المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشـاطئ الأخـير



د. حسين علي محمد
07-02-2006, 08:23 AM
الشـاطئ الأخـير

قصة قصيرة، بقلم: حسين علي محمد
......................................

في المساء الأخير رقدت "ناعسة" على السرير الذي يتسع لها بالكاد. الدفء يتسرب من الفرن الذي سوّت فيه ابنتها قبل الإفطار "صينية" من البطاطس باللحم وأُخرى من القطايف!
هل هلالك شهر مبارك ..
ها نحن في اليوم الثاني من شهر رمضان المبارك. المذياع المفتوح في الغرفة المجاورة ينقل خطبة لشيخ عن الشهر الميمون!
هاهي منذ أعوام طويلة ـ لا تعرف عددها ـ تقضي رمضان وحدها؛ فقد تفرق الأولاد في أنحاء الأرض!
أحمد في البرازيل، وسامي في السعودية، وزاهر في الإمارات، وسليمان في سنغافورة. ولم تبق بجوارها غير هانم التي حصلت على ليسانس في الحقوق منذ خمسة عشر عاما، وتعمل بالشؤون القانونية بالإدارة التعليمية، وأنجبت خمسة مثل أمها. تترك أكبرهم ـ وهو في الصف الخامس الابتدائي ـ ينام مع "سته" ليأخذ "حسها".
ـ والله فيها خير. لم تكن تحب خلفة البنات، ولكن هاهي البنت هي التي تقف بجانبها في الكهولة، بينما الأولاد بعيدون!
منذ ثلاثة أعوام أصر أحمد على أن يركب خطا هاتفيا لأمه حتى يستطيع أن يهاتفها يوما بعد يوم. وأرسل لزوج هانم عدة آلاف حتى يستطيع أن يركب لها هاتفا فوريا.
أحمد ابنها "البكر" قال لها في مكالمته الهاتفية أمس الأول إنه سيجيء لها ـ مع زوجته البرازيلية، صاحبة مصنع النسيج وابنيه ـ ليقضي شهر رمضان في البلد، وينعم بجوار الأقارب ودفء الأصدقاء!
إنها تحس بمغص يكاد يفتك بها! فهل تموت قبل أن ترى البكر العزيز وزوجته وولديه؟
هاهو طائر الموت يحوِّم في الغرفة .. يحاصرها بأجنحته السوداء الضخمة الثقيلة. حدّقت في عينيه رأت وهجا ناريا ينطلق كالسكين ليصيب الأحشاء. قاومت .. أحست به يٌقيِّد رجليها!
قشعريرة باردة تصعد من أسفل الجسم إلى أعلاه. حاولت أن تقوم فلم تستطع. لاحقت عيناها الأجنحة السوداء التي تملأ فضاء الحجرة، فرأت من خلل الجناحين أبناءها الأربعة صبية صغارا منزوين في الدهليز يبكون، وعلى حجرها وجه أبيهم الشاحب يمسك بيده المعروقة مروحة من سعف النخيل، يهف بها على وجه "ناعسة". .. بينما "ناعسة" تبتسم ابتسامة كبيرة، ولا تريد أن تُغمض عينيها.
المجلة العربية ـ أغسطس 1998

حوراء آل بورنو
07-02-2006, 12:37 PM
قصة قصيرة و كلها إبداع ، بحق هي غاية في الإتقان يا أيها الأديب البارع .

ولكن يا أخي الفاضل ، لم اخترت الأجنحة السوداء ! أي إيحاء أردته هنا ! لست أدري لم يكون السواد علامة الموت الوحيدة ، رغم أن أجنحة الملائكة بيضاء ، لو كنت تقصدها .

تحية و تقدير كبيران .

عبلة محمد زقزوق
07-02-2006, 01:37 PM
ناعسة أمي وأم كل مهاجر عن أرض الوطن .

ناعسة نبض أرض مازالت ولن تزل تشتاق إلى هذا الدفء الساري من كف وليدها حيث الحنين لصدرها .

ناعسة أرض بالصقيع وهم وضيق بالأفق ، وطائر أسود كئيب يفرش فوق سمائها

ناعسة تريد أن تحيا من جديد بين ربوع من كانت لهم يوماً زاداً وأرضاً للأمن والأمان ؛ وكانوا كل يوم في جديد .

في رحاب الله يا ناعسة ، وأبشري بلقاء الحبيب ؛ أجر هذا العطاء ، وذاك الصبر الجميل .

والشكر لأستاذي القدير ـ د . حسين علي محمد

حيث أخرج من بين لحمي ودمي كلماتي .

خليل حلاوجي
07-02-2006, 02:12 PM
قرأت

فأستمتعت

فدهشت

وسررت برفقتك أيانا في واحة الخير والتجديد والاصالة

د. حسين علي محمد
07-02-2006, 02:52 PM
شكراً للأستاذة حرة.
جعلت للموت جناحين أسوديْن، لأنه سيحرم الأم من رؤية ابنها المهاجر بعد يوم واحد.
تحياتي.

د. حسين علي محمد
07-02-2006, 02:54 PM
شكراً للأديبة الأستاذة عبلة محمد زقزوق.
ماذا أقول لك يا سيدتي الأديبة؟
يغمرني كريم تعليقك، فلا أستطيع أن أعطيك حقك من الشكر.
تحياتي.

د. حسين علي محمد
07-02-2006, 02:55 PM
شكراً للأستاذ الأديب خليل حلاوجي، مع موداتي.

سحر الليالي
08-02-2006, 05:13 PM
أستاذي د.حسين:

قصة بحق رائعة

بإنتظار روائعك دوما

لك خالص تحياتي وتقديري

د. حسين علي محمد
09-02-2006, 09:03 AM
شكراً للأستاذة الأديبة سحر الليالي.

د. حسين علي محمد
11-03-2006, 11:59 PM
هذه القصة

بقلم: جمال علوش
...................
للقصة نبض دافىء ، وفيها وقع خفي لأشياء كثيرة . ترى هل يكفي التعاطف الداخلي مع ( ناعسة )، وهل يكفي جنون التمثل .. لندخل في انكسار ذهول ينتهي بأحجية . كانت النهاية دافئة لقصة دافئة حقَّاً . شكراً دكتور حسين .

د. حسين علي محمد
24-03-2006, 10:55 PM
هذه القصة

بقلم: مجدي محمود جعفر
.........................

"الشاطئ الأخير" من قصص الدكتور حسين الممتعة ويثير من خللها رؤية (ناعسة ) للشاطئ الآخر بعد أن باتت وحيدة وسافر عنها أولادها في الغربة ولم يبق معها في البيت غير حفيدها ابن ابنتها ينام معها ، وتتألق القصة بنهايتها العبقرية وشاعريتها الجميلة وهي يتراءى لها في الليل طائر الموت ولنقرأ هذه النهاية الشاعرية :
"هاهو طائر الموت يحوِّم في الغرفة .. يحاصرها بأجنحته السوداء الضخمة الثقيلة. حدّقت في عينيه رأت وهجا ناريا ينطلق كالسكين ليصيب الأحشاء. قاومت .. أحست به يٌقيِّد رجليها!
قشعريرة باردة تصعد من أسفل الجسم إلى أعلاه. حاولت أن تقوم فلم تستطع. لاحقت عيناها الأجنحة السوداء التي تملأ فضاء الحجرة، فرأت من خلل الجناحين أبناءها الأربعة صبية صغارا منزوين في الدهليز يبكون، وعلى حجرها وجه أبيهم الشاحب يمسك بيده المعروقة مروحة من سعف النخيل، يهف بها على وجه "ناعسة". .. بينما "ناعسة" تبتسم ابتسامة كبيرة، ولا تريد أن تُغمض عينيها. "
والقاص استخدم من العامية المصرية لفظتين في غاية الثراء وأثرت كل لفظة النص بدلالتها وبظلالها الكثيفه في الوجدان الشعبي : ينام مع ( سته ) ليأخذ ( حسها ) ولنتأمل موقع سته وحسها ودلالتهما العميقة 0
القصة تطرح من زاوية أخرى : قضية الغربة ، ومن زاوية ثالثة : اشارة سريعة إلى المجتمع الذكوري في الريف حيث كانت ناعسة شأنها شأن أي امرأة تعيش في الريف لا تحب خلفة البنات وها هى تكتشف أن ابنتها هي التي تقوم على خدمتها وتعني بشئونها بعد سفر الذكور وانشغالهم بحياتهم 0
ويظل أجمل مافي القصة هو استبطان حالة العجوز ووحدتها وتداعي ذكرياتها في لحظة انسحاب الروح في الشهر الفضيل ، شكرا للدكتور حسين الذي يمتعنا بإبداعه دائما.