أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: القاضي واللص

  1. #1
    الصورة الرمزية سيد يوسف مرسي قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Oct 2016
    المشاركات : 179
    المواضيع : 61
    الردود : 179
    المعدل اليومي : 0.06

    افتراضي القاضي واللص

    @@@@@
    قصة قصيرة
    القاضي واللص
    جلس القاضي وقد أدركه العناء ، بلغ الجَهد به مبلغاً ، خرج من بيته يمشي على قدميه يتوكأ على عصاه ، ملَ من الجدران فأطلق لنفسه العنان ، كأنه يستجم أو يستنشق بعضاً من الهواء الطلق ، كلما داهمه التعب والإرهاق أعطى الأرض مؤخرته ، الآن ليس بقاض ،ولا يمكن التعرف عليه ،تنكر وغير ملامحه استبدل ثيابه ، خرج دون أن يعلم أحداً بكنيته، دفعه الأرق والهم للتنكر بعدما ضاق عنده النطاق وتوقف اللب وغابت منه الحيل ،إنها أول قضية تطول أمامه وهو ينظرها ، لا يجد لها حلاً إلا أن يمدد فترة الحبس للمتهم على أمل أن يجد برهاناً قوياً فيصدر حكمه إما ببراءة أو قصاص
    *****
    الإدعاء : هذا اللص تظاهر بأنه يود شراء مقداراً من اللحم ، وفي غفلة من القصاب ،استحوذ على نقوده ووضعها في جيبه . لمحه القصاب وهو يخبأ ما لحقته يده من سرقة ويضعه في جيبه ، أراد الجزار أن يسترجع نقوده فأنكر اللص السرقة ، وافتعل مشاجرة ونزاعاً ود من خلالهما أن يفلت وينجو،
    المتهم : يقسم بأغلظ الأيمان أنه لم يسرق درهماً واحدا من القصاب ، كل النقود التي وجدت في جيبه هي ملكه ، جاء ليشتري ما يحتاجه بيته من أشياء ولوازم
    الشهود : إجماع الشهود أنهم لم تر أعينهم ما يقوله القصاب وما يدعيه ، ولم يتيقنوا أن هذا الرجل قد سرق القصاب ،كل ما رأته عيونهم ، هو إمساك القصاب في تلابيب الرجل وإدعاءه له بالسرقة ، فما من دليل قاطع وبرهان . الأمر محير وقد يظلم القاضي الرجل فكيف يصدر حكماً ؟ ، يخشى أن يظلم أحدهما ويود أن تكون الحجة جلية ،
    *****
    ليس بالأمر السهل الميسر على القاضي ،لقد انتشر الخبر بين الناس يتناقلون قصته وأصبح على ألسنة السُمار في الحوانيت والمقاهي ، أرقه الوضع واستطال أمده، كيف لا يجد الناس العدل في بيت العدل ؟ ، هاجس تلك القضية نغص عليه خشوعه حتى في الصلاة وسيطر على تركيزه ،فبات يسهو عليه في صلاته ، ولا يعرف كم أدي من الركعات في صلاته ؟،فالمتهم ما زال طي الحبس ولا رجاء أو بارقة من أمل أو حتى شهود عدول ، كي تنتهي تلك القضية ؟،أدى صلاة الفجر وأبى أن يستريح ، قال قرينه يرشده ،أخرج من تلك القوقعة عسى أن يأتيك الفرج ، فخرج متنكراً يطوف بأرجاء مدينته وبشوارعها بين أمرين لا ثالث لهما ، قد يرزق بحلٍ يكون من فيض الله وإلهام منه ، وأن لا يقع تحت تـأثير أحد من معاونيه فيظلم أحدهما دون أن يدري ، إنه يبتغي العدل وليس سواه .
    ******
    بعد عناء وجهد ساقته قدميه وهو يتقلب من حارة إلي حارة ومن شارع إلي شارع
    على مقهى عامر بالخارجين عند أطراف المدينة ،ود أن يجلس حتى لو كان ذلك بين الأفاعي ، ألثم وجهه ورفع من رأسه عمامته وأظهر التنكر لحاله ، تناول كرسياً أعرجاً وانزوى يدندن يقلب أحداقه بخفة في وجوه الجالسين ، تملكه الغيظ والحزن وهو يري الخارجين ينعمون بالحرية ويتناوبون المنكر والشراب واللفظ الشنيع ، همّ أن يعلن عن نفسه وذاته ، لكن أوقفه ما جاء من أجله وأخرجه من صومعته ، كيف يجدر به أن يكشف عن ذاته ؟ وهو في الحين عاجزاً عن الفصل في قضية قد تتكرر ، ليس هذا هو الوقت المفضل لذلك ،ليكن الصمت أبلغ من الكلام ، وإلي حين أخر وظرف ملائم له ، طوي جناحيه ،وشبك أصابع يديه يحتسي من فكره وأرقه .
    *****
    علي مرمى غير بعيد جلس ثلاثة من الخارجين ،المائدة وسطهم معبأة بالكؤوس ولفائف التبغ المحشوة يتبادلون الحديث والنكات ، لم يولوه بالاً ولم يفطنوا له ، كانت أصواتهم مزعجة وحديثهم مزريا ، تنفر منه وجدانه ويضيق صدره به ،
    أخذته معية الصبر وامتلك زمام نفسه فصام في صمته وكأنه أنكر كل الجالسين ،وأنكر جلوسه في حانة العربدة وساحة المساطيل ،
    قال أحدهم : وهو ينفث زفيره المشتعل من كور صدره والتي تفوح من رائحة الحشيش رافعاً رأسه في السماء مثل مدخنة مصنعاً للطوب ،يطلق غازات جوفه في السماء لتتطاير معبقة الجو بما تحمله من رائحة ينعم بها الحشاشون.
    قال : ما رأيكم في قاضي مدينتنا ؟ قال الأخر : وماذا فعل هذا الدلفين ؟ قال: أولم تسمع ما تحكيه الناس ؟ الجزار واللص .!
    أتظنون أنه قادر علي إثبات الحقيقة ؟ ما أظن أنه جدير بذلك ، بالرغم أن الأمر بسيط جداً
    فلو كان لديه عقل لانتهت تلك القضية من يومها ولم تعلق حتى يومنا هذا ، قال الأخر : ماذا يفعل القاضي . وما تود قوله ،أسمع انه رجل حازم لا يهاب أحداً وعالم فقيه ورع.
    أفاق ثالثهم وقال : وهو ينزع نفسه من جدار الكرسي الذي يجلس عليه وينتصب ،
    أن تلك القضية لا تحتاج إلى فقه ، وإنما تحتاج إلى فكر ودهاء ،والرجل يخلو من الدهاء ، ما عليه إلا أمراً يوجب عليه فعله ولن يحتاج إلى شهود بعده أبداً ،فهذا الأمر هو أقوى الشهود ، ولن يستطيع السارق أن ينكر ولن يستطيع القصاب الإدعاء ، قال الأول :هات ما عندك يا فليسوف زمانك ، قال : لو كنت مكان هذا القاضي ما شغلت بهذه القضية لهذا الحد ،ولجعلت الفصل فيها فورياً ،
    ما على القاضي إلا أن يأتي ببعض الماء المغلي جيداً ،ثم يطرح النقود محل النزاع في الماء المغلي ، فإذا ظهر على سطح الماء الدسم والدهن ، كانت تلك النقود ملكاً للقصاب ، أما إذا خلت من ذلك فهي نقود السارق ويكون بريء من هذه السرقة ، قال صديقه الذي هب منتصباً : لو باستطاعتي أن أجعلك قاضياً لرسمتك قاضياً ، لكن أخشى أن تحكم علينا بالإعدام بمجرد تنصيبك قاضياً وتقدمنا لملك الموت هدية وكبش فداء أو للسجن فليس لك أمان
    ******
    سمع القاضي حديثهم وهو يظهر عدم الانتباه ، وقد دقت طبول قلبه (لا أصلح بعد اليوم قاضياً ) وقد أسرع الخطى
    بقلم // سيد يوسف مرسي

  2. #2
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,131
    المواضيع : 318
    الردود : 21131
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    من منا لم تقابله مشكلة أقضت مضجعه، وحرمته النوم ، وسلبته الراحة
    وقد يكون الحل أبسط مما نتصور.
    وقد يعرف العربيد المأفون ما لا يعرفه القاضي
    وكما قال: أن تلك القضية لا تحتاج إلى فقه ، وإنما تحتاج
    إلى فكر ودهاء ،والرجل يخلو من الدهاء .
    قصة جميلة المعني بأسلوب حكائي متميز، وأسلوب سرد مشوق، ولغة تصويرية ماتعة
    فكرة لطيفة ـ ونص بهي بلغة سلسة ، وتعابير ملفتة تركيبا وصورا.
    تحية لك بحجم روعة قلمك.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    الصورة الرمزية حسين محسن الياس شاعر
    تاريخ التسجيل : May 2014
    المشاركات : 569
    المواضيع : 47
    الردود : 569
    المعدل اليومي : 0.16

    افتراضي

    قصه جميله ارتكزت على قفلتها الاخيره التي قالها احد رواد المقهى ..وخلاصتها ان الحكمه ليست حكرا على فئه معينه وقد تجدها عند ابسط البشر ..
    القصه لم تخل من التقريريه لكن هذا لم يثلم جمالها
    احييك اخي مع تمنياتي لك بالموفقيه

  4. #4
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Jul 2012
    المشاركات : 732
    المواضيع : 66
    الردود : 732
    المعدل اليومي : 0.17

    افتراضي

    قصة رائعة وإغلاق للقصة غير متوقع
    دام قلمك مبدعا وسلمت أناملك
    كل التحية والتقدير لك

  5. #5

  6. #6
    الصورة الرمزية آمال المصري عضو الإدارة العليا
    أمينة سر الإدارة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : Egypt
    المشاركات : 23,786
    المواضيع : 392
    الردود : 23786
    المعدل اليومي : 4.13

    افتراضي

    قد تخرج الحكمة عفوية من فم سفيه وهو لايدري ...
    وقد يعجز عالِم أمام أمر هيّن لتنبؤه الحياة أن هناك من هو أعلم منه
    نص جميل بسرده ولغته وخاتمته فشكرا لك أديبنا الفاضل
    ومرحبا بك في واحتك
    تحية وتقدير
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

المواضيع المتشابهه

  1. مسلسل أرباب المهن ورباتها - الحلقة الثانية - القاضي .....
    بواسطة أبو القاسم في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 16-11-2019, 04:47 PM
  2. تأملات نقدية في قصة عملية جراحية للقاص القدير حسام القاضي
    بواسطة د. مصطفى عراقي في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 28
    آخر مشاركة: 15-05-2014, 07:32 AM
  3. قراءات أدبية في قصة " ربطة عنق " للقاص حسام القاضي
    بواسطة د. محمد حسن السمان في المنتدى فَرْعُ دَولَةِ الكوَيتِ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 22-03-2010, 08:20 PM
  4. الحطام.. وقراءة الرمزية في قصص الأديب القاص / حسام القاضي ..
    بواسطة وفاء شوكت خضر في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 26-04-2007, 03:15 PM
  5. القاضي والبرتقالة
    بواسطة عزيز باكوش في المنتدى أَدَبُ الطِّفْلِ (لأطفالنا نحكي)
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 27-11-2006, 03:12 PM