تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : أجنحة الكلام.



لمجيد تومرت
10-12-2005, 01:15 AM
أجنحة الكلام

وصله خبر وفاة الوالد متأخرا،وكان عليه أن يقطع المسافة الممتدة بين مدينة إقامته والمدينة التي تستقر بها الآسرة في حدود أربع ساعات طويلة متثائبة.اكتشف فيما بعد ،أن زوجة أبيه هي من حبكت الحدوتة .فقد فوجئت بهذا الموت السريع،فكان عليها أن تخفي ما تخفي عن الورثة من أبناء الزوجة الأولى .وأن تعجل بإجراءات الدفن قبل إن يلتحق بقية الأبناء والأهل....دخل الغرفة الهزيلة حيث كان الوالد يتحصن فيها في شبه خلوة وزهد ..بكى على سريره ما شاء له أن يبكي ..خمس سنوات لم ير فيها وجه أبيه ..قبل أيام كان يعد العدة لإنهاء هذه القطيعة الاضطرارية..اخبر أمه وأشقاءه وشقيقاته بما عزم عليه..لكن الموت حسم كل شيء ...في اليوم الموالي ، اتجه خلسة نحو المقبرة ..وحين وقف، في خشوع، أمام القبر، بدا له شامخا متعاليا..وبدا هو ضئيلا متقزما أمام هذا الشموخ ..نفس الصورة... ننفس الموقف والإحساس ينتابه ،حين كان طفلا يقف مرعوبا أمام هالة الأب الجبار ..فلا يستطيع الكلام ..فتنحبس الرغبات بصدره ..لم يكن يدري أكان ذلك خوفا ورعبا أم هي هيبة الأب والوقار...أحس في دواخله بفقد عميق عميق ..وحين كان القطار ينهب الطريق في رحلة العودة ، كان يسترجع هذه الصورة الهلامية ،تتعالق فيها مشاهد الطفولة المغتصبة ومراسيم الدفن الهزيل والأمنيات الضائعة ...أحس برغبة شديدة في الكتابة ..سحب القلم ومذكرته من جيب معطفه الداخلي ..وراح يكتب :

أنت...! أنت...!
أيها الشبح المعطل
كيف تسللت إلى القلب من غياهب الذاكرة؟
الآن ...فقط..
في الدفن الهزيل ..أمام الرمس العالي
تصعد سياطك إلى دموعي
تشتعل الجراحات المندملة
فتجتاحني عواصف الطفولة..
أرتجف أمام محرابك الممنوع
...آه..كم أحتاج الآن
...إلى صرامة القسمات
في وجهك المكابر
كي أراني ..فيك..
شامخا..كما كنت.. فأخترق ضعفي .
إني لملمت عمرا من كلام
وغرائزـ عمدا- مؤجلة،
وحملت صخرتي حلما منيعا
كي ألقاك
عند منتهى الشموخ..
ماذا لو اقتحمت الآن زهدك الحصن
وصمتك العالي؟؟؟
الآن فقط..بعد الهجعة،
وخرس الصخرة
تنبتت للطفل، المتشرنق بالدواخل،
أجنحة الكلام.

لمجيد تومرت
خريبكة / المغرب

زاهية
10-12-2005, 01:38 AM
ربما كان من أصعب الأمور اجتماع الرهبة من الموت والخوف من الأب في مثل هذا الموقف
إحساس لايعرفه إلا من عاشه بكل مافيه من ارتعاشات نفسية قد تكون مؤذية أحياناً
وقد تكون خيِّرة تدفع بصاحبها لمراجعة الحسابات مع نفسه فتفتح له نوافذ أمل جديدة لمصالحة الذات مع الحق
دمت بهذا الصفاء
وأهلاً بك في واحة الخير
أخي الفاضل
لمجيد تومرت
أختك
بنت البحر

سحر الليالي
10-12-2005, 07:58 PM
أخي الكريم لمجيد تومرت :

مرحبا بك أخي في واحة الخير ..

قصة جميلة على الرغم من الألم والحزن الذي يحتويه

سلم قلمك

لك خالص التحايا والتقدير

أسماء حرمة الله
11-12-2005, 06:23 AM
سلام الله عليك ورحمته وبركاته

تحيـة كتبتُها بعطر الزنبق

الأخ المبدع لمجيد تومرت،

ماأصعبَ هذي اللحظات التي يقف فيها المرءُ مكبّلا واجمـاً أمام موقفٍ كالذي عاشه بطل قصتك، تصير فيه أجنحةُ الكلام مغيَّبَةً، راقدةً لاتبوحُ إلاّ خوفاً وحيرةً وحزناً.
كثيرا مايخاصمنا الزمن، ولايمهلنا لمعانقة أماكن أحبابنا وزمانهم وقلوبهم، ويكون الموتُ مختبِئاً مترصّداً يحرس خطوناً ليباغتنا، قبل أن نقطفَ سعادةً أو لقاءً أو حلماً أو لحظةً نضمّد بها نزفاً أو شجناً..
لمحتُه يبكي على فراش أبيه الراحل جسداً الحاضرِ روحاً، وخمسُ سنوات من الغياب المرّ ساكنةٌ بأعماقه، تذكّره بلقاءٍ لم يكتمل، وبحنينٍ ينقش بالضلوع كلّ ألوان الكلام، تُـذَكِـّره حتى بهيبة أبيه ووقاره، فتتلاقح ذكرياتُ وصورُ الطفولة بمشهدِ الدفن والأحلام المهراقة على ضفافه، لن يستطيع أن ينسى تلك المشاهدَ وخصوصا كلّ مااختلج بروحه وهو يناجي قبـرَ والده، وسيظلّ ذلك قافلةَ سفره إلى ذاكرته كلما أورقَ الحنين وأجهشت الذكرى بالبكاء، وحدها الكتابةُ تلملمُ تبعثُرَ روحه، وترتّبُ زمنه الماضي والحاضر، لتصنعَ منه أغنيةً للأمل...
شكرا لإبداعك وللحظات الوجع التي عشتُها مع حروفك حتى العمق..
تقبّل خالص تحاياي وتقديري
وألف باقة من الورد والمطـر

لمجيد تومرت
11-12-2005, 12:30 PM
أختي زاهية، تعليقك عميق نقي صاف كصفاء روحك، هكذا عرفتك يا بنت البحر.
سعيد جدا بوجودك هنا في واحة الخير، وشكرا على الترحيب بي .
أخوك لمجيد تومرت

أختي سحر الليالي، حياك الله و سلمت من كل مكروه،و شكرا جزيلا على الترحيب ،هو من طيبة نفسك . الإبداع الحقيقي وليد المشاعر والمعاناة الحقيقية و إلا فقد جاذبيته وصدقه.
لك أجمل تحية وأصدقها.

أختي أسماء حرمة الله، قراءتك المعمقة للنص تؤشر على قارئة متذوقة ومتابعة مميزة تعي جيدا رهان الكتابة و وظيفتها .
لا أخفيك سرا إن قلت لك بأن هذا النص من أعز نصوصي لأنه يصور تجربة مريرة حقيقية عشتها بتفاصيلها المكشوفة والمضمرة.
شكرا على حسن تلقيك لهذه التجربة
تحية خالصة و لكن جميعا كل الورد .

http://sinnar.jeeran.com//allroses_1686_666814.gif