تقريظ كاتب وكتاب
للأستاذ معمر رمضان خلة
8 / 7 / 2018م
في بدايات الألفية الثالثة تقريبًا وفي مدرسة الفاخورة "ب" ابن رشد الابتدائية "ب" سابقا عملت تحت ظل إدارته المدرسية، ورغم أن علاقتنا كان يشوبها أحيانا بعضٌ من التوتر فيما يخص العمل المدرسي والإداري، إلا أني كنت أكن له كل تقدير واحترام من نوع خاص وفريد، كون أن تركيبة شخصيته من جوانبها المتعددة تجبرك أن تحترم هذا الرجل، وتستوقفك انبهارًا وإعجابًا، رغم أي خلاف قد يطرأ على هذه العلاقة. فشخصيته تجمع ما بين العلم والأدب ودماثة الأخلاق وحسن المعاملة وطيبة القلب وصفاء النفس من الأحقاد. أذكر أني في إحدى المواقف كنت قد ارتكبت مخالفة ادارية على أثرها نشب خلاف بيننا، وكان هو على حق وأنا على باطل، ولا أنكر أني كنت مشاغبًا بعض الأحيان، أثير بعض المشاكل الناتجة عن قلة الخبرة . فما كان من ردة فعله تجاهي إلا حسن التصرف، وسمو الخلق من الصفح والتسامح. وظهرت طيبته وعلو أخلاقه عندما أنصفني في التقييم النهائي.
وصدفةً قبل يومين تقريبًا، وبينما أنا أتصفح صفحتي على الفيس وإذ برسالة تصلني منه بواسطة الماسينجر، يطلب مني أن أبدي رأيي بمجموعة من أعماله الأدبية التي ينوي نشرها مذيلاً بملاحظة أنه معجب بكتاباتي ويهمه أن أقول رأيي .
لقد فاجأني طلبه، ولولا أنني أعرف مكنونات شخصيته الطيبة والخيرة، لقلت أنه يستهزئ بي أو يسخر مني. كيف لي أن أعلق على أعماله الأدبية وهو الأستاذ والمربي والمعلم والناظر والمشرف والكاتب والخبير التربوي. لا أنكر- ولعله يتفاجأ حين يقرأ ذلك- أني كنت أرواغ تارة، وأتهرب تارة أخرى. وقد وضعته تحت اختبار عندما أخبرته أني سأنتقد مجموعتك الأدبية وسأعيد صياغة بعض نصوصها لنتناقش حولها. والغريب أنه أبدى موافقته واستعداده لتقبل رأيي مهما كان واستعد أن يأخذ به. هذا إن دل إنما يدل على تواضعٍ ودماثة خلقٍ وثقةٍ بالنفس.
لعلكم تتساءلون عمن أتحدث؟ إنه الأب والزميل والصديق والأستاذ والمعلم والمربي والناظر والمشرف والخبير التربوي والكاتب الأستاذ عطية محمد العمري أبا محمد حفظه الله ورعاه....
أستاذي الكاتب الفاضل أبا محمد كيف لي أن أحلل أعمالك الأدبية وأنا التلميذ وأنت المعلم، وأنا القارئ وأنت الكاتب الضليع باللغة والبلاغة والأدب، فمجموعة أعمالك " خلجات قلب " تعتبر نمطًا فنيًا لا يمكن أن نقارنه مع أي نمط أدبي آخر، رغم أن هذا الفن الذي يحتوي على الخواطر والمذكرات واليوميات القصصية غير منتشرٍ كثيرًا عند الكُتّاب، خاصة في عصرنا الحالي المليء بالهموم والضغوط النفسية والحياتية، حيث نادرًا ما نجد من يهتم في كتابة مثل هذا النمط الفني. أود أن أقول أن كل من يتناول مثل هذا النوع من الفن الأدبي في ظل هذا الواقع الضاغط، والناس فيه مشغولة بالبحث عن منافعهم الشخصية، لا بد أن يكون إنسانًا أولاً، وإنسانًا مبدعًا ثانيًا، يحفظ بين خلجاته العلم والأدب والأخلاق ورفعة الشخصية ورقة القلب وطيب النفس . لأن من ينحني جانبًا و ينكب على تدوين يومياته مسجلاً فيها كل ما يشعر به و يؤثر عليه ويراه مهمًا من أحداث ومواقف يومية لينفع به الناس ويفيدهم من تجاربه الشخصية الواقعية الصادقة، ما هو إلا إنسان بكل ما تحتويه الكلمة من معنى، قلَّ في هذا الزمان لأنه قد جمع ما بين الانتماء الصادق لإنسانيته وبين ابداعه الفني والأدبي في ايصال رسالته السامية .
فخلجات قلب تعبر عن تجربة شخصية يرسم فيها الأحداث التي يعيشها والتي عايشها فيما مضى. وهي أيضا عبارة عن كتابات دوَّن فيها الأحداث التي تركت أثرًا ما في نفسه أو في محيطه؛ لذا فهي عبارة عن سيرة ذاتية يومية . حيث يستذكر فيها أحيانًا ماضيه، ومن ثم يكتب ما فيها من أحداث مؤثرة مثل المشاكل والصراعات الأسرية والمجتمعية في مواقف مؤثرة، أو حتى من خلال التقائه بشخصيات كثيرة أو مراحل مهمة من حياته أو حياة المجتمع الفلسطيني الذي ينتمي إليه.
ومصدره الأساسي في كتابة نصوصه هي أفكاره الشخصية وما يعيشه شخصيًا من أحداث، فهو في هذا العمل يجبرنا على أن نتعايش مع واقعه ونشاركه عواطفه ومواقفه الشخصية فنفرح لفرحه ونحزن لحزنه ونغضب لغضبه، وفي نفس الوقت نشعر أنه يكتب عن فرحنا وغضبنا وحزننا وسرورنا وآلامنا وأشواقنا وانكساراتنا ونجاحاتنا وأملنا و يأسنا، وأحيانا تشعر أنه يكتب ما نخشى قوله لأسباب شخصية.
وعند قراءة نصوص خلجات قلب تستغرب من جرأة وأمانة وصدق وشجاعة الكاتب حيث أنه يتناول خصوصياته الذاتية وعالمه الداخلي الخاص وحافظ أسراره لذا تشعرك أثناء القراءة أنها مصدر للراحة والتنفيس عن الذات.
أما الجانب الأدبي و الصيغة الفنية في هذا العمل فهي تعتمد على المباشرة والحميمية واختيار أبسط الكلمات وأصدق الجمل. والصراحة و الصدق ركنان أساسيان من أركان هذا العمل. فهو صادر من القلب، وما يصدر من القلب يصل بسهولة إلى القلوب الأخرى. كذلك من ناحية الشخصيات التي يتناولها تجده يخاطب شخصيات حقيقية واقعية .
كما أننا نجد في هذا العمل أنه يجمع ما بين القصص والخواطر والرسائل والمذكرات التي تركز على أمور خاصة كثيرة. مما يجعلها تحقق التقارب والمتعة والفائدة. حيث يتيح لنا هذا العمل أن نقترب من الكاتب ونقترب من عالمه وفكره وحقيقته. وكذلك فهي تخلق لدى القارئ تعاطفًا مع الكاتب و تفهُّم وجهات نظره المطابقة للمنطق والواقع، حيث استطاع الكاتب بمهارة أن يجعل القارئ يضع نفسه محل الكاتب ويتنفس بدلاً عنه.
وحقق الكاتب المتعة من خلال عرضه لبعض الحوادث والمواقف النادرة بأسلوب مشوق تمكن القارئ من أن يعيش اللحظة التي عاشها الكاتب . كما أن الترقب والتشويق هما أهم عنصران في هذا العمل، والمصداقية والتوازن في عرض الأحداث بحيث يستطيع القارئ تكوين فكرة تامة عن توجه وشخصية الكاتب من خلال معايشته للأحداث.
كما وتتحقق الفائدة أيضا من خلال عرض مواقف وتجارب الكاتب وقدرته في معالجتها والنهوض مجددًا إثر كل مشكلة، ويستشعر القارئ عدم الاستعلاء في إظهار بعض العثرات أو الأفراح والأحزان. هذا بخلاف أن القارئ يستفيد من تجارب الكاتب ويستخلص من سيرته التجارب والعبر التي تضمن له نضالاً أقوى في الحياة من خلال الدروس التي يستخلصها من أحداث حياته. حيث يعلمنا الجرأة في ذكر أخطائنا دون خوف و أن نكون جريئين في ذكر مواضع الخلل النابعة من أنفسنا.
وأخيرا وبدون أي مجاملة إن هذا العمل واسع وكبير جدًا ويتطلب منا التعمق فيه أكثر، ولربما أكثر وسيلة مفيدة في التعمق فيه هو قراءته بروية وتمهل .
أنا أعتقد أن كتابة هذا الفن يحتاج إلى جرأة وصدق، وتناول هذا الفن من الكتابة أمر رائع وخطير لأنه يعتبر الكنز الذي سيخلد أفكار الكاتب ومواقفه ومشاعره...
ابنك وتلميذك وزميلك وصديقك المخلص الوفي ...
معمر رمضان خلة..