المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تعالوا نتعلم أدب الاختلاف



عطية العمري
03-01-2006, 08:14 AM
تعالوا نتعلم أدب الاختلاف
( منقول بتصرف )

الاختلاف قد يكون علمياً وقد يكون فكرياً وقد يكون اجتماعياً... ولكل واحد من هذه الاختلافات أدبه الخاص به في كيفية التعامل بين الأطراف المختلفة في الرأي.
وقبل الخوض في أدب الاختلاف لابد من ذكر أمور:
*أ : الإسلام دين يحث الجميع على الارتباط بالحياة العلمية وعلى ضرورة التواصل الفكري وهذه واحدة من أهم خصائص ديننا وأمتنا التي هي أمة اقرأ، وأول آية نزلت على الرسول(ص) تخاطبه هي آية القراءة أو العلم (اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم.. ).
وتاريخنا يذكر أن الرسول(ص) جعل العلم طريقاً لتخليص النفس من الأسر ذلك لأهمية العلم كما هو الحال مع أسرى بدر، هذا مضافاً إلى حث القرآن على ضرورة التفكر التي هي واحدة من طرق تحصيل المعرفة (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها). فالتفكير ميزة عبادية تميّز بها بعض المسلمين وحازوا بسببها شرف السبق والمكانة.
إلا أن المشكلة الأساسية التي يعاني منها اكثر المنتسبين إلى الحالة الدينية هي الأمية الفكرية والتعويل على الثقافة الجاهزة (المعلّبة) دون التدقيق وإعمال الفكر وهذا بدوره يترك اثراً سلبياً على الفرد ومن ثم على المجتمع ايضا، فكثيراً ما نطلق الأحكام على عواهنها متسلحين بمقدمات فاسدة لا تمت إلى المعرفة بصلة وتاليها يبطل مقدمها، وانتشار هذا النوع من الثقافة والأفكار يؤدي إلى اغفال دور العقل وتعطيل قدرته مما يؤدي إلى ظهور جيل لا يعتمد الدليل العلمي في حكمه على القضايا ومناقشة الرأي الآخر ومقارنة الحجة بالحجة والدليل بالدليل.
وما تراه من بساطة في المستوى الفكري والتفكيري إنما هو نتيجة طبيعية لنشوء هذا النوع من الثقافة والاستئناس بها.
*ب : والنتيجة الطبيعية لذلك هو غياب الإنتاج الفكري، وهذا اخطر ما تسببه الثقافة المعلّبة والتعويل على الجاهز مما يجعلنا أمة مستهلكة بدل أن تكون منتجة وبهذا تقف مسيرة الحركة الفكرية عند حدود الموروث الثقافي والاكتفاء به مع أن القرآن يرفض هذا المسلك المشابه لمسلك الاقتداء السلبي بالآباء والأجيال السابقة ورفض الفكر وتفعيل دور العقل هذه الطاقة المودعة عندنا.
مع أن من المهام الملقاة على عواتق العاملين في هذا الحقل تكسير الأغلال والصنمية بشكلها العام كما في قوله تعالى (ويضع عنهم اصرهم والأغلال التي كانت عليهم) وهذا يدل على خطورة تلك الاغلال ـ الفكرية، والدينية، والثقافية ـ المضروبة على العقل وانطلاقه وحجبه عن الحقيقة.
*ج. ومن نتائج هذه الحركة الموروثة ظهور حركة الاستبداد الفكري للرأي والانفراد بالحقيقة وقسر الناس عليها وهذا قهر لعقول الآخرين على العقل الواحد وعلى الرأي الواحد، والموقف الواحد مع أن عدم الإكراه حق ضمنه القرآن للجميع (لا إكراه في الدين) فإذا كان القرآن يضمن عدم الإكراه في الدين وهو اشرف الأشياء فكيف بالفكر والرأي لما فيه من سلب حرية الاختيار وقدرته على التمييز والاختيار.
ثم أن الاستبداد الفكري من افدح الأخطاء التي قد يقع فيها البعض دون النظر إلى غنى تعدد الآراء وفوائدها من التنافس وانضاج الفكر وتعميقه وتطويره من فوائد تعود علينا جميعاً.
ومن هنا تأتي الحاجة إلى معرفة أدب الاختلاف والتعامل مع الرأي الآخر. ويمكن أن نقسم هذه الآداب إلى ثلاثة أقسام:
* أدب التعامل الأخلاقي مع الرأي الآخر.
* أدب التعامل العلمي مع الرأي الآخر.
* أدب التعامل الاجتماعي مع الرأي الآخر.
أولاً: الآداب الأخلاقية :
وبعد كل هذا نجد أن من الأهمية بمكان التعرف على أخلاقيات الاختلاف في كيفية التعامل اخلاقياً مع الرأي الآخر.
توجد مجموعة من الضوابط الأخلاقية التي لابد من مراعاتها وهي:
1) احترام الآخر
وهذه من الأوليات الأخلاقية في التعامل وهي ليست مرتبطة بحالة الاختلاف فقط، وإنما هي من لحقوق المسلم على أخيه، ولكن تظهر اهميتها والحاجة إليها عند الاختلاف ولابد لكل طرف أن يراعي الآخر في هذه الجهة لان القرآن يؤكد عليها (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم). وتفرضها سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الآخرين ليس في الدائرة الإسلامية وحسب بل حتى مع الذين اتخذوا منهجاً يختلف عن المنهج الحق، وكان لهذا البعد في حياتهم الأثر الكبير في انتقال الآخرين من دائرة العداوة للرسول(ص) إلى دائرة الحب والولاء.
ولم ترد في التاريخ الإسلامي العريض جزئية واحدة تظهر خلاف هذا في حياة الرسول في التعامل مع الرأي الآخر.
2) عدم سوء الظن (الإحسان بالآخر)
محاكمة النيّات والحكم عليها جزافاً من خلال مقدمات أو مسلمات معينة من أخطر الأمراض التي تسبب الخلاف والتشرذم، وكم هي المفردات والقضايا التي استصدرنا فيها حكماً على الآخر بطريقة غير منضبطة ولا علمية مع أن القرآن ينهى عن هذا الخلق الذميم (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن).
وهكذا ورد في الروايات أيضاً (ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك منه ما يغلبك ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملاً).
ولقد اشتهر بين المسلمين ـ هلا شققت قلبه ـ كدليل على رفض المسلمين لهذه المفردة السلبية بعد أن رفضها الرسول(ص) من خالد بن الوليد حين قتل رجلاً مسلماً بسبب الظن السيء والحكم على النيّة.
3) عدم غيبة الآخر:
وهو تناول شخصيته بنوع من التجريح لا لشيء سوى أنه مختلف في الموقف والرأي وهي من المحاذير التي تناقلها القرآن وشدد على خطورتها ويعاقب عليها (ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه).
4) عدم تصيّد أخطاء الآخر
وهي محاولة رخيصة للانتصار على الآخر بحيث نلج إلى أعماقه ومكتوماته وننقب في تاريخه ونتتبع عثراته ثم ننشرها سواء كان شخصاً أو جهة أو فكرة نرفضها.
ومن الطبيعي أن الاحتكاك والعمل يولد بعض الأخطاء ولا يمكن أن يدعي احدنا العصمة من الخطأ ومن اللازم مساعدة الآخر على تجاوز اخطاءه ومحاولة سدّها.
وفي سيرة أهل الرسول صلى الله عليه وسلم ما يؤكد على ذلك وعلى النصح والارشاد وليس العكس كما هو حال البعض من المشتغلين بالشأن الديني والفكري. فهم يحولون الاختلاف إلى خلاف وليس هذا من حضارية الاختلاف في شيء، وتلك الممارسات الخاطئة في هذا الاتجاه والتي يتوسل بها البعض للنيل من الآخر بغية اسقاطه واقصائه هي دليل على قصر نظره وعجزه أيضاً وعدم قدرته على التكيّف مع الآخر، وفقدان ثقته بمنهجه وطريقته في العمل.
ومن الشرع التعامل مع الآخر طبقاً للمعايير والموازين الشرعية وليعلم هواة الطعن والتجريح والتقسيط والتكفير والتفسيق انهم بعيدون كل البعد عن الشرع المقدس وعن القيم الأخلاقية الثابتة وعن الأطر الإنسانية المتفق عليها إنهم ـ أي الرافضون للرأي الآخر ـ بأساليب التسقيط والتحقير ضد الرأي المخالف يمارسون سياسة سيئة وإن كانوا يتمسحون بالإسلام ظاهراً لان الإسلام لا يقر مثل هذه الأساليب الشيطانية مطلقاً.
ثانياً: الآداب العلمية :
نحن كثيراً ما نحكم بعدم صلاحية الآخر ونرشقه بالتهم والسباب دون أن نطلع على رأيه وفكره، ومن المعلوم أنه للحكم على أي قضية أو رأي لابد:
1ـ من معرفة هذه المفردة أو القضية بكل جزئياتها وحيثياتها، وهذا إنما يتأتي بعد القراءة الدقيقة والتامة لتلك القضية المراد الحكم عليها.
2ـ القدرة على المحاكمة أو ابداء الرأي.
* أننا نطلق الأحكام على عواهنها دون الرجوع إلى مرجعيات علمية تحدد مفاصل هذه القضية.
* ومن المؤسف أيضاً أن الكثير منا حين يطلق أحكامه على الآخر عن طريق السماع والسماع فقط ويؤسس على ذلك مبانيه ونظريته في الحكم والتعامل مع الآخر.
* والبعض منا يقرأ الآخر وهو لا يملك المقومات كالقدرة على الحكم والمخاصمة، أو على فهم النصوص فيقتطع النصوص ويفصلها عن سياقها الموضوعي معتمداً في ذلك على ما لديه من معرفة سطحية.
* وقد يبلغ البعض منا أحياناً حد التصريح بنقطة الاختلاف مع الآخر ويدخلها في دائرة الخلاف بين الحق والباطل بسبب الاختلاف في النظرية واحياناً كثيرة في تطبيق النظرية مع أن كل هذه الأمور ليست من الأسس العلمية، وما هي إلا تخرصات وظنون هي وليدة عقد معينة.
وكان الأجدر بهذا البعض التأسيس العلمي الرصين القائم على القراءة الواعية للفكر والاستعانة بالمرجعيات العلمية المتخصصة والقادرة على فهم الرأي والراي الآخر.
إذ أن الكثير من الاختلافات تأخذ سبيلها السيء والسلبي من جراء الفهم المنقوص للمسألة التي دار حولها الخلاف. لذلك وقبل أن يرتب أحد أطراف الاختلاف أي قناعة أو موقف لابد من أن يفهم المسألة بشكل كامل بحيث تتوفر لديه المعرفة التامة حول المسألة المعنية.
ومن الجدير هنا التنبيه لما قام به الإمام الغزالي في حكمه على آراء الفلاسفة فقد يغفل البعض أو يتغافل أن الغزالي سبق كتابه (تهافت الفلاسفة) بكتاب أخر وهو (مقاصد الفلاسفة) حيث قرأ آراءهم وشرح مقاصدهم بطريقة لا تدع للشك مجالاً ثم أعقبه بكتاب التهافت كطريق علمي للحكم على الآخر.
2ـ الموضوعية وإنصاف الرأي الآخر
وهذه المفردة تحتاج إلى الكثير من التنازل عن الأنا السفلى وهي الذات وصنميّة الأفكار والأشخاص فليس من السهل أن يكون الإنسان موضوعياً ومنصفاً تجاه الآخر المختلف.
وعدم إنصاف الآخر ناشئ من:
ـ حب الذات المعبر عنه في علم النفس بالأنا السفلى.
ـ صنمية الفكر والأشخاص.
بحيث يتعامل مع ذاته أو فكره وجهته بنوع من القداسة والتنزيه اللامبرر وكأنها نصوص شرعية لا تحتمل الخطأ. وتكرّس هذا الفهم الخاطئ عند الكثير أدّى إلى نشوء حالة الدفاع اللا مشروع عن الرأي ضد الرأي الآخر، أو عن الجهة والأشخاص. مع أنه من الموضوعية والإنصاف أن ينقد الإنسان ذاته وان ينفتح على همومها ومشاكلها وهو أمر يدخل في محاسبة النفس بمفهومه العام قبل نقد ومحاسبة الآخر.
ومن الإنصاف أيضاً التعرف على الرأي الآخر وشرحه كما لو كان هذا الرأي هو رأي الجهة التي أقدس فكرها ورأيها كما هو حال بعض أهل الفكر.
3ـ البحث عن الحقيقة:
الحقيقة هي الغاية التي ينبغي أن تكون المنشود الذي يبحث عنه الإنسان فهي ضالة المؤمن يأخذها متى وجدها.
وهذا يعني التجرد التام عن كل ما من شأنه أن يعيق حركة الإنسان في بحثه ومن أهم ذلك (الأنا الجهوية) لأنها سبب كل النتائج السلبية التي يعيشها واقعنا المعاصر والحقيقة كل الحقيقة لا يمكن أن يدعي احدنا أو يجزم قاطعًا أنها ملك له وحده أو لجهته وحدها. والعصمة من الخطأ ليست من الأمور الكلية في الدائرة الكبرى بحيث تصدق على جميع الناس.
والقرآن الكريم يذكرنا بقوله تعالى (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين).
وينبغي أن يكون الوصول إلى الحقيقة ديدن الجميع وان كانت تخالف مشاربهم ومسالكهم في الحياة . وليعلم أولئك الذين يعيشون الصنمية والشخصانية الفكرية واحتكار الحقيقة لانفسهم ويتشدقون بشعارات هم ابعد الناس عن العمل بها إنما هم معول هدم ولا يزيدون الخرق إلا اتساعاً، وانهم بذلك يعملون على تمزيق وحدة الصف ونشر الفرقة والخلاف في الوسط الإسلامي.
ثالثاً: الآداب الاجتماعية :
أهم ما ينبغي التأكيد عليه هنا أن نسلم بحالة الاختلاف وتأثيراتها على الواقع مع النظر إلى إننا لا يمكن أن نلغي الاختلاف بين البشر مهما كانت الجهود كما يقول القرآن (ولذلك خلقهم) لأن الاختلاف امتحان الهي ينبغي تجاوزه بعيداً عن السلبيات التي يمكن أن تنتج أثناء الممارسة وهنا لابد من مراعاة الأمور التالية:
1. التكيّف وقبول الاختلاف
ونقصد به اقلمة النفس وتكيّفها مع هذا المفروض المتأصل ليس فقط في الفكر والرأي بل في كل وجودنا. وعن طريق هذا التكيّف يمكن أن نحقق التعايش الإيجابي.
والتكيّف يعني قبول الآخر واعتباره عامل اثراء ويمكن الاستفادة منه في خلق حالة من التنافس الإيجابي بين أبناء المجتمع لتقديم كل ما هو افضل من فكر وراي لتطوير العمل والفكر والدعوة إلى الله بالتي هي أحسن. والدفع نحو الأفضل.
2. عدم إسقاط الآخر اجتماعياً
وهذه المفردة ينبغي أن يضمنها كل منا للآخر بحيث لا يتعدى عليه اجتماعياً فلا يمكن تطوير المجتمع مع الانشغال بإسقاط الآخر. مع التأكيد على أن المجتمعات الأخرى تضمن هذا الحق في أعلى مراتبه لأن الرأي الآخر لا يوجد التصارع والفرقة إنما يولد التنافس وتقديم الخدمات فكلما كثرت الآراء وتلاقحت مع بعضها تولد الصواب، لأن الصواب إنما يتولد بضرب الرأي بالرأي، ومن اجل ذلك كله ينبغي تقديس الرأي الآخر.
والحال أن بعض واقعنا لا يكتفي بعدم قبول الآخر إنما يتجاوز ذلك إلى إلقاء الاسقاطات النفسية والاجتماعية على كاهل الآخر. ومما يؤسف له أن نعيش حالة من اللا تديّن في الاختلاف بحيث ينشغل بعضنا بإسقاط الآخر ومحاولة إقصائه عن ساحة العمل الإسلامي.
3. حق إبداء الرأي
مكفول في الإسلام للجميع ما دام في إطاره الإيجابي فكما يحق لطرف إبداء رأيه بكل فسحة دون أن نفرض عليه قيود الحجر فكذلك يحق للآخر، وحتى لا نعيش الازدواجية والمزاجية بحيث يحق لي ما لا يحق لغيري، ولا يحق لغيري ما يحق لي لابد من افساح المجال للآخر في إبداء رأيه.
ومن منطلق حرية الفكر وإبداء الرأي، كثرت المذاهب والآراء والمدارس المختلفة.
* توجد كثرة مدارس كلامية.
* وتوجد كثرة مدارس فلسفية.
* وتوجد كثرة مدارسة اصولية.
* وتوجد كثرة مدارس مذهبية.
وهذا كله إنما نشأ بسبب ضمان حرية ابداء الرأي للجميع ما دام الهدف هو الاثراء أما قسر الناس على رأي واحد فهذا نوع من الاستبداد وحين مورس هذا النوع من الفكر وساد لفترة من الزمن في بعض فترات الحكم الإسلامي كان له الأثر السلبي العميق الذي ـ إن لم نجاوز الحقيقة ـ لا نزال نعاني من آثاره إلى اليوم.
ومن أهم آثاره:
* قتل الكفاءات.
* عدم بروز الطاقات.
* هجرة بعض الكفاءات.
* الاعتماد على الفكر الواحد ـ المعلّب ـ.
* زيادة التأخر والبعد عن ركب الحضارة المدنية.
ففي الوقت الذي يعيش فيه العالم الثورة المعلوماتية وعصر الإنترنت وما هو اعقد منه وفي الوقت الذي ينفتح العالم على الرأي الآخر ويتفاعل معه غير أن البعض لا يزال يعيش بعقلية العصور الوسطى وعصر ما قبل الثورة الفرنسية.

خوله بدر
03-01-2006, 10:07 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي الكريم عطية العمري
بارك الله وجزاك الله خيرا
لقد جئتنا بالمفيد وهذا وقته بالذات وقد اختلط الحابل بالنابل في زمان عز فيه الخطاب جزيل الشكؤر للناقل والمنقول وللكاتب في الأصل والحمد لله على نعمة الإسلام .
دمت بألف خير.
ونلتقي على طاعة الله ورضاه
أختكم في الله خوله
إبنة الوطن الجريح .

عطية العمري
04-01-2006, 07:27 AM
أشكرك أخت خولة جزيل الشكر
ودمتِ بألف خير
ونلتقي على طاعة الله إن شاء الله

عبلة محمد زقزوق
24-01-2006, 12:15 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
{ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الأخر وذكر الله كثيرا } من سورة الأحزاب
صدق الله العظيم .

ونقول تأيدا لجميل نقلكم ، أن بعض الناس يعتقد أن ظاهر الأشياء هو الحقيقة .. وهذا غير صحيح ، فكل شئ له ظاهر وباطن .. فبأدب الإختلاف نستطيع أن نتوغل في النقاش ونصل إلى حقيقة الظاهر منه والباطن بمشئة الله .

دمت رائع النقل أخي الفاضل ـ عطية العمري

عطية العمري
26-01-2006, 09:26 AM
شكراً أخت عبلة محمد زقزوق
أشكرك شكراً جزيلاً على مرورك وتعقيبك وإضافتك المفيدة
ودمت بألف خير

معاذ الديري
27-01-2006, 03:58 AM
شكرا لك سيدي الفاضل على ما اتحفتنا به من صيدك الوافر .
مشكلة الاختلاف مشكلة مستفحلة وتاكل منا من الوقت والجهد وضياع الكفاءات مالا تاكله مشكلة اخرى والسبب اننا لا نعرف كيف نختلف وليس اننا نختلف .
الاختلاف ظاهرة صحية ودليل حياة الا عندنا .. فهي تجلب لك الاعداء وتولد لك المشاكل من حيث تدري ولا تدري . و كلمة ( فلتن مثير للجدل ) تعتبر مدحا يتمناه اي شخص في كل العالم الا عندنا .. فاختلافك عن القطيع مصيبة وتغريدك خارج السرب كارثة واثارتك للنقاشات والجدل دليل فتنة يجب ان يستأصل قبل استفحالك سرطانا خبيثا في جسد الأمة ..
تجد قومنا لا يفكرون الا بمبدأ بوش اما معنا او ضدنا ..
ولو تعلمنا قليلا من اثار سادتنا السلف في فن الاختلاف واصوله وطرقه الموضوعية وفوائده الناجعة لوفرنا الكثير الكثير .
وفي هذا الصدد ولمن يهمه الامر أحيله الى كتاب رائع قل ان افادني كتاب مثله اسمه : فصول في التفكير الموضوعي ..وهو باكورة سلسة (رحلة الى الذات ) للاستاذ الدكتور عبدالكريم بكار وصدر منه عن دار القلم بدمشق حتى الآن ثلاثة مواضيع .. وكنت انوي نشر بعض مقتطفات منه لمواضيع عدة قريبا في هذا الموقع اذا يسر الله الوقت .
اننا نعيش ازمة مركبة فعلا ولعل ادارة الاختلاف تعد احد اهم الاسباب التي تزيدها تعقيدا فنحن نأخذ كل اختلاف على محمل شخصي ونتعامل مع كل من يخالفنا كعدو او مغرض حاقد وهكذا فان ما يترتب على ذلك يكون اكبر من المشكلة التي اختلفنا اصلا عليها .. وبالتالي تتحول الخلافات الى موضوع بحد ذاتها .

الحديث ذو شجون ومؤلم جدا بالنسبة لي .

شكرا لك .

حوراء آل بورنو
27-01-2006, 03:18 PM
مررت من هنا ، و كانت لي فيه فائدة ، فشكرا لك .

الصباح الخالدي
28-01-2006, 12:32 AM
لو درسنا فن المنطق والجدل لاختصرنا الكثير من الجهد في حوارات عقيمة في المجتمع
شكرا لك

عطية العمري
18-08-2007, 12:57 PM
الإخوة والأخوات الأفاضل
معاذ الديري ( عاقد الحاجبين )
حوراء آل بورنو
الصباح الخالدي
أشكركم شكراً جزيلاً
ودمتم بألف خير

عطية العمري
18-08-2007, 01:01 PM
الأخ الكريم معاذ الديري
أتفق معك في كل ما قلته
وأتألم شديد الألم ، ربما أكثر منك على ما نحن عليه
ولكن . . ما الحل ؟ وما المخرج من هذا المأزق الصعب ؟
أرجو من الجميع أن يدلي بدلوه في هذا المجال
ودمتم جميعًا بألف خير

عبدالصمد حسن زيبار
19-08-2007, 07:59 PM
دراسة للأستاذ أبو زيد الادريسي
حول الحوار
/



الحوار والفزع من الآخر

المقرئ الإدريسي أبو زيد / مفكر اسلامي من المغرب



عندما نتحدث عن الحوار وأخلاق الحوار ونحاول أن نستلهم دروس القرآن الكريم في إرساء قواعد هذا السلوك الحضاري، كثيراً ما ترتسم على الوجوه علامات القلق والوجوم وكثيراً ما ترى من الإشارات والعبارات ما يدل على ما يمكن أن نسميه الفزع من الآخر. فكيف يمكن المضي في تأصيل وممارسة سلوك الحوار في مثل هذا الجو المتشنج؟

وكيف وصلنا إلى هذه الحالة من الفزع من الآخر ؟ هذا ما أحاول أن ألقي عليه بعض الأضواء.

أولا : الفزع من الآخر ورفضه هو حالة مرضية ولكن الأمثلة التي تضرب في هذا

المجال يبدوا أنها تخلط بين مستويين من الحوار والتواصل . فإذا ذكرنا الصهيونية والإمبريالية فيجب أن لا نخلط هذا بالمستوى الفكري عندما نذكر الأخر. المسلم كإنسان ذو رسالة حضارية يتشبع بها بدرجات متفاوتة واعية أو غير واعية ضعيفة أو قوية تكسبه آلية للدفاع عن نفسه وهويته بشكل طبيعي، فرفض الآخر لما نتكلم عن الصهيونية والاستعمار هو رفض مشروع سياسي وهذا طبيعي وظاهرة صحية. ولكن تختلف تمظهرات هذا الرفض وقد تكون غير سليمة أو عاجزة أو تزيد الطين بلة ، أو تكون مجرد ردود أفعال... ولكن أصل الرفض ظاهرة صحية تتعلق بمناعة الجسم وآليته التلقائية للدفاع ، أما رفض الآخر من حيث هو فكرة فهو رفض مرضيّ. أما كيف وصلنا إليه فهذا موضوع آخر يحتاج إلى دراسة وتحليل، ويحتاج إلى قراءة في تاريخ الاجتماع الإسلامي وتاريخ العقل المسلم وتاريخ الممارسة الإسلامية في الفكر والفعل الحضاري ولكن بشكل عام وصلنا إلى الرفض المطلق للآخر عندما وصلنا إلى الضعف المطلق

فبقدر شعورك بالضعف بقدر رفضك للآخر ، وبقدر إحساسك أن أساس بيتك غير متماسك وأن أوراقك ستطير فإنك ستغلق النوافذ من أجل أن لا يأتي الريح ويجتاح أساس بيتك و أوراقك، ولكنك عندما تغلق لتستقر تنسى أنك تغلق ضد الهواء وضد الأكسيجين فتموت وتختنق وتكون آمنا وثابتاً ودافئاً ومختنقاً. والذي حصل أن المسلمين بدأوا يخافون من الآخر ويرفضونه بقدر إحساسهم بالضعف، كالأم التي تخاف على ابنها بشكل مرضيّ ، فيكون عندها حالة عاطفية بعد خروج ابنها من الرحم فتنسى وتخلق له رحماً عاطفياً وسلوكياً وتنسجه من حوله، ويكبر الولد أحياناً ويتزوج وما زالت الأم تتعامل معه وكأنه داخل رحمها. فالخوف المرَضِي على الولد هو الذي يؤدى إلى أن تحاول أن تحميه من الريح والأمراض بعزله ، ولو أنها مكنته من عملية التحصين الداخلي وقذفت به في الحياة لكي يفعل ويغامر ويتغير وينتج لكان مصدر فخر لها ولهذا الخوف من الآخر قرين الإحساس بالضعف وفي تاريخ الإسلام انفتح المسلمون على الثقافات الأخرى والحضارات الأخرى والعلوم الأخرى بدون عقدة خوف واستوعبوها وهضموها ، وفككوا بناها ولم يخضعوا لمنطقها، وتعاملوا معها كما يتعامل البناء الماهر الذي يأتي وليس عنده مواد أولية كافية فيهدم بناء قديم ويحافظ على المواد الأولية في البناء ثم يعيد ترتيبها في منظومة عبقرية جديدة منافية وهذا هو الذي فعله الإسلام "بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" . جاء النبي e المنظومة إلى المنظومة الجاهلية فهدم قواعد ترتيبها دون أن يبيدها، فقواعد القوة العسكرية التي وجدها النبي e في مجتمع الجاهلية حول وجهتها إلى الجهاد من الاقتتال على الكلأ والماء والسلب والنهب إلى غير ذلك. وكذلك وجد النبي في القوم مهارة في التجارة تركها ولكن وضع لها ضوابط، فلا احتكار ولا ربا ولا حمى ولا غش ولا ضرر ولا ضرار. فالإسلام لم يتعامل مع الجاهلية بمنطق النفي والإقصاء بل تعامل بمنطق جدلي فيه أخذ وعطاء وإعادة ترتيب، فالإسلام أخذ كل قوى الجاهلية وأعاد توظيفها بمنطق البناء الهادف .

والقرآن الكريم يقدم هذا الدرس ، فالقرآن الكريم يفخر في ستة مواضع بأنه قرآن عربي. والقرآن الكريم كذلك لم يستعمل من العربية إلا عشرة بالمائة أقل من مائة وخمسين ألف كلمة مقابل مليون ونصف كلمة عربية. إذاً لم يستنفد القرآن الكريم العربية حتى يذهب إلى سواها. فالقرآن عربي والمفروض انه لا يحتاج إلى الآخر وعمليا مازال عنده وفرة، فلماذا يعتمد القرآن مائتي كلمة من تسع لغات. هذا درس في الانفتاح على الآخر ، وإن إثبات هويتك كعربي لا تتم إلا بالانفتاح على الآخر وعناصر بناء الآخر وإعادة تشكيلها. فتمام الهوية يتم بالانفتاح على هوية الآخر، ولا تعيش هوية بذاتها أبداً بل تموت بالعزلة والتقوقع. وقد سألت المفكر روجيه جارودي أن يلخّص لي بكلمات قليلة كيف انتقل المسلمون من العظمة إلى أن الانحطاط (وهو عنوان لأحد كتبه)، قال لي عندما أحس المسلمون انهم مستغنون عن الآخر.

ينغلق الإنسان ويبدأ يتساقط ويتحات ويتفتت ويموت لأن أحس شروط تماسكه تتمثل بأن يتقوى ويتحصن بالآخر. لقد اعتمد القرآن الكريم مائتي كلمة من تسع لغات: العبرية والآرامية والفارسية والإغريقية واللاتينية والسريانية والحبشية ، وقد جمعها الإمام السيوطي في كتابه المهذب فيما وقع في القرآن الكريم من المعرب وجمعها الجواليقي، وهناك علم قائم اسمه "المعرب من القرآن" . والقرآن الكريم لم ينفتح على كلمات ثانوية بل انفتح على كلمات أساسية هي مفاتيح معاني في بابها. فمن الآرامية أخذ القرآن الكريم أهم العبارات الدينية الأساسية فـ(صلاة) أصلها (صلوة) وزكاة أصلها (زكوة) وجهنم أصلها (غهنم). ومن الإغريقية أخذ الصراط وأصلها (سراطا). وكان بعض علماء اللغة أقرب إلى الإضحاك عندما رفضوا هذا وقالوا أنه لا ينسجم أن يكون القرآن عربياً وفيه هذه الكلمات ، لأنهم يفهمون الهوية أنها توجه ضد الآخر ومستغني عن الآخر ، فبدأت عملية التأويل المبتذلة كما فعل ابن فارس في معجمه العبقري الفريد بما وصل به إلى الإضحاك والابتذال لإثبات استغناء القرآن عن الآخر بتوجه منغلق متعجرف .

وقد اكتشف العلماء مثل السيوطي والجواليقي هذه الأصول ، فانفتاح القرآن على هذه المعاني الجوهرية المتعلقة بالصلاة والزكاة وغيرها والانفتاح عليها في لغات الآخرين هو درس لنا أننا لا نعيش إلا بالانفتاح على الآخر وليس هناك عقدة من الآخر . وأتصور أنه لو استبيح النص القرآني لا قدر الله لتلاعب الناس كما استبيح النص المسيحي والنص اليهودي حتى صارت الحركات النسوانية المتمركزة حول الأنثى تفترض في بريطانيا أن يغيروا (son of God) إلى (child of God) لأجل أن لا يكون هناك تميز بين الذكر والأنثى. لو استبيح النص القرآني لا قدر الله للتلاعب لكانت هذه المئتي كلمة قد استؤصلت في عصر الانحطاط استئصالا . والحمد لله أن هذا الاستئصال كان تأويلياً فقط فبقي الأمر على عهدتهم ولم يدخل إلى صلب النص القرآني ، فالانفتاح على الآخر ليس مشكلة والخوف من الآخر هو ظاهرة مرضية ورفض الآخر ليس دائماً مرضياً إذا كان رفضاً للممارسات العدوانية والتصورات المتمحورة والإلغاء والإقصاء.

/
تحياتي

عطية العمري
20-08-2007, 10:27 AM
الأخ الكريم
عبدالصمد حسن زيبار
حفظه الله

أشكرك على مساهمتك القيِّمة
ويا ليتنا نتعلم من سلفنا الصالح أدب الاختلاف وعدم إقصاء الآخر
لأن هذه الخصلة بالذات سبب رئيسي في المشاكل التي نعاني منها الآن في فلسطين : فالنظرة الحزبية الضيقة فرضت على عقول الكثير منا المقولة المقيتة : من ليس معي فهو ضدي

أشكرك مرة أخرى
ودمت بألف خير

خليل حلاوجي
30-08-2007, 04:19 PM
هل تأذن لي أستاذنا الكبير والغالي أن أضع رؤيتي هنا

\


كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ
بقلم خليل حلاوجي
المسلم كأي إنسان يعيش فوق الأرض فرح بما لديه من حق ويقين بالله تعالى ولو جلس مع أي إنسان لم يهتدي قلبه لنور الإسلام فان الفارق سيكون بيّن بينهما وسبب فرح المسلم بدينه يكمن بأن الله تعالى يقول في قرآنه المجيد أنه رب العالمين وإله الكون كله وليس رب المسلمين وآله المتقين وحدهم ، وأيضا ً فإن الرسول عليه الصلاة والسلام هو رسول الله إلى الناس جميعا ً قال تعالى : {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً }الأعراف158
ومن الخطأ أن يفرح المسلم بهويته الإسلامية ما لم يربطها بهويته الإنسانية ، ألم يقر القرآن بذلك
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }آل عمران64
كان الجاحظ يقول : أن المسلم الأمي الذي يعيش في قرية نائية أو محيط اجتماعي منعزل نراه لا يعرف من العقائد غير العقيدة التي نشأ عليها لذا فإنه لا يستطيع أن يفكر إلا في نطاق تلك العقيدة .
إنه غير ملوم على ذلك ولا يعاقبه الله عليه بدليل قول الله تعالى {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }البقرة286
ثم إن الله تعالى لا يعاقب إلا الكافرين المعاندين الذين أدركوا الحق ويحيدون عنه حرصا ً على جاه أو رئاسة أو نحو ذلك من الأسباب أما الباقون وهم السواد الأعظم من أكثرية الناس فإنه من الظلم عقابهم لأنهم لا يفهمون الحق إلا من خلال العادات والعقائد التي نشأوا عليها ) .
ومعلوم أن الله تعالى ليس بظلام للعبيد وأنه جل في علاه لا يظلم أحداً بل نحن بأنفسنا ظالمين لذا ترانا
عندما تشتعل حربا ً ما بين طرفين من المسلمين يسارع الجميع لعقد المؤتمرات الإسلامية لإطفاء نار الحرب وحين لا يتوقف الصراع بين المتنازعين فسنشاهد النصوص وهي لا تفلح إلا في دعم موقف كل فريق كون كل حزب بما لديه من دوافع للحرب فرح وأما حل المشكلة في النهاية فتكون رفع المصاحف على رؤوس الرماح وهم يصيحون ( لا حكم إلا لله ) وكأن الطرف المقابل لا يعترف بمضمون هذه الصيحات .
ويحضرني في هذا قول للسيدة سعدية سعيد وهي تقول : أنه لا يوجد أي فكرة مهما بلغ سخفها وتفاهتها؛ إلا ورأيت قوما اجتمعوا حولها، قلوا أو كثروا، والله يحكم بين الناس يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون.
ولكن عندما يقول الله تعالى : {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ }يوسف103 فإنه ينبهنا إلى استحالة جمع الناس حول أي فكرة مهما كانت نافعة ومجدية حتى فكرة الحكمة القرآنية ذاتها بل إن القرآن حدثنا عن بعض الموانع فقال جل في علاه :{وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَراً رَّسُولاً }الإسراء94
فقد يقتنع أحدنا بصدقية ونفعية خطاب نسمعه ثم لا نقتنع بمن جاء يخاطبنا ، بل قد يكون عند أحدنا طبيعة إنسانية تجعله لا يألف الجديد من الأفكار حتى ولو ذاق جراءها أشد أنواع العذاب قسوة فيظل يعطي ولاءه للأفكار القديمة قال تعالى :
{وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً }الكهف55 ومثل هذا الإنسان تراه فرح مسرورا ً بما لديه .
وإذا وجد من يعبد البقر في الهند، فهناك من يعبد الشيطان في جبل سنجار شمال الموصل في العراق وهناك من صادر اسم الله لحزبه أو من جعله يلبس العمامة وهو ظل الله فوق الأرض في ( الفاتيكان ) فيظن المسيحيون بنظرية اللاهوت والناسوت.والله لا علاقة له بخرافات البشر ولا تحزبهم ..وكل حزب بما لديهم فرحون.. وهكذا فإن ستة مليارات إنسان يعيش فوق الأرض مع ستة مليار أسم ومسمى للمعبود والرسول ينبهنا أننا نفترق إلى أكثر من سبعين فرقة كما تفرق من قبلنا {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ }الروم32
وليست العلة في التفرق فمنه ما هو دال على التوحد إنما العلة في التقاتل وفرض كل صاحب رؤية رؤيته على الآخرين قال تعالى :{فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ }المؤمنون53
وهذا قرآن الله تعالى يحذرنا من علل أهل الأديان السابقة، وهو يقص علينا تاريخهم لنعتبر ونحذر، فقال جل في علاه : {وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ }الروم32
واوضح لما أسباب الاختلاف حين نبتعد عن أي هدي للنبوة أو انتساب لمنهج رسالة رسولنا عليه الصلاة والسلام قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ }الأنعام159
وأهل الكتاب هلكوا عندما وظفوا ما عندهم من علوم ومعارف للبغي بينهم، قال تعالى:
{وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ }آل عمران19
إن ما يعانيه مجتمع المسلمين اليوم لا يخرج عن أن يكون عرضاً للمشكلة الثقافية وخللاً في البنية الفكرية التي يعيشها العقل المسلم، ولاشك أن الاختلاف في وجهات النظر له علاقة بالفروق الفردية بين سائر البشر وحكمة الله تعالى اقتضت أن يكون الناس مفترقين وكل ميسر لما خلق له، والمؤمنين أيضا ً درجات كما وصفتهم الآيات ، فمنهم الظالم لنفسه، ومنهم المقتصد، ومنهم السابق بالخيرات قال تعالى :
{وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ }هود118
وصدق الله العظيم ...

الصباح الخالدي
31-08-2007, 09:10 AM
في تصوري :
نحتاج لننشر بين الناس منظومة مختصرة كيف ننشر أدب الإحتلاف والتعددية المقبولة
في الشارع الناس لايفهمون ما يقوله الأدباء ولايأبهون لما ينظر له من قبول الآخر أيا كان لونه ( أبيض أسود ... الخ ) وأيا كان أصله ، وجذره ، وطبقته
نحن عندما نغضب على شخص نبدأ بمعايرته بأصله وفصله وأنه لايتصور ممن من هناك إلا هذا
ثم إذا اكرمت ... وأخواتها
وبعد حين نستوعب أن التعميم خطأ والتفريق خطأ
وبين هذا وذاك رؤية أخرى

هشام عزاس
03-10-2007, 01:45 PM
موضوع مفيد و ثري و الإختلاف أساس الرحمة
تطرق صاحب الموضوع لنقاط مهمة جدا و خصوصا قضية الفهم الصحيح للآخر و تجردنا من ذواتنا في الحكم على الآخر و النظرة لحقيقة الأشياء بعين مبصرة
أشكر لك حسن إختيارك
دمت موفقا
هشام

عطية العمري
09-10-2007, 09:55 AM
الإخوة الكرام والأفاضل
خليل حلاوجي
الصباح الخالدي
هشام عزاس
أشكركم على اهتمامكم وعلى إثرائكم للموضوع بما يزيده عمقًا
ودمتم بألف خير
وكل عام وأنتم بخير بمناسبة قرب عيد الفطر المبارك