عند ضفة حزني

وَاجِــمًا فِــي الْــمَدَى وُجُــومَ الْأَصِيلِ
شَــيَّــعَ الــشَّــمْسَ خَــلْفَ خَــدٍّ أَسِــيلِ
ذَابِـــلَ الــطَّــرْفِ بِــابْــتِسَامَةِ وَجْـــدٍ
يَــمْسَحُ الــدَّمْعَ عَــنْ عُــيُونِ الــرَّحِيلِ
لَــمْ يَــكُنْ يَــدْرِي أَنَّ نَــزْفِي وَعَــزْفِي
سَـــادِرُ الــدَّفْــقِ سَــرْمَــدِيُّ الْــهَــدِيلِ
هُــــوَ قَــلْــبٌ شَــجَــاهُ حُــلْــمٌ قَــدِيــمٌ
يَــتَــرَاءَى فِـــي خَــاطِرِي كَــالطُّلُولِ
ظَــنَّ فِــي النَّجْوَى رِحْلَةً فِي ابْتِهَالَاتِ
حَـــــنَـــانٍ مُـــــؤَرَّج الــتَّــرْتِــيــلِ
فَـــدَرَى أَنَّ فِـــي الْــبَــرَاءَةِ بَــلْــوَى
كُــــلِّ عِــــشْــقٍ يَــعِــيشُ بَــالــتَّأْمِيلِ
هَـــزَّ جِـــذْعَ الْــفُؤَادِ سَــوْرَةَ شَــوقٍ
يَــمْــتَرِي الــذُّلَّ مِــنْ شُــمُوخِ الــنَّخِيلِ
لَــيْسَ فِــي الــدَّأْبِ مِنْ شَرَابٍ لِعَطْشَى
يَــتْــبَــعُونَ الــــسَّــرَابَ بَــالــتَّــسْوِيلِ
لَــيْــسَ إِلَّا صَــمْــتُ الْــمُــحَدِّقِ لَــمَّــا
لَــمْ يَــعُدْ فِــي الْــعِتَابِ مَعْنَى الرَّسُولِ
كَــيْــفَ أَتْــلُــو عَــلَــيْكِ آيَـــةَ لَــهْــفِي
حِــينَ بَــاتَ الْإِيَــاسُ مَــنْ يُــوحِي لِي
لَا تُــرَاعِــي فَــلَــيْسَ فِــي الــدَّوحِ إِلَّا
يَــاسَــمِــينٌ مِــــنَ الْــغَــرَامِ الــنَّــبِيلِ
طَــيْفُكِ الــخَصْبُ يَــمْلَاُ الكَوْنَ عِطْرًا
عَــابِــقًا مِـــنْ حَــنِينِ حَــقْلِي وَغِــيلِي
مُــشْــرِقًا كَــالــصَّبَاحِ فِــي يَــوْمِ عِــيدٍ
حَــالِــمًــا كَــالــمَــسَاءِ فِـــي أَيْــلُــولِ
آهِ يَـــا بَــهْــجَةَ الــفُــؤَادِ لَــقَــدْ حَـــجَّ
وَتِــــيــنِــي وَطَــــافَ كَــالــمَــخْبُولِ
آهِ مِـــنْ رَجْــفَــةِ الــشَّغُوفِ الــمُعَنَّى
وَاحْـــتِـــرَاقِ الــمُــسَــهَّدِ الــمَــتْــبُولِ
كُــلَّمَا حِــرْتُ تَــمْتَطِي الــرُّوحُ مِــنِّي
مِــنْ لَــظَى الــشَّوْقِ صَهْوَةَ المُسْتَحِيلِ
فَــتُــنَاغِي بِــالــطُّهْرِ دَهْــشَــةَ ذَاتِـــي
مِــنْ شَــذَا الــحُبِّ وَالــمَعَانِي الــبَتُولِ
وَتُــنَــاجِي فِـــي هَـــدْأَةِ الــلَيْلِ بَــدْرًا
مِــنْ حَــدِيْثٍ رَوَاهُ صَــمْتُ الــفُضُولِ
عَـــذْبَـــةٌ أَنْـــــتِ لا أَخَــــالُــكِ إِلا
زَفْـــرَةَ الــمِسْكِ فِــي الــنَّسِيمِ الــعَلِيلِ
وَرَحِــيــقًا يَــغْــشَى الــنُّفُوْسَ فَــيَرْوِي
مِـــنْ جَــنَــاهُ الــمُــعِلِّ حَـــرَّ الــغَلِيلِ
وَاحْــتِــدَامًا أَلَـــذُّ مِـــنْ خَــفَــرِ الــعَذْ
رَاءِ فِـــي الــحِــضْنِ لَــحْظَةَ الــتَّقْبِيلِ
أَيُّــــهَــا الــنَّــاعِــسُ الــجُــفُــونِ دَلالا
فَــاقَــتِ الــنَّــفْسُ مِــنْكِ حَــدَّ الــذُّهُولِ
جِــئْــتِنِي بِــالــحُلْمِ الــمُــضَمَّخِ ذَوْقًـــا
بَــعْــدَ يَـــأْسٍ مِـــنِ انْــتِــظَارٍ مَــلُولِ
جِــئْــتِنِي فَــاسْــتَحَالَ فَــجْرِي ضِــيَاءً
مِـــنْ جَــبِــينِ الــزُّمُــرُّدِ الــمَــصْقُولِ
الــهَــوَى بَــاتَ هَــانِئًا فِــي ضُــلُوعِي
يَــتَــهَادَى بِــنَــبْضِ قَــلْــبِي الــطُّفُولِي
كَــفَرَاشٍ فِــي رَوْضَــةِ الــحُبِّ يَــلْهُو
وَعَــصَــافِيرَ فِـــي جَــمِيعِ الــفُصُولِ
يَــا لَــهَا مِــنْ صَــبَابَةٍ تَحْبِسُ الْأَنْفَاسَ
فِـــي عُــجْــمَةِ الْــفَــصِيحِ الــخَــجُولِ
فَــلِــمَــاذَا الْــعُــيُــونُ تَــنْــثُرُ شَــوْكًــا
فِـــي أَنِــيــنٍ يَــهُــبُّ مِــنْ كُــلِّ مِــيلِ
وَلِــمَــاذَا الــسَّحَابُ يَــسْتَبْدِلُ الــصَّابَ
وَقَـــدْ جَـــابَ الْــغَــابَ بَــالــسَّلْسَبِيلِ
لَــيْــسَ مِــثْلُ الــدُّجَى مَــرَارًا لِــدَرْبٍ
حِــــيــنَ يَــشْــكُــو تَــثَــاقُلَ الْــقِــنْدِيلِ
غُــرْبَــتِي أَرْهَــفَــتْ فُــؤُادِي وَأَوْهَــتْ
بِــالأَسَــى خُــطْوَتِي، وَأَعْــيَتْ دَلِــيلِي
حَــيْــثُ لا زِلْـــتُ فِــي بَــرَاثِنِ وَجْــدٍ
بَــــيْــنَ إِنْــكَــارِ وَاقِــعِــي وَالــقُــبُولِ
أَنَــا ذَاكَ الــصُّوفِيُّ فِــي نُــسْكِ مَعْنَى
أَلَّـــفَ الــسَّــمْتَ بَــيْنَ فِــعْلِي وَقِــيلِي
سِــرْتُ عُــمْرِي بَــيْنَ الــوُجُوهِ غَرِيبًا
لَــمْ أَعِــشْ جِــيلَهُمْ وَلا عِــشْتُ جِــيلِي
فَــــكَــأَنَّ الــــزَّمَــانَ لَــيْــسَ زَمَــانِــي
وَكَـــأَنَّ الــخُــيُولَ لَــيْــسَتْ خُــيُــولِي
أَحْــــمِــلُ الــهَــمَّ لا أَضِـــنُّ بِــجُــهْدٍ
فِـــي زَمَـــانٍ أَجَـــلَّ كَــفَّ الــبَّخِيلِ
وَعَــلَــى الــسَّفْحِ عِــنْدَ ضَــفَّةِ حُــزْنِي
يَــجْــرَحُ الــرُّوحَ لَــمْزُ غَــالٍ وَغُــولِ
يُــهْــتَــكُ الــعَــهْدُ فِـــي مَــوَاسِــمِ وَأْدٍ
وَتُـــدَاسُ الــزُّهُــورُ فَـــوْقَ الــسُّهُولِ
إِنَّ دَهْــــرًا يُــــجِــلُّ قَـــدْرَ مَــهِــينٍ
هُـــوَ دَهْـــرٌ يُــهِــينُ قَـــدْرَ جَــلِــيلِ
مَـــا الَّـــذِي يَــمْــلَأُ الْــقَصَائِدَ وَهْــمًا
كَــالَّــذِي يُــمْــلِي سِــفْــرَ هَـــمٍّ ثَــقِيلِ
قَـــدَرِي أَنْ أَلُـــوكَ مُـــرَّ شُــجُــونِي
مِــنْ صُــرُوفِ الــحَيْاةِ لا مِنْ عَذُولِي
حِــينَ عَــمَّ الْــبَلَاءُ فِــي الْــقَوْمِ حَــتَّى
بَـــاتَ رَمْـــزُ الْإِخَـــاءِ فِــي قَــابِيلِ
حِــينَ أَصْــغَى الْعُقَابُ فِي سِرْبِ نَعْقٍ
لِــــغُــرَابٍ يَــسِــيرُ فِـــي الْــمَــجْهُولِ
حِــيــنَ يَــغْشَى شِــعَابَ مَــكَّةَ خَــوْفٌ
وَيَـــلُـــوذُ الْأَمَـــــانُ بِــاسْــطَــنْبُولِ
حِــينَ صَــارَتْ رُؤَى الــتَّطَرُّفِ رَهْنًا
بِــهَــوَى فِـــي الــتَّــبْرِيرِ وَالــتَّــأْوِيلِ
حِــيــنَ تَــشْكُو دِمَــشْقُ وَالْــقُدْسُ مِــنْ
ضَــيْــمٍ وَمِــنْ تَــرْحِيلٍ وَمِــنْ تَــقْتِيلِ
حِــينَ يَــعْدُو الْــحِصَارُ فِي شِعْبِ أَهْلٍ
غَــــيْــظَ طُــــهْــرٍ ذَرِيــعَــةَ الــتَّــنْكِيلِ
حِــينَ يَــغْدُو الْــخَلِيجُ ضَــرْعًا وَدِرْعًا
لِـــلأَعَـــادِي وَضَــــرَّةً لِــلْــعُــدُولِ
حِــينَ فُــحْشِ الْــفَسَادِ أَغْــوَى ضَمِيرًا
يَــمْــزُجُ الْــوَحْــلَ فِــي فُــرَاتٍ وَنِــيلِ
حِــيــنَ تَــغْــفُو الــشُّــعُوبُ أُمَّــةَ لَــهْوٍ
وَافْــــتِــتَــانٍ بِــالــرَّكْــلِ وَالــتَّــمْــثِيلِ
إِنَّــنِــي كَــالْــفَتِيلِ خَــلْــفَ هُــمُــومِي
أَتَــــلَــظَّــى بِــــحُــرْقَــةِ الْــمَــسْــؤُولِ
وَفُـــؤَادِي عَــلَــى الــرَّجَــاءِ يُــنَــادِي
أَنْ قَــلِــيــلُ الْــعَــطَاءِ غَــيْــرُ قَــلِــيلِ
تِــلْــكَ أُخْـــرَى لِــمُــهْجَةٍ بِــكِ تَــحْيَا
أَرْهَــقَــتْــهَــا الــسِّــنِــينُ بِــالــتَّــخْذِيلِ
وَإِذَا الــحُّــبُّ لَـــمْ يُــبِــنْ عَــنْ وَفَــاءٍ
كَـــانَ كَــالــرَّوْضِ مُــؤْذِنًــا بِــالذُّبُولِ
لَــسْــتُ أَدْرِي أَيَّـــانَ بَــعْدَكِ أَمْــضِي
فَــلَــقَــدْ كُــــنْــتِ نَــجْــمَتِي وَسَــبِــيلِي
وَمَــــعِــي مِــنْــكِ أَبْــجَــدِيَّةُ ذِكْـــرَى
تُــلْــهمُ الْــمُــعْصِرَات فِـــي الْــمَنْدِيلِ
مَـــا أَرَى إِلا فِــيــكِ بَــلْــسَمَ رُوحِــي
وَسِــرَاجِــي وَدِفْءَ طَــرْفِــي الْــكَلِيلِ
وَإِلَــــيْــكِ الْــهَــوَى تَــنَــاهَى وَلَــكِــنْ
لَيْسَ يَرْضَى فِي الْوَصْلِ شَطْرَ الْحُلُولِ
وَالْــهَــوَى مُــضْــغَةُ الْــجُــنُونِ الَّــذِي
يَــــكْــفُــرُ بِــالْــمَــنْطِقِيِّ وَالْــمَــعْــقُولِ
فَــاعْــذُرِيــنِي إِذَا كَــــفَــرْتُ بِــعِــشْقٍ
يُــعْشِبُ الْــبَوْحَ مِــنْ دُمُــوعِ الْأُفُــولِ
وَامْــرَحِي كَــيْفَ شِــئْتِ بِــنْتَ خَــيَالٍ
لَا يَــرَى فِــي الــوَرَى لَــهَا مِنْ مَثِيلِ
وَاسْــتَــرِيحِي عَــلَــى نــمَارِقِ غَــيْبٍ
يَــقْتَفِي الــشَّيْبَ فِــي نَــوَاصِي النُّحُولِ
أَوْ تَــعَــالِي بِــكُــلِّ مَـــا بِـــكِ لَــحْنًا
يَــتَــغَــنَّــى بِــحُــلْــمِــنَا الْــمَــعْــسُولِ
مُــنْــعِشَ الــنَّفْسِ، مُــزْهِرًا بِــالأَمَانِي
سَــاحِــرًا فَـــوْقَ سِــحْرِ كُــلِّ جَــمِيلِ
أَقْــبِــلِي بِــالــسُّرُورِ مِـــنْ كُـــلِّ فَــجٍّ
عَــبْــقَرِيٍّ فَــالْــعُمْرُ غَــيْــرُ طَــوِيــلِ