9
- الشعر السياسي :
ليس لدى الجاهليين شعر سياسي بالمفهوم العصري لمعنى كلمة سياسة ، إذ أن القبيلة هي الدولة المصغرة التي ينتمي إليها الإنسان الجاهلي ، ودفاعه عنها دفاع عن حدود مناطق الرعي فيها ، و إذا كان هناك بعض الممالك قد بدأت تتبلور ، فإن الإسلام قد جاء و قطع الطريق عليها ، فأنشأ نظاماً جديداً للحياة السياسية المتمثلة بإيجاد خليفة واحد يدافع عن حمى الأرض التي فتحت ، و لكن خلاف المسلمين حول مفهوم الخلافة ، لمن تكون و كيف تكون؟ جعل المسلمين في العصر الأموي ينقسمون إلى أحزاب اتخذت طابعاً سياسياً تمثل في :
آ - الحزب الخارجي .
ب - الحزب الأموي .
ج - الحزب الزبيري .
د - الحزب الهاشمي .
و لو عدنا إلى بدايات الدعوة الإسلامية لوجدنا أن مسألة تبليغ الرسالة الدينية قد أخذت طابعاً سياسياً
10-شعر الخوارج السياسي :
الخوارج هم شيعة علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه الذين خرجوا عن صفّه بعد أن قبل بمسألة التحكيم بينهم وبين معاوية ، ذلك أن معركة صفين قد أوشكت نهايتها على فوز جيش علي ممّا جعل معاوية و جماعته يرفعون المصاحف طلباً للتحكيم ، و قد زعم هؤلاء الخوارج الذين انشقوا عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أن مسألة التحكيم خدعة ، و لكنّ علي قَبِلَ به لأنها تطلب تحكيم القرآن الكريم في هذا الخلاف ، و ما كان لخليفة مثل علي رضي الله تعالى عنه أن يرفض التحكيم و قد شكلت هذه الفئة من المسلمين جيشاً عنيداً صلباً رأى بالجهاد ركناً أساسياً من أركان الإسلام و اعتقد أصحاب هذا الحزب الذين تسموا : " (الشُّراة ، المحكمة ، الخوارج ، الحَروريّة ") أنّه (لاحكم إلاّ لله )،وهي كلمة حق أريد بها باطلا ، و أنه لا يجوز تعيين خليفة للمسلمين و قد خرجوا إلى بلاد ما وراء النهر ، و قد انقسم الخوارج إلى طوائف متعددة منهم : (النجدات ، الأزارقة والإباضية والصفـرية ) وأشدهم تعنتا الأزارقة الذين يرون أن القعود عن الجهاد إثم كبير وأن الخلافة ليست بالضرورة أن تكون من القرشيين أو من العرب .و قد مثل هؤلاء من الخوارج حزبهم أكبر تمثيل ، فنبذوا كلّ تعصب يقوم على الأسرة أو الجنس ، فقد كانوا مجموعة أفراد ينتمون إلى فئات متعددة ، ومن أشهر وأهم شعراء الخوارج : "( قطري بن فجاءة ، الطّرمّاح بن حكيم الطائي ، عمران بن حطّان ، و عمرو بن الحصين ، يزيد بن حنباء ") . وقد جمع قطري بين رقة النفس والحماسة للعقيدة ، وعبر عن رؤية الخوارج في القتال فقال :
لعمرك إني في الحياة لزاهـد وفـي العيش مالم ألق أمّ حكيم
من الخفرات البيض لـم ير مثلها شفاء لذي بـثّ ولا لسقيـم
لعمرك إني يوم ألطم وجههــا على نائبات الدّهـــر جدّ لئيم
ولو شهدتني يوم دولاب أبصـرت طعان فتى فـي الحرب غير ذميم
ويقول عيسى بن فاتك الحبطي حينما هزم أربعون من الخوارج ، ألفين من جند عبيد بن زياد في معركة آسك :
أألفا مؤمن فيما زعمتم ويهزمهم بآسك أربعونا
كذبتم ليس ذاك كما زعمتم ولكن الخوارج مؤمنونا
هم الفئة القليلة غير شكّ على الفئة الكثيرة ينصرونا
ويقول مصقلة بن عتبان يفتخر على بني أمية بأنصاره الخارجين كسويد والبطين وقعنب وشبيب وغزالة التي نذرت أن تدخل مسجد الكوفة وتصلي فيه ركعتين ووفت بوعدها وصلت والحجاج لا يجرؤ على الخروج إليها :
وأبلغ أمير المؤمنين رسالة و ذو النصح إن لم يربح منك قريب
فمنا سويد و البطين و قعنبٌ و منا أمير المؤمنين شبيــب
غزالة ذات النذر منا حميدةً لها في سهام المسلمين نصيبُ
11 - شعر الزهد :
فلسف الإسلام النظرة إلى الحياة الدنيا من منطلق بسيط يدعو إلى أن يكتفي الإنسان بالقليل مـن متاعها وركز على النظر إلى ما بعــد الموت لأن فيه الحياة الأبدية و السرمدية :"( و اتبع فيمـا أتاك الله الدار الآخــرة ، و لا تنس نصيبك مـن الدنيا و أحسن كمـا أحسن الله إليك ، وقوله تعالى : { ما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } [ ] . ومن هذا المنطق تبنى عدد من الشعراء المسلمين في العصر الأموي هذه الفلسفة ودعوا إلى طرح الدنيا و الإقبال على الآخرة و التوكل على الله والثقة به و الإيمان بأنه متكفلٌ برزق العباد جميعا ، ومن هؤلاء الشعراء الذين دعوا إلى ذلك : ( أبو الأسود الدؤلي تلميذ علي رضي الله عنه، مالك بن دينار ،و عروة ابن أذينة ، وسابق البربري ) . يقول عروة بن أذينة :
لقد علمت، و ما الإسراف من خلقي إن الذي هو رزقي سوف يأتيني
أسعى إليه ما يعنيني تطّلبه و لو قعدت أتاني لايعنيني
ويقول أبو الأسود الدؤلي داعياً إلى السعي من أجل العيش القائم على الحياة الكريمة :
وما طلب المعيشة بالتمنــي ولكن ألق دلوك فــي الدلاء
ولا تقعد على كسل تمنـــى تحيل على المقادر والقضاء
وينتقد الشاعر سابق البربري انصراف الأغنياء إلى جمع المال :
فحتى متى تلهو بمنزل باطل كأنك فيه ثابت الأصل قاطن
وتجمع ما لا تأكل الدهر دائبا كأنك في الدنيا لغيرك خازن
كما وإن شعراء الزهد في هذا العصر قد أكثروا من ذكر الموت وتحدثوا عن هاجسه المفزع قائلين:
فويحي من الموت الذي هو واقع وللموت باب أنت لا بد داخله
وكيف يلذّ العيش مـن هـو عالم بأن إله الخلق لا بدّ سائله
وهذا هو الفرزدق يذكر الموت وعذاب الله في الآخرة في حوار مع الحسن البصري في يوم جنازة زوجه النوار :
أخاف وراء القبر إن لـم يعافني أشدّ مــن القبــر التهابا وأضيقا
إذا جاء فـي يـوم القيامة قائــد عنيف وسوّاق يســوق الفـرزدقا
لقد خاب من أولاد دارم من مشـى إلـى النار مغلول القلادة موثـــقا
11- شعر الطبيعة :
نظراً لنزوح العرب بين حياة الصحراء وحياة الحضارة الجديدة فقد بقي عالقا في أذهان الشعراء مجال الصحراء وما تحمله من ذكريات بما فيها من خيام ونوق وخيول وحيوانات ونجوم ، وبقي كثير من الشعراء يفضل حياة الصحراء على حياة المدن ؛ ويعد الشاعر ذو الرمة من أكبر الشعراء الذين عشقوا الصحراء وأيامها وما فيها ورأى ما في الصحراء مسلاة في إطار ذكره لمية تلك المرأة التي أفلتت من يده فجعلته يذوب في رمال الصحراء ، يقول ذو الرمة في وصف حيوان الصحراء بظبية وابنها عاكسا عواطف الإنسان عليهما :
إذا استودعت صفصفا أو صريحة تنحت ونصت جيدها بالمناظر
حذار على وسنان يصرعه الكرى بكل مقيل عـن ضعاف فواتـر
وتهجره إلا اختلاسات نهارهــا وكم من محب رهبة العين هاجر
ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن الطبيعة كانت على الدوام ملهما بالغ التأثير في نفسية الشاعر العربي ، وقد مضى أسلافه في الجاهلية يصدرون عنها لا في أشعارهم ، فهم يصورون ، فلواتها بكثبانها ورمالها و غدرها وسيولها ، وخصبها وجدبها ، ونباتاتها وأشجارها ، وحيوانها وطيرها ، وزواحفها وهواجرها ، وما قد ينزل ببعض أطرافها من البرد وقوارصه . ومضى شعراء العصر الأموي ، على سنة آبائهم يستلهمون الصحراء مزواجين على شاكلتهم بين حب الطبيعة وحب المرأة ، إذ يفتتح الشاعر غالبا مطولاته بوصف أطلال الديار التي قضى فيها شبابه مع بعض صواحبه ، ويسترسل في الحديث عن بعض ذكريات حبه ، ولا يلبث أن يتحدث عن رحلته في الصحراء وما قطع من مفاوز على ناقته ، يسهب في وصفها لمالها من جمال في نفسه ، كما يسهب في وصف فرسه ، وهو في ثنايا ذلك يحدثنا عن كل ما تقع عليه عينة في صحرائه ، أو يخلف أثرا في نفسه من طير وحيوان ونجوم وكواكب....وعلى الرغم من أن جمهور الشعراء في هذا العصر عاش في بيئات متحضرة ، فإن الصحراء لم تجف ينابيعها في نفوسهم ، بل قد ظلت ملهمهم الأول في أشعارهم على نحو ما نجد عند مبرزيهم من أمثال الفرزدق والأخطل وجرير ومن خير ما يصور ذلك أبيات للفرزدق فيها بين طبيعة الصحراء ونهر دجيل وما يجري فيه من سفن ، موازنة يعلي فيها الطبيعة الأولى علوا كبيراً ،يقول الفرزدق واصفاً السفينة:
لفلج وصحراواه لو سرت فيهما أحب ألينا من دجيل وأفضل
وراحلة قد عودوني ركوبــها وما كنت ركابا لها حين ترحل
قوائمها أيدي الرجال إذا انتحت وتحمل من فيها قعودا وتحمــــــــــــــل
وواضح أنه يؤثر الطبيعة الصحراوية البدوية على طبيعة البيئات الجديدة وما فيها من أنهار وسفن ، وهو يعبر عن شعوره وشعور من حوله من الشعراء الذين فتنوا مثله بالصحراء ومناظرها الطبيعية أمثال ذي الرمة ...وليس معنى ذلك أن الشاعر الأموي لم يفسح مجالا لطبيعة البيئات الجديدة في شعره ، وإنما معناه إن الطبيعة الصحراوية كانت تستولي على ملكاته ، أما بعد ذلك فقد كانت تنفيذ طبيعة الأقاليم الجديدة إلى حواسه ، فيصور ما فيها من جبال وثلوج ، وقد صور الفرزدق في بعض رحلاته إلى دمشق ما كان ينزل عليه وعلى صحبه في طريقه شتاء من نثير الثلج ، يقول :
مستقبلين شمال الشام تضربهم ........... بحاصب كنديف القطن منثور
على عمائمنا يلقي وأرحلنا على زواحف نزجيها محاسير
وكان جرير على شاكلته لا يزال يبدئ ويعيد في وصف المناظر الصحراوية ومع ذلك تلقانا في ديوانه قطعة صور فيها نهيرات شقها هشام ابن عبد الملك ، وما نبت على ضفافها من زرع وزيتون :
شققن من الفرات مباركات جواري قد بلغن كما تريد
بها الزيتون في غلل ومالت عناقيد الكروم فهن سود
فتمت في الهنيء جنان دنيا بساتينا يؤازرها الحصيد
ومن أزواج فاكهة ونــخل يكون لحمله طلع نضيد






المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)