الحضارة العربية الأندلسية والحياة الفكرية

مر الوجود العربي الإسلامي في الأندلس بمراحل متباينة ومتعددة نذكر منها :
أولاً-مرحلة الذروة : وصلت الحضارة الأندلسية إلى ذروة القوة في عهد الخلافة الأموية ، أيام حكم عبد الرحمن الناصر وولده الحكم ، ولكنها لم تصل إلى ذروة نضجها الفكري ، ولما انهارت الخلافة الأموية وسادت الفوضى أرجاء الأندلس في عهد الفتنة ذوت هذه الحضارة ، وخبت مظاهرها العمرانية والفكرية حتى جاءت دول الطوائف ، فاستطاعت على رغم تطاحنها أن تعيد بهاء الحضارة الأندلسية في قصورها ومنشآتها ومجتمعاتها ، وسطعت شمس الأدب والفكر ، وغرفت الأندلس في هذه الحقبة المضطربة من تاريخها طائفة من أعظم مفكريها وأدبائها وشعرائها أمثال
1-الفيلسوف ابن حزم المتوفى سنة 456هـ
2-والمؤرخ ابن حيان المتوفى سنة 469هـ
3- والشاعر ابن زيدون المتوفى سنة 462هـ
4- والشاعر الأديب ابن عبدون المتوفى سنة 520هـ وغيرهم من المفكرين والأدباء والشعراء بل إن ملوك الطوائف أنفسهم كانوا في طليعة الأدباء والشعراء ،
5-كالعالم عمر بن الأفطس صاحب بطليوس ،
6-والمعتضد والمعتمد صاحبي إشبيلية
7-والمعتصم بن صمادح صاحب المرية .
ثانياً-مرحلة التضعضع : ولكن هذه النهضة الفكرية والأدبية الزاهرة ما لبثت أن توقفت عقب تضعضع دول الطوائف واستيلاء المرابطين على الأندلس سنة 484هـ / 1091م ، فقد كان هؤلاء المرابطون ، ، شديدي التعصب ، قساة غلاظا ، ألفوا الحرب والخشونة فلم تجد دول الفكر والأدب في ظلهم مرتعا خصبا . ولقد تألقت في عهدهم القصير بعض الأسماء للامعة أمثال
1- الطبيب أبى القاسم خلف بن عباس القرطبي
2-والفيلسوف ابن باجة
3-والفتح بن خاقان
4-وابن بسام صاحب كتاب الذخيرة
5-ابن قزمان صاحب الأزجال الشهيرة ، ولكن ظهورهم وإضرابهم في هذه الفترة لم يكن إلا امتدادا للنهضة الفكرية التي ازدهرت في عهد ملوك الطوائف .
ثالثاً-مرحلة الانتعاش : ثم جاءت دولة الموحدين ، فانتعشت الحضارة الأندلسية ونشطت حركة التفكير . لقد نشا الموحدون كالمرابطين في مهاد الخشونة والتقشف ولكنهم كانوا أوسع أفقا ، وكان مؤسس دولتهم المهدي بن تومرت من أئمة التفكير الديني وأظهر خلفاؤه عبد المؤمن وبنوه اهتماما بالعلوم والفنون ، وأطلقت حرية التفكير والبحث بعد أن قيدت في عهد المرابطين وأفرج عن كتب الغزالي وغيره من مفكري المشرق ، وكانت قد كوفحت ومنعت في أيامهم بالمغرب والأندلس. وفي هذه الفترة ، أي في أواخر القرن السادس أوائل القرن السابع الهجري، بلغت النهضة الفكرية في الأندلس ذروة نضجها وظهرت طائفة من أقطاب العلم والأدب، وفي طليعتهم
1-بو جعفر بن الطفيل الإشبيلي صاحب رسالة حي بن يقظان المتوفى سنة 571
2-والفيلسوف ابن رشد القرطبي المتوفى سنة 594هـ ،
3-والرئيس موسى بن ميمون القرطبي المتوفى سنة 602هـ وكان يهوديا وهو من أشهر الأطباء والفلاسفة في عصره .
4-ابن رشد أعظم فلاسفة الإسلام ومفكريه في ذلك العصر ، ومن أهم أثاره شروحه لفلسفة أرسطو في المنطق وما وراء الطبيعة
وظهر في تلك الفترة ، إلى جانب هؤلاء العلماء ، عدد من أعلام الشعر والأدب مثل 5-أبى القاسم خلف بن بشكوال القرطبي المتوفى سنة 578هـ وهو مؤلف كتاب الصلة ،
6-وابن بدرون الإشبيلي المتوفى في فاتحة القرن السابع ، وهو شارح قصيدة ابن عبدون الشهيرة في رثاء بنى الأفطس .
وازدهرت المعاهد العلمية أيام الموحدين بالمغرب والأندلس ، وكانت المعاهد الأندلسية في إشبيلية وقرطبة وغرناطة وبلنسية ومرسية يومئذ مجمع العلوم والمعارف ، ومقصد الطلاب من كل فج ، وفيها المكتبات التي تضم الكتب النفيسة والتأليف النادرة في مختلف العلوم و الفنون . وعني الموحدون أيضا برعاية الفنون وأقيمت في عهدهم طائفة من المساجد والأبنية الفخمة التي تمتاز بجمالها الفني .
رابعاً-مرحلة الاضمحلال : ولما اضمحل شأن الموحدين ، وضعف أمرهم بالمغرب والأندلس ، في أوائل القرن السابع الهجري ، واجتاحت الفتنة معظم البلاد والثغور الأندلسية ، قام المتغلبون يتنافسون في اجتناء أسلاب الدولة الذاهبة ، وبدأت قواعد الأندلس تسقط تباعا في يد النصارى ، وشغلت الأندلس بمحنها ، وانصرفت إلى متابعة الجهاد ومدافعة المغيرين ، فانكمشت فنون السلم ، واضطربت دولة التفكير والأدب ، ومع ذلك فقد ظلت تمتاز بكثير من نواحي القوة والنضج ، وقد أثرت المحنة في نفوس الشعراء فأذكت عواطفهم بشعر اللوعة وبعثت إلينا بطائفة من المراثي التي ما زالت تحتفظ إلى يومنا بكثير من قوتها وروعتها.
خامساً-مرحلة انكماش رقعة الأندلس ورحيل الأدباء والعلماء : وغادر الأندلس في تلك الفترة كثير من الكتاب والعلماء الذين توقعوا سوء المصير ، وآثروا العمل في جو أكثرا استقرار وطمأنينة ، مثل الشيخ محي الدين بن العربي شيخ المتصوفين الشهير، وابن البيطار المالقي وابن الآبار القضاعي، وانجلت الفتن الداخلية ، وانجلى الصراع بين إسبانيا المسلمة وأسبانيا النصرانية بعد نحو ثلث قرن من سقوط معظم القواعد الأندلسية في يد النصارى ، وانكمشت رقعة الأندلس تباعا ، وانحصرت في الركن الجنوبي الغربي للمملكة الإسلامية القديمة ، في مملكة غرناطة الصغيرة ، التي برزت من غمر الفوضى وتأسست على يد محمد بن الأحمر زعيم بنى نصر كما تقدم ذكره وإليها هرعت معظم الأسر الأندلسية القديمة وغدت ، خلال مدة تزيد على القرنين ، مستودع تراث الأندلس القوى والسياسي ومستودع الحضارة الأندلسية والتفكير الأندلسي .
سادساً- مرحلة استقرار جديدة :
وفي ظل مملكة غرناطة أخذت الحركة الفكرية في الاستقرار وبدأت الأندلس حياتها الجديدة وأنست جوا من الطمأنينة والهدوء . وكان ملوك غرناطة من حماة الآداب والعلوم ، وسطع بلاط دولة بنى الأحمر بتقاليده الأدبية الزاهرة على غرار قصور ملوك الطوائف .
تقويم للحياة الفكرية الأندلسية :
1-هذه الحركة الفكرية الأندلسية في عصر بنى الأحمر تكاد تنحصر في النواحي الأدبية ، فقد ازدهرت الأدب والشعر وحفلت غرناطة بجمهرة من أكابر الأدباء والشعراء ،
2-ولكن العلوم العقلية أصابها الركود ، وقلما نجد في هذه الفترة أحدا من أقطاب الطب والفلسفة أو غيرها من العلوم المحضة التي ازدهرت من قبل بالأندلس
3-إن العقلية العربية في الأندلس قد أثر فيها الاختلاط العنصري تأثيرا كبيرا
4- صنع الأمويون في الغرب الإسلامي صنع العباسيين مع الفرس وقربوا القوط إليهم كما ذكرنا فكان من أثر هذا الاختلاط امتزاج العقلية الآرية بالعقلية السامية فنضجت العقلية العربية وزهت الآداب وازدهرت الحضارة
5-اقتبس الإسبانيون ثقافة العرب لأنهم كانوا دونهم ثقافة ، ودخلوا في دينهم وتعلموا لغتهم وأدبهم وهجروا اللاتينية وأعرضوا عن كتب المسيحية ، حتى أصبح رجال الدين الأسبان يشكون من انصراف الإسبان المسيحيين عن اللاتينية إلى اللغة العربية ، ويأسفون على حماسهم الشديدة للغة العرب وعلى ضياع اللاتينية بين المسيحيين الذين يقبلون على العربية والشعر العربي ويدرسون كتابات متكلمي الإسلام وفقهائه لا ليفندوها بل لكي يكتبوا العربية في صحة وإتقان
6- شيد الأندلسيون المدارس حتى أصبح أكثر الناس متعلمين
7-ازدهرت الآداب والفنون ازدهارا يقوي وينخفض بحسب الظروف السياسية والعهود المختلفة التي مرت بها الأندلس
8-حدت روح التعصب أحيانا من نشاط الفلسفة والعلوم العقلية .
9-كان الأندلسيون كانوا في آدابهم مقلدين للمشارقة لأنهم كانوا يرون فيهم المثل الأعلى لشعرهم وأدبهم ، ويجدونهم منبع علومهم وآدابهم وفنونهم
10-ظلت معاني الشعر الأندلسي سطحية ليس فيها إكثار من الحكم وطرق المعاني الفلسفية وذلك لعدم إقبال الشعراء و الأدباء على الفلسفة العقلية ولانصرافهم إلى اللهو والحياة السهلة .
11-انتشار الكتابة فيهم وقلة الأمية زاد عدد الشعراء والأدباء ، فقد كان أكثر الخلفاء والفقهاء والوزراء ينظمون الشعر ، بل نجد روايات أدبية تذكر أن بعض السوقة ينظمون الشعر باللغة العربية الفصحى ، وعلى رغم كثرة عدد الشعراء ووجود طائفة من النابغين فقد قصروا عن اللحاق بفحول الشعراء المشرقيين وذلك لإقبالهم على اللهو وانصرافهم عن كل ما يكد الذهن من دراسات عقلية ، ولنظرتهم المثلى لكل ما كان يرد من الشرق من فكر وأدب وفلسفة والنسج على منواله دون إن يعمدوا ، على الغالب ، إلى إبداع أصيل .


المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)