تشكل مراحل النمو العقلي عند الطفل قضية مهمة في تربية الاطفال وتعليمهم وفهم قدراتهم الذهنية. ويهتم علم النفس وعلوم التربية بتحديد مراحل النمو الذهني قصد تأسيس عملية التعليم والتربية على ركائز علمية، تساير نمو الاطفال وتوافق كل مرحلة من مراحل عمرهم. لقد عمل علم النفس التربوي على دراسة نفسية الاطفال وتحليل السلوكات التربوية وقام باختيار انواع من التعلمات والتوجيهات التربوية التي ينبغي توظيفها في كل مرحلة عمرية. ورغم أن علم النفس وعلوم التربية قدمت عددا كبيرا من الدراسات والنظريات التي تهتم بنمو الاطفال سواء من الناحية النفسية او الجسدية او الجنسية او العاطفية او المعرفية او السلوكية... فإن التركيز على النمو الذهني والقدرات العقلية للطفل يظل مسألة في غاية الاهمية، فمن خلالها يتم فهم سوكات الاطفال وردود افعالهم وتحديد طرق علمية لتربيتهم وتوجيههم وتعليمهم. ويتم توظيف مراحل النمو العقلي للطفل في البرامج والمقررات التعليمية وفي توجيهات دور الرعاية، وكذلك في طب الاطفال وتحديد مستوى نموهم العقلي.


ويعتبر جون بياجي Jean Piaget أحد كبار علماء النفس التربوي والابستيمولوجيين الذين اهتموا بدراسة النمو المعرفي والذهني عند الاطفال، في سياق النظرية البنائية للمعرفة، حيث قام بالعديد من الابحاث والدراسات بخصوص المستوى المعرفي والعقلي عند الاطفال، بعدما أسس المركز العالمي للابستيمولوجيا الوراثية في جامعة جنيفا سنة 1955. وقد اعتبر جون بياجي أن معرفة مراحل النمو العقلي عند الطفل أساسية بالنسبة للأباء والمدرسين والمربين. حيث قسم النمو الذهني عند الطفل الى أربعة مراحل، تبدأ منذ لحظة الولادة وتستمر الى مرحلة البلوغ. وسنحاول في مايلي توضيح مميزات كل مرحلة.


مراحل النمو الذهني عند الطفل:

المرحلة الحسية الحركية:


نمو-الطفل-المرحلة-الحسية-الحركية
تبدأ المرحلة الحسية الحركية منذ الولادة وتستمر الى نهاية السنة الثانية من عمر الطفل. بحيث يتعرف الطفل خلال هذه الفترة على معطيات العالم المحيط به من خلال الحواس ويبدأ في تنمية قدراته الحركية، حيث يشرع في تحريك الدين والرجلين والاعضاء الاخرى، ويكون الطفل خلال هذه المرحلة منطلقا من ذاته في التعرف على العالم، بحيث لايستطيع ان يدرك مايفهمه الناس حول الاشياء، وإنما يكون فهما خاصا به للاشياء، يكون بمثابة إدراك أولي وتعرف حسي بسيط على الاشياء. ولقد قسم جون بياجي المرحلة الحسية الحركية الى ست مراحل صغرى: تمثل الاولى ردود أفعال بسيطة وتستمر من الولادة الى نهاية الشهر الاول، ويقتصر الطفل في هذه المرحلة على ردود أفعال قليلة مثل رضاعة الثدي او الغذاء والصراخ، ويكاد يقتصر على تحريك العينين فقط. بينما تجسد المرحلة الثانية بداية تكوين عادات حركية وردود افعال متكررة بدئية، وتبدأ هذه المرحلة من بداية الشهر الثاني الى نهاية الشهر الرابع، يشرع الطفل خلال في تعلم طريقة ربط الاحاسيس والحركات وتكوين خطاطات ذهنية لعادات حركية وردود أفعال، مثل تحريك اليدين وتوجيه الاصبع نحو الفم ليقوم بمصه. وخلال المرحلة الثالثة التي تبدأ من الشهر الخامس وتستمر الى الشهر الثامن، يطور الطفل ردود أفعال جديدة بحيث يصبح الطفل قادرا على ادراك الاشياء التي توجد خارج جسمه، ويستطيع توجيه انتباه حواسه نحو الاشياء الخارجية، ويستمر في تحريك أطرافه بشكل غير قصدي، وتظهر عليه الحيوية وكثرة الحركة التي لا يتحكم فيها. ومع المرحلة الرابعة التي تمتد من بداية الشهر التاسع الى الثاني عشر، يصبح الطفل قادرا على القيام بحركات عن قصد، بحيث يبدأ في التنقل على بطنه ويديه وارجله (يحبو)، ومن الناحية الذهنية يصبح قادرا على تركيب واعادة تأليف خطاطات ذهنية توصله الى هدف محدد، بحيث يقرر الوصول الى الاشياء المحيطة به. ويدرك الوجود المستمر للأشياء رغم اختفائها او اخفائها عنه. فلو أنك اخفيت عنه لعبة تحت غطاء فإنه يدرك أن اللعبة موجودة تحت الغطاء رغم انه لا يستطيع رؤيتها. أما مع المرحلة الخامسة التي تمتد من الشهر الثاني عشر الى الثامن عشر فإن الطفل يتميز برغبته الكبيرة في الاستكشاف ومعرفة الاشياء المحيطة به، بحيث يتملكه الفضول المعرفي تجاه كل شيء جديد، ويحاول استكشاف الاشياء بطرق مختلفة. وخلال المرحلة السادسة والتي تستمر من سنة ونصف الى نهاية سنتين: يكون المستوى الذهني للطفل قد عرفا نموا لابأس به، بحيث يبدأ الطفل في تعلم اللغة وتكوين خطاطات ذهنية قصدية للحركات والادراكات الحسية، إذ لم يعد سلوك الطفل مجرد رد فعل او استجابة، بل أصبح قادرا على القيام بسلوكات ارادية واعية.


المرحلة ما قبل العمليات الذهنية المجردة:


تعلم-الاطفال-و-نمو-العقل
تنطلق هذه المرحلة من بداية السنة الثانية وتستمر الى نهاية السنة السابعة، وترافق لحظة تعلم اللغة والكلام، تتميز هذه المرحلة بنمو القدرات الادراكية والمعرفية للطفل، رغم أن جون بياجي يعتبر أن الطفل لا يستطيع فهم العمليات الذهنية المنطقية الملموسة مثل الرياضيات ولا يقدر على استعمال المعلومات المجردة عقليا في هذه المرحلة. حيث يشرع الطفل في ادراك والتعرف على العالم معتمدا على الكلمات والصور والرموز التي يستخدمها في حياته. وتنمو رغبة الطفل في اللعب ويطور قدرة على توقع الاشياء، رغم أن الطفل لا يستطيع ادراك الاشياء من وجهات نظر مختلفة، وتتميز هذه المرحلة باستخدام تصنيف رمزي للالعاب واستعمال الرموز أثناء اللعب، بحيث يستطيع الطفل استعمال قطع الاوراق كرموز للاشجار، والعلب الكارتونية كرموز للطاولات او البيوت، فتشكل ملاحظتهم للرموز تمثيلا لفكرة الاشياء التي يلعبون بها رغم أن هذه الاشياء غير موجودة أمامهم. صور محجبات - صور اقتباسات - صور عن الاخ - صور بنات 2018 - صور بنات صغار - صور مكتوب عليها لقد استطاع جون بياجي ان يثبت على أن مجموعة من الوظائف النفسية والمعرفية تظهر لدى الاطفال مع بداية مرحلة ماقبل العمليات الذهنية المجردة. فخلال هذه المرحلة تتصف قدرات الاطفال بعدم الانسجام المنطقي، إذ يكون الطفل قادرا على تكوين مفاهيم وتصورات حول أشياء واقعية، كما يستطيع تكوين معتقدات خيالية في نفس الوقت. ولا يستطيع الطفل انجاز عمليات ذهنية، بقدرما يكون قادرا على بعض السلوكات الجسدية. ويظل التفكير مرتكزا على الذات، بحيث لا يقدر الطفل على فهم وجهات نظر الاخرين. وقد قسم جون بياجي هذه المرحلة ماقبل العملية الى قسمين: الاولى تجسد الوظائف الرمزية وتدل على قدرة الطفل على فهم وتجسيد وتذكر ورسم الاشياء في ذهنه دون أن تكون حاضرة أمامه، أما الثانية فتمثل التفكير البديهي او الحدسي حيث يبدأ الطفل في طرح الاسئلة حول كل شيء ويريد معرفة كل ما يحيط به.


مرحلة العمليات الادراكية الملموسة:

يطور الطفل خلال هذه الفترة عمليات ادراكية ويبدأ في تطبيق طرق تفكير مختلفة على الاحداث التي يصادفها. وتمتد هذه المرحلة من السنة السابعة الى الحادي عشرة، ويصبح الطفل قادرا على تصنيف وتنظيم الصور الذهنية والرموز ضمن افكار منطقية، ويكون قادرا على القيام بسلوكات وبعكسها، بحيث يمتلك القدرة على التفكير المنطقي المرتبط بالادراك الحسي والاستخدام الجسدي. وتتطور مهاراته في مجال التصنيف.


مرحلة العمليات الصورية المجردة:


تمتد من سن الحادي عشرة الى سن السادسة عشر، تتميز هذه المرحلة من النمو العقلي للطفل بنمو القدرة على التفكير المجرد، بحيث يستطيع الاطفال تطوير طرق مختلفة للتفكير المجرد ويستطيع القيام بتفكير منطقي بكل سهولة، كما يستطيع التفكير في معارفه وفي طرق التفكير، او استخدام القدرات فوق المعرفية metacognition، ويوظف قدراته ومهاراته في حل المشاكل والقضايا المعرفية وفق مناهج منطقية وخطوات منظمة. وتوافق مرحلة العمليات الذهنية الصورية لحظة قدرة الطفل على التفكير في المفاهيم المجردة والاحداث الافتراضية، ويصبح الطفل او المراهق في هذه المرحلة قادرا على فهم واستيعاب دوافع سلوكات الناس الاخرين وفهم تصرفاتهم. وفي نفس الوقت ينشغل المراهق بتكوين تصورات خيالية حول ذاته والرغبة في اثبات الذات وايجاد معجبين، وتقليد الاخرين من النجوم والابطال. وتعتبر هذه المرحلة مهمة جدا في تكوين شخصية الطفل/المراهق، بحيث يكون حساس جدا من تصرفات الاخرين ونظرتهم وانتقادهم له. ويسعى الى اظهار اختلافه وتميزه على الاخرين، بحيث يجلب انتباه الاخرين له. لكنه لا يقدر خطورة وعواقب تصرفاته.

واجمالا تشكل مراحل النمو العقلي عند الطفل لحظة أساسية يعد فهمها أمرا ضروريا لحسن توجيه الاطفال وتعليمهم واختيار الطرق المناسبة في تربيتهم. ولازالت ابحاث علم النفس وعلوم التربية تشتغل في اطار كشف مزيد من المعارف والحقائق حول مستويات الادراك عند الاطفال وتحديد قدراتهم العقلية.