أحدث المشاركات

نظرات في رِسَالَةٌ فِي الصُّوفِيَّةِ وَالْفُقَرَاءِ» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» برق الخاطر ... قسم جديد لأعضاء واحة الخير» بقلم د. سمير العمري » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» الثعبان الأقرع يداهمني في المنام بقلمي» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» بعض الحزن موت وبعضه ميلاد.» بقلم ناديه محمد الجابي » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» الغاية لا تبرر الوسيلة» بقلم جلال دشيشة » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» أمات العربُ؟» بقلم غلام الله بن صالح » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» غار النصر في غزة» بقلم احمد المعطي » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» رواية قنابل الثقوب السوداء .. مسلسلة. التالي» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» الموشحات الكشكية 1'2'3» بقلم محمد محمد أبو كشك » آخر مشاركة: محمد محمد أبو كشك »»»»» في شارع واحد» بقلم عبدالحليم الطيطي » آخر مشاركة: عبدالحليم الطيطي »»»»»

النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: كوني لي كأمّ فهرٍ لأبي فهر!

  1. #1
    الصورة الرمزية بهجت عبدالغني مشرف أقسام الفكر
    أديب ومفكر

    تاريخ التسجيل : Apr 2008
    الدولة : هنا .. معكم ..
    المشاركات : 5,141
    المواضيع : 253
    الردود : 5141
    المعدل اليومي : 0.88

    افتراضي كوني لي كأمّ فهرٍ لأبي فهر!

    كوني لي كأمّ فهرٍ لأبي فهر!

    قالت: وما ذاك؟
    قلت: ألا تعرفين خبرهما؟
    قالت: سمعت عن مجنون ليلى، ودعائه:
    يا رب لا تسْلُبَنِّي حُبَّها أبداً ...... وَيَرْحَمُ اللّه عَبْداً قالَ آمينا
    وأعرف روميو وجولييت اللّذين...
    فقاطعتها قائلاً: ما لنا ولهؤلاء.. أترين مجنوناً هذا لو تزوّج ليلاه لأقام على حبّه ذاك حيّاً أملدَا أبداً، أم تراهما في خصام الحياة بعد الأيام الأُولِ من شهر العسل؟ ولو أن روميو تزوج جولييتها هذه لخانها بعد مدّة مع خليلةٍ أو عشيقةٍ كعادة قومه!
    فدعينا من أولئك، وهلّمي بنا إلى نبعٍ ثرٍّ، صافٍ ماؤه، عذبٍ مورده، قد أجراه الله تعالى في زماننا هذا لحكمة وغاية..
    قالت: شوّقتني!
    قلت: وقصتهما أشوق.. فقد كان شيخنا أبو فهر واسمه محمود محمد شاكر، رجلاً قلّ في هذا الزمان مثالهُ، وعزّ قِرنه، وندرت أمثاله..
    ومن ذا الذي يسعى ليصبح مثله ...... وقد قلّ في هذا الزمان مثاله

    قد فطرهُ ربّه على مثال الجيل الأول من المسلمين، عربيٌّ معتدٌّ بعربيته، كريم المحتِد، شريف النفس، رفيع القدر، بعيد الهمّ عالي الهمّة، حازم الرأي وذكي الخاطر.. مِثجٌّ يسيل غرْباً!
    قلبٌ نابض بحبّ أمته وتحقيق آمالها، واعٍ لتاريخها ولغتها وآدابها وثقافتها، وحارسٌ أمين يحرسها من الثعالب إن نامت نواطيرها.. آلى على نفسه أن يصدح بالحق في زمن وصفه هو بأنه (حياة أدبية فاسدة)، فدافع عن العربية والقرآن العظيم دفاع المستميت، وتدرّعٌ بالصبر، فلم يقلقه مرّ، ولم يزعجه ضرّ، وقد جعل من الإيمان بالله تعالى والتسليم لقضائه وقدره عدّته وعتاده.. وفي ذلك يقول: (يَصنَعُ الله، يَصنَعُ الله، إن لله تدبيراً يصرّفنا به كيف شاء إلى مواقع علمه ومنازل حكمته. وأنا مذ كنت، كنت مطيّة القدر حيثما وجّهني استقبلت المضيقَ والطريقَ بنَفس مسلمةٍ وجهَها لله، بأنّ الزمّامَ في يد الله).
    وكان رحمه الله مع جدّه وانشغاله حسن المعشر، ظريفاً، لطيفَ الروح، صاحبُ طرفة، يرسلها من بديهة حاضرة..

    قالت: هذا أبو فهر.. فما شأنُ أمّ فهر؟
    قلت: فاسمعي إن شئت أن تسمعي خبراً عجباً، فليس كهذا الخبر يطرق سمعكِ كلّ يوم..
    عرفَ شيخنا أم فهر واسمها نعيمة الكفراوي وهي طفلة صغيرة، اضطرتها ظروفٌ خاصة بأسرتها إلى أن تعيش مع أسرة شيخنا شاكر، فتولاها برعايته، حتى أصبحت شابّة مثقفة متعلمة، وكانت هي ترعاه وتقوم على شؤونه قبل زواجه بها، فأعجب شيخنا بدماثة خلقها وحيائها، وكان كلّما جاء أحدٌ لخطبتها اشتدّ عليه فقدها، حتى ظنّ أنه لن يحيا بفقدها أبداً !
    فاقترح أحدهم عليه الزواج بها.. فكان ذلك.. وكانت نِعمَ الزوجة الأمينة المشرّفة..
    وكانت أمّ فهر تعرف طبع الشيخ وسجيّته، تلبي حاجته قبل أن يبوح بها أو ينطق، بل امتدت رعايتها إلى تلاميذ زوجه، تسأل عنهم وتتفقد أحوالهم وتُحسن إليهم إحسان الأم إلى أبنائها، كبيرهم وصغيرهم، قديمهم وجديدهم، وإذا ما غاب أحدهم وجاء من له صلةٌ به سألت عنه، وتفقدت حاله، وسعت في إصلاح حاله إذا كان من ذوي الحاجة.
    حتى وصل الأمر ببرّها لزوجها أنها كانت تسأل من يطرق بيتها جديداً: هل عندك كتاب كذا من كتب الأستاذ؟
    فإذا لم يكن لديه الكتاب اتصلت بمكتبة الخانجي، وطلبت منهم توفير بعض النسخ، إن لم يكن في البيت نسخ من الكتاب!
    وكانت تستقبل الضيوف الكُثر بنفسها دون مللٍ أو كللٍ، حتى بعد ممات زوجها.. وهي التي اقترحت على شيخنا أن تفتح بيته يوم الجمعة للطعام..
    ولئن قال الخزيمي:
    أُضاحِـكُ ضَيْفِي قَبْلَ إِنْزالِ رَحْلِـهِ ...... ويُخْصِبُ عِنْدِي والمَحَلُّ جَدِيب
    وما الخِصْبُ للأَضْيافِ أَن يَكْثُرَ القِرى ...... ولكنِّما وَجْهُ الكَريم خَصِيـبُ

    فما بالك بمن وجهه ومحله وقِراه وافرٌ خصبٌ كريم؟
    فضيوف الشيخ قد يصلون إلى المائة، وكلٌّ له ذوقه ومذهبه في الطعام والشّاي والقهوة، فتراعي أم فهر ذلك كله، وقد يكون أحدهم مريضاً لا يأكل إلا في وقت معين فيوضع له الطعام في وقته، وقد يأتي الضيف ليلاً من سفر فيجد الباب مفتوحاً للضيافة والكرم..
    بل والعجيب أنها كانت تعلم الأطعمة التي يحبها فلان من أصحاب زوجها، فإذا علمت بزيارته صنعتها له دون طلب!
    وكانت تقوم بالزيارات وما يحتاجه الأطفال من لعبٍ وتنزّه، لكي يتفرّغ زوجها للعلم والدرس، مما يؤكد سعة صدرها، وكمال حلمها، وعلو عقلها، وإيمانها برسالة زوجها في الحياة.
    قالت وقد اعتدلت في جلستها: إنني مصغ..
    أكملت: وقد احتملت ظروف زوجها، وتحمّلت الوحدة مع وليدها سنوات سجني شيخنا، فقد سُجن مرتين، مرّة تسعة أشهر، ومرّة سنتين وأربعة أشهر، ظلماً وعدواناً، لأنه كان ينطق بالحق ويدعو إليه، وخرج من السّجن مريضاً متعباً، فصبرت معه وواسته..
    وعلى مدى زواجٍ امتدّ أكثر من أربعين سنة لم تغاضبه أو تحدث في نفسه كدراً أبداً..
    يتحدث عنها أبو فهر معترفاً بفضلها وإحسانها، فيقول: "فهي رعتني قبل أن تكون زوجتي، وأكرمتني وحفظتني ـ وانفجر باكياً ـ وأكثر من ذلك أنها تحملتني، أكثر الله من خيرها ومن أمثالها، تحمّلت الوحدة مع وليدها سنوات سجني مرتين، وتحملتني خارجاً منه مريضاً نافذ الصبر ـ ثم تبسّم من بين غمام بكائه ـ وهي صاحبة الفضل عليكم جميعاً".
    ويمرض شيخنا مرضه الذي مات فيه، فتجلس أم فهر شهوراً.. بليلها ونهارها.. ملازمةً له لا تنصرف عنه، ترعاه وتمسح عنه آلام المرض وكدّ السنين، وتستقبل العائدين، لا تكاد تنام إلا لماماً، شأنها معه في كلّ وعكاته وأوصابه السّابقة، حتى غادر شيخنا الدنيا سنة 1997.
    وكان فضلها على شيخنا ممتدٌّ في غيبته وحضوره..
    وقد رفضت بيع مكتبة زوجها، وفاءً له، وقطعت على نفسها عهداً بالحفاظ عليها ما دامت حيّة، رغم الإغراء المادي الذي عرض عليها للبيع.. ففيها روح أبي فهر ونفسه وعظمته!
    لقد كانت السّلك الذي انتظمت به حبّات عقد مكتبة الأستاذ بعد وفاته، فحافظت عليها من الضياع، حيث ضربت عليها سياجاً من الحزم أن تمتد إليها كل يد أو تعبث بها كل عين.
    يقول صديقي الأستاذ أحمد صبري: "رأيتها في زيارتي لبيت العلامة شاكر.. كانت هادئة ساكنة بشوشة.. ابتسامتها لا تغادر وجهها.. ولها إطراقة وتأمل.. سلّمت علينا بصوت هادئ وابتسامة دافئة..
    كان يوماً حافلاً.. رأينا فيه من صنوف الكرم وطيب الخلق وحسن الضيافة ما يضيق بوصفه الأسفار!
    ومما لاحظته ولاحظه غيري أنها كانت تنظر صوب المكتبة، فإذا التقف أحد الحضور كتاباً، تظلّ تتابعه، وكأنها الحارس الأمين..
    تراها.. فيخيّل إليك أن العلامة شاكر في البيت لم يمت!
    لقد كانت حاضنة علم شاكر وحافظة تراثه..".

    رحلت أمّ فهر عن دنيانا الزائلة سنة 2016 م فودّعت بالرحمات والثناء الحسن..

    أبـا فهْرٍ إليْكمْ أمَّ فِهْـرٍ
    "إليَّ إليَّ بالقَلْبِ السَّلِيـمِ"
    فأيُّ مَقَالِكمْ عَنْدَ التَّلاقِيْ؟
    "إليَّ إليَّ بالحِضْنِ الرَّحِيمِ"
    سلامُ اللهِ، مَوْعِدُنا جِنَانٌ
    "إليَّ إليَّ بالدِّيـنِ القَوِيمِ"
    نودِّعُكُمْ بحزْنٍ أمَّ فهـرٍ
    حياةٌ في مماتٍ كالعَدِيمِ !


    قالت: عجيب !



    ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
    مصادر:
    ـ ظلّ النديم، وجدان العلي، مركز تفكر للدراسات والبحوث، ط1، 2015.
    ـ محمود محمد شاكر "قصة قلم"، عايدة الشريف، دار الهلال، 1997.
    ـ منشور الأستاذ أحمد صبري على صفحته في الفيسبوك حول زيارته بيت الأستاذ محمود شاكر.
    ـ يوم تهطال الشحون "‏وداعاً أم فهر‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬"، رضا راشد، منشور على صفحته في الفيسبوك.
    ـ الأبيات الأخيرة من قصيدة: "إليَّ إليَّ بالقلب السليم" في رثاء أم فهر، للأستاذ يوسف السناري.


    لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير

  2. #2
    مشرف قسم القصة
    مشرف قسم الشعر
    شاعر

    تاريخ التسجيل : May 2011
    المشاركات : 7,009
    المواضيع : 130
    الردود : 7009
    المعدل اليومي : 1.50

    افتراضي

    ما شاء الله ..
    وهي قصة مما يزخر به تاريخنا المعاصر من قصص الوفاء للزوج في حياته وبعد مماته ..
    رحم الله العلامة محمود شاكر أبا فهر .. ورحم زوجته المخلصة .
    ونحن أحوج لمثل هذه السِّيَـر .

    أسلوب جميل أديبنا ، وعرض ترك أثراً في النفس طيبا .
    تحياتي .
    وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن

  3. #3
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,035
    المواضيع : 310
    الردود : 21035
    المعدل اليومي : 4.96

    افتراضي

    قصة رائعة لحب حقيقي ـ رحم الله العلامة أبا فهر ، ورحم زوجته الكريمة أم فهر
    التي ورغم فارق السن الكبير استطاعت أن تحتوي زوجها كحبيب ليكون لها
    الأبن والأب والأخ ـ وتكون له الزوجة والحبيبة والسكرتيرة والممرضة والصديقة
    جزاهما الله عن الإسلام وأهله خير الجزاء
    وجزاك الله كل الخير على نص مدهش بروعته وعمق معانيه
    وما أحوجنا إلى مثل هذه القصص الواقعية التي تحلق بنا
    في سماء النقاء.
    كتبت فأبدعت فأمتعت فشكرا لك.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  4. #4
    الصورة الرمزية بهجت عبدالغني مشرف أقسام الفكر
    أديب ومفكر

    تاريخ التسجيل : Apr 2008
    الدولة : هنا .. معكم ..
    المشاركات : 5,141
    المواضيع : 253
    الردود : 5141
    المعدل اليومي : 0.88

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد السلام دغمش مشاهدة المشاركة
    ما شاء الله ..
    وهي قصة مما يزخر به تاريخنا المعاصر من قصص الوفاء للزوج في حياته وبعد مماته ..
    رحم الله العلامة محمود شاكر أبا فهر .. ورحم زوجته المخلصة .
    ونحن أحوج لمثل هذه السِّيَـر .

    أسلوب جميل أديبنا ، وعرض ترك أثراً في النفس طيبا .
    تحياتي .

    شكراً لمرورك العطر أستاذي العزيز
    وبارك الله فيك

    تحياتي ومودتي


  5. #5
    الصورة الرمزية بهجت عبدالغني مشرف أقسام الفكر
    أديب ومفكر

    تاريخ التسجيل : Apr 2008
    الدولة : هنا .. معكم ..
    المشاركات : 5,141
    المواضيع : 253
    الردود : 5141
    المعدل اليومي : 0.88

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ناديه محمد الجابي مشاهدة المشاركة
    قصة رائعة لحب حقيقي ـ رحم الله العلامة أبا فهر ، ورحم زوجته الكريمة أم فهر
    التي ورغم فارق السن الكبير استطاعت أن تحتوي زوجها كحبيب ليكون لها
    الأبن والأب والأخ ـ وتكون له الزوجة والحبيبة والسكرتيرة والممرضة والصديقة
    جزاهما الله عن الإسلام وأهله خير الجزاء
    وجزاك الله كل الخير على نص مدهش بروعته وعمق معانيه
    وما أحوجنا إلى مثل هذه القصص الواقعية التي تحلق بنا
    في سماء النقاء.
    كتبت فأبدعت فأمتعت فشكرا لك.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    شكراً لمرورك العطر أستاذتي العزيزة
    رعاكم ربي وحفظكم

    تحياتي وتقديري