة على أن العرب في جاهليتهم كانوا قد قطعوا أشواطًا كثيرة متباعدة في سبيل التطور الأدبي، فهو أدب ممتاز في درجة عالية من التقدم والكمال، ولا يستطيع الإنسان معه أن يتصور أن هذا كان أول ما قاله العرب، أو أول محاولة أدبية لهم، حقيقة هو أقدم ما وصل إلينا من تراث أدبي للعرب، ولكن ليس أول ما قالوه في هذا المجال، بل لابد أنهم كانوا قد حاولوا محاولات شتى في التعبير الأدبي، وصوره الفنية حتى وصلوا بأدبهم إلى هذه الدرجة العليا من الكمال. ولو حفظ لنا التاريخ جميع الخطوات التي سارها العرب في سلم التدرج نحو الكمال بأدبهم لاستطعنا أن نقف من وراء ذلك على ناحية هامة جدًّا من نواحي التطور العقلي والنفسي والعاطفي لدى الإنسان بوجه عام، والعربي بوجه خاص. ولا شك أن الأدب الجاهلي كامل من ناحية اللغة والموسيقى والمعنى يدل دلالة قاطعة على تطور ناضج عند العرب في مجال التعبير والتصوير الأدبي الممتاز. مما يدل على روعته وعظم شأنه بقائه حيًّا خالدًا إلى اليوم بعد مرور هذا الزمن الطويل منذ نشأته إلى عصرنا الحاضر، كما أن الأدباء، كانوا ومازالوا، قديمًا وحديثًا، ينسجون على منواله، ويتخذونه المثل الأعلى، ويتمنون أن يجيء نتاجهم مثله، أو قريبًا منه، قوة، وروعة، وجمالًا، وصدقًا في التعبير والتصوير. وفي خلال عمره الطويل، قامت عدة محاولات للخروج على تقاليده، أو منهجه، ومن ذلك ما حاوله بعض الأدباء في عصرنا الحاضر من التخلص بعض الشيء من قيود التقليدية، مقلدًا بعض الآداب الأجنبية، ولكن معظم هذه المحاولات لم يكتب لها من التوفيق ما كتب للأدب الجاهلي، ولم تجد من المشجعين ما يمكنها من الذيوع والانتشار، وما زال الأدب القديم صاحب السيادة والسلطان، ويحظى بالاحترام والإكبار من الجميع، مما يدل على أنه يتجاوب تجاوبًا تامًّا مع الذوق العربي العام في كل عصر منذ وجوده إلى اليوم، وهذا معناه أن العرب القدماء، كانوا قد وصلوا بحسهم الفني الصادق إلى خبرة عميقة دقيقة بالنفس الإنسانية ومشاعرها المختلفة وعواطفها الحقيقية، فأحسنوا تصويرها، وأجادوا التعبير عنها. والحق أن الإعجاب بالأدب الجاهلي وكماله الفني ليس مقصورًا على العرب والذوق العربي فقط، بل وصل إلى الأمم الأجنبية، فقد قرأ أبناء هذه الأمم الأدب الجاهلي، فوجدوا فيه النضج والكمال، ولمسوا مواطن الحسن والجمال فيه، فترجم كثير منه إلى لغات الأمم الأخرى، وهكذا عرف العرب وغير العرب مكانة الأدب الجاهلي الفنية الممتازة. والتراث الذي بين أيدينا من الأدب المنسوب إلى الجاهليين ليس إلا تراث فترة قصيرة لا تتعدى قرنين من الزمان، قبل ظهور الإسلام، فأقدم نص فيه يرجع تاريخه إلى أوائل القرن الخامس الميلادي.


المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)