هناك مصطلحات إذا أُطلقت أثارت معها دواوين من المناقشات والاختلافات العميقة وسحبت معها إرثاً تاريخياً سيحضر بكل صفحاته البيضاء والسوداء ليقف ذلك كله خلف هذا المصطلح المفخخ بالمثيرات والثارات الغائرة في القدم، وأبرز تلك المصطلحات التي سأوردها في هذا المقال مصطلح (التنوير)، وحضوره هنا يستفز ويثير حفيظة الكثير، مهما حاولت أن أخصه بمفهوم معين أو أحيّده عن معاركه التاريخية، فالتنوير كان عند البعض سبب النهضة والحداثة والتطوير، وعند آخرين سبب التسلط والاستبداد الإمبريالي والضلال والانحراف عن الحق، وكلما أُستدعي التنوير في مشروع فكري أو نهضوي استجلب معه هذين الصنفين والصفين المتقابلين عداوةً واحتراباً.

ولكي أدخل في مرادي من دون تطويل، اعتقد أن مرحلتنا الراهنة في أمس الحاجة لمشروع تنويري إصلاحي، يعيد النور والسطوع لمفاهيم النهضة والتجديد التي غشيتها الظلمة أحياناً، وأحياناً الغبرة وسوء النظر والتقدير، الذي يزيد هذه المفاهيم حيرة واضطراباً لاسيما عند من يروم التطبيق وسلوك دربها في التغيير، وبواعث هذا الطرح يمكن إجمالها في ما يلي:

1- الحراك التنويري الذي أُطلق عليه هذا المصطلح ليس حراكاً في جغرافيا محددة أو تاريخ معين في العالم؛ بل هناك تنوير متعدد الجهات بدأ في المشرق وانتقل في أماكن متنوعة من العالم، ربما كان الحدث الأهم في تاريخ التنوير الإنساني قد بدأ عام 610م ببعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد سمّى هذا الحدث العظيم الدكتور زين العابدين الركابي (نهضة التنوير الكبرى) وبعدما استشهد بروايات عدد من المؤرخين الغربيين الذين يثبتون هذا المنعطف التاريخي الهام يضع مقصوده في معنى التنوير، حيث قال: «هو استحضار العقل بعد غيبة، وتحريك طاقة التفكير بعد جمود حتى تبلغ أعلى المعدلات المتاحة لها، وتسديد حركة التفكير بمنهج علمي سديد عاصم من الأوهام، والمعتقدات الفاسدة، والتقليد الضرير، ثم بناء المعتقد والمفاهيم والأعمال وفق هذا المنهج السديد» [انظر: جريدة الشرق الأوسط العدد: 12359]، وما جاء في التنزيل الحكيم يوحي بصدق تسمية بعثته عليه الصلاة والسلام بأنها نور حقيقي شعّ في الظلام، كما في قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا»(174 النساء) وقوله تعالى: «لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ»(11 الطلاق)، وقوله تعالى: «هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ» (43 الأحزاب)، فالهدى والنور كان من أبرز صفات الإسلام وواقعه التطبيقي يشهد على تحقق هذه الفرادة الحضارية، كما لا نغفل وجود نماذج من الحراك التنويري؛ تعددت مصادره الشرقية، فهناك التنوير الصيني، حيث بدأت حركة الإصلاح الديني في عهد المينج (1472 – 1529م) من خلال القراءة الحرة العقلانية والمتجددة للكونفوشيوسية، وكرست نظام الفصل بين الدين والدولة، وأقامت تجربة الدولة المركزية القومية بنظامها البيروقراطي العقلاني وبلورت قيم الفاعلية الإنسانية الحرة. أما اليابانيون فيعتبر عهد ميجي هو حقبة التنوير التي بدأت عام 1871م من خلال إصلاحات سياسية ومشاركات شعبية، تأسست لأجل ذلك مجالس حكم محلية وأنظمة اقتصادية متطورة، والأهم هو انفتاحه الكبير على المعارف والعلوم وإرسال خيرة الشباب الياباني للنهل من هذه العلوم في كل أصقاع الأرض، وكذا في الهند والسند وأواسط آسيا، فلم يخل تاريخ الشرق من تنويرٍ أحدث الكثير من العلوم والمعارف والإصلاحات المدنية، وسحب المصطلح على الأنموذج الأوروبي فقط؛ فيه الكثير من المغالطة والاختزال. (انظر للاستزادة: التنوير الآتي من الشرق. تأليف جي جي كلارك ترجمة شوقي جلال. طبعة دار المعرفة 2007م).

2- إن عصرنا الحالي يمر بظلمات كثيرة بعضها فوق بعض، ظهرت من خلال تأسيس الجهل ومحاربة المبدع ونفيه عن وطنه، وصناعة العصبية والتقليد وقمع المعرفة وتأطيرها في مجالات معينة لا يخرج عنها إلا مارق أو مخالف، كما ساهمت السياسة والمال في وضع تلك الأطر التسلّطية البعيدة عن نور الهدى الرباني، ويبقى الأسوأ هو محاربة الجديد وغلق الكليات والمعاهد من فتح أبواب التجديد والإصلاح المعرفي والاحتفاء بالتقاليد العرفية وكأنما هي نصوص مقدسة جاء بها الوحي المعصوم، وهذا ما جعل هناك تشوّف وتشوّق لمرحلة تنويرية تزيل بعض الران عن الفكر والفقه وتصفي التراث ما علق به من مقدسات بشرية لم تخلُ من النقص والتناقض، وهذا ما دفع ببعض المصلحين إلى إثارة حاجتنا للتنوير من خلال تسمية بعض الدعاة والمصلحين بالتنويريين (انظر على سبيل المثال: كتاب «ابن باديس، فارس الإصلاح والتنوير» لمؤلفه الدكتور محمد بهيّ الدين سالم، دار الشروق 1420 هـ، وكتاب «رفاعة الطهطاوي. رائد التنوير في العصر الحديث»، لمؤلفه أ.محمد عمارة، دار الشروق 2007م)، وخرجت على أثر ذلك دعوات جديدة تسمى بالتنوير الإسلامي أو الإسلام المستنير، واختلط في تلك الدعوات مناهج تطلب التجديد في النص والوحي، ومناهج هربت من النمطية التقليدية في الفقه إلى النمطية العصبية في الحداثة، وأصبح المثقفون بين مفكر مستنير أو عالم متخلف أو زنديق منحرف، كأحد صور التراشق بالتهم، والتي لا تصح بحال، لما فيها من نزق التصفية للخصوم بكيل التهم جزافاً من دون برهان، ولأجل تلك الحالة قام عدد من المفكرين بوضع معايير للتصنيف بين التنوير الحقيقي وخلافه؛ فتح الباب لجدل أوسع نتيجة للأحكام النهائية التي ذكرها مؤلفوها. (انظر للاستزادة فيمن ألّف في هذا الجانب، محمد جلال كشك في كتابه «جهالات عصر التنوير: قراءة في فكر قاسم أمين وعلي عبد الرازق» طبعة مكتبة التراث الإسلامي عام 1990م، وكتاب «الإسلام بين التنوير والتزوير» لمؤلفه أ.محمد عماره، دار الشروق، القاهرة 2002م، وكتاب «قضية التنوير في العالم الإسلامي» لمحمد قطب، دار الشروق عام 1989م).



لتجاوز الاستبداد

3- إن مشاريع التنوير التي يرومها عالمنا الإسلامي باتت حاجة ملحّة للفرد والمجتمع، فغياب العدالة الاجتماعية وتمكّن الاستبداد السياسي وانتقاص الحريات والحقوق الأساسية بالإضافة لغلبة التعصب والاحترابات الداخلية وتهيأ بعض المجتمعات العربية للفوضى المدمرة، كل هذه الصور القاتمة تتطلب تنويراً عاجلاً ينقذ مجتمعاتنا الإسلامية من مزيد من التشظي أو الانحسار، وحالة الربيع العربي لم تكن سوى تصادم عنيف بين رغبات الشعوب للحريات والحقوق ورغبات الحكومات للاستئثار والهيمنة دون ان يكون هناك تلاقٍ سلمي إلا في أماكن محدودة من العالم العربي، وأهمية المشاريع التنويرية أنها تؤسس المفاهيم اللازمة للمجتمع المنشود وتغرس تلك الأفكار والنظريات في أجواء مناسبة لبناء القناعات بها أولاً، بدلاً من القفز على كراسي الحكم وإدارة الدولة من دون ممهدات ركيزة لمفاهيم الحرية والحقوق والمشاركة الديمقراطية، ومن دون معرفة لدور الأمة والدستور في تشكيل مرجعية مدنية للمجتمع، ما يجعل الدولة ميدانا للتجارب البكر والمراهقة السياسية، الخطأ فيها لا يحتمل الغفران.



شأن عالمي لا أوروبي

ما سبق ذكره من معطيات تبين أهمية استعادة أفكار التنوير لنهضة مجتمعاتنا؛ سيصطدم بفكرةٍ كؤود تراكم على الاعتقاد بها أجيال من المسلمين، والتي تقول بأن التنوير اليوم هو إسقاط تام واستنساخ كامل لمشروع التنوير الأوروبي، والقبول بالتنوير هو القبول بالعقلانية الإلحادية والمادية المنحرفة، خصوصاً أن أشهر دعاة التنوير في عالمنا الإسلامي لم يكونوا يعلنون سوى أفكار كانط وهيجل ولوك وفولتير وروسو وديدرو وغيرهم دون تمحيص وتنزيل يتماشى مع احتياجنا الإصلاحي، لذك تواطأ الفهم أن التنوير لا ينصرف إلا على التجربة الأوروبية وحدها، ومهما تخوفنا وتوارينا عن التنوير الأوروبي فإنه في عصرنا الحاضر يعتبر المشروع التنويري الأبرز والأقوى، ووجوده في العالم كله أصبح واقعاً لا يمكن ان نغمض أعيننا عنه، فنظرياته وأدبياته المعرفية والفلسفية حاضرة في كل العالم شئنا أم أبينا، أيضاً هناك أسباب فرضت الأنموذج التنويري الغربي، منها ما يلي:

أولاً: امتاز التنوير الأوروبي بالحسم والقطيعة التامة مع إرثه المسيحي الذي استمر قروناً طويلة، والحسم يعني بداية جديدة تتطلع لها أنفس وعقول الناس الباحثون عن التغيير، فكان التنوير سبباً في التقدم الأوروبي وإسقاطاً لهيمنة الوصاية والاستبداد الديني والسياسي على عقل المجتمع وتطوره، فكانت فكرة التنوير هي فكرة الخلاص التي كان يبحث عنها المجتمع الأوروبي بتعجل ولهفة، يفسّر كانط معنى التنوير أو الأنوار في رسالته المشهورة حول الأنوار، بقوله: «خروج الإنسان من حالة القصور الذاتي الذي يُعدّ هو بذاته مسؤولاً عنه، والقصور هنا يعني عجز الإنسان عن استعمال عقله من دون قيادة وتوجيه الغير، والسبب في ذلك لا يعود إلى نقص في العقل، وإنما إلى جبن الإنسان وخوفه من استعمال عقله بكل حرية. هكذا تكون الأنوار دعوة لكل إنسان إلى أن يعمل بشكل مستمر على رفع كل أشكال الوصاية عن نفسه، طالما أن لا أحد يفرض عليه القبول بتلك الوصايات إلا خوفه من استعمال عقله، لذلك كان شعار الأنوار هو: تجرأ على استخدام فهمك الخاص» (انظر: حصيلة العقلانية والتنوير في الفكر العربي المعاصر،بحث الدكتور أومليل «في معنى التنوير» مركز دراسات الوحدة العربية ص135-136 بيروت الطبعة الأولى 2005م)، فالمعنى أن أوروبا كانت أمام مرحلة فاصلة بدأت هناك بوادر تطورات صناعية وزراعية وديموغرافية جديدة وكان عليها أن تحدد موقفها بثورة حقيقية ضد عوامل تأخرها التي بلغت حدّا ينذر بالكارثة.

ثانياً: إن التنوير الأوروبي هو الأكثر هيمنة منذ القرن التاسع عشر حتى اليوم، فأفكاره وأنماطه المعرفية والسياسية والاقتصادية كلها تحكم العالم بشكل ما، وهذه الهيمنة لا ينبغي أن تُغفل عند المناقشة، فمن حاربها في مجال فهو يرحب بها في مجالاتها الأخرى دون تردد أو مواربة.

ثالثاً: التنوير الأوروبي قابلٌ للنمو والتطور ويمتلك النقد الذاتي، ولا يزال المفكرون الغربيون يناقشون أي عصر يسمى الأنوار ومتى بدأ، وما هي جغرافيته العالمية، وما هي الأفكار المؤسسة له، ولا يزال أيضاً يتطور وينتشر وينقد الكثير من اطروحاته السابقة، هذه الفاعلية والثراء جعلت التنوير الأوروبي الأبرز في الانتشار العالمي لنشاط وحيوية مدارسه الفلسفية والمعرفية.

أمام هذه المعطيات الواقعية لقوة التنوير الأوروبي في التأثير العالمي، نتساءل عن مدى حاجتنا إلى تنوير إسلامي مستمد من التنوير الأوروبي، هذا المحك المعرفي هو المطروح والمتداول في غالب أدبيات الحداثة العربية، وحاجتنا للتنوير قائمة وملحّة، ولكن يبقى السؤال الأهم عن موقفنا كمسلمين من التنوير الأوروبي، ولعلي ألخص الإجابة في النقاط التالية:

1- أن فلسفة التنوير وما قدمته من نظريات معرفية، لم ينتج مباشرة من أوروبا بل هو مستفاد من نتاج أمم سابقة أهمها ما قدمه العرب المسلمون من علوم ومكتشفات ساهمت في دفع النهضة الأوروبية من تراجم وشروح ابن رشد لأرسطو، ثم الإسهامات التي قدمها جمع من العلماء كالحسن بن الهيثم والخوارزمي والكندي و لماء الأندلس، وهذه لا ينكرها إلا جاهل أو جاحد، فالتواصل المعرفي بين الحضارات يقتضي أن نستفيد كمسلمين من انتاج الأمم الأخـــرى، يؤيـــد ذلك قــــوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مــــِنْ ذَكَـــرٍ وَأُنْثـــَى? وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتـــَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» (الحجرات 13) فعلاقة (التعارف) هي أساس التواصل بين شعوب الأرض، والمعرفة رحم بينهم في المفهوم الإسلامي، والاعتبار للحق أياً كان مصدره .(انظر للاطلاع على هذا التراث الكبير في المراجع التالية: كتاب «الشهود الحضاري». للدكتور عبدالمجيد النجار. الطبعة الأولى 1999م. دار الغرب الإسلامي. بيروت، وكتاب «من أجل انطلاقة حضارية شاملة». للدكتور عبدالكريم بكار. الطبعة الأولى 1415ه. دار المسلم بالرياض، وكتاب «دراسات في الحضارة الإسلامية وثقافة الغرب الإسلامي». للدكتور محمد زنيبر. الطبعة الأولى 2010م. من منشورات جامعة محمد الخامس بالرباط، كتاب «تأملات في روائع الحضارة العربية والإسلامية في العلوم والفنون ودورها في الترقي العلمي». للدكتور حمدي نافع. الطبعة الأولى 2012، مكتبة الجامعة بالشارقة). فليس من المستغرب أو المنكر أن نتوافق مع التنوير الغربي على بعض النظريات وان نستنير بتجاربهم في الإصلاح.

2-ان في كل مشروع إصلاحي تغييري قدر من الأخطاء لا يجب تبريرها أو السماح بتكرارها ولا يعني وجود الخطأ في الفهم والتأويل منع العمل بالمشروع المتوّخى خصوصاً إذا ثبتت صلاحيته في التطبيق بوجه من الوجوه، وناسخو التنوير الأوروبي لا يمثلون سوى أنفسهم، وتجربتهم الاستنساخية هي مجال للنقد لم تنته بعد، ولا يزال الباب مفتوحاً لتجارب أخرى تستلهم كل محاولات التنوير والإصلاح في أي مجتمع كان، فالحكمة ضالة المؤمن فإذا وجدها فهو احق بها، وقبل تجربة الحداثيين العرب كانت تجربة الأفغاني والطهطاوي وعبده ورشيد رضا والتونسي وإقبال وغيرهم، وهناك تجربة المعهد العالمي للفكر الإسلامي، وتجربة النهضة التونسية، وتجربة الحرية والعدالة التركية، والتجربة الماليزية، وغيرها من التجارب التي تفتح الباب لعدم محاكمة التنوير الغربي من خلال أنموذج وحيد.

3- إن التنوير الإسلامي ليس مصطلحاً لجماعة معينة، وإن ادّعاه أحد فهو يمثل نفسه، وقد سبق في التاريخ الإسلامي نماذج كثيرة مارست هذه الاستحقاق المصطلحي على ذاتها، لهذا نجد أن أغلب مناقشات رافضي التنوير تصب حول نماذج معينة من منتسبي التنوير، وهذا ما يجعل المثال هو مصدر قبول القاعدة أو رفضها، وهناك الكثير من الردود المعاصرة في غالبها نحت هذا التوجه وقامت بمحاكمات معرفية للتنوير أساسها تبني بعض الأفراد للفكر التنويري حسب فهمهم الخاص ومنهجهم المتبع في اختزل التنوير في تلك القوالب المشخصّة. (انظر بعض الكتب التي اتجهت في هذا المضمار: كتاب «التنوير الإسلامي في المشهد السعودي» لمؤلفه عبد الوهاب آل غظيف، مركز تأصيل، الطبعة الأولى، 1434هـ، وكتاب «التنوير بالتزوير» وهو مساهمة في نقد الخطاب العلماني والرد على سيد القمني وخليل عبد الكريم ورفعت السعيد لمؤلفه منصور أبو شافعي، مكتبة النافذة بالقاهرة).

وفي ختام هذا المقال، أخلص بنتيجة تؤكد حاجتنا للحسم والبداية الراشدة لعهد تنويري يقوم على مشاريع معرفية متكاملة يتداعى لها كل المفكرون والعلماء بقصد علاج مشكلاتنا الراهنة وليس من أجل التمادي في الانقسام وتعزيز الفئوية بيننا، ليس إنكاراً للتعددية وأهميتها، بل لأجل أن تكون الأفكار خارجة عن أرض المعارك الشخصية نحو معارك الإصلاح والبناء وبينهما فرق كبير.

إن الإصلاح التنويري– من وجهة نظري- سيجدد الاجتهاد الفقهي الذي لا يهمّش النص؛ بل يحسّن فهمه وفق مستجدات تنزيله وتطبيقه، ويعالج النقص الإبداعي في مجالات العلوم الاجتماعية والنفسية والإنسانية بشكل عام، كما نأمل أن يخلق نظريات سياسية مستقرة تعالج اضطراب واقعنا الفكري قبل واقعنا المجتمعي، هذه وغيرها، هي ما ننتظره من حراك التنوير الواسع المتجدد، والطريق إنما يعرف سبيل الاهتداء إليه بقوة النور المشّع فيه.

* عن الحياة * الكاتب :مسفر بن علي القحطاني