أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: ]الأدلة والبراهين على مشروعية التبرك بالأولياء والعلماء الصالحين

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Sep 2015
    المشاركات : 282
    المواضيع : 168
    الردود : 282
    المعدل اليومي : 0.09
    مقالات المدونة
    1

    افتراضي ]الأدلة والبراهين على مشروعية التبرك بالأولياء والعلماء الصالحين

    الأدلة والبراهين على مشروعية التبرك بالأولياء والعلماء الصالحين

    1- تعريف التبرك:
    "التبرك هو ثبوت الخير الإلهي في الشيء، قال تعالى: (لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض) [الأعراف، 96]".[1]
    وعليه فإن التبرك بالصالحين هو "طلب ذلك الخير الإلهي من الله عن طريق ذلك الصالح نبيا كان أو غيره أو عن طريق أثر من آثاره".[2]
    وليس كما يزعم بعض الجاهلين ممن لا خبرة لهم بتفاصيل الشريعة أنه شرك وكفر، وفيما يلي الأدلة الناصعة على جواز التبرك بالصالحين.
    2- التبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم في حال حياته:
    كان الصحابة رضوان الله عليهم يتبركون بالنبي صلى الله عليه وسلم، من ذلك ما حكاه عروة بن مسعود - قبل أن يُسلم - عن الصحابة بقوله –كما روى البخاري ذلك في صحيحه-: (فوالله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم؛ خفضوا أصواتهم عنده، وما يُحِدُّون إليه النظر تعظيما له، فرجع عروة إلى أصحابه فقال: أي قوم!!، والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إن رأيت ملكا قط يُعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له).[3]

    قال الحافظ ابن حجر معلقا على هذا الحديث: "وفيه طهارة النخامة والشعر المنفصل، والتبرك بفضلات الصالحين الطاهرة".[4]

    وقال البدر العيني: "ومن الاستنباط من هذا الحديث، التبرك ببزاق النبي صلى الله عليه وآله وسلم توقيرا له وتعظيما".[5]

    وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الغداة جاء خَدَمُ المدينة بآنيتهم فيها الماء، فما يؤتى بإناء إلا غمس يده فيها، فربما جاءوه في الغداة الباردة فيغمس يده فيها).[6]

    قال ابن الجوزي في شرحه لهذا الحديث: "إنما كانوا يطلبون بهذا بركته صلى الله عليه وسلم، وينبغي للعالم إذا طلب العوام التبرك به في مثل هذا ألا يخيب ظنونهم".[7]

    وقال الإمام النووي: "وفيه التبرك بآثار الصالحين، وبيان ما كانت الصحابة عليه من التبرك بآثاره صلى الله عليه وسلم وتبركهم بإدخال يده الكريمة في الآنية".[8]

    كما أن الصحابة الكرام كانوا يتبركون بشعره صلى الله عليه وسلم، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن يُفرق شعره على الناس، ليتبركوا به، وهذا يدل عليه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، حيث قال: (لما رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة ونحر نسكه وحلق ناول الحالق شقه الأيمن فحلقه، ثم دعا أبا طلحة الأنصاري فأعطاه إياه، ثم ناوله الشق الأيسر فقال: احلق فحلقه، فأعطاه أبا طلحة، فقال: اقسمه بين الناس).[9]
    عن أنس بن مالك قال: "لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحلاق يحلقه، وأطاف به أصحابه، فما يُريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل".[10]
    قال الإمام النووي والحافظ ابن حجر والإمام البدر العيني: "فيه التبرك بشعر النبي صلى الله عليه وسلم".[11]
    وقال الحافظ أبو العباس القرطبي: "وتوزيعه شعره على الناس حرصا منه صلى الله عليه وسلم على تشريكهم في التبرك به، وفي ثوابه".[12]
    وقال الإمام الشوكاني[13] والمباركفوري[14] وأبو الطيب آبادي[15]: "فيه مشروعية التبرك بشعر أهل الفضل ونحوه".
    وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم فنام عندنا فعرق، وجاءت أمي بقارورة، فجعلت تسلت العرق فيها، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين؟"، قالت: هذا عرقك نجعله في طيبنا، وهو من أطيب الطيب" رواه مسلم
    وفي رواية أنه قال لها أيضا: "ما تصنعين يا أم سليم؟" فقالت: يا رسول الله نرجو بركته لصبياننا، قال: "أصبت"
    فهذا إقرار منه صلى الله عليه وسلم على جواز التبرك بعرقه صلى الله عليه وسلم.
    كما أن الصحابة الكرام كانوا يتبركون بلباسه صلى الله عليه وسلم ويرجون بركته، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ببردة...، فقالت: يا رسول الله أكسوك هذه؟، فأخذها النبي صلى الله عليه وآله وسلم محتاجا إليها، فلبسها فرآها عليه رجل من الصحابة، فقال: يا رسول الله ما أحسن هذه فاكسنيها، فقال: نعم، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم لامه أصحابه، قالوا: ما أحسنت حين رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أخذها محتاجا إليها ثم سألته إياها وقد عرفت أنه لا يُسأل شيئا فيمنعه، فقال: رجوت بركتها حين لبسها النبي صلى الله عليه وسلم لعلي أُكفن فيها".[16]
    قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وفيه جواز التبرك بالصالحين".[17]
    كما لا يفوت الصحابة الكرام التبرك بالمكان الذي صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن محمود بن الربيع الأنصاري: أن عتبان بن مالك كان يؤم قومه وهو أعمى، وأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إنها تكون الظلمة والسيل وأنا رجل ضرير، فصل يا رسول الله في بيتي مكانا أتخذه مصلى، فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أين تحب أن أصلي؟" فأشار إلى مكان من البيت، فصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم".[18]
    قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله: "في هذا الحديث من الفقه صلى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووطئها وقام عليها، وفي هذا دليل على صحة ما كان عليه القوم من صريح الإيمان، وما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من حسن الخلق وجميل الأدب في إجابته كل من دعاه إليه ما لم يكن إثما".[19]
    وقال القاضي عياض رحمه الله: "فيه التبرك بالفضلاء، ومشاهد الأنبياء وأهل الخير ومواطئهم، ومواضع صلاتهم، وإجابة أهل الفضل لما رغب إليهم فيه من ذلك، تعاونا على طاعة الله، وتنشيطا على عبادته".[20]
    وقال الإمام النووي رحمه الله: "وفيه التبرك بالصالحين وآثارهم، والصلاة في المواضع التي صلوا بها، وطلب التبريك منه".[21]
    وقال الإمام الشوكاني: "وفيه أنه يشرع لمن دعي من الصالحين للتبرك به الإجابة، وإجابة الفاضل دعوة المفضول، وغير ذلك من الفوائد".[22]
    ونجد عبد الله بن الزبير يتبرك بدم النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحتجم، فلما فرغ قال: يا عبد الله اذهب بهذا الدم فأهرقه حيث لا يراك أحد، فلما برزت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمدت إلى الدم فحسوته، فلما رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما صنعت يا عبد الله؟" قال: جعلته في مكان ظننت أنه خاف على الناس، قال: "فلعلك شربته؟" قلت: نعم، فقال: "ومن أمرك أن تشرب الدم؟ ويل لك من الناس، وويل للناس منك".[23]
    قال موسى: قال أبو عاصم: "فكانوا يرون أن القوة التي به من ذلك الدم".[24]
    قال ابن حجر: "وله شاهد من طريق كيسان مولى ابن الزبير، عن سلمان الفارسي، رُوِّيناه في جزء الغطريف، وزاد في آخره: "لا تمسُّكَ النارُ إلا تحلَّة القسم" وآخر عن أسماء بنت أبي بكر في معجم البغوي".[25]
    3- التبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم حال انتقاله إلى الرفيق الأعلى:
    كما أن الصحابة الكرام كانوا يتبركون بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد التحاقه إلى الرفيق الأعلى، فعن عبد الله مولى أسماء بنت أبي بكر أن أسماء أخرجت جبة طيالسة كسروانية لها لبنة ديباج، وفرجيها مكفوفين بالديباج، وقالت: هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت عند عائشة فلما قبضت قبضتها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلبسها، فنحن نغسلها للمرضى نستشفي بها".[26]
    قال القاضي عياض: "وقولها: فنحن نغسلها للمرضى نستشفي بها.: لما في ذلك من بركة ما لبسه صلى الله عليه وسلم أو لمسه، وقد جرت عادة السلف والخلف بالتبرك بذلك منه صلى الله عليه وسلم، ووجود ذلك وبلوغ الأمل من شفاء وغيره".[27]
    عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد القارئ: "أنه نظر إلى ابن عمر وضع يده على مقعد النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر، ثم وضعها على وجهه".[28]
    4- التبرك بالأولياء والعلماء الصالحين:
    ومازال سلف هذه الأمة وخلفها يتبركون بالصالحين والعلماء الربانيين يرجون أن تصيبهم من بركاتهم ما ينتفعون به.
    يقول ابن جوزي في هذا الصدد: "وقد كان جماعة من السلف يقصدون العبد الصالح للنظر في سمته وهديه، لا لاقتباس علمه...[29]."
    فقد روى الخطيب البغدادي بسنده عن علي بن ميمون قال: "سمعت الشافعي يقول: "إني لأتبرك بأبي حنيفة وأجيء إلى قبره في كل يوم - يعني زائرا -، فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين وجئت إلى قبره وسألت الله تعالى الحاجة عنده، فما تبعد حتى تقضى".[30]
    وقال ابن الجوزي: "أحمد القزويني، كان من الأولياء المحدثين، توفي في رمضان هذه السنة فشهده أمم لا تحصى، وقبره ظاهر يتبرك به في الطريق إلى معروف الكرخي".[31]
    قال الحافظ الخطيب البغدادي[32]، وابن أبي يعلى الحنبلي[33]، وابن مفلح الحنبلي[34] وابن الجوزي[35] في ترجمة أبي الحسن علي بن محمد بن بشار الزاهد شيخ الحنابلة: "وقبره إلى الآن ظاهر معروف يُتبرك الناس به".

    فهذه الأدلة وغيرها كثير أضربنا عن ذكرها مخافة التطويل وإلا فإن كتب التراجم والطبقات طافحة بما لا يدع مجالا للشك أن سلف هذه الأمة وخلفها ما زالوا يتبركون بالصالحين ويرجون بركتهم، ولا يعني ذلك أنهم يأتون منكر الأفعال والأقوال وبالأحرى الوقوع في الشرك كما يدعي من لا علم له، سوى التهجم على العلماء وتبديع الناس ورميهم بالكفر والزندقة، نعوذ بالله من الجهالة الجهلاء والجرأة على العلماء، وقديما قالوا: لو سكتَ من لا يعلم لقل الخلاف.

    منقول


  2. #2
    الصورة الرمزية فجر القاضي شاعر
    تاريخ التسجيل : Apr 2015
    الدولة : الشام
    المشاركات : 669
    المواضيع : 46
    الردود : 669
    المعدل اليومي : 0.20

    افتراضي

    مما لا شك فيه أن نبينا محمد صلى الله عيه وسلم مبارك في ذاته وآثاره، كما كان مباركا في أفعاله عليه الصلاة والسلام.

    وهذا مما أكرم الله تعالى به أنبياءه ورسله جميعاً عليهم الصلاة والسلام.

    ولهذا فإن صحابة الرسول صلى الله عيه وسلم ورضي الله عنهم تبركوا بذاته عليه الصلاة والسلام، وبآثاره الحسية المنفصلة منه صلى الله عيه وسلم في حياته، وأقرهم صلى الله عيه وسلم على ذلك ولم ينكر عليهم،

    ثم إنهم رضي الله عنهم تبركوا ومن بعدهم من سلف هذه الأمة الصالح بآثار الرسول صلى الله عيه وسلم بعد وفاته، مما يدل على مشروعية هذا التبرك.

    ♦وينبغي أن يعلم أنه لا يصاحب هذا التبرك ـ من جهة الصحابة ومن بعدهم من السلف الصالح ـ شيء يعارض أو يناقض توحيد الألوهية أو الربوبية، وأن هذا الفعل ليس من باب الغلو المذموم، وإلا لنبه على ذلك الرسول صلى الله عيه وسلم صحابته رضي الله عنهم، كما نهاهم عن بعض الألفاظ الشركية، وحذرهم من ألفاظ الغلو.

    فينظر إذن إلى هذا على أنه تكريم وتشريف من الخالق سبحانه وتعالى لصفوة خلقه في بدنه، وما ينفصل عنه من آثاره الحسية، حيث وضع تبارك وتعالى في ذلك كله الخير والبركة.

    ♦والحق أنه لم يُؤثر عن النبي صلى الله عيه وسلم أنه أمر بالتبرك بغيره من الصحابة رضي الله عنهم أو غيرهم، سواء بذواتهم أو بآثارهم، أو أرشد إلى شيء من ذلك.

    ⛔ وكذا فلم يُنقل حصول هذا النوع من التبرك من قبل الصحابة رضي الله عنهم بغيره صلى الله عيه وسلم ، لا في حياته صلى الله عيه وسلم ولا بعد مماته عليه الصلاة والسلام.

    لم يفعله الصحابة مع السابقين منهم إلى الإسلام وفضلائهم مثلا، ومنهم الخلفاء الراشدون ـ وهم أفضل الصحابة ـ وبقية العشرة المبشرين بالجنة، وغيرهم.

    ✒قال الإمام الشاطبي بعد أن أشار إلى ثبوت تبرك الصحابة رضي الله عنهم بالنبي صلى الله عيه وسلم وبآثاره، مناقشا مسألة إمكان التبرك أيضاً بالصالحين وبآثارهم ـ وهو من المحققين القلائل الذين تطرقوا لهذه المسألة ـ قال رحمه الله تعالى في "الاعتصام" :

    (الصحابة رضي الله عنهم بعد موته عليه الصلاة والسلام لم يقع من أحد منهم شيء من ذلك بالنسبة إلى من خلفه، إذ لم يترك النبي صلى الله عيه وسلم بعده في الأمة أفضل من أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فهو كان خليفته، ولم يفعل به شيء من ذلك، ولا عمر رضي الله عنه، وهو كان أفضل الأمة بعده، ثم كذلك عثمان، ثم علي، ثم سائر الصحابة الذين لا أحد أفضل منهم في الأمة، ثم لم يثبت لواحد منهم من طريق صحيح معروف أن متبركا تبرك به على أحد تلك الوجوه أو نحوها ـ يقصد التبرك بالشعر والثياب وفضل الوضوء ونحو ذلك ـ، بل اقتصروا فيهم على الاقتداء بالأفعال والأقوال والسير التي اتبعوا فيها النبي صلى الله عيه وسلم ، فهو إذا إجماع منهم على ترك تلك الأشياء).

    والسبب الرئيس في ترك الصحابة رضي الله عنهم ذلك التبرك مع بعضهم ـ والله أعلم ـ هو اعتقاد اختصاص الرسول صلى الله عيه وسلم به دون سواه ـ ما عدا سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ـ.

    فقد اختص الله تبارك وتعالى الأنبياء والمرسلين بخصائص شريفة، لا توجد في غيرهم،ومنها وجود البركة في ذواتهم وآثارهم تشريفاً وتكريماً.

    فذوات الأشخاص وصفاتهم غير متساوية، كما قال الله تعالى:}اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ{ والأنبياء عليهم الصلاة والسلام هم أفضل الناس.

    وقد اصطفى الله تعالى أنبيائه، واجتباهم من بين سائر البشر }وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ{ وتميزهم عن غيرهم بخصائص كثيرة أمر مشهور لا ينكر.

    فهذا ونحوه هو الذي جعلهم يختلفون عن أولياء الله تعالى الصالحين، في هذه المسألة وغيرها.
    ومع عظم فضل هؤلاء ورفعة قدرهم، إلا أن مرتبتهم دون مرتبة الأنبياء والمرسلين،ولا يمكن أن يبلغوا درجتهم في الفضل والثواب وغير ذلك.

    ولا شك أن النبي محمد صلى الله عيه وسلم هو أفضل الأنبياء والمرسلين، وأعظمهم بركة.

    ✒قال الشاطبي في "الاعتصام" بعدما أثبت إجماع الصحابة رضي الله عنهم على ترك ذلك التبرك فيما بينهم ـ مع فعلهم له مع النبي صلى الله عيه وسلم ـ قال رحمه الله تعالى مبينا أحد وجهي هذا التبرك:

    (أن يعتقدوا فيه الاختصاص، وأن مرتبة النبوة يسع فيها ذلك كله، للقطع بوجود ما التمسوا من البركة والخير، لأنه عليه الصلاة والسلام كان نورا كله... فمن التمس منه نوار وجده على أي جهة التمسه، بخلاف غيره من الأمة ـ وإن حصل له من نور الاقتداء به، والاهتداء بهديه ما شاء اللهـ لا يبلغ مبلغه، على حال توازيه في مرتبته، ولا تقاربه، فصار هذا النوع مختصا به كاختصاصه بنكاح ما زاد على الأربع، وإحلال بضع الواهبة نفسها له، وعدم وجوب القسْم على الزوجات، وشبه ذلك).

    ✒ثم قال رحمه الله مبينا حكم ذلك التبرك بغيره صلى الله عيه وسلم بناء على هذا الوجه:(فعلى هذا لمأخذ: لا يصح لمن بعده الاقتداء به في التبرك على أحد تلك الوجوه ونحوها، ومن اقتدى به كان اقتداؤه بدعة، كما كان الاقتداء به في الزيادة على أربع نسوة بدعة).

    ✒وقال الإمام ابن رجب رحمه الله تعالى في معرض سياقه للنهي عن المبالغة في تعظيم الأولياء الصالحين، وتنزيلهم منزلة الأنبياء:

    (وكذلك التبرك بالآثار، فإنما كان يفعله الصحابة مع النبي صلى الله عيه وسلم ، ولم يكونوا يفعلونه مع بعضهم... ولا يفعله التابعون مع الصحابة، مع علو قدرهم، فدل على أن هذا لا يفعل إلا مع النبي صلى الله عيه وسلم ، مثل التبرك بوضوئه، وفضلاته، وشعره، وشرب فضل شرابه وطعامه)

    مما سبق يتبين أن ما رآه بعض العلماء من قياس الصالحين على الرسول صلى الله عيه وسلم في جواز التبرك بذواتهم وآثارهم غير صحيح.

    ♦فإن إجماع الصحابة رضي الله عنهم على ترك التبرك بالذوات والآثار مع غير النبي صلى الله عيه وسلم ـمع وجود مقتضياته ـ يدل على أن هذا من خصائصه صلى الله عيه وسلم حيث إن الله تعالى اختص نبيه بجعل البركة في ذاته وآثاره، تكريما وتشريفا لصفوة خلقه عليه الصلاة والسلام.

    ♦ولو كان ذلك الفعل مشروعا لسارعوا إلى فعله، ولم يُجمعوا على تركه، فهم أحرص الناس على فعل الخي ر.

    ✒قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ تعليقا على قول بعض شراح الحديث (لا بأس بالتبرك بآثار الصالحين) إذا مروا بذكر شعر النبي صلى الله عيه وسلم ونحوه.

    قال رحمه الله:(وهذا غلط ظاهر، لا يوافقهم عليه أهل العلم والحق، وذلك أنه ما ورد إلا في حق النبي صلى الله عيه وسلم ، فأبوبكر وعمر وذو النورين عثمان وعلي، وبقية العشرة المبشرين بالجنة، وبقية البدريين، وأهل بيعة الرضوان، ما فعل السلف هذا مع واحد منهم، أفيكون هذا منهم نقصا في تعظيم الخلفاء التعظيم اللائق بهم، أو أنهم لا يلتمسون ما ينفعهم. فاقتصارهم علىالنبي صلى الله عيه وسلم يدل على أنه من خصائص النبي صلى الله عيه وسلم ...).

    ومما يؤكد اختصاص النبي صلى الله عيه وسلم بهذا التبرك أن التابعين رحمهم الله تعالى قد ساروا على نهج الصحابة رضي الله عنهم في هذا الباب، فلم ينقل عنهم وقوع هذا التبرك مع الصحابة رضي الله عنهم ـ كما سبق ـ ولا فعله التابعون مع فضلائهم وقادتهم في العلم والدين، وهكذا من بعدهم من أئمة الدين.

    ومما يؤكد الاختصاص أيضاً أنه لم يرد دليل شرعي على أن غير النبي صلى الله عيه وسلم مثله في التبرك بأجزاء ذاته وآثاره، فهو خاص به كغيره من خصائصه.

    ولا شك أن اختصاص النبي صلى الله عيه وسلم بهذا التبرك يدل على عدم جواز قياس الصالحين عليه صلى الله عيه وسلم بجامع الفضل، وأن هذا الأمر قاصر عليه صلى الله عيه وسلم لا يتعداه إلى غيره.

    فقد أجمع العلماء على أنه إذا ثبت الخصوصية في حق النبي صلى الله عيه وسلم فإنها تقتضي أن حكم غيره ليس كحكمه، إذ لو كان حكمه حكم غيره لما كان للاختصاص معنى.

    فلا يجوز قياس الصالحين وغيرهم على النبي صلى الله عيه وسلم في جواز هذا التبرك سدا للذريعة.

    ولا ريب أن سد الذرائع قاعدة عظيمة من قواعد الشريعة الإسلامية. فمن وجوه موانع القياس هنا سد الذرائع، خوفا من أن يفضي ذلك إلى الغلو فيمن يتبرك به من الصالحين.

    ✒يقول الشاطبي رحمه الله في بيان هذه العلة:

    (لأن العامة لا تقتصر في ذلك على حد، بل تتجاوز فيه الحدود، وتبالغ بجهلها في التماس البركة، حتى يداخلها للمتبرك به تعظيم يخرج به عن الحد، فربما اعتقد في المتبرك به ما ليس منه...).

    وقد يؤدي هذا التبرك بسبب الغلو والتعظيم إلى حـد الشرك، فيكون ذريعة إليه،


    ✒كما قال ابن رجب رحمه الله حينما تكلم عن المنع من هذا التبرك ونحوه:

    (وفي الجملة، فهذه الأشياء فتنة للمعظَّم والمعظَّم، لما يُخشى عليه من الغلو المدخل في البدعة، وربما يترقى إلى نوع من الشرك).


    ✒وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله عند مناقشته من أجاز هذا التبرك: لو أذن فيه على وجه البركة، من غير اعتقاد ذاتي، فهو سبب يوقع في التعلق على غير الله، والشريعة جاءت بسد أبواب الشرك.

    وكما أن هذا التبرك فتنة للمعظَّم، فقد يكون أيضا فتنة للمعظَّم نفسه، كما أشار إليه ابن رجب آنفا.

    فإن فعل هذا التبرك مع غيره صلى الله عيه وسلم لا يؤمن أن يفتنه، وتعجبه نفسه، فيورثه العجب والكبر

    والرياء، وتزكية النفس، وكل هذا من محرمات أفعال القلوب.
    إلى غير ذلك من المفاسد الأخرى المترتبة على هذا التبرك.

    ولا يصح أن يحتج بإمكان حصول تلك المفاسد من الغلو وأنواع الشرك مع التبرك بالنبي صلى الله عيه وسلم ، وذلك لمجيء النصوص الشرعية بجواز ذلك والأمر به في حقه صلى الله عيه وسلم خاصة(، مع العلم بوجوب عدم مصاحبة هذا التبرك مع الرسول صلى الله عيه وسلم شيء من الغلو أو الشرك.


    ❗أما ما ذكر أن الإمام الشافعي يذهب لقبر الإمام أبي حنيفة ليدعو الله لنفسه تيمنا ببركة المكان .. فهذا أثر باطل لا يصح عنه


    وهذه القصة يرويها مكرم بن أحمد في كتابه " مناقب أبي حنيفة " - كما في رواية القاضي أبي عبد الله الحسين بن علي الصيمري للكتاب، وعنه الخطيب البغدادي في " تاريخ بغداد " - فيقول مكرم بن أحمد :

    ثنا عمر بن إسحاق بن إبراهيم ، قال ثنا علي بن ميمون ، قال سمعت الشافعي يقول :

    ( إني لأتبرك بأبي حنيفة ، وأجيء إلى قبره في كل يوم - يعني زائرا - فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين ، وجئت إلى قبره ، وسألت الله الحاجة ، فما تبعد عني حتى تقضى )


    وفي هذا الإسناد مطاعن عدة :

    ⛔الأول : كتاب مكرم بن أحمد اتهمه الدارقطني باشتماله على الوضع والكذب بسبب أحد شيوخه ، واسمه أحمد بن محمد بن الصلت بن المغلس الحماني .

    ✒قال الخطيب البغدادي رحمه الله :

    " حدثني أبو القاسم الأزهري ، قال : سئل أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني - وأنا أسمع - عن جمع مكرم بن أحمد فضائل أبى حنيفة فقال : موضوع ، كله كذب ، وضعه أحمد بن المغلس الحماني قرابة جبارة ، وكان في الشرقية " انتهى.

    ⛔الثاني : عمر بن إسحاق بن إبراهيم مجهول لم يوقف له على ترجمة .

    ⛔الثالث : علي بن ميمون : إن كان هو الرقي فهو ثقة كما قال أبو حاتم ، ولكننا لم نقف على من أثبت له سماعا عن الشافعي رحمه الله .

    ✒يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

    " المنقول في ذلك إما أن يكون كذبا على صاحبه :

    مثل ما حكى بعضهم عن الشافعي أنه قال : ( إني إذا نزلت بي شدة أجيء فأدعو عند قبر أبي حنيفة فأجاب ) أو كلاما هذا معناه .

    وهذا كذلك معلوم كذبه بالاضطرار عند من له معرفة بالنقل :

    فإن الشافعي لما قدم بغداد لم يكن ببغداد قبر ينتاب للدعاء عنده البتة ، بل ولم يكن هذا على عهد الشافعي معروفا .

    وقد رأى الشافعي بالحجاز واليمن والشام والعراق ومصر من قبور الأنبياء والصحابة والتابعين ، من كان أصحابها عنده وعند المسلمين أفضل من أبي حنيفة وأمثاله من العلماء ، فما باله لم يَتَوَخَّ الدعاء إلا عنده .

    ثم إن أصحاب أبي حنيفة الذين أدركوه مثل أبي يوسف ومحمد وزفر والحسن بن زياد وطبقتهم ، لم يكونوا يتحرون الدعاء لا عند أبي حنيفة ولا غيره .

    ثم قد تقدم عند الشافعي ما هو ثابت في كتابه من كراهة تعظيم قبور المخلوقين خشية الفتنة بها.

    وإنما يضع مثل هذه الحكايات من يقل علمه ودينه " انتهى باختصار.

    " اقتضاء الصراط المستقيم "

    ✒ويقول العلامة ابن القيم رحمه الله :

    " والحكاية المنقولة عن الشافعي أنه كان يقصد الدعاء عند قبر أبي حنيفة من الكذب الظاهر " انتهى.

    " إغاثة اللهفان "

    ✒ويقول المعلمي رحمه الله :

    " مَن عُمَرُ هذا – يعني عمر بن إسحاق بن إبراهيم الراوي للأثر - ، ومَن شيخُه ، أمُوَثَّقان هما عند الخطيب كما زعم الكوثري ؟!

    أما أنا فقد فتشت " تاريخ بغداد " فلم أجد فيه ، لا موثقين ولا غير موثقين ، بل ولا وجدتهما في غيره .

    نعم في غيره علي بن ميمون الرقي يروي عن بعض مشايخ الشافعي ونحوهم ، وهو موثق ، لكن لا نعرف له رواية عن الشافعي ، وقد راجعت " توالي التأسيس " لابن حجر لأنه حاول فيها استيعاب الرواة عن الشافعي فلم أجد فيهم علي بن ميمون ، لا الرقي ولا غيره ، انظر "توالي التأسيس"

    هذا حال السند ، ولا يخفى على ذي معرفة أنه لا يثبت بمثله شيء ، ويؤكد ذلك حال القصة ، فإن زيارته قبر أبي حنيفة كل يوم بعيد في العادة ، وتحريه قصده للدعاء عنده بعيد أيضاً ، إنما يعرف تحري القبور لسؤال الحوائج عندها بعد عصر الشافعي بمدة ، فأما تحري الصلاة عنده فأبعد وأبعد " انتهى.

    " التنكيل "
    من مات في سوق الرجولة واقفاً
    خيرٌ له من أن يعيشَ مخنّثا

  3. #3
    الصورة الرمزية رافت ابوطالب قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Feb 2015
    المشاركات : 964
    المواضيع : 527
    الردود : 964
    المعدل اليومي : 0.29

    افتراضي

    الرسل والانبياء جاءوا للبشرية لبيان حق الله سبحانه في توحيده وعبادته واقامة تشريعه تشريع اداره للبشريه
    العمل بشرع الله يجعل صفاتنا فى علو يليق بعلو انه شرع من له الصفات العلى سبحانه

المواضيع المتشابهه

  1. يندب زيارة قبور الأنبياء والعلماء والصالحين :
    بواسطة عبدالله علي باسودان في المنتدى قَضَايَا أَدَبِيَّةٌ وَثَقَافِيَّةٌ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 18-02-2016, 10:56 AM
  2. مشروعية المولد النبوي
    بواسطة عبدالسلام حسين المحمدي في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 29-08-2013, 04:15 PM
  3. مشروعية الشفعة
    بواسطة علي حسين الموصلي في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 26-12-2010, 07:21 PM
  4. الفتاوى والاجتهادات المستحدثة والعلماء ومكانتهم في الإسلام،
    بواسطة طالب عوض الله في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 04-11-2010, 07:37 AM
  5. اْخبار مفصله بدقه بدون بهرات وتوابل مع الادله والبراهين
    بواسطة نعيمه الهاشمي في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 10-07-2005, 04:34 PM