المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وداعاً عميد الأدب الإسلامي المقارن د. حلمي محمد القاعود



زاهية
21-11-2005, 12:54 AM
ودّعَنا يوم السبت الثامن والعشرين من شوال 1425ه، الموافق الحادي عشر من ديسمبر 2004م، علم من أعلام الأدب الإسلامي ودراساته المقارنة، وهو الأستاذ الدكتور "حسين مجيب المصري" عن عمر ناهز الثمانية والثمانين عاماً، قضاها في البحث والدرس والتعليم والإبداع.. وقد رحل الرجل كالعادة دون أن يذكره أحد في المجال الإعلامي والصحفي باستثناء "خبر صغير" نشرته إحدى الصحف مدفوناً وسط أخبار أخرى موسعة تتحدث عن أشباه أدباء وكتاب يهتمون بالدعاية أكثر من اهتمامهم بالتجويد والإخلاص.

عرفت الرجل قبل ثلاثين عاماً أو يزيد، ولعل الذي عرفني به صديقه الأديب الكبير الأستاذ "وديع فلسطين"، ولكنه شكا إليه ضعفاً في بصره، الذي فقده فيما بعد، مما اضطره إلى استئجار من يقرأ له ويكتب.

كان يرحمه الله يتحرك في غرفته نشطاً، يطلعني على بعض الكتب ويحدثني في بعض القضايا، ومع أني لم أمكث طويلاً، فقد خرجت ببعض كتبه القيمة ودواوينه الشعرية، وانطباع بتواضع الرجل وإخلاصه للعلم والبحث والأدب، دون أن يهتم بعرض الدنيا ومتاعها الزائل.

لم يكن الرجل يتقن فن العلاقات العامة الذي صار يتقنه أشباه الأدباء والكتاب، ولذا لم يرشح لأية جائزة ثقافية في بلده لا تشجيعية ولا تقديرية، مع أنه بمنطق العلم والأدب يستحق أن ينال أعلى جائزة يمنحها الوطن، ومن المفارقات، فإن دولاً إسلامية عديدة منحته جوائزها الكبرى ودرجة الدكتوراه الفخرية كما فعلت جامعة مرمرة في تركيا، والحكومة الباكستانية، ودولة قازاخستان وغيرها.

وفي الوقت الذي نرى فيه أدباء وكتاباً محدودي القيمة الأدبية والثقافية، على خريطة الأبحاث في الدراسات العليا بالكليات المختلفة، فإن حسين مجيب المصري لم يُطرح موضوعاً لرسالة ماجسيتر أو دكتوراه، والأمر نفسه فيما بتعلق بالحياة الثقافية، فلم يتناوله أحد من الكتاب أو النقاد، باستثناء بعض المقابلات القليلة القصيرة والمقالات وكتاب وحيد، أصدره صلاح حسن رشيد بعنوان: حسين مجيب المصري، تجربة فريدة في الشعر العربي الحديث، أصدرته مكتبة الآداب في القاهرة عام 2004م.

لقد تعرض لظلم كبير في عمله في الجامعة أيضاً ويبدو أن هذا قدر الذين يعكفون على العلم والبحث، فيظلمهم أهل "الفهلوة" والباحثون عن الدنيا والوجاهة والمناصب، ولا ريب أن ذلك كله قد أصابه بالإحباط وخلف في نفسه كثيراً من الأسى نراه عبر مقطوعات شعرية تقطر ألماً ومنها:

أنا من خبت في سعي

أنا من حرت في أمري

غثاء ضاع في سيل

وطير ضل عن وكر

هباء بين أرواح

ودمع سال في البحر

كلامي رجع أوتار

ولكن أين من يدري؟

وشعري نفح أزهار

ولكن من يرى شعري؟

ولد "حسين مجيب المصري" في مدينة القاهرة عام 1916م، وجده لأمه "محمد ثاقب باشا"، كان وزيراً للري في عهد الخديوي إسماعيل، وكان جده لأبيه حسني باشا المصري من كبار الأعيان في القطر المصري، التحق بالمدرسة الابتدائية ثم الثانوية وفيها قرأ كتب الرافعي وجبران ودواوين شوقي وحافظ وزهير وغيرهم من الشعراء، وسطعت موهبته الشعرية في مدرسة السعيدية الثانوية في الجيزة عام 1932 فنشر أولى قصائده بعنوان "الوردة الذابلة"، وكانت مرثية لابنة عم له توفيت، وكان رحمه الله يعتز بهذه القصيدة اعتزازاً كبيراً.. ويذكر أن حلاقاً كان بجوار بيتهم أثر فيه تأثيراً كبيراً، حيث كان يحفظ كثيراً من عيون الشعر العربي، ويلقيه على مسامعه وهو فتيً يافع، فحببه إلى الشعر وحبب الشعر إليه، مما أحدث نقلة كبيرة في حياته، فجعلته يعيش بالتنغيم والنظم والإيقاع، وهي ظاهرة واضحة في أشعاره التي نشرها، وضمتها دواوينه الستة.

لقد نظم الشعر بالفرنسية، وترجم الشعر عن الإنجليزية، وكانت مسيرته مع اللغات حافلة بالتفوق والجهد الكبير، لقد أجاد ثماني لغات إجادة تامة، وساعده على ذلك انتسابه إلى معهد اللغات الشرقية الذي درس فيه الأردية والإيطالية والألمانية والروسية، وكان يترجم منها إلى اللغة العربية ما يروق له من شعر ونثر.

وقد استخلص من دراساته المقارنة لآداب الشعوب الإسلامية أن الأدب العربي ركيزة أساسية ورصيد يستمد منه شعراء وأدباء هذه الشعوب كثيراً من المعاني والقيم، وهناك تشابه واضح بين الأدب العربي وآداب هذه الشعوب من حيث التأثر بالإسلام وقيمه، والحضارة الإسلامية والتاريخ الإسلامي، فنجد مثلاً في الشعر التركي ما يسمى بالرمضانيات يصف فيها الشاعر مظاهر الاحتفال في هذا الشهر، وكذا الحال في الشعر الأوردي والفارسي... وهو ما ينطبق على موقف هذه الآداب من قضية فلسطين والقدس.

إن اهتمام "حسين مجيب المصري" أستاذاً جامعياً وأديباً وشاعراً بآداب الشعوب الإسلامية، واطلاعه عليها في لغاتها الأصلية التي يجيدها، وكونه أول من اشتغل بالأدب الإسلامي المقارن جعله مرجعاً، ويعود إليه الأساتذة والطلاب، وجعل منه عميداً للأدب الإسلامي المقارن، فقد أخلص له، وبذل جهداً مادياً في البحث والتنقيب والاطلاع، في الوقت الذي كان زملاؤه وغيرهم يفضلون الطريق السهل، وهو التوجه نحو الآداب الأوروبية الأكثر رواجاً، والأفضل عائداً مادياً، ولكن "حسين مجيب المصري" آثر أن يشق طريقه في ميدان صعب ومجهد ومكلف، يبتغي من ورائه خدمة دينه وأمته الإسلامية، وكان هذا الطريق هو "الأدب الإسلامي المقارن"، الذي صار علماً عليه. وقد أنتج الرجل عشرات الكتب التي زادت على السبعين كتاباً.

وظل حتى آخر أيام حياته يعمل بجد ودأب وكان آخر كتاب ينوي نشره هو "بدائع إقبال في الأوردي"، وآخر كتاب كان ينوي أو يعمل في تأليفه كان حول المقارنة بين المدائح النبوية في الآداب الثلاثة: العربية والتركية والفارسية، ولا أدري هل انتهى منه أم لا؟

فوجئت به ذات يوم في العام الماضي يرسل إليَّ على عنواني البريدي رسالة رقيقة طلب فيها كتابي "محمد صلى الله عليه وسلم في الشعر العربي الحديث"، لأنه بصدد المقارنة بين المدائح النبوية في الآداب الثلاثة، لم أكن في مصر وأخبرتني الأسرة بمضمون الرسالة، فحمل له ولدي النسخة الوحيدة لدي وذهب بها إلى مسكنه واستقبله الرجل استقبالاً كريماً، والأهم بعد ذلك أنه أرسل إليَّ رسالة مليئة بالعاطفة الحارة العميقة، وكنت أود نشرها لكنها ليست تحت يدي الآن.. وهي في مجملها تدل على إخلاصه للعلم، والأدب، وتواضعه الجم، وزهده في الدنيا ومتاعها الفاني.


:tree: :os: :tree: :os: :tree: :os: :tree:
منقوول

د.جمال مرسي
21-11-2005, 08:14 AM
لفت نظري العنوان فجذبني بشدة فدخلت و لا سيما أنني أعرف الدكتور حلمي قاعود معرفة شخصية فقد أفزعني العنوان ( وداعاً عميد الأدب الإسلامي المقارن د. حلمي محمد القاعود ) و لا سيما أنك لم تفصلي بين وداعا و بين د. حلمي .

و أقول إنا لله و إنا إليه راجعون ... رحم الله الأديب الفيلسوف الكبير حسين مجيب و أسكنه فسيح جناته . و هذا هو حال العظماء المتواضعين في أخلاقهم الذين لا يتملقون و لا يحبون الظهور في حين لو ماتت فنانة ممثلة كسعاد حسني أو ممثل كأحمد زكي لأفسحت لهما الصحف صفحاتها الأولى و لرأينا التلفاز يكتظ بهما أينما أدرتِ محرك البحث .

تذكرت يوم توفي المقريء المصري الراحل عبد الباسط عبد الصمد عليه رحمة الله و قرأت خبر وفاته في إحدى الصحف المصرية عام 1986م خبرا لا تكاد تراه عينك لصغره مدفون بين صور المتسلقين المتملقين .

شكرا لك أختي زاهية هذه اللفتة .. لقد أثرتِ شجوني

تقبلي الود

د. جمال

سيد سليم
23-11-2005, 11:43 PM
أختي الغالية : زاهية
حدث لي ماحدث للدكتور جمال مرسي فقد قلت رحم الله أستاذي الدكتور القاعود
ثم قلت : كيف لم أسمع من رابطة الأدب الإسلامي العالمية ـ التي أشرف بعضويتها ـ وهو احد الأعضاء المؤسسين ـ؟
وعندما دخلت اكتشفت أنه أستانا جميعا الدكتور حسبن مجيب
والكتور حسين مجيب أحد الأعلام الذين ظلموا بالفعل وقد أحسنت رابطتنا الغراء ـ رابطة الأدب الإسلامي العالمية ـ حيث تم تكريمه هذا العام ، كما احسن أخي وصديقي الأستاذ صلاح رشيد عندما أصدر كتابا عنه ، وأهداني نسخة تتحدت عما لاقاه العملاق من الأقزام
كما أحسن أستاذي الحبيب المجاهد الدكتور حلمي القاعود في مقاله
بارك الله فيك اختنا الغالية وأتمنى تغيير العنوان
دمت بخير , وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

حسن كريم
01-02-2006, 11:38 PM
حلمي القاعود عرفته هنا في المغرب في الملتقى الدولي للأدب الإسلامي بمدينة أكادير المغربية ،
أنا كذلك غالطني العنوان، و أرعبني .

رحم الله الفقيد الدكتور حسين مجيب وأسكنه فسيح الجنان.
إنه سميع قريب مجيب.

زاهية
02-02-2006, 10:53 AM
رحم الله الفقيد وأدخله
فسيح جناته
وشكر لكم إخوتي الكرام
د0جمال مرسي
سيد سليم
حسن كريم
وأثابكم الجنة
أختكم
بنت البحر

سعيد أبو نعسة
02-02-2006, 06:40 PM
العزيزة زاهية
رحم الله الفقيد و أسكنه فسيح جناته
لا تثريب عليه يغفر الله له و يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله و الله عنده حسن الثواب .
العظماء العظماء ينقشون بصمتهم على جدار الزمن و يمضون دون انتظار الأجر من أهل الدنيا .
سيأتي مستقبلا من يترحم عليه و يقرأ له الفاتحة وهذا يكفيه .
دمت في خير و عطاء

زاهية
04-02-2006, 05:44 PM
العزيزة زاهية
رحم الله الفقيد و أسكنه فسيح جناته
لا تثريب عليه يغفر الله له و يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله و الله عنده حسن الثواب .
العظماء العظماء ينقشون بصمتهم على جدار الزمن و يمضون دون انتظار الأجر من أهل الدنيا .
سيأتي مستقبلا من يترحم عليه و يقرأ له الفاتحة وهذا يكفيه .
دمت في خير و عطاء


نعم صدقت أخي الفاضل
سعيد أبو نعسة
لاتمحو آثار العلماء الصادقين
سيولٌ ولايدثرها غباروإن عاشوا في الظل
ورحلوا بهدوء.
جزاك الله الخيرعلى المرور العاطربالخير
أختك
بنت البحر

نسيبة بنت كعب
04-02-2006, 06:46 PM
رحم الله علماء المسلمين

من جدوا واجتهدوا لينيروا الطريق

بندر الصاعدي
04-02-2006, 08:27 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رحم الله الدكتور حسين مجيب وأسكنه فسيح جناته

أيها الأحبة أعضاء الواحة لا شك أن الكثير من أعلام العلم والأدب ظلمهم أبناءُ التاريخ المزيفين له والمتجاهلين لاعلامه فلعلنا في الواحة نقوم بشيء يذكر في حقهم .

لكم التحية .

حوراء آل بورنو
04-02-2006, 10:33 PM
رحم الله أموات المسلمين و علماءهم ، و أسكنهم فسيح جناته ، و جعل علمهم نوراً يسعى بين أيديهم يوم لا نور إلا لمن رحم ربي .

هذه هي الغربة و هذا هو وجعها ، يتوفاهم الله و لا يعلم عن أمرهم إلا ثلة ، فهم غرباء في الحياة و الممات ، فما عاد العلم وطن و لا العلماء فرسان لهذا الزمان .

زاهية
07-02-2006, 07:39 PM
نعم صدقتم أيها الأنقياء
سعيد أبونعسه
حرَّة الحرَّة
نسيبة بنت كعب
بندر الصاعدي

شكر الله لكم وجزاكم الخير
أختكم
بنت البحر

سمير الفيل
05-03-2006, 01:00 PM
أفزعني العنوان لمعرفتي بالأستاذ الدكتور حلمي القاعود ..
وتنبهت بعد القراءة إلى ان المقصود هو علم شامخ آخر هو الدكتور حسين مجيب المصري .
نعم ، الرجل ظلم .
ولكن لابد من توثيق معلومة هامة وهي :
في إحدى دورات مؤتمر أدباء مصر، وفي إحدى اجتماعات الأمانة العامة للمؤتمر وقف الصديق الدكتور يسري العزب وأسهب في الحديث عن دور الرجل ، وكان اغلبنا لم يقرأ له ولم يعرفه ، وطالب بتكريمه نظرا لما اسداه للثقافة العربية من خدمات جليلة .
وبالفعل تقرر تكريمه ، وحضر الرجل وحصل على درع المؤتمر ، ويومها ارتجل قصيدة في هذه المناسبة .
هذه مداخلة لإعطاء كل ذي حق حقه ..
وليس تحت يدي سجل المؤتمر لأعرف سنة التكريم بالضبط.. لكنني متأكد كل التأكد من اننا كرمنا هذا العلامة حيا .

سمير

نريانا تقي الهاشمي
17-07-2010, 11:41 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


لا اله الا الله سبحانك اللآهم
لا اله الله

الله يبشرك بالخير اختى زاهية كنت اتصفح المنتدى ووجت هذا الخبر!!!
انقطع اتصاله عن بعض الناس خلف الشاشات( كل واحد بسم عشان الاختفاء من المخابرات الصهيوعربية)

اللاهم لك الحمد انتقل لك ولم ينتقل الا سجونهم

اسعد الله لازم اوصل هذة البرقية

محمود فرحان حمادي
17-07-2010, 12:22 PM
رحم الله حملة الأقلام الشريفة الحرة المتألقة
ورحم الله الفقيد الذي كان واحدًا ممن ناضل وجاهد في سبيل الحق
ومات بهدوء وصمت ككل أفذاذنا
الله اجعل مكانه في عليين آمين
تحياتي