د.جمال مرسي
22-01-2006, 03:52 PM
أحبائي الكرام في الواحة الغراء
يسعدني أن أقدم بين أيديكم رائعة أستاذي الجليل الشاعر الكبير محمد محمد الشهاوي
( عنقود حب إلى صاحب الكرمة ) و أتمنى أن تنال رضاكم
عنقود حُبٍّ إلى صاحِبِ الكرمة
شعر : محمد محمد الشهاوي
" مهداة إلى روح أمير الشعراء أحمد شوقي "
للعبقريَّةِ سِرُّها الرَّبَّاني=يَفنى الزمانُ و أنتَ لستَ بفانِ
كُنتَ الأميرَ و لم تَزَل لكَ دولةٌ=لم تُعطِ غيرَكَ إمرَةَ الإيوانِ
فَبِأَيِّ كَفٍّ قد سَكَبتَ قلائِداً=تُسْمى قريضاً ، أم بأيِّ بَنانِ ؟
" و بأيِّ نَولٍ أنتَ ناسِجُ بُردَةٍ " =شِعريَّةٍ قُدسيَّةِ الألوانِ ؟
حَوَتِ الجَمالَ اليَعرُبِيَّ جَميعَهُ=نفحَ الورودِ و لَفتَةَ الغِزلانِ
و وَعَت فنونَ الغربِ فهْيَ حديقَةٌ=كونيَّةُ الأثمارِ و الأفنانِ
" سقراطُ " فيها ماثِلٌ بِجلالِهِ=يُلقي علينا حِكمَةَ اليونانِ
و"أبو العلاءِ"يقُضُّ مَضجَعَ فِكرِهِ=وحشُ الشُّكوكِ و صَوْلَةُ الإذعانِ
و " البُحتُرِيُّ " يصونُ نفساً عن جَدا=جِبسٍ و يَربأُ عن خَناً و هوانِ
عَجَباً لِكَرمَتِكَ التي في ظِلِّها=يختالُ "هوميروسُ" و "الحَمداني"
***
للهِ دَرُّ يراعَةٍ أَنَّى جَرَت=فَصَرِيرُها و السِّحرُ يعتنقانِ
غَاصَت بِأعماقِ البحورِ فَأَخرَجَت=دُرّاً و ياقوتاً و عذبَ جُمانِ
و استَفتَتِ التاريخَ عن أسرارِهِ=فَعَنا العَصِيُّ و أسرَعَ المُتَوانِي
اليانِعُ الشِّعريُّ بعضُ ثِمارِها=إمَّا تَفَيَّأْنا شذا البُستانِ
ناهيكَ عن نثرٍ ، فرائِدُ عِقدِهِ=لم تَستَطِعها قبلَ ذاكَ يدانِ
"ذَهَبٌ بِأسواقٍ" تَسَابَقَ نَحوَهُ=" ابنُ العميدِ" يُزاحِمُ " الهَمَذانِي"
***
يا ليتَ من جَهَلوا عليكَ تَرَيَّثوا=و نَأَوْا عنِ التَّجريحِ و الأضغانِ
أَيقَظْتَ عقلَ الشِّعرِ من غَفَلاتِهِ=و نَفَثتَ فيهِ فَورَةَ البُركانِ
و بَرِئْتَ من عَبَثٍ تَسَيَّدَ أعصُراً=و سَمَوْتَ عن هَذَرٍ و عن هَذَيانِ
و رَفَعتَ للأخلاقِ أسمى دولةٍ=حتَّى انحنى لِجلالِها القَمَرانِ
يكفيكَ مَجدٌ لم يَنَلْهُ شاعِرٌ=أبَداً سِواكَ و أنتَ أنتَ البانِي
أهرامُ شِعرِكَ لم تَزَل أُعجُوبَةً=ما أَبصَرَت صِنواً لها عينانِ
ما زِلتَ مثلَ الأمسِ معجِزَةً و ما=زالَت لُحُونُكَ أعذَبَ الألحانِ
***
قالوا " الجديدُ" و ما لِماضٍ قد مَضى=غيرُ التَّواري أحرُفاً و معاني
يا رفقَةَ الدَّربِ النَّقيضِ و كلِّ أر=ضٍ لم تَطَأْها قبل ذا قَدَمانِ
مُتَمَنطِقِينَ جُمُوحَكُم في ساحَةِ الـ=مجهولِ بَحثاً عن رُؤىً و أماني
لِلنَّهرِ أَكبَرَ كُلُّ فَضلٍ ما زَكَا=عُودٌ نَمَتهُ راحَةُ الغُدرانِ
و الشَّمسُ..وهْيَ الشَّمسُ عُمراً..لم تَزَلْ=عَذراءَ تَرفُلُ في سَنا الريعانِ
إنَّ القديمَ أبو الجديدِ و أُمُّهُ=هل مِن وليدٍ ما لَهُ أَبَوانِ ؟
شَرْعُ الحياةِ تَزَاوُجٌ و تناسُلٌ=الشِّعرُ و الأفكارُ و الثَّقَلانِ
يا كُلَّ عُصفورٍ يُعانِقُهُ المَدى=أطِلِ الغِناءَ مَثالِثاً و مثاني
في الكَونِ مُتَّسَعٌ لِكُلِّ مُغَرِّدٍ=و لِكُلِّ روحٍ أُرغُنٌ و أغاني
لن تُنسِيَ "الجازُ" الحياةَ حُداءَها=و "الأورجُ" لن يُغني عنِ الكَرَوانِ
***
باللهِ حَدِّث يا أميرُ و قُل لَنَا=كيفَ امتَلَكتَ أَزِمَّةَ الإتقانِ ؟
بل كيفَ طَوَّعتَ المُحالَ مُجَاوِزاً=حَدَّ العقولِ و حاجِزَ الإمكانِ ؟
و إذا كَتَمتَ السِّرَّ فاعذر مِثلَنا=إمَّا تَخَلَّفنا عن الرُّكبانِ
آهٍ تَخَلَّفنا كثيراً بعدَما=ضَلَّ العَدَالَةَ حامِلُ المِيزانِ
و غَدا الأديبُ الحَقُّ لُعبَةَ دَهرِهِ=يُلقي بِهِ الطُّوفانُ للطوفانِ
هل كانَ عَصرُكَ مِثلَ أيّامٍ لَنا=أم أنَّ عصرَكَ كان ذا وجدانِ ؟
هل كانَ قولُ الشِّعرِ فيهِ جريمَةً=كُبرَى ، و معصيَةً بِلا غُفرانِ ؟
لا تَعجَبَنَّ إذا القرائِحُ أَجدَبَت=و خَلَت صياصينا من الفُرسانِ
هل أَبصَرَتْ عيناكَ وَرْداً قد نَمَا=وسْطَ السَّعِيرِ و مارجِ النِّيرانِ ؟
***
هذا كتابُ الدَّمعِ نَرفَعُهُ على=سيفِ الجِراحِ و حَربَةِ الأشجانِ
ليس الأديبُ عَدوَّ أُمَّتِهِ و لا=هُوَ مارِدٌ قد لَجَّ في العِصيانِ
كلاّ و ليسَ بِعَورَةٍ أو سَوْأَةٍ=حَتَّى تُواريَهُ يَدُ الغِربانِ
كالنَّاسِ كُلِّ النَّاسِ نحنُ فما الذي=فِينا يُثيرُ حفيظَةَ الخِصيانِ ؟
كالناسِ كلِّ النَّاسِ نحنُ فما الذي=يخشاهُ مِنّا حَضرَةُ السَّجَّانِ ؟
تَدري الحقيقةُ أننا عُشَّاقُها=مهما نُصادِفُ من أذىً و نُعاني
تدري العروبَةُ أننا حُرَّاسُها=و لَكَم تَصَدَّى الشِّعرُ للطغيانِ
***
عَرَبَ الجِراحِ و جِيرَةَ الوَطَنِ الذي=أخنى عليهِ كَلكَلُ النِّسيانِ
لم يبقَ لي مِنِّي سِوى قلبٍ غَدا=خَفَقَانُهُ شيئاً سِوى الخَفَقَانِ
بعضي على بعضي غدا مُتَوَكِّئاً=حتى لَيُخطِئني الذي يلقاني
يا ثالثَ الحَرَمينِ إنَّكَ شاهِدي= إن قلتُ : إن النَّومَ قد جافاني
ها أنتَ مُستَعِرُ الدموع ، و شرقنا=لاهٍ يلوكُ الغيَّ في إدمانِ
و لرُبَّما قد ثارَ مِنَّا ثائِرٌ=في نشرَةٍ مشفوعَةٍ بِبَيانِ
مَنْ لي بأوعيَةِ الجَحِيمِ جميعِها=لأصُبَّها حُمَماً على الكُهَّانِ ؟
القابعينَ على أرائِكِ عجزِهِم=مَسْخاً يفوقُ تَفاهَةَ الأوثانِ
المُنتَشِينَ بخَمرَةِ البَلَهِ الذي=قد زَفَّ أندَلُساً إلى الشَّيطانِ
***
لا تَحسَبوا يا سادَتي وَطَني سِوى=قاصي العروبَةِ كُلِّها و الدَّاني
إنِّي أنا الجَمعُ الذي في مُفرَدٍ=و المُفرَدُ المَسكُوبُ في أبدانِ
و اسمي الملايينُ الأُلى إن فارَقوا=جَفني فَقَد هَرَعوا إلى وجداني
و اسمي الملايينُ الأُلى إن غادَروا=بعضي فقد سَكَنوا جميعَ كياني
و اسمي الملايينُ الأُلى إن خُنتُهُم=قد خُنتُ نَفسي مُغضِباً قُرآني
و قضيَّتي : العَرَبِيُّ ، تلكَ قضيَّتي=حتى تواريَني يَدُ الدَّفَّانِ
***
يا ليتَ شِعري و المواجِعُ جَمَّةٌ=و فَجيعَتي بَحرٌ بِلا شُطآنِ
و القلبُ مُنشَطِرٌ كقومي ، ضائِعٌ=كضياعِهِم في السِّرِّ و الإعلانِ
و الهَمُّ .. رَوَّاحاً و غَدَّاءاً .. على=رأسي يَدقُّ مُؤَجِّجاً نيراني
و طوارِقُ التسآلِ تَدهَمُ خاطِري =أُمَماً مِن الآلامِ و الأحزانِ
ما الفَنُّ ، ما القيثارُ ، ما الأشعارُ إن=لم تُعلِ فينا عِزَّةَ الأوطانِ ؟
ما العِرضُ، ما الحُرُماتُ إن لم نَنغَرِسْ=رُمحاً و سِكِّيناً بِصَدرِ الجاني ؟
ما النِّفطُ، ما الأموالُ،ما الدُّنيا ،و ما=كُلُّ "البنوكِ" و شاهق البُنيانِ ؟
ما كلُّ ذا أو ذاكَ إِنْ لم يرتَفِعْ=عَرَبُ الضَّياعِ لمستَوى الإنسانِ؟
***
يا ليتَ شِعري و المواجِعُ جَمَّةٌ=و الهَمُّ مِطرَقَةٌ تَهُدُّ كِياني
كيف ارتَضيْنا أن نعيشَ القَهقَرى=و نسيرَ ضِدَّ طبيعةِ الدَّوَرانِ ؟
و لِمَ احتَرَفنا الغَيَّ حتى أصبَحَت=أيَّامنا فُلْكاً بِلا رُبّانِ
و إلامَ نغمِسُ في الرِّمالِ رؤوسَنا=مُستَسلِمينَ لِقَبضَةِ القُرصانِ؟
و متى سنَذكرُ حِكمَةً شَوقيَّةً =تُحيي الرَّمِيمَ بجَرسِها الرَّنَّانِ :
" دَقَّاتُ قلبِ المرءِ قائِلَةٌ لَهُ=إنَّ الحياةَ دقائِقٌ و ثواني"
" فارفع لنَفسِكَ قبلَ مَوْتِكَ ذِكرَها=فالذِّكرُ للإنسانِ عُمرٌ ثانِ "
و دمتم بخير
محبكم د. جمال مرسي
يسعدني أن أقدم بين أيديكم رائعة أستاذي الجليل الشاعر الكبير محمد محمد الشهاوي
( عنقود حب إلى صاحب الكرمة ) و أتمنى أن تنال رضاكم
عنقود حُبٍّ إلى صاحِبِ الكرمة
شعر : محمد محمد الشهاوي
" مهداة إلى روح أمير الشعراء أحمد شوقي "
للعبقريَّةِ سِرُّها الرَّبَّاني=يَفنى الزمانُ و أنتَ لستَ بفانِ
كُنتَ الأميرَ و لم تَزَل لكَ دولةٌ=لم تُعطِ غيرَكَ إمرَةَ الإيوانِ
فَبِأَيِّ كَفٍّ قد سَكَبتَ قلائِداً=تُسْمى قريضاً ، أم بأيِّ بَنانِ ؟
" و بأيِّ نَولٍ أنتَ ناسِجُ بُردَةٍ " =شِعريَّةٍ قُدسيَّةِ الألوانِ ؟
حَوَتِ الجَمالَ اليَعرُبِيَّ جَميعَهُ=نفحَ الورودِ و لَفتَةَ الغِزلانِ
و وَعَت فنونَ الغربِ فهْيَ حديقَةٌ=كونيَّةُ الأثمارِ و الأفنانِ
" سقراطُ " فيها ماثِلٌ بِجلالِهِ=يُلقي علينا حِكمَةَ اليونانِ
و"أبو العلاءِ"يقُضُّ مَضجَعَ فِكرِهِ=وحشُ الشُّكوكِ و صَوْلَةُ الإذعانِ
و " البُحتُرِيُّ " يصونُ نفساً عن جَدا=جِبسٍ و يَربأُ عن خَناً و هوانِ
عَجَباً لِكَرمَتِكَ التي في ظِلِّها=يختالُ "هوميروسُ" و "الحَمداني"
***
للهِ دَرُّ يراعَةٍ أَنَّى جَرَت=فَصَرِيرُها و السِّحرُ يعتنقانِ
غَاصَت بِأعماقِ البحورِ فَأَخرَجَت=دُرّاً و ياقوتاً و عذبَ جُمانِ
و استَفتَتِ التاريخَ عن أسرارِهِ=فَعَنا العَصِيُّ و أسرَعَ المُتَوانِي
اليانِعُ الشِّعريُّ بعضُ ثِمارِها=إمَّا تَفَيَّأْنا شذا البُستانِ
ناهيكَ عن نثرٍ ، فرائِدُ عِقدِهِ=لم تَستَطِعها قبلَ ذاكَ يدانِ
"ذَهَبٌ بِأسواقٍ" تَسَابَقَ نَحوَهُ=" ابنُ العميدِ" يُزاحِمُ " الهَمَذانِي"
***
يا ليتَ من جَهَلوا عليكَ تَرَيَّثوا=و نَأَوْا عنِ التَّجريحِ و الأضغانِ
أَيقَظْتَ عقلَ الشِّعرِ من غَفَلاتِهِ=و نَفَثتَ فيهِ فَورَةَ البُركانِ
و بَرِئْتَ من عَبَثٍ تَسَيَّدَ أعصُراً=و سَمَوْتَ عن هَذَرٍ و عن هَذَيانِ
و رَفَعتَ للأخلاقِ أسمى دولةٍ=حتَّى انحنى لِجلالِها القَمَرانِ
يكفيكَ مَجدٌ لم يَنَلْهُ شاعِرٌ=أبَداً سِواكَ و أنتَ أنتَ البانِي
أهرامُ شِعرِكَ لم تَزَل أُعجُوبَةً=ما أَبصَرَت صِنواً لها عينانِ
ما زِلتَ مثلَ الأمسِ معجِزَةً و ما=زالَت لُحُونُكَ أعذَبَ الألحانِ
***
قالوا " الجديدُ" و ما لِماضٍ قد مَضى=غيرُ التَّواري أحرُفاً و معاني
يا رفقَةَ الدَّربِ النَّقيضِ و كلِّ أر=ضٍ لم تَطَأْها قبل ذا قَدَمانِ
مُتَمَنطِقِينَ جُمُوحَكُم في ساحَةِ الـ=مجهولِ بَحثاً عن رُؤىً و أماني
لِلنَّهرِ أَكبَرَ كُلُّ فَضلٍ ما زَكَا=عُودٌ نَمَتهُ راحَةُ الغُدرانِ
و الشَّمسُ..وهْيَ الشَّمسُ عُمراً..لم تَزَلْ=عَذراءَ تَرفُلُ في سَنا الريعانِ
إنَّ القديمَ أبو الجديدِ و أُمُّهُ=هل مِن وليدٍ ما لَهُ أَبَوانِ ؟
شَرْعُ الحياةِ تَزَاوُجٌ و تناسُلٌ=الشِّعرُ و الأفكارُ و الثَّقَلانِ
يا كُلَّ عُصفورٍ يُعانِقُهُ المَدى=أطِلِ الغِناءَ مَثالِثاً و مثاني
في الكَونِ مُتَّسَعٌ لِكُلِّ مُغَرِّدٍ=و لِكُلِّ روحٍ أُرغُنٌ و أغاني
لن تُنسِيَ "الجازُ" الحياةَ حُداءَها=و "الأورجُ" لن يُغني عنِ الكَرَوانِ
***
باللهِ حَدِّث يا أميرُ و قُل لَنَا=كيفَ امتَلَكتَ أَزِمَّةَ الإتقانِ ؟
بل كيفَ طَوَّعتَ المُحالَ مُجَاوِزاً=حَدَّ العقولِ و حاجِزَ الإمكانِ ؟
و إذا كَتَمتَ السِّرَّ فاعذر مِثلَنا=إمَّا تَخَلَّفنا عن الرُّكبانِ
آهٍ تَخَلَّفنا كثيراً بعدَما=ضَلَّ العَدَالَةَ حامِلُ المِيزانِ
و غَدا الأديبُ الحَقُّ لُعبَةَ دَهرِهِ=يُلقي بِهِ الطُّوفانُ للطوفانِ
هل كانَ عَصرُكَ مِثلَ أيّامٍ لَنا=أم أنَّ عصرَكَ كان ذا وجدانِ ؟
هل كانَ قولُ الشِّعرِ فيهِ جريمَةً=كُبرَى ، و معصيَةً بِلا غُفرانِ ؟
لا تَعجَبَنَّ إذا القرائِحُ أَجدَبَت=و خَلَت صياصينا من الفُرسانِ
هل أَبصَرَتْ عيناكَ وَرْداً قد نَمَا=وسْطَ السَّعِيرِ و مارجِ النِّيرانِ ؟
***
هذا كتابُ الدَّمعِ نَرفَعُهُ على=سيفِ الجِراحِ و حَربَةِ الأشجانِ
ليس الأديبُ عَدوَّ أُمَّتِهِ و لا=هُوَ مارِدٌ قد لَجَّ في العِصيانِ
كلاّ و ليسَ بِعَورَةٍ أو سَوْأَةٍ=حَتَّى تُواريَهُ يَدُ الغِربانِ
كالنَّاسِ كُلِّ النَّاسِ نحنُ فما الذي=فِينا يُثيرُ حفيظَةَ الخِصيانِ ؟
كالناسِ كلِّ النَّاسِ نحنُ فما الذي=يخشاهُ مِنّا حَضرَةُ السَّجَّانِ ؟
تَدري الحقيقةُ أننا عُشَّاقُها=مهما نُصادِفُ من أذىً و نُعاني
تدري العروبَةُ أننا حُرَّاسُها=و لَكَم تَصَدَّى الشِّعرُ للطغيانِ
***
عَرَبَ الجِراحِ و جِيرَةَ الوَطَنِ الذي=أخنى عليهِ كَلكَلُ النِّسيانِ
لم يبقَ لي مِنِّي سِوى قلبٍ غَدا=خَفَقَانُهُ شيئاً سِوى الخَفَقَانِ
بعضي على بعضي غدا مُتَوَكِّئاً=حتى لَيُخطِئني الذي يلقاني
يا ثالثَ الحَرَمينِ إنَّكَ شاهِدي= إن قلتُ : إن النَّومَ قد جافاني
ها أنتَ مُستَعِرُ الدموع ، و شرقنا=لاهٍ يلوكُ الغيَّ في إدمانِ
و لرُبَّما قد ثارَ مِنَّا ثائِرٌ=في نشرَةٍ مشفوعَةٍ بِبَيانِ
مَنْ لي بأوعيَةِ الجَحِيمِ جميعِها=لأصُبَّها حُمَماً على الكُهَّانِ ؟
القابعينَ على أرائِكِ عجزِهِم=مَسْخاً يفوقُ تَفاهَةَ الأوثانِ
المُنتَشِينَ بخَمرَةِ البَلَهِ الذي=قد زَفَّ أندَلُساً إلى الشَّيطانِ
***
لا تَحسَبوا يا سادَتي وَطَني سِوى=قاصي العروبَةِ كُلِّها و الدَّاني
إنِّي أنا الجَمعُ الذي في مُفرَدٍ=و المُفرَدُ المَسكُوبُ في أبدانِ
و اسمي الملايينُ الأُلى إن فارَقوا=جَفني فَقَد هَرَعوا إلى وجداني
و اسمي الملايينُ الأُلى إن غادَروا=بعضي فقد سَكَنوا جميعَ كياني
و اسمي الملايينُ الأُلى إن خُنتُهُم=قد خُنتُ نَفسي مُغضِباً قُرآني
و قضيَّتي : العَرَبِيُّ ، تلكَ قضيَّتي=حتى تواريَني يَدُ الدَّفَّانِ
***
يا ليتَ شِعري و المواجِعُ جَمَّةٌ=و فَجيعَتي بَحرٌ بِلا شُطآنِ
و القلبُ مُنشَطِرٌ كقومي ، ضائِعٌ=كضياعِهِم في السِّرِّ و الإعلانِ
و الهَمُّ .. رَوَّاحاً و غَدَّاءاً .. على=رأسي يَدقُّ مُؤَجِّجاً نيراني
و طوارِقُ التسآلِ تَدهَمُ خاطِري =أُمَماً مِن الآلامِ و الأحزانِ
ما الفَنُّ ، ما القيثارُ ، ما الأشعارُ إن=لم تُعلِ فينا عِزَّةَ الأوطانِ ؟
ما العِرضُ، ما الحُرُماتُ إن لم نَنغَرِسْ=رُمحاً و سِكِّيناً بِصَدرِ الجاني ؟
ما النِّفطُ، ما الأموالُ،ما الدُّنيا ،و ما=كُلُّ "البنوكِ" و شاهق البُنيانِ ؟
ما كلُّ ذا أو ذاكَ إِنْ لم يرتَفِعْ=عَرَبُ الضَّياعِ لمستَوى الإنسانِ؟
***
يا ليتَ شِعري و المواجِعُ جَمَّةٌ=و الهَمُّ مِطرَقَةٌ تَهُدُّ كِياني
كيف ارتَضيْنا أن نعيشَ القَهقَرى=و نسيرَ ضِدَّ طبيعةِ الدَّوَرانِ ؟
و لِمَ احتَرَفنا الغَيَّ حتى أصبَحَت=أيَّامنا فُلْكاً بِلا رُبّانِ
و إلامَ نغمِسُ في الرِّمالِ رؤوسَنا=مُستَسلِمينَ لِقَبضَةِ القُرصانِ؟
و متى سنَذكرُ حِكمَةً شَوقيَّةً =تُحيي الرَّمِيمَ بجَرسِها الرَّنَّانِ :
" دَقَّاتُ قلبِ المرءِ قائِلَةٌ لَهُ=إنَّ الحياةَ دقائِقٌ و ثواني"
" فارفع لنَفسِكَ قبلَ مَوْتِكَ ذِكرَها=فالذِّكرُ للإنسانِ عُمرٌ ثانِ "
و دمتم بخير
محبكم د. جمال مرسي