المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سأضحك ملء الحزن //روايتي الجديدة



صباح الضامن
25-02-2006, 09:40 AM
بسم الله الرحمن الرحيم





سأضحك ملء الحزن



المقدمة :


ليت أن القلم سباته في تواصل مع أناملي , وليت أني أضحك على غفوة منه في كل توسد لفكرة حتى يرتاح .
وليت أني خلف السطور أختبيء حتى لا يراني حزني المسفوك على طرقات أيامي .
وليت وليت ..
أني أولد ألف مرة قبل أن أرى بكائي ضحكاً وضحكي بكاء .
فقد عشت
لأضحك ملء الحزن
على شبه حياة ..
.



صباح الضامن
7/2/2006 م
الموافق 8 محرم /1427ه

إهداء

إلى حامل القلم
و إلى من يتنفس أثير الكلام فيغدو عليه السحاب فينديه فيطل طللاً
وإلى كل من يحسو من ماء الكلم ويخاف نضوباً .
إلى الذي يضحك ملء الحزن على حروف تخنق ..
ويحزن ملء الضحك على غلالات شرنقية النسيج بأيد تمسك المبضع للحرف فتذبحه فلا يخرج فراشاً مبثوثا .
إليهم ........
بعضاً من ضحكات .........بملء الحزن .

إلى كل الأدباء .......... مع التحية
--------------------------------------------------------------------------------------------------

صباح الضامن

صباح الضامن
25-02-2006, 09:44 AM
وإهداء خاص جدا
إلى التقية النقية
صنو الروح الغالية

إلى الحبيبة التي تربطني بها أواصر لا تنفك بإذن الله


إلى أحب الشاعرات لي
وأحب الأخوات


إلى


زاهية الزهية



رفيقة النضال
زهية المقال
شريكتي في سيف واحد نتبادله لما يثار غبار الباطل فتارة أكتبه نثرا وتارة يبرق عندها شعرا
ليقول هنا
وعلى ثغر من الثغور
زاهيــــــــ صبــــــــــــــــــا ح ــــــــــة
تقفان
معا

صباح الضامن
25-02-2006, 09:51 AM
بسم الله الرحمن الرحيـــــــــــــــــــم



سأضحك ملء الحزن

صباح ينذر بمطر شديد أو ثلج كثيف بالرغم من ممارسة الشمس لعبة الاختفاء والظهور مع عيون أهل البلدة الكبيرة المليئة بكل التناقضات . و الجو في هذا اليوم يشك في ثباته , فها هي الشمس تطل تارة لتقنع ذوي الأعمال الحرة أن اسعوا بلا خوف من تبلل بضاعتكم الرخيصة . وتغريهم بتخطي حاجز التوجس لتضحك عليهم باختفاء وراء جيش قاس من سهام الريح النافذة إلى مخ عظمهم حاملة تلك الريح بهبوبها غطاء سماوياً كثيف الاسوداد . فيرتدوا متوجسين تعزز خوفهم غيمة سوداء تكشر عن نابها الأسود لتبدي قليلا من خداع شمس فيضيع توازن التوقع بيوم ماطر .
تلك هي بلدة يحيى العمر ..تقبع منسية في أطراف تاريخ وجغرافيا الوطن المليء بركامات الفقر والثراء . تراك تبصر بعين الحب اخضرار واحاتها الفتية فتهفو النفس لامتداد فكر يشبع من خيرها لتصدمك بأكوام القمامة حول برميل البلدية ( برميل النظافة ) .
تسير عالي الرأس تنظر لشموخ أبنيتها البنكية التجارية حتى تخال انك بطولها الممشوق المتلأليء مساحات في قلبك المحب لوطنك . فما أن ترخي أعنة جيادك الجامحة حباً لها حتى ترمد من مشهد متسولة عجوز ترتجف برداً من برودة زجاج الشواهق .
تلك هي بلدة يحيى العمر .. وفي زاوية محشورة غربها بيته الصغير بعمارة قديمة من إسكانات الدولة الكبيرة . بيت لا تشرق عليه شمس ولا تغزوه ريح دفيئة شرقية فهو القابع غرباً فكيف يشرق وتشرق .
وهو ككل من حوله يمارس لعبة التردد في الخروج اليوم فما يمنعه ليس ذاك المطر المتواري يتصيد المغامرين , ولا ذاك الثلج الذي يقف على قمة جبال البلدة ينتظر أول ضحية فينقض عليها . بل ذاك الحذاء..!!
نعم إنه الحذاء البالي الذي بات يحكي خطايا إسفلت البلدة الخشن وحجارة الجبل الغربي لما كان يحيى يتساقط من عليه . هو وكل ما سمحت له رجله من حمل لصغير الحجارة يدكها نزولاً سريعاً سريعاً ليلحق بحافلة العمل .
ذاك ما كان يؤرق يحيى ويحجمه عن المضي لعمله .... هز رأسه بتبلد اللامبالاة , وتأبط ملفه الأخضر القديم مصفراً في زواياه كورقة في أول الخريف, وتوكل على الله ليخرج رافعاً ياقة معطفه الجلدي القديم لأذنيه وما أن هم بالخروج ............... حتى سمع رعداً .



(2)
قصف .......وجلبة عالية ........ يا إلهي ابتدأ الجو بالسوء .
عاد يحيى لنافذة الصالة ليزيح ستارتها القديمة المهترئة فينظر , وعجباً!!
لا مطر !! حقا لا يرى الشمس ولكن ....لا مطر , أرعد دون مطر ؟! ربما يحصل هذا
زوى شفتيه واستدار ليخرج .
صوت الجلبة يخف قليلا ثم يعود قريباً منه , يبدو أنه قد توهم , لا..لا يمكن أن يكون واهماً فقد سمع صوتاً رهيباً كأنه الرعد .
هز رأسه فلا وقت فالحافلة على وشك الوصول , وإذا لم يلحقها فلن يسعفه حذاؤه البالي في الوصول إلى الدائرة إلا متأخراً .
آآه ويل قلبك يا يحيى من عبارات رئيسك الفاتنة أقل عبارة:-
- تحت الخط الأحمر يحيى ...تحت الخط الأحمر تُوقع متأأأأأأأأأأأأأأأأخر !!!!!
وسارع حتى لا يسمع صوت صفير الرئيس الصحراوي ولكن الصوت لا زال يقرع
في طبلة أذنيه .
ويقترب ويقترب ليقفز من هوله :-
- ويحك يحيى أما زلت هنا !!!!
آه ! ما أغباك يا يحيى ألم تتعود على رعودها بعد ؟ لو أن القلم بيدك الآن لوصفت حالتها بقطعة نثرية تهز رواق النادي ,
وسيضحك الجميع ........ليتخدر يحيى من كلمات الإعجاب من رفاقه :-
- رائع يحيى ...رائع ...كم تتقن رسم القذائف الكلامية في وجه زوجتك الورقي حتى يخيل أننا نرى ألوان الضربات كمساحيق من نوع غال الثمن لاتزول بسرعة .
ويبتسم يحيى للفكرة لتستيقظ ابتسامته على صوتها الرعدي , أجش هذه المرة من شدة الصراخ :-
- لم لا زلت هنا يحيى ؟؟؟ وما يهمك أنت ...ما يهمك لو خصموا عليك أنا من سيحتمل الخسارة أنا وأولادك
مايهمك أنت يا ........ وانطلقت كأنها إعصار
آخر ما سمعه يحيى كان :
- شتاء قاس ..مدفأة باردة .. ثلاجة بلا طعام ..وجوه أولادك الصفراء كأوراقك الأدبية يا
يا ....... يا يحيى خذ ورقك , خذ ملفك وسارع خطوك فالرعد فوقك وخلفك
سيحتمل حذاؤك هذه المرة سيحتمل
رغم أنفه .......
وينطلق يحيى نزولاً والقلب يسارع الدق مع أول طرقات المطر على معطفه الجلدي البالي ويضمه باحثاً عن دفء رحيم .
وتبدأ سيول الماء مع حصيات صغيرة تتعاون لا توقف مدها على قدميه الغارقتين بوحل دنياه ......ويختفي في آخر مقعد في الحافلة ليراقب المطر في داخله منساباً ببرودة حياة ,وينظر إلى ملفه الأخضر المحمي داخل معطفه الجلدي
- أنت أحسن حظاً مني أيها الملف
ويغمض عينيه يكتب في الهواء ما سيأتي ..


(3)
عند بوابة الدائرة الكبيرة وزرافات الموظفين الكادحين تتكتل أمام بائع الكعك ورائحة المطر والطين تبتلع أية رائحة , سارع يحيى حتى لا يكون تحت الخط الأحمر.
وتوحد مع مقعده الصغير على مكتبه الأصغر .
كان تلاحق المعاملات يقتحم سكون نفسه الخارجية بعبارات التشكي للروتين فتشوش ذهنه .
في كل مرة يقدم يحيى إلى مكتبه ويبدأ العمل يكون بجواره ملفه الأخضر بزواياه الصفراء
يخضع خاطراته فيه لتكون أسيرته فلا تفر مع صفير وزفير من حوله , ويدلي بإبداعه فذاك زاده .
ابتسم بمرارة لرائحة الكعك في الغرفة وللمتحلقين حول صحن الفول والحمص والبصل والفجل .وابتسم ثانية لمن أشار له بمشاركة الغزو فالمواد الإستهلاكية باتت تئن من الفقدان .
ورفض والخوف داخله من أن يعتبروه كالعادة خارج سربهم الغنائي ذي الأصوات غير المتناغمة من مضغ وقصف لصحون وشفط لأكواب الشاي المحمرة جنوناً.
آآآآآآآه حتى ممارسات كهذه في نفسه غير متزنة .
مابالك تبتسم لهم وداخلك كأنه قبر تحفره وتحفره ترمي به نفايات كهذه !!!
يقتحمون خلوتك المشمسة بإشراقات بهذه الرائحة التي تزكم أنف قلمك فيسعل على الورق متأثراً فلا يأت إلا بسخرية . وحتى بسمتك لهم صفراء تسعل ممروضة .
وكيف لاندفاقاتك أن تحيى هنا يا يحيى ؟؟ وكيف تبدع خطاب المشاعر الملونة طيفاً ورأسك مندس بينهم لترى انتهاء معمعة المضغ والضحك السخيف ؟؟
ومن بعيد هناك ..كان المراجعون من كل حدب ينسلون ينفضون رشات المطر من على معاطفهم على سلم الدائرة , فتخرج القطرات على أوراق ثمينة من أيام مراجعات مضنية
ويصيح من معاناتهم داخلاً ..داخلاً لا يخرج منك صوت واحد ...إياك ....حتى لا تعتبر محرضا ًعلى خمودهم . فاصمت في ورقك واصمت في خلوتك ,
ولا تنس وأنت تدفن ما ترى أن تكفنه جيدا ً,
ثم ابتسم فقد نجحت نجاحاً باهراً أن تكون كذاك الثلج المساقط علواً وعجباً أنت تساقط وأنت أسفل فكيف تقارن بمن يهطل من عل ٍ!
ادفن يحيى رأسك الكبير المثقل فكراً على ورقك فهناك الملاذ , ولا تكتب إلا حلماً مخدراً من وراء زجاج رؤيتك حتى لا يكون إلا ضبابيا لا يفهم .
واسترئف النسيم يحيى ... استرئفه وخذه في قلبك المتعلق بجمال عنقائي , وأعلن عنه في حروفك تأتي متهادية تقبل الورق الماثل في قلب قرائك فتغفو أمراضهم لحيظات المعانقة
وتولد لك من كل رحم مؤنسة قبلة وليدة تعشق النوم والسكوت .
فتتخدر فتنسى
أنك يحيى العمر
الموظف المطحون.. دنياك ورق وطعامك ليس ورقاً ..



يتبع

حوراء آل بورنو
26-02-2006, 01:25 PM
و نحن نتابع قلمك المجيد أيتها الرائعة .

بورك فيك .

زاهية
26-02-2006, 02:52 PM
ياااه كم أنت رائعة صنو الروح إهداءً قصَّةً وأدباً..يحق لزاهية أن تفخربك وستفخر مابقي لها من العمر ويوم القيامة ترجو أن تكونا على سررٍ متقابلين إخوة في الله.
شدَّتني القصة من أولها وياليحيى وما سيقدمه لنا من أحداث تنغص حياة البسطاء
فيضحكون بحزن ويحزنون بضحك هذه معادلة قد نجد لها مسوغاً حقيقياً في هذا العمل الذي يبدو رائعاً من بدايته
لاتتأخري فقد شبكتني القصة
أختك
بنت البحر

د. سلطان الحريري
26-02-2006, 03:39 PM
سأتابعك أيتها الفاضلة بشغف من أحب قلمك وفكرك ، وستجدين لك قارئا متذوقا يقف عند حدود إبداعك ، فهل تقبلين بي ذلك القارئ؟؟
دومي نقية أختي الفاضلة

صباح الضامن
27-02-2006, 09:37 AM
لكم تحيتي
وأتمنى أن لا أكون قد أزعجت الواحة بقليل من مشاغبات قلمي فهو لكم ولكل من أراد أن يتفيأ ظلال واحتكم

صباح الضامن
27-02-2006, 09:42 AM
4-

ساعات العمل المملة كان يقطعها بعض الحادثات الصغيرة .
كل ما كان يتمناه يحيى ألا يناقشوه في الأدب .
ثلاثة من رفاقه في الغرفة يعرفون عن الأدب كمعرفتهم عن سعر السكر والأرز في الجمعية التعاونية وعن ستار أكاديمي وآخر أغنيات السوق الهابطة .
إلا رجا ..
زميله الذي نقل من الدائرة لمشادة بينه وبين الرئيس المغيب عن كل تقدم فكري .
رجا المشاغب المتألق لا يعجب يحيى كثرة صراخه ومشاغبته ولكنه يشتاق لجلساته . وعلت سحابة وجهه لما استدعى آخر حوار بينهما قبل يومين :-
- أنت كضفدع الماء يا رجا .
- ولم كالضفدع ؟
- أرى الضفدع المائي لا فائدة ترجى منه يكثر من النقيق ولا يفيد أحداً .
- ومن أين جمعت معلوماتك البحرية يا أديب ؟
- أتسخر مني ؟
- لا معاذ الله ! فأنت ربان ما وراء البحار, وقائد سفين الكلم الطيب بلا نقيق , ورائد الخيال المجنح المخدر الغائب عن معارك النضال في دنيا ........
- كفى كفى أهذه نظرتك في ؟؟
- أنا أعلم يا صديقي أنك أديب راقي المنحى , عالي اللغة , لك القدرة الهائلة في تطويع اللفظ , سرمدي الوصال مع القمر, سامق العلو مع الوسن, مسافر بريبعك عن أرض لسماء, ملاح بسفينة فمرساتك قلم وصواريك رق وحلمك لؤلؤي مدفون بصدف هارب يوشوشك لما تصم القلب عن رعود خلفك ..و..
- وكفى ....حالم إذا أنا بعيد عنكم قريب من خرافات الوهم !
- صديقي أنت فهل أقفز من سور المجاملات لأرمي بقنبلة عبر حدودك حتى أجرح فيك النوم فتستيقظ ؟
- أمغيب أنا عن الواقع إلى هذا الحد ؟
- بل نائم هارب ....
- جديدة هذه النظرة
- قديمة كقدم قلمك .

لم يكملا الحوار فقد صدأت نفس يحيى فجأة لسماعه رأي رجا غير المتوقع .
تمنى يحيى أن يكون صديقه رجا الآن معه فالرعود تطرق الدائرة وتناثر الثلج الأبيض يراكم على نفس يحيى ثقلاً هائلاً , وكأن كل سقطة هي في نفسه فالدفء خارجاً وداخلاً لايسعف فما ران قد ران وأمامه مشوار اليوم العائد حيث..
رعود بشرية من زوجته , ووجوه نتاج عمره المصفر تنتظر جيوبه الثلجية لعل الربيع أسفلها يأت بفاكهة مثمرة أو جذوة من نار ..
وفي طريق العودة والحافلة تثاقل أرضاً بين بدايات الثلوج يتقدم أبو علي من يحيى ويجلس جواره بأعطافه المكتنزة التي تخفي المقعد وراءها , ولا تخفي نظرة مختلسة ليحيى تنم عن افتتاح جلسة من الحوار .


5-

رغم أن يحيى طويل القامة إلا أنه رأى نفسه جد ضئيلا أمام هذا المد اللحمي الضخم من أبي علي .
أبو علي .. مدير الأرشيف
شخصية جامدة كورق الأرشيف المرصوص المغبر . سطر هو بين السطور المقروءة غير المحبوبة لدى يحيى .
كل ما يعرفه يحيى عن أبي علي أن له ابنة من زوجته المتوفاة حديثاً , صبية في الثانوية وهذا كل ما يعرفه . ولا يدري لم لا يحبه ! ألأنه يعرف تاريخ عمله فهو سيد قابض على كل حكايا الدائرة !
أيكره يحيى أن يكون مكشوفا لغيره ؟!!
ربما ......
ويميل أبو علي على يحيى مفتتحاً حواراً ثلجياً :
- الجو بارد جداً ..
هز يحيى رأسه مؤيداً دون حروف من صانع الكلم .
- فصل الشتاء ضيق على الجميع رغم أنه فرج في نهايته .
وهز يحيى مرة أخرى موافقاً على بديهية الرجل وكأنه يعلن صراخاً مكبوتا أن قل ما عندك يا جاري فقد مللت .
- أود أن أحادثك بأمر يا يحيى .
- تفضل قالها يحيى متنفساً نافثاً زفيراً بارداً ثقيلاً .
- لي ابنة في الثانوية وهي في القسم الأدبي وبحاجة لمدرس خصوصي لها لتجتاز الامتحان فهل ترضى أن تعطيها الدروس بعد المغرب ..ما رأيك ؟؟
لم يدر يحيى بم يجيب وتلعثم ...
- ربما لا بأس لم لا ؟
- سأعطيك مبلغاً من المال على وقتك هل نبدأ اليوم ؟
هز يحيى رأسه .
لم يسأله كم ستعطيني
لم يسأله كم درساً تريد لم يسأله أين بيته ؟
فقط تذكر أولاده ووافق رأساً .
- هناك بيتي , اقتحم أبو علي صمت الأديب يحيى وأشار له سأنتظرك اليوم بعد صلاة المغرب , اتفقنا ؟
- اتفقنا , وصافحه ونزل من الحافلة مع عاصفة من الهواء البارد أثارها سكنت وجدان يحيى أشعلت فيه توقا مناقضاً لكل ما حوله ,
توقاً أن يحضن طفلته الصغيرة ويضع جديلتيها بين يديه ويقول لها :
- من أجلك يا ريما من أجلك فقط .........
وعند سفح الجبل الغربي وقف الباعة رغم الثلج الهطال يصرخون فأدموا نقاء التواجد الأبيض برغباتهم الحرى للبيع ليعودوا بدفء ليوتهم وقليل من عيش .
ويحبس يحيى مداد دمعه عنوة في ملفه الأخضر يقبض عليه دون أن يريقه فلا وقت لديه .[/color]


6-

لا طعام في الثلاجة ...ولا دفء في المدفأة
وجوه أولادك صفراء كورقك الأصفر.
ضجت كلماتها في أذنه تصر على أن تخوض في نفسه معركة حزن وترددت قدماه في الإسراع ليمر على بقالة جاره خليفة
ويتوقف !
هل سيقبل أن يعطيني اليوم بالدين أم سيزوي شفته الغليظة تذمراً ؟
وجمع يديه واضعاً جدائل ريما بينهما لتراق الدمعة على ذهبيتهما
فتقول :
- من أجلك يا ريما ..
ومن أجل ريما كانت النفس تذوب أمام خليفة وهي تحمل أكياس العدس والأرز والخبز والسكر .
ولتصمت زوجته قليلاً فيتركها مع إعداد طبق الأرز بالعدس الشهير ..
وعند بوابة قلبه وقفت الصغيرة ريما تطرق دفء الأب الحاني .
- آه كم تقت لك يا حلوة المذاق ويضمها يحيى , وتحيط بذراعيها النحيلتين رقبته قائلة :
- أبي ..
- نعم يا حلوة المذاق .
- لم لا تحضر لي الحلوى ؟
- سأفعل إن شاء الله
- وأريد ثوبا ً أيضا .
- سأفعل يا ريما .
وتوشوشه مقرقرة :
- أبي لقد زارنا خالي سعيد اليوم
خالي يقول لأمي قولي لزوجك أن يبيع قصصه . لم لا تبيعها يا أبي وتحضر لي الحلوى ؟
وابتسم يحيى .
تلك الابتسامة التي تزعج رجا فيصرخ دوما قائلاً :
- كم أكره أن يكون خاتمة حوارنا ابتسامتك هذه .
- لم ؟ بم توحي لك ؟
- مريرة هي أو ربما لتقول لي وما الحيلة ؟؟
فأنا لا أحب السكون ولا التقنع وراء ابتسام حزين ولا شعور العوز المسرف الذي يلف كينونة الرجال .
- ماذا تحب إذاً ... الصراخ ... العويل .. السرقة ...او بيع ال...؟
- أكمل بيع ماذا ؟؟ ماذا نبيع نحن الرجال في زمن قهر الرجال إننا في سوق شرس وعلى أبواب حكمة ضالة نقرض بأسنانا الضعيفة خشبية الحياة لندلف إلى غرفها ونعيش .
- أفئران نحن ؟
- بل نحن لدينا بضاعة لا نحسن عرضها .
- ماذا تعني ؟
- أنت تعرف ما أعني .
وخرج من صمته بقبلة من حلوة المذاق ريما تهزه فيها تسأله :
- هل ستبيع أبي قصصك لتحضر لي ........
ولم تكمل فالرعد على الباب يعلن وقت غذاء لم يسدد ثمنه .

يتبع

لؤلؤة المسك
27-02-2006, 09:59 AM
يا سلام يا حبيبة
ماأروعك وما أروع قلمك
الحمدلله الذي يجمعني معك دائمآ
ابنتك لؤلؤة المسك

زاهية
28-02-2006, 01:49 AM
رائعة كعادتك في كل أنفاس قلمك المسكي المحبب
بانتظارك
أختك
بنت البحر

صباح الضامن
28-02-2006, 03:17 PM
7

)
و كأن الثلج لم يقنع يحيى بأن الخروج للنادي مستحيل هذا العصر ,
ولا حتى حذاءه البالي أقنعه وهو يضرب دنياه بسخرية من كل مانع يمنع تواجده في نادي الأدباء.
هروب من كل شيء ليرمي نفسه في المكتبة ويغرق رأسه في الأجنحة المتكسرة وحلم خريف وسقوط عرش الكلام .
ومرة هي الأيام يا شعر القوافي
وحلوة هي العبارات يا خدر الجمل القمرية المشبعة أدباً المحلقة بعيداً عن تساكب مطر وتناحبه خارجا .
ستغفين يا نفس مع أحلامك قليلا ولا تستيقظي واقرأي سطر الحبور في لوعة عناق لما وراء الواقع .
وأمسك يحيى بقلمه ليبدأ في تحليق يكتب قصة بيع
بيع ماذا ؟ ماذا يريدون أن أبيع ؟
هز قلمه غاضباً ورمى به بعيداً ليعود بين يدي رجا :-
- ها هو ضحية سخطك رأيته فخشيت أن يرفع عليك قضية وأنت لا تملك في جيبك أجرة المحامي .
- ولا أملك أيضا ثمن الحلوى لريما ولا الثوب الذي تحلم به ولا جذوة نار لمدفأة ولا حياة ليوم لا مع القلم ولا بدونه .
- بل مع القلم تجد .
- كيف يا صاحبي الضفدع ؟
سأطلق النقيق عليك ولن يكون بلا فائدة , بع قصصك يا رجل .
- لمن ؟ دور النشر ترفض نشرها .
- صاحب تلك الدار أديباً كبيراً قرأها
قال لي :
- ويحك يحيى ما هذا الفكر الرائع
ويحك يحيى قرأت وقرأت حد الرواء أدباً من قلمك
ويحك يحيى لم لا تكتب دائماً فأنت محلق في سماءات الأدب
ولما طلبت منه نشرإنتاجي
قام ومشى وقعد ثم أدبر ثم أسفر ثم قام ثم قعد ثم قال وقد اختلطت دماء الحماسة ببرودة كلماته فأطفأت نبرته حتى لخلته قادماً من يوم لم يكن تاريخاً بل لعنة على كل قلم حملته
- ماذا قال ؟
وضحك يحيى
ضحك وضحك وقال لرجا :
- أرأيت ؟ أنا لم أبتسم بل ضحكت يا صديقي المشاغب ضحكت وسأقوم للرقص أيضاً .
- كفاك يحيى وقل ماذا قال لك ؟
- قال :
إسمع أيها الأديب العبقري , أدبك لا سوق له .






(8)
وعند مدفأة النادي المشتعلة وألسنة النار تحاول أن تلتهم برودة الحزن القابعة في قلبي الصديقين قال يحيى :
- أرأيت يا صديقي أدبي لا سوق له ؟
- ألم تناقش نفسك العلية لم ؟
ونظر يحيى لرجا لائماً :
- هل أنا المسؤول عن هبوط الأذواق يا أخي؟؟
هل أنا المسؤول عن تردي الأوضاع وضيق الأحوال الاقتصادية فمن سيقرأ أدباً وبطنه خاو.
- من يحادثه الأدب , من يقول له الأدب أنا معك , من يعرض له الأدب مرآة تعكس سفن خلاص في بحر واقع لا سحابات خيال .
- من أراد أن يحادثه الأدب فقد استطاع أن يشتري الكتاب .
ومن استطاع أن يشتري يذهب لخليفة بقروشه الضعيفة يكتب
في أكياس ورقية قصة جوع طفلة أو شحوب أم .
- كم تختزل الدنيا بهذا يا صديقي أو بدار نشر واحدة ؟ تحرك يا رجل .
- يا رجا تحركت .. ولكنهم يريدون كتباً وفكراً مثل الرقص في النوادي الرخيصة أتعلم قبل أيام قال لي أحد الناشرين , نكرة في عالم النشر ولا أدري من أين انبثق ؟
- ماذا قال ؟
- قال لي : يا أديب يحيى علمت انك أديب تكتب حكايات , تخيل هذا ؟؟ حكايات !! فقلت له نعم وابتسمت
- آه ابتسامتك الشهيرة
- كان يحتاجها
- أكمل
- قال لي سآخذ بعض حكاياتك أنشرها ولكن قبل ذلك سأعطيها لمنتج سينمائي .
- ماذا ؟ جيد هكذا تنتشر أكثر..
- ولكن ...
- ماذا ؟؟
- أريدك أن تضع بعض المشاهد العاطفية وقليلاً من القبلات وقليلاً من المشاهد في الملاهي الليلية وسنحضر أفضل راقصة على وجه الأرض وسترى يا يحيى ستصبح من ذوي الثروات ..ما رأيك لقد وافقت يا رجا !
- سأخنقك لو فعلت .
- وقال لي : خفف يحيى من نبرتك العالية , خفف من هذه الألفاظ التي لا يفهمها إلا أنت , خفف من نقدك اللاذع لأحوال الناس وال.........
خفف يحيى ..خفف تثقل جيوبك
هذا هو البيع الذي عرض علي فلم لا أبيع ؟!!
- لم لا تبيع فعلا يا يحيى؟ بع وكن من أصحاب الثروة واشتر لابنتك الحلوى والثوب ولكن تذكر أنها نقود مرة أو ..
- قذرة أليس هذا هو البيع الذي تريدون أن ألجأ له؟
- من أوحى لك يحيى بهذا أو كل الناس على شاكلة هذا الرجل ؟ إسمع لقد أتيتك اليوم ومعي مفتاح ذهبي .
- نعم كجدائل ريما حلوة المذاق ..
- نعم كجدائلها ..فاستمع لي يا صديقي الحالم الساخر .





(9)
وماذا سيسمع يحيى ..؟
كل ما كان يهمه أن يرى أدبه ينتشر , لقد تعرض كثيراً لنقد النقاد بسبب غموض بعض عباراته وعن إيغاله حينا بالرمزية وحتى أن بعضاً قد اتهمه بأنه يعيش في برج عاجي .
وتعدى نقدهم إلى تجريحه بأن اتهموا أدبه بترف خيال , وترف قلم فالفائدة المرجوة منه قطع الوقت ولإثراء اللغة بزخم الصور والتشابيه .
لم يكن نقداً منصفا في كل إنتاجه . لربما الآن نعم ولكن سابقا كان يحمل هماً دفيناً يسقيه من
حاضر مؤلم يتخبط فيه الكل , فانعكس أدبه إلى تصوير مر للواقع المتردي من فقر وانحلال واغتصاب للحقوق وضياع الهوية بأسلوبه غير المباشر و أحياناً بقلمه الساخر الذي أزعج الكثير.
و لم يعرف يحيى فك طلاسم النفوذ والنفاذ إلى معقل ليس بقدرته التنازل عند أبوابه .
فجنحوا إلى رفض كل ما يكتب حتى لا يصطدموا مع من يعطي رخصة العيش ..
فأسكن فكره غياهب أدراجه حتى لا يحرم حلوة المذاق أبسط أنواع العيش الذي يؤمنه لها هي وأخوتها وقبع يحلم .
ليس بقدرة يحيى أن يعطي فكراً متزناً يصور حالة مشوهة دون أن يضع مبضعه الجراحي من لفظ ساخر أو يحمل مرآة تكشف سوءات المتنفذين وأصحاب الجيوب المنتفخة على حساب الحملان .
وليس بمقدوره اختزال هم صنعه تمزق وتفرق واستعباد واستعمار وضغط يثقل على صدر الخلائق ويكتفي هو بإشارات مبهمة ونفاق خرفان لذئاب متسلطة , تلك الذئاب التي يرى مبسمها يقطر دماً من أخ له أو ابن عم أو جار بعد أو قرب .
ليس بمقدوره لا هذا ولا ذاك .
فلما رأى أن خبزه احترق وأقصي حرفه قصداً ودون قصد ,وحمل أوزار القوم وقلمت أجنحته الهائجة , قرر اللجوء للحلم .
ماأجمل الخدر
لا يطعمه
لا يسقيه
ولكنه أيضا لا يقتله ويقتل أطفاله .
هو هناك في زاوية بعيدة يقول لقلمه تعال فقد تصالح يحيى مع نفسه وعقد معها هدنة
ألا مساس..
لن تمس مناطق حمرية قانية
لن ترسف في قيودهم فحريتك لا تزعجهم .
فدغدغ رغائبه وتوقه للكتابة
بلا مساس ...
وكلما هبت رياح الحزن تحمل لواقح أمراض يعجز عن أن يئدها فيلجأ إلى مراعاة ضميره بقصص ومقالات في غرفة عمليات خاصة جداً ثم إنعاش ثم يقتل ظهورها ويخفيها في أدراجه .
لتبقى
بلا مساس ..

يتبع

صباح الضامن
01-03-2006, 10:43 AM
(10 )

بلا مساس
وأيقظته يد رجا الصارخة
- كفاك شروداً وكن معي دقيقة
واعتدل في جلسته ليسمع ولكن رواد النادي من أدباء متمردين على سطوة الثلج يقتحمون المكان بضحك يلهب الجو فيشعله دفئا ً .
-آه أديبنا الكبير يحيى العمر هنا .. يا لحظنا هيا اقرأ علينا شيئا يدفء أرواحنا فقد استهلكنا من البرد فما عاد لدينا طاقة هيا يا رجل لا تتدلل علينا .
وابتسم يحيى وفتح ملفه الأخضر ليتلو(( وثيقة اعتداء))
-ماذا ؟
-وثيقة اعتداء , قال يحيى هذا عنوان مقالتي الجديدة .
-عم هذه الوثيقة ؟ عن زوجتك ؟
-لا إنها عن صحن الفول
وساد جو من الارتياح ومن ثم الضحك فانبرى أحدهم قائلاً :
-أخفتنا يا أديب ظننا أنه قد ساءت أخلاقك فصرت تتحدث في السياسة .
-السياسة ؟ ومنذ متى أتعاطاها ؟
-ألا ترى الحالة حولك ...قام أحدهم غاضبا ً : ألا ترى التردي السياسي والإقتصادي والوطني والحياة بأكملها . ألا ترى جرذاناً يعيثون في سفننا فيقرضون الخشب فيغرق شبابنا في الضلال ؟ ألا ترى اعتداءات الكل علينا فصرنا فاقدي الحس والدهشة كل ما نفعله ... إما أن نصيح داخلنا أو نحلم بسيف بتار لا وجود له .؟
ألا ترى ذلك حتى تتكلم فقط عن صحن الفول ؟
ألا تكون مرة ليبرالياً أو حتى ..
وقاطعه أحدهم قائلا ً :
-وما نفع الكلام صديقي العزيز؟ وكيف سيصل ؟ أم تريد فقط أن تعكر فنجان صديقنا الأديب بلا فائدة؟
-بل فنجانه فارغ يا صديقي كما فناجينكم كلكم . أنتم ثلة من متشدقي ثقافة لا تتقنون إلا إضاعة الوقت وحتى اجتماعكم هروباً من حال سيء إلى قعر فناجينكم الفارغة .
-وأنت قال رجا ساخراً:
-ماذا تفعل هنا ؟ أرنا بئرك المليء يا صاحبي واستوعب سفح جهلنا بقمة رأيك الثائر .. هيا اعرض لنا خطوات نبتعد عن التشدق ونملأ دلاءنا .. هيا .
-يبدو أنكم لن تفهموني كان الأجدر أن أقبع في بيتي أتدفأ بدلاً من برودة جوكم كم تمنيت أن تفهموني ..
-بل فهمناك يا صاحبي قال يحيى وقام يحيط كتفيه بذراعيه ويقوده أمام الجميع
-فهمنا أنك تريدنا أن نتكلم عن شيء هام غير صحن الفول .
والتفت الرجل متفائلاًً : نعم نعم
-حقا ياصاح يجب أن نهتم وكثيراً بما قلت . ألا ترون يا إخوان ؟؟ ألا ترون إنه يحتج على وثيقة الاعتداء أنها عن صحن الفول , لن أغضبه سأغيرها إلى وثيقة اعتداء على ...على .....صحن الحمص .
وانفجر الجميع من الضحك .. وهجم الرجل على يحيى ليضربه لينقذ ويلقى على أول مقعد في سيارة الأجرة ...



(11)
- هكذا أنت يا يحيى .. هكذا أنت ساخر بكل من يهاجمك
-أكنت تريدني أن أصمت وهو يصمنا جميعا بالتفاهة ؟
- لا.. ولكن الرجل قال رأيه حتى ولو كان فظاً .
- ماذا تعني ..؟؟ أأتركه يصفنا جميعاً بأنا متشدقي ثقافة ؟
- لا بل اكتب عنه وثيقة اعتداء بدلاً من صحن الحمص
ونظرا إلى بعضهما وانفجرا ضاحكين
-إيه يا صديقي قال رجا : إنه لم يبتعد عن الحقيقة .
-نعم ولكن الحقيقة يمكن أن تقال بأسلوب أكثر حضارية وليس بالضرورة التهجم . ألا يكفي أنا مطحونون من كل من بيده سوط ويفوقنا طولاً؟ ألا يكفي هذا ؟ ونقوم نحن بعض أيدي بعض وتكسير أقلام بعض .
-يفوقنا طولاً؟؟؟؟
-تعبير فقط ..
-آه هم يفوقونا طولاً بأسواطهم ونحن نفوقهم طولاً بألسنتنا .
-لا يا صديقي , هم يفوقونا طولاً بأسواطهم ونحن نتفوق عليهم بطول ألسنتنا المبتلعة في جوفنا فهذه منة وكرم منهم حتى لا نجوع يا صديقي حتى لا نجوع ...
-حقاً .. حقاً لو أن قلمك الساخر هذا يوظف جيداً ..
-ماذا سيحدث أسيأتي بالحكمة الضالة ؟؟ أم .. أم .. أم
إنتظر قد يأتي بترياقٍ كلامي يشربه عقول بعض أصحاب دور النشر فيتهافتون على نشر قصصي .
-لا فائدة ترجى منك دوما أخرج من المناقشة خاسراً لأنك تبدأها ساخراً وتنهيها ...
-أنهيها بمر المحاولة للنسيان يا صديقي
بضحك مخنوق في قلب الحروف الحزينة .
ويضع رجا يده على كتف صديقه قائلاً :
-لا أحب التباكي وقد قلت لك قبل أن تحدث تلك العاصفة أني قد أتيتك بمفتاح ذهبي
-حقا لأي قصر ؟
-بالله لا تبدأ سخرية وإلا تركتك .
-آسف يا صديقي فأنا يجب أن أذهب لبيت أبي علي
-من هذا؟؟ أزميلنا في الأرشيف ؟
وشرح له يحيى بمرار القصة
_ إسمع صديقي الأديب
أخذت موعداً بعد المغرب رأساً مع رجل مهم سيقوم بعمل مسابقة في القصة وقد حدثته عنك ورحب كثيراً فلا تضيع الفرصة عليك إنها فرصة كبيرة لنشر فكرك أليس ذاك ما تبغي ؟
نظر يحيى نظرة عميقة لصديقه وقال له:
- وأبو علي
- هيا يا رجل سينتظر أبو علي وابنته فقد تكون هذه فاتحة لا تحتاج لها لأبي علي وقروشه الضعيفة .
وفي الطريق إلى بيت الرجل تبسم يحيى ومال على أذن صاحبه قائلاً
-أتعلم ؟ لو أني أخبر زوجتي بإضاعة قروش أبي علي ماذا سيحدث لي ؟
-ماذا ؟؟

(12)
وصمت يحيى متفكراً بمكر ..تفطن له رجا وعلم أنه سيميته حتى يقول
-تكلم يا شرير ماذا ؟؟
وضحك يحيى قائلاً :
-أبداً سأنام في قن دجاج أم خليل .
وضحكا فقال له رجا :
-أما زالت أم خليل تربي الدجاج على سطح المنزل ؟
-نعم يا صاحبي ونحن نشتم رائحة البيض المقلي دوماً من غرفة سامي وشوقي وطلعت المجاورة للقن .
-جيد فقد وجدت أم خليل سوقاً للبيض إذاً .
-نعم نعم هم يأخذون البيض رأساً من القن .
-مسكينة تعتاش من وراء ذلك .
-وهم يتغذون من وراء ذلك , وابتسم بمكر .
-ماوراء ابتسامتك ؟ ماذا ؟ ألا يدفعون لها المسكينة ؟
-بل يأخذونها بثمن مدفوع , جديد بالعملة اسمه التهديد .
-كيف ؟
-لو أنها تجرأت أن تحاسبهم فسيحرموا من البيض وتحرم هي من الدجاج ..
بشكوى بسيطة للبلدية . فوجدت أم خليل الذكية أن الحل الوحيد أن تبقي على السماح بأن تشتم رائحة البيض العزيز من دجاجها المتناثر وتعتمد أسلوب المناورة .
-كيف ؟
-تستيقظ من أوج نومها فهي تعرف متى تضع الدجاجة بيضها وتغزو على قنها في ليل بهيم وتختطف البيض قبل أن يستيقظوا...
وضحك رجا هازاً رأسه
-صراع من أجل البقاء .
-لا يا صديقي بل صراع من أجل البيض .
ووضع يحيى رأسه على نافذة السيارة الباردة وقال لرجا
-أرأيت يا رجا الموازين المختلة ؟
اعتدل رجا مهتماً فهو يعلم أن صاحبه ما أن يتألم حتى يبدع تحليلاً
-ما بها الموازين ؟
-تلك المسكينة من أجل أن تحصل على حقها تضطر للتحايل لأن القوة مع الشر المتمثل في اللصوص الثلاثة .
-لو أن من حقها إنشاء القن لما لجأت للتحايل .
-بل هو من حقها .
-كيف يا صاحبي ؟ كيف ؟ إنه مكرهة بين السكان وليس مكانه وهذا ليس حضارياً ؟
-أضحكتني .. وكأن كلمة الحضارة تقف عند أبواب وتغلق دونها أبواب . ألم أقل لك أن الموازين مختلة ؟ فلو كانت مؤمنة اجتماعيا ً , لو كان هناك من يطعمها , من يعتني بها أتراها تلجأ للدجاج ليطعمها ؟
إنها يا صاحبي في ميزان بكفة واحدة والكفة الأخرى .... غيبت حتى لا يرى زيف البشرية وظلمها وقصورها .
وتوقفت السيارة أمام باب ضخم ذهبي بحجم عمارة يحيى ..لتنهي الحديث عن أم خليل ودجاجها .


يتبع

سحر الليالي
01-03-2006, 06:44 PM
أختي الرائعة صباح:


أقف مندهشة لروعة ما أقرأ ....كلمات طرزت من حروف الجمال

سلم قلمك أيتها الرائعة

بإنتظار البقية بشوق

لك خلالص حبي وودي مع باقة ياسمين

صباح الضامن
02-03-2006, 09:25 AM
(13)

وقف الصديقان حائران , المكان هائل البذخ من الخارج فكيف به من الداخل!
مال يحيى على أذن صديقه هامساً:
-ويحك يا رجا أين أتيت بنا ألا ترى هيئتي ؟ سأعود.
وتحرك يحيى يسرعة لاوياً رأسه ومطلقاً ساقيه لريح باردة ثقيلة لم تسعفه حملاً فقد قبض على ياقة معطفه صديقه مؤنباً:
-ما بك؟ هو رجل ثري, مليونير ولكنه مثقف وصاحب اتجاه متزن لديه مصالح كثيرة
منها بنك , وقناة فضائية , وجامعة أهلية وهو يحب المثقفين والأدب . هيا ..هيا إياك أن تجبن هنا فهذه فرصتك فقد يفتح لك الرجل آفاقاً أنت بحاجة لها .
-أو تظنني يا رجا من المنتفعين الذين يسيل لعابهم لمعرفة أمثال صاحبك , إنني
-هيا........ وجره رجا قبل أن يكمل موشحاته المثالية ودخلا البهو الكبير ليشعر يحيى بضآلته أمام هذا الترف ويحاول بكل ما أوتي من قوة أن يعالج موضوع الفتق في حذائه كيلا يظهر فيسدل بنطاله عليه وعبثاً تنجح المحاولات إلا إذا تسمر واقفاً.
-وهو يجيد التسمر وقوفا ويعشقه على حد قول رجا :
-أنت يا صديقي تطلب التحرك من حولك ولما تقع في دائرة الحركة تتسمر واقفاً .
-نعم قال يحيى ساخراً : ًفالحياة يا يحيى أيها الأديب المغوار هي صولة بقلمك في كل اتجاه وهي بحث عن أثير مناسب المناخ تسقط فيه مطر القلم , وإلا نُسيت وبقيت تقرأ مقالاتك لمن يضحك عليها في رواقات الأندية فقط .!!!!
هز رجا رأسه يأساً من صديقه ودخلا حيث زياد أبو الوفا صاحب القصر المشيد .
لمح زياد الصديقين يقدمان فقام بكل حفاوة للترحيب من بين الحشود المتواجدة والرؤوس المنتشرة وتقدم إليهما مبتسماً بكل كرم ماداً يديه مرحبا ً:
-أهلاً بكما في رواقي الأدبي فاليوم جميل بتواجد هذا الكم الهائل من الأدباء كم أنا سعيد بتشريفكما . ارتاح يحيى لترحيب السيد زياد وابتسم راداً التحية .
لم يكن يتوقع يحيى أن يكون شكل زياد هكذا ظنه ضخم بفمه سيجار مكتوب عليه صنع في هافانا, وبذلة فرنسية , وحذاء إيطالي , ولكنه كان قصيراً صغير الحجم يرتدي بذلة رمادية بدون ربطة عنق ولم يكن متأكداً من نوع الحذاء ...!
الجو في الرواق خانق من كثرة الدخان ولكنه دافيء جداً بسبب التدفئة المركزية وقد تحلق الكثير مجموعات مجموعات الكل يناقش ويتحدث ويدافع عن قضاياه وتناهى إلى مسمع يحيى مجموعة بجانبه لمح فيها أدباء وأصحاب دور نشر:
-أتعلمون يا إخوة إن صناعة النشر في عد تنازلي
-نعم نعم قال أحد الأدباء وهو يعدل من ربطة عنقه الحمراء فأنا أعاني من هبوط أسعار الكتب ورفض دور النشر لإنتاجي رغم تهافتهم عليها من قبل .
-الأمر عام ودولي والسبب يعود إلى تدني مستوى الثقافة
-وإلى غزو الإنترنت أيضاً .
-وإلى عدم رغبة الناس في القراءة فالجيل الذي يقرأ قد انقرض تقريبا ً.
-بل قل أصبح همه جمع المال ولقمة العيش
-ماهو الحل برأيكم ؟
-يجب أن يعود الكتاب هو الأول في ميزان الثقافة
-وكيف ؟؟ تخفيض أسعار الكتب لم ينجح كثيراً . من المسؤول عن هذا التدني يا ترى ؟؟
وابتسم يحيى في نفسه قائلاً : لا شك أنه صحن الفول , أبسط رد منه على العقول الغازية له يبحثون عنه ويقصفونه ولما يستهلكوه يصول ويجول في أدمغتهم وبطونهم يثقل فيهم حب الحركة والتفاعل .... .ويبتسم ساخراً


(14)

بطرف عينه ..كان يحيى يلمح السيد زياد أبو الوفا وهو يرقبه من بعيد أحس بنوع من التحرج لما رأى تحركاته ترصد وأحس بحرج أكثر أنه في هذا الجو الذي لم يستطع أبدا التأقلم معه .
وحتى رجا تركه ودار بين الناس كالنحلة يسلم على هذا وذاك .
جلس يحيى على أريكة في طرف الرواق ينظر من خلال نافذة كبيرة مطلة على حديقة غناء وقد لفت نظره هذا الاخضرار الغريب رغم الشتاء الذي يسلخ الطبيعة من ردائها المخضر , وكأن النباتات هنا لديها فصل آخر لا يتمشى مع عادية ما يفقه.
فاللغة المنسابة جمالاً من خلال النافذة العريضة تسلب فيه القدرة على فهم إشكاليات الثراء ومعادلته الصعبة في قاموسه المحدود .
تمنى لو أنه ينطلق في هذه الحديقة يختفي بين وريقات هذا الزمن الغريب ويحاول كتابة حروف وصل واتصال فهو في زمن مر تعلو في جنبات روحه توق إلى رفة بلا تقصف .
وكاد ينطلق وهو متسمر واقفا ً لولا أن أخرجه صوت زياد أبو الوفا من عالم الحلم التائه إلى واقع ذي ضوضاء ليس فيه صوته .
-ها أيها الأديب لقد سمعت من رجا أنك أديب لا يشق له غبار.
-كأني فارس وليس أديباً بهذا الوصف.
-أوليس الأديب فارس الكلمة !
وابتسم يحيى مؤيداً :
- بلى هو فارس على حصان خشبي .
- هذه إذا نبرة متشائمة .
- لم ؟؟ أعتقد أنها واقعية
- أمم فرك زياد ذقنه مبتسماً ولمعت عيناه
لم تعجب يحيى هذه الومضة وأحس بأن مطراً سيهطل وراء هذا البرق الخاطف بلون لا يحبه.
وقدم رجا لما رأى صديقه مع زياد
-ها يا صديقي أرأيت كم نحن محظوظون بالتعرف على السيد الوجيه زياد ؟
-نعم .. أجاب يحيى باقتضاب
أحس بكتفيه تثاقلان من عبء مديح لا يريده فابتلع بقية الكلام .
راقب زياد يحيى وهو مبتسم وبادره بالسؤال:
-ما آخر إنتاجك يا صاحبي؟؟
-لا جديد .
-لماذا؟
-أحس بعدم الجدوى فلمن أكتب؟؟ فالكتابة لا تنشر .
-آه مشكلة النشر هذه اتركها علي .. إسمع في الغد تأتيني بكل إنتاجك وأنا سأنشره لك كله وبالأسعار التي ترضيك .
مفاجيء جداً ..مفاجيء هذا العرض وكأنه انهيار ورود من أعلى الجبل على مرج أخضر لمار في طريق لم يكن مستعداً لها .
ألجمته الدهشة وأنقذه رجا قائلاً:
-يا إلهي ما أكرمك ! ألم أقل لك يا يحيى كم نحن محظوظون!!
أخذ زياد يدي يحيى الباردتين وربت عليهما وقال له :
-غداً في مثل هذا الوقت أنا بانتظارك لا تتأخر علي ..


(15)

كأن الدنيا ستكشف عن جمال قريب وكالتائه جر من يده حيث غرفة الطعام
المكان صفعه موقظة من سبات .
يا إلهي ماهذه الكميات من الطعام إنها تطعم أهله سنة كاملة ونظر إلى الأنواع الغريبة والأيدي المتلاحقة تجتريء على جمالها وتعبث بسطوتها القوية على نفسه .
كان له مكان ولكنه لم يستطع أن يستغله ولا أن يمد يده الباردة لتدفأ ببعض من لهيب الطعام .
وتسمر واقفاً وتجمدت أوصاله هذه المرة ليس من مرأى المتنافسين على إعدام الأطباق ولكن كانت أمامه حلوة المذاق وولده الصغير .
ونظرة عتاب في قلبه المغمى عليه حزنا ً :
-ماذا يا أبي أستأكل هذه الأطايب دوننا ..نريد منها نريد ..وتلاحقت أصواتهم الطفلة تغطي على شراسة وقوة جوعه .
فانسحب بعيدا وخارج غرفة الطعام وأنفاسه تتلاحق ويتصبب عرقاً .
كانت دهشته لما قاله الثري المليونير أبو الوفا قد تلاشت أمام هذا الشعور المر الذي يتنامى في حلقه حتى أحس به كبحر بدوامة زبدية تلجمه .
لن يخون حزن أطفاله وسيتوحد معهم
لن يخون جوعهم وينافق معدته على حساب حرمانهم
لن يفعل ..
وبينما هو في تمرده الداخلي إذا بطبق مليء يقدم له :
-تفضل يا أديب
السيد يقدم له بنفسه طبقا ً, أحس يحيى بإحراج كبير وجلس الرجل بجانبه قائلا:
-لم تركت غرفة الطعام ؟ ألم يعجبك طعامنا ؟
-وكاد يحيى أن يخرج لسانه الساخر المبتلع داخلا ً ولكن كرم ضيفه زواه في خانة استحياء
-وأجاب متلعثما : أبدا ولكني أقصد لا شيء لا شيء وصمت فقد تدافعت الدماء لرأسه وابتدأت حالة من الاختناق تمنى لو يكسر زجاج النافذة فيسمح لحر الهواء أن يحرر نفسه المقيد ة هنا .
-عموما ًقد نجد أحياناً أنفسنا في أماكن نظن أن كل من بها ليسوا من طينتنا أو لا يتنفسون من ذات الأثير الذي نتنفسه فنحس بالاختناق أليس كذلك يا أخ يحيى؟
-بل لربما امتصوا الأثير فما تبقى لنا شيء..
-لربما ..
وقف زياد أبو الوفا واستند بيديه على يدي مقعد يحيى وأحنى ظهره حتى اقترب وجهه من يحيى الجالس وأحس يحيى بأنفاس الرجل تحيط به . شعر بالاختناق أكثر واختلط الهواء برائحة عطره ممزوجاً برائحة الطبق المملوء بالطعام فما عاد يحيى يعرف من أين تنطلق الروائح ..
واقتربت أنفاس زياد من يحيى أكثر وتمركزت عيناه على عيني الأديب ليقول له :
-عندما نحس أن المكان نقص هواؤه او امتصه أحد لا نبتعد فقد يكون الخارج أكثر شحا ً.
وغمز له بعينيه ليتركه يفكر ويفكر بكل أبعاد كلامه فيا ترى ماذا يخبيء هذا الزياد
ماذا يخبيء ليحيى . ..الأديب.......

يتبع

أسماء حرمة الله
02-03-2006, 09:36 AM
سلام اللـه عليك ورحمته وبركاته

تحية مكتوبة بالطلّ والمحبة

الغالية صباح،

"وليت أني خلف السطور أختبئ حتى لا يراني حزني المسفوك على طرقات أيامي .
وليت وليت ..
أني أولد ألف مرة قبل أن أرى بكائي ضحكاً وضحكي بكاء ."

إن أَهرقت المقدمة التي كتبتِها ماءَ الشؤون، وزلزلتْ أجفانَ روحي، فكيفَ بالقادم بصفحات روايتك؟؟؟
أتابع وسأتابع ماينهملُ زلالاً من قلمك، ولي عودة بإذن اللـه لمشاطرتك مساحاتِ بوحك، فهل تأذنين لي؟؟..

تقبلي كل الحب والاعتزاز :0014:
وألف باقة من الورد والمطر

صباح الضامن
04-03-2006, 04:07 PM
(16)
تمنى يحيى الان منقذه رجا , وضع طبقه على طاولة صغيرة أمامه ولم يتذوق منه شيئا ولو كان يملك ثمن الركوبة لبيته لغادر وسريعا .
نظر من النافذة ورأى أن الجو صحواً وأخذت نفسه تراوده أن يخرج ويعود مشياً على الأقدام غير منتظر لمقدم صديقه وهم فعلاً بالتنفيذ لولا خجله من رجا الذي اصطحبه هنا من أجله , فجلس متقوقعا على مقعده ككومة مهملة لا تدري متى تعطى صك انطلاق ونشور.
وسمع صوت صديقه مجلجلاً يضحك مع إحدى النساء فقد كانت ضحكاتها القصيرة ترن في أذنه واستدار ليراهما واقفين غير بعيد منه وأشار له رجا بالتقدم
- أعرفك إنها الأستاذة خولة علم الدين , أستاذة النحو في جامعة أبو الوفا الأهلية , ماجستير في الأدب وتحضر الدكتوراة تقول لي إن رسالتها سر ولن تبوح به فسيكون صرخة في عالم الأدب.
- أهلا بك قال يحيى بلطف متناه فقد كانت أمنيته إكمال دراسته ولكن لولا المنحة لما أكمل الجامعة الحكومية .
- هذا يا سيدتي أديبنا يحيى العمر لا شك أنك قرأت له .
ابتسم يحيى قائلاً
- قبل الاستعمار .
- كيف أجابت الأستاذة خولة ؟
- أي قبل أن يستعمر قلمي ويرسف في أغلال اللاءات كلها .
- أنا أعرف من اللااءات ثلاثا ً فهل هي ذاتها ؟
- لا يا أستاذتنا لاءات يحيى تختلف
- وهل لي أن أعرف ؟نظرت خولة دون تحفظ لوجه يحيى المبتسم فلمحت موجة من السخرية تعم شطآنه ستمتد وتمتد حتى تشبع فيه كل المرار فتتركه بنوع من الارتياح وكأنه انتقم من شيء دفين في نفسه لا يستطيع الإفصاح عنه .
- بالطبع تحمس يحيى
لا تكتب الا ما نريده
لا تكتب منطلقاً بل وأنت تلبس أسورة باهظة الثمن اسمها قيد
لا تكتب عن فلان وفلان
لا تكتب ما يغذي فالبطون ممتلئة
لا ترفض بيعا لقلمك فأنت جائع
لا تجادل .. لاتنتقد ...لا تنبه .... إلا بطريقتنا لا .........
ولم يكمل فقد أكمل عنه رجل آخر كان يسمع فقال:
- لا تكمل فما تقوله ليس صحيحا بالكلية فأنت تسخط على كل شيء والحرية طير يرفرف على الجميع .
نظر الجميع إليه ودارت بينهم نظرات ممزوجة بسحابات تحمل مطرا ثقيلاً انسكب في قلوبهم فكلام الرجل ينبيء بخطر داهم وقد تتحول الجلسة إلى ......
وأنقذ الموقف من زياد ساحباً الرجل من ذراعه حيث الثلاثة قائلاً
- أعرفكم : السيد المنتصر علي
واقترب يحيى منه قليلاً ووضع رجا يده على قلبه فهذا يعني حرب كلامية من شفاه ساخرة
لا تعرف الصمت بل ضاجة بمرار الدنيا وستسقط مخلفة ضحايا أولهم .يحيى فقد يكون هذا الرجل من سيعيد يحيى لسابق حرب كان قد كسر سيوفها . وقد ينزعج المضيف منه فيلغي عرضه الماسي .
وما أن اقترب يحيى منه حتى أدهش الجميع بقوله
- ألم تعرفني يا منتصر أنظر جيدا ً...


(17)
ولوى المنتصر شفتيه
- من ؟ يحيى العمر ؟؟ لا اصدق
- كيف أنت يا صديقي ؟
وضحك المنتصرقائلاً بنبرة فيها الكثير :
- كم هي صغيرة دنيانا أوبعد هذه السنين نلتقي ؟
- حقا ........... أنادم أنت يا منتصر ؟
- ولم أندم ؟؟ فرصة أن أراك ...
وقاطعه يحيى ساخراً
- لا أعتقد انك متشوق لي ولأخباري , يا منتصر ومد الألف في يا ورفع صوته ساخراً
آه يا قلبي بدأنا قال رجا في نفسه وتدخل بينهما :
يبدو أننا أما ........واحتار فالجو المخيم لا ينم عن وفاق فاستدرك قائلاً يبدو أننا أمام معارف
- أحسنت يا رجا فالمنتصر يعرفني منذ كنا في القرية نلعب في الطين ووراء حمار أبي عطية , كان المنتصر يبيع لنا الترمس الذي تصنعه .........وقاطعه زياد قائلاً :
- هيا يا جماعة تعالوا لنسمع قليلاً من أدب يحيى وفطن يحيى لكلمتي ((أدب يحيى)) وكأنه تنبيه أن تنبه يا أديب واحفظ لسانك
- هيا يا يحيى اقرأ لنا آخر ما كتبتْ
هيا وجره من أمام الملتهب المنتصر الذي أحس الجميع ببداية انهزام لأوداجه فانخفضت وانسحب وكرشه المليء يجلس بعيداً معلناً هدنة قسرية مقموعة من صاحب القصر المشيد .
حان موعد صلاة العشاء يا سيد زياد فسأصلي أولاً
ونظر حوله ودله زياد على مكان الصلاة ليختفي يحيى فينتهزها المنتصر فرصة ويقول :
- هل أصبح يحيى أديبا ؟؟ وضحك ماداً ذراعيه علامة الاستنكار .
- لا لم يصبح يا سيد منتصر فهو منذ ولد أديباً أجابه رجا ببرود.
- ما الأمر يبدو أننا سنشهد حرباً كلامية والأمسية الأدبية ستتحول لتصفية حسابات تدخلت خولة هامسة لرجا .
- هكذا يحيى ما أن يحل بمكان حتى يشعله نارا .
- وقد يكون نوراً أجابته خولة ونظرت إلى البعيد حيث ذهب يحيى يصلي مع بعض الحضور .
أعجبها التزامه في الصلاة وما أن أطل عليها حتى راودها شعور عجيب تجاهه فأسرت لرجا طلباً بأن تحصل على مؤلفاته كلها المعلن عنها والمخفي ..
- أما المخفي فلا أدري ..
وقدم يحيى بهدوء وسكينة جلس على مقعد بجوار رجا ووضع يده في جيبه وكأنه يسترجع نفساً كانت ورجعها مؤلم , فما نفع المهاترة مع أمثال المنتصر فالرجع أنين لا يرف بأنداء ولا يورف بظلال بل ينجب عقم حالة .
اما المنتصر فسينتصر لنفسه فقد تعمد يحيى إبراز ماضيه الفقير لتكون له اليد العليا ولكنه كجمل حمل هم صحراء بشوكها في جوفه فقرر الصبر والضربة حين تكون الفرصة متاحة .
ونظراته ليحيى كانت مفهومة للأخير فكره نفسه , لم يجرها إلى مثل هذا المنزلق الأسن ؟
أحس ببرودة في قدميه تسري لترتفع وتعلن موته في لحظات الغير وضجيجهم .
فحلق بعيدا منقذاً نفسه من كره لحظة لعشق تهارب .






(18)
ودارت القهوة .. وبخارها المحبب ليحيى كأنها من زمن حب قديم يوم كانت أمه رحمها الله تحمصها بيديها وتطحنها فيشتم يحيى رائحتها الزكية من أول القرية .
كم كانت جميلة تلك الأيام يا أمي كم كانت جميلة ... بسيطة حقا ولكنها جميلة
تلك الزهور البسيطة التي كانت ترتص في علب من صفيح صدأت بفعل المطر هي أجمل من هذه الحديقة المترامية الأطراف فذاك العشق الملتهب في قلم يحيى الآن يستيقظ ليصرخ في فؤاده .
أواه يا مهجة العمر كم أتوق لدفء ووارف ظلك ... أتراني أمي كبرت على حضن ؟؟ أتراك أخطأت يا حبيبة القلب لما بعت دكان أبي لأتعلم في المدينة . يا ليتك لم تفعلي .........يا ليتني بقيت عاملاً فيها عوضا أن ألتحف الآن ببرد عوزي ومرأى من كان يبيعني الترمس وهو يحمل مفتاح سيارته بميدالية ذهبية
يبدو أمي أن الترمس قد أنجب له ثروة قالها يحيى بمرارة ساخرة
أتعتقدين ذلك ؟؟ هاهو الآن ينظر لي قائلاً :
- أنا فوقك وفوق كل فوق تحصلت عليه يا يحيى العمر .أنا فوقك فلم ينفعك تفوقك
- تعالي أمي وانظري للجميع وافرحي لابنك فهو الأفضل بينهم
حذاء بال وجيوب خاوية وبطون أولاده تصفر قحلاً وزوجته المعطاءة حباً كقذائف في حرب لم تنته هي نفسه الجدباء الآن .
هاهو ابنك أماه تعالي فانظري فكر عال وحذاء بال ,
معادلة صعبة يا أمي لا يمكن أن تحليها الآن فقد بعنا الدكان وما كان قد كان
وأنا أكتب وثيقة اعتداء
وغداً سأكتب لحظة حرية .....غدا ً عندما أكون عندك أمي ......آه لم تركت ابنك المتفوق عقلا بجيب خاو لم ؟؟؟
وماذا بعد قال زياد ألن تسمعنا قليلاً من أدبك
ابتسم يحيى له وأومأ حاملاً ملفه الأخضر وقرر أن يقرأ (( وثيقة اعتداء ))
وتلا العنوان فقاطعه المنتصر قائلاً :
- يبدو أنك لم تترك ميولك العدوانية يا أستاذ يحيى .
- ابتسم يحيى قائلاً : لا يا صديقي فأجمل لحظات عمري لما أمسك بسيفي القلمي وأعبئه مداد فكري القاتل وأصوبه في قلب فوضى محدثة وأسافر معه في جولة إلى حيث عفن أسطوري عشش في النفوس فأفرش ورقي هناك أبيضاً مزروعاً ........... وتوقف قليلاً ثم أردف مبتسماً .......مزروعا ً ترمساً .
تبادل الجميع الابتسام فالكل فهم أن المقصود هو المنتصر فالجميع يعرف ماضيه وكيف فجأة من بيع الترمس أصبح مليونيراً وكل ما عرفوه ......أنه يغيب بالأيام خلف الحدود ليعود ولا يدرون أية تجارة يتعاطى فمنهم من اتهمه بالتهريب ومنهم بالمخدرات ومنهم ومنهم..ويعلم الجميع أنه غير نظيف أبداً .
وانتفض المنتصر حانقاً وقال
- ابق مع سيفك وورقك وتخدر معهما فأنا لا أتعاطى حلم المتخاذلين . وانصرف غاضباً .

محمد الدسوقي
04-03-2006, 06:09 PM
"" صباح الضامن ""

دعاني قلمكِ لبعض المشاهدة ، فوجدتني أفترش سجادة الوقت لأقضي كل ليلي مع تلك القصة من أول حروفها إلي أخر نقطة ببوحها ، تصاحبني فيها الوجودية ويأخيني عزفك على أوتار العوز ...

حلقتُ كثيرا بين أفنانك ، فشجاني بوح بنانكِ ، فتيقنت أنكِ على عرش الكلمة تجلسين ، ومن مواجع الحياة تنحتين ، يبلغ بكِ الفكر أحكام الصناعة ، وقصور المهارة في التحكم في كل خيوط البؤس .....

بجانب كل ما يبهر من لغويات ،وتركيبات الكلمة ....

بل تتحكمين في مدية الواقع ومغزاه ، وما ينزف من تحايل على جبال ثلجك ..

ففي قصتك مزية الأدب الرفيع ، والجمال الصادق البسيط

عشت مع قصك بأندماج وكأنني وسط شخوصك ، وهذه قمة الأبداع

تحياتي لمداد يقرع السمو

كوني بخير

صباح الضامن
05-03-2006, 12:17 PM
(19)
وبنظرة عاتبة مبتسمة هز زياد أبو الوفا رأسه وحرك اصبعه في وجه يحيى مراراً ثم انفجر ضاحكاً وضحك الجميع , ضحكوا متوافقين مع ضحكة السيد وفي داخل الداخل وبإيماءت من بعضهم ووشوشات جانبية كان هناك حنق على يحيى المتعالي لفظا ً وسخرية . وكأنهم يظنون ثورته اتهاماً لأقلامهم المخدرة .
وانبرى الدكتور رياض المسعدي طبيب متأدب يسأل يحيى :
- يا أديب يحيى هل كتاباتك دوماً فيها نبرة السخرية كما وجدناك قبل قليل مع صاحبك ؟
- وهل كنت أكتب مع صاحبي قبل قليل ؟ إنما كان جواباً على سؤاله .
وبامتعاض واضح قال له الدكتور رياض :
- وكأني شعرت أنك كنت تكتب وصمت محدقاً بيحيى الذي ضجت نفسه فلم يجابه بهذا الأسلوب في التعامل وما شأن هذا الرياض بأسلوبه الساخر مع صديقه أو بكتاباته إلام يرمي ؟ كم هو مؤلم أن تشعر بأنفاس قطبية لا تعرف سبباً لتجمدها !!
ومن بعيد قالت الأستاذة خولة عبارة هزت كيان الموجودين
- إن الأديب يحيى أستاذ في فن صعب لا يتقنه الكثير فإن كان يسخر في كتاباته فإنه يهز جغرافيا فكرنا وحدودها لنستفيق فما عاد لنا إلا أن نضحك على خيبتنا .
- لا أوافقك الرأي يا أستاذة خولة قال الدكتور رياض فالسخرية أحياناً تبدي كاتبها أنه مستعلٍ على من حوله وكأنه من يفهم وحوله في سبات شتوي.
- هذا إن كان يسخر في غير وجه حق ولكن قلمه لا يسخر من شخوص بل من أوضاع متردية صنعها شخوص يجب أن تنصب لهم مشانق لما يجترحوا من حق الناس .
- الفن الساخر يا إخوان هو فن راق إن وظف توظيفاً جيداً يحمل فيه القلم هم الكل ويبسطه بأسلوب محبب ..فما عاد لنا حيلة غير السخرية مما نحن فيه قليل منه يشفي الصدور المتأججة .
ونظر يحيى للأستاذة خولة وهي تدافع عن الفن الساخر ورأى حماسها في الدفاع عن..... وتوقف عن الأسلوب الساخر وليس عنه بالتأكيد .
والتفتت له خولة قائلة :
- قل لنا يا أديب يحيى ماذا تشعر وأنت ترسم بقلمك هذا الفن ؟
- أحس وأنا أكتب أن مراراً كبيراً في مدادي من الأوضاع التي تحيط بنا لا تسعفه التوليفات العادية للجمل ولا أحب الإيغال في عرض التوصيف له بالشكل المألوف فلا ترياق لمراري غير السخرية منه فهو أقوى مني ولا أستطيع التغلب عليه فإن أنا أسرته في حيز سخريتي فكأني أريح ضميري بأني أعزل لا أملك التغيير . أو كأني أسجل عليه انتصاراً أو كأني أسعد من حولي بأن يمدوا ألسنتهم له فذاك من حروف العجز ولا نتقن غيره ..........
- رائع يا أستاذنا
توصيف رائع .............. انبرت خولة معجبة







(20)
فلنسمع إذا لفارس القلم الساخر مقالته
قال زياد مبتسما ًوأشار ليحيى أن يبدأ فقرأ يحيى بأسلوبه المميز في الإلقاء الآسر لكل لحظة تحاول أن تقصي اهتمام المستمعين :
وقرأ..
(( وثيقة اعتداء))
تحلق الجميع حوله كان لا بد من دراسة لوضعه الحالي كل ما يمكن أن يفعل بحقه يجب أن يستحضروه وتمنوا فعلاً في تلك الحالة أن يكونوا عشاق كلمة حتى يستطيعوا وصفه بكل الصفات الغزلية الأثيرة ولكنه كان ينظر إليهم وقد فغر فاهه لا يلقي بالاً لمصير قد يصيبه من إقبالهم عليه .
كان المسكين محط أنظار هذه المجموعة التي تظاهرت حوله ترفعه تارة وتحيط تواجده تارة باخضرار جميل ذو رائحة نفاذة وهو لا يستطيع حراكاً كل ما كان من الممكن فعله أن يقلب جنبيه فيخرج ما في جوفه نتيجة الهجوم المستمر عليه . ولكنه عزيز محبوب وكل ما يخرج منه تتلقفه الأيدي بحب وتودعها قلبها سائلة المولى أن يديم تواجده وأثره الفاعل .
وصاح أحدهم يا ألله لقد نسينا !
وتنبه الجميع ماذا يا قاصف ؟؟
نسينا أن نحفه بالإيقاع فلا يحلو تواجده إلا مع إيقاع الكؤوس الحمراء الخفيفة الحلوة نضرب باليمين فيه وبالشمال نرفع أيدينا بأكواب الشاي كم هو تناغم واقعي جميل .
وضحكوا لما سمعوه فقد ابتدأ القصف المحلي بالأرغفة الملتهبة والحشائش الخضراء من جرجير وبصل أخضر واستمر طبق الفول المحترم يختنق تارة من يد المتسابقين لغزوه فلا رقيب على جرمهم فالكل مشترك للنيل من هذا المسكين .
وهو صامت لا يتكلم وماذا سيقول ؟ ينتظر قولته في نهاية المعركة .
فالهجوم عليه بعد أن يستهلك كالهجوم على قلعة خارت قواها .
وانتهوا حيث ابتدأ هو ..
- لعنة الله عليك يا فول نأكلك وتؤلم بطوننا
- آه أصبحنا لا نفقه شيئا أوه أتمنى النوم ...!!
- إنه يطبق علينا كسمكة قرش يمتص نشاطنا . وصحن الفول الفارغ ينظر بشماتة الضعيف , مقتول وشامت .
ولن ينتقم صحن الفول لنفسه قولاً فالفعل من شيم المتفولين نوماً وعسر هضم وضيق في التنفس ورائحة تذب عن المكاتب اعتداء المراجعين فالكل من الرائحة يقول
اللهم سلم .........اللهم سلم .
وتكتب كل يوم في بطون المعتدين وثيقة اعتداء على صحن الفول يؤكل ويلعن .
يتسابقون إليه ويضربونه باليمين والشمال ولما ينتهون منه وقد أخمد أنفاسهم بثقله يذمونه .
فكم من صحن فول رمي بالبطون قسراً وضرب بلا رحمة وأقصي بلا رحمة وتدافعت الحروف حطيئياتٍ عراضاً في حقه .........
وهو المنتصر رغم الاعتداء .
انتهت
---------
وصمت الجميع عند الانتهاء
لم يستطع احد التعليق كانت مفاجأة فرغم أن بعضاً من الحاضرين والحاضرات كانوا من كادحي الوطن المتفولين إلا أن مخملية الأجواء فرضت الصمت , إلا الأستاذة خولة التي لم تتوقف عن الضحك ورجا المبتسم وزياد المندهش والكل معجب ولكن الإفصاح كان موؤوداً ......


(21)
وابتدأ الحاضرون يتبارون بإشعال الأمسية بالشعر والنقاشات حتى حمي الوطيس ونجحت الأمسية في إذكاء الحماس عند شباب الأدباء واستعراض الكبار ولكن يحيى كان في غير هذا الوارد .
رغم حبه للمناقشات والشعر وطرح الأدب إلا أن نفسه الآن مقسمة إلى قسمين:
فهو يكره أن تنشد الأشعار والنفوس تتناوش للظهور.
يكره الاجتماعات لاستعراض العضلات اللفظية وكان يتمنى أن تكون النقاشات هادفة لا لرفع الذائقة الأدبية فحسب بل لوضع حلول لإشكاليات كثيرة يعاني منها الأديب
وتمنى أن يكون قادرا ً على رفع صوته ليخبرهم بما في نفسه .
وقسم يؤنب نفسه وما أتى به هنا .
فكيف ينادي بكل هذا وقد أتى لمصلحة ؟.. لا ينكر أنه أتى لمصلحة .
أحس يحيى بالاختناق فإن شوك الرغبة في حل مشكلاته تدمي جموحه وتحشره في خانة قصية في نفسه أن يبقى النقي الذي لا يتنازل أبداً عن كرامته وعزة نفسه .
وأخذ يدغدغ ضميره بأنه لم يطلب من زياد شيئاً هو من عرض عليه وأخفى وجهه بين كفيه وكأنه لا يريد لدواخله أن ترى ملامحه . فكلما تذكر عرض زياد أحس بالاضطراب لا يدري كيف يحل لغز هذا الكرم الحاتمي غير المتوقع وشيئ ما يقلقه فليس الأمر مفتاحاً ذهبياً لغرفة العرش الأدبي إنه أخطر من ذلك وهو يحس به
يحس بخطر مقبل فنظرات زياد لا تريحه ....أبداً .
وهل لنا بسؤال للأديب اقتربت خولة تسائله بابتسامة :
- تفضلي وشعور بالارتياح لتواجدها أضفى على روحه قليلا ً من السكينة .
- هل تكتب دوما بهذا الأسلوب أم لديك أنواع أخرى ؟
- لا أدري لم ينادوني بهذا فأنا قليل ما أكتب ساخراً ربما أكتب بمرارة عن واقعنا أما السخرية فهي ليست السمة الغالبة إنها آلية ألجأ لها لما أريد أن أشعر بالانتصار فقط .
- وليس لتوقظ غيرك بأسلوب تهكمي !
- قد يأتي ذلك نتيجة أما الهدف فكثيراً ما يكون لي شخصياً .
- هذا صدق فغيرك قد يستعرض قلمه هنا ويقول من أجل الهدف العام .
- لو كان هذا خلقي لما وجدتني بهذا الحالة
- حقاً ..
- لك زاوية في الجريدة المحلية أعتقد ؟
- نعم وهي رومانسيات
وابتسم بسخرية
- جميلة فأنا أقرؤها دوماً كيف تكون حالتك ساعة كتابتها ؟
- إني أضع فيها من روحانيات قلبي وأذكيها بتوهج من مدادي فتأتي حالمة بعيدة في شفقية الأعمار لا علاقة لها بطين البلاد.
- نحتاج أحيانا لمثل هذا تحليق .
- بل نحتاج لتحليق يعيدنا أرضاً لا يبعدنا إلى ألف سنة ضوئية .
- فلم تكتبها إذا ؟
- لأني ........أبتسم بعدها فذاك قلما يحث لي
- مع أني أراك كثير الابتسام
- أريد أن أبتسم لي وليس علي ........




يتبع

نور الجندلي
05-03-2006, 06:55 PM
هذه هي الأديبة صبـــاح الضامن كما عرفتها
غابة كثيفة من الأسرار ، والمفاجآت الجميلة
كلما توغّلت أكثر
كلما سمحت لنفسك بالانبهار أكثر
جمال قلمها متفرّد
ذلك لأنه لا يشبه إلا قلم صباح الضامن

رائعتكِ أمتعتني
دام مدادكِ بهذا الزخم من الروعة !

ابنتـــــــكِ ..

صباح الضامن
07-03-2006, 02:05 PM
(20)
فلنسمع إذا لفارس القلم الساخر مقالته
قال زياد مبتسما ًوأشار ليحيى أن يبدأ فقرأ يحيى بأسلوبه المميز في الإلقاء الآسر لكل لحظة تحاول أن تقصي اهتمام المستمعين :
وقرأ..
(( وثيقة اعتداء))
تحلق الجميع حوله كان لا بد من دراسة لوضعه الحالي كل ما يمكن أن يفعل بحقه يجب أن يستحضروه وتمنوا فعلاً في تلك الحالة أن يكونوا عشاق كلمة حتى يستطيعوا وصفه بكل الصفات الغزلية الأثيرة ولكنه كان ينظر إليهم وقد فغر فاهه لا يلقي بالاً لمصير قد يصيبه من إقبالهم عليه .
كان المسكين محط أنظار هذه المجموعة التي تظاهرت حوله ترفعه تارة وتحيط تواجده تارة باخضرار جميل ذو رائحة نفاذة وهو لا يستطيع حراكاً كل ما كان من الممكن فعله أن يقلب جنبيه فيخرج ما في جوفه نتيجة الهجوم المستمر عليه . ولكنه عزيز محبوب وكل ما يخرج منه تتلقفه الأيدي بحب وتودعها قلبها سائلة المولى أن يديم تواجده وأثره الفاعل .
وصاح أحدهم يا ألله لقد نسينا !
وتنبه الجميع ماذا يا قاصف ؟؟
نسينا أن نحفه بالإيقاع فلا يحلو تواجده إلا مع إيقاع الكؤوس الحمراء الخفيفة الحلوة نضرب باليمين فيه وبالشمال نرفع أيدينا بأكواب الشاي كم هو تناغم واقعي جميل .
وضحكوا لما سمعوه فقد ابتدأ القصف المحلي بالأرغفة الملتهبة والحشائش الخضراء من جرجير وبصل أخضر واستمر طبق الفول المحترم يختنق تارة من يد المتسابقين لغزوه فلا رقيب على جرمهم فالكل مشترك للنيل من هذا المسكين .
وهو صامت لا يتكلم وماذا سيقول ؟ ينتظر قولته في نهاية المعركة .
فالهجوم عليه بعد أن يستهلك كالهجوم على قلعة خارت قواها .
وانتهوا حيث ابتدأ هو ..
- لعنة الله عليك يا فول نأكلك وتؤلم بطوننا
- آه أصبحنا لا نفقه شيئا أوه أتمنى النوم ...!!
- إنه يطبق علينا كسمكة قرش يمتص نشاطنا . وصحن الفول الفارغ ينظر بشماتة الضعيف , مقتول وشامت .
ولن ينتقم صحن الفول لنفسه قولاً فالفعل من شيم المتفولين نوماً وعسر هضم وضيق في التنفس ورائحة تذب عن المكاتب اعتداء المراجعين فالكل من الرائحة يقول
اللهم سلم .........اللهم سلم .
وتكتب كل يوم في بطون المعتدين وثيقة اعتداء على صحن الفول يؤكل ويلعن .
يتسابقون إليه ويضربونه باليمين والشمال ولما ينتهون منه وقد أخمد أنفاسهم بثقله يذمونه .
فكم من صحن فول رمي بالبطون قسراً وضرب بلا رحمة وأقصي بلا رحمة وتدافعت الحروف حطيئياتٍ عراضاً في حقه .........
وهو المنتصر رغم الاعتداء .
انتهت---------
وصمت الجميع عند الانتهاء
لم يستطع احد التعليق كانت مفاجأة فرغم أن بعضاً من الحاضرين والحاضرات كانوا من كادحي الوطن المتفولين إلا أن مخملية الأجواء فرضت الصمت , إلا الأستاذة خولة التي لم تتوقف عن الضحك ورجا المبتسم وزياد المندهش والكل معجب ولكن الإفصاح كان موؤوداً ......


(21)
وابتدأ الحاضرون يتبارون بإشعال الأمسية بالشعر والنقاشات حتى حمي الوطيس ونجحت الأمسية في إذكاء الحماس عند شباب الأدباء واستعراض الكبار ولكن يحيى كان في غير هذا الوارد .
رغم حبه للمناقشات والشعر وطرح الأدب إلا أن نفسه الآن مقسمة إلى قسمين:
فهو يكره أن تنشد الأشعار والنفوس تتناوش للظهور.
يكره الاجتماعات لاستعراض العضلات اللفظية وكان يتمنى أن تكون النقاشات هادفة لا لرفع الذائقة الأدبية فحسب بل لوضع حلول لإشكاليات كثيرة يعاني منها الأديب
وتمنى أن يكون قادرا ً على رفع صوته ليخبرهم بما في نفسه .
وقسم يؤنب نفسه وما أتى به هنا .
فكيف ينادي بكل هذا وقد أتى لمصلحة ؟.. لا ينكر أنه أتى لمصلحة .
أحس يحيى بالاختناق فإن شوك الرغبة في حل مشكلاته تدمي جموحه وتحشره في خانة قصية في نفسه أن يبقى النقي الذي لا يتنازل أبداً عن كرامته وعزة نفسه .
وأخذ يدغدغ ضميره بأنه لم يطلب من زياد شيئاً هو من عرض عليه وأخفى وجهه بين كفيه وكأنه لا يريد لدواخله أن ترى ملامحه . فكلما تذكر عرض زياد أحس بالاضطراب لا يدري كيف يحل لغز هذا الكرم الحاتمي غير المتوقع وشيئ ما يقلقه فليس الأمر مفتاحاً ذهبياً لغرفة العرش الأدبي إنه أخطر من ذلك وهو يحس به
يحس بخطر مقبل فنظرات زياد لا تريحه ....أبداً .
وهل لنا بسؤال للأديب اقتربت خولة تسائله بابتسامة :
- تفضلي وشعور بالارتياح لتواجدها أضفى على روحه قليلا ً من السكينة .
- هل تكتب دوما بهذا الأسلوب أم لديك أنواع أخرى ؟
- لا أدري لم ينادوني بهذا فأنا قليل ما أكتب ساخراً ربما أكتب بمرارة عن واقعنا أما السخرية فهي ليست السمة الغالبة إنها آلية ألجأ لها لما أريد أن أشعر بالانتصار فقط .
- وليس لتوقظ غيرك بأسلوب تهكمي !
- قد يأتي ذلك نتيجة أما الهدف فكثيراً ما يكون لي شخصياً .
- هذا صدق فغيرك قد يستعرض قلمه هنا ويقول من أجل الهدف العام .
- لو كان هذا خلقي لما وجدتني بهذا الحالة
- حقاً ..
- لك زاوية في الجريدة المحلية أعتقد ؟
- نعم وهي رومانسيات
وابتسم بسخرية
- جميلة فأنا أقرؤها دوماً كيف تكون حالتك ساعة كتابتها ؟
- إني أضع فيها من روحانيات قلبي وأذكيها بتوهج من مدادي فتأتي حالمة بعيدة في شفقية الأعمار لا علاقة لها بطين البلاد.
- نحتاج أحيانا لمثل هذا تحليق .
- بل نحتاج لتحليق يعيدنا أرضاً لا يبعدنا إلى ألف سنة ضوئية .
- فلم تكتبها إذا ؟
- لأني ........أبتسم بعدها فذاك قلما يحث لي
- مع أني أراك كثير الابتسام
- أريد أن أبتسم لي وليس علي ........


(22)
واستأذن الصديقان
- ممتعة تلك الجلسة أليس كذلك يا صديقي لولا تدخل المنتصر فيها .
- بل مقلقة .
علم رجا بأنه سيواجه بشخصية يحيى المترددة المتشككة بالنوايا فانبرى يقنعه كيف أنها فرصة العمر فلا يضيعها وماذا سيخسر؟ لا شيء بل بالعكس سينتشر على يد المتنفذ صاحب العلاقات التي ستفتح له أبواب النجاح والشهرة والمال .
وصمت يحيى , كان صمته مقلقاً لرجا رغم أنه أيضاً يحس بالغرابة فقد كان مقدمهم ليشتركوا بمسابقة القصة ولم يكونوا يحلمون بهذا الفتح الكبير ودفعة واحدة .
- إيه يا صديقي لربما تكون على حق ولكنا لسنا في ترف الإشراق فلا بذخ من هذه الناحية علينا فقد عشنا طوال العمر نقبع غرباً لما تشرق الشمس , وكان تجوالنا في عمرنا محض قهر أن نسلك طرقاً محفورة محفوفة بالحرمان فكيف تريد منا أن نصدق فجأة أن المارد قد أتى يحمل بيده كنوز سليمان.
إن رائحة الصبر المزروع في ثنايا أيدينا المشققة هو رائحة الطين هيا اشتمه يا رجا
أترى لما يأتينا الصحو متلفعاً بغلالة من حلم أترانا نصحو؟ أتظن أن ما حدث صحواً ؟ أم لا زلنا نوقظ حنيناً يداعب النفس أن صدقي يا نفس ويحك ألا يحق لك حتى الحلم كذباً والصدق خديعة .
صدقي ولا تضعي فرحك في شقوق الاحتمالات فقد غزاك الخوف كجيوش لجند صغيرة من هوام لا ترينها تأكل ترقبك للفرحة تأكل حتى رفضك للتصديق .
- بل عليك أن تحلم وتصدق الحلم فما سمعته من الرجل لم يكن إلا استعداداً....
- وقاطعه يحيى
أخشى أخي أن أحلم وأصدم
- ولم ؟
- لأني ببساطة لست من صائدي الفرص , فالفرصة فريسة أخشى أن يعلق بأظفاري شيء من دمها ولا يكون نظيفاً فلا أستطيع منه خلاصاً .
- لا تستبق الحدث فتقع في فوضى القرار.
- بل قل لا تحلم فتصدم وتوقع الأسوأ فترتاح
- ماذا يخيفك ؟
- هناك أخي في زاوية بعيدة من نفسي أحس بشيء مقلق ليس أني لم أعتد الفرح لا لا يا صديقي إن الفرحة تحاول أن تسكت الخوف عندي , ولكنه لا زال يلح علي كناقوس منتظم الطرقات طق طق طق كلما حاول الفرح أن يظهر أسمع الطرق ...طق طق طق
- ببساطة هو عدم تصديق بوجود شخص مثل زياد أبو الوفا , وصدقني يا أخي إنه تاجر ويعرف كيف يتحرك.
- آه نعم صدقت تاجر وهذا ما يخيفني .
- لالا تخف فأنت صاحب القرار وإن لم يعجبك عرضه لا تقبل يا أخي ما بالك تضخم الأمور ؟.
- هي ضخمة يا عزيزي فلا تظن أنها ليست كذلك
- ولفهما ظلام الصمت في طريق العودة لمنازلهما .......... في آخر الليل .


يتبـــــع

صباح الضامن
09-03-2006, 08:30 PM
(24)

الجو مائل للبرودة ولكنه أرحم من ذي قبل فالشمس ابتدأت بالظهور قوية اليوم على غير عادتها تفاءل لها يحيى وتمنى أن يكون اليوم إجازة وقال في نفسه :
- آه ما أجمل يوم الجمعة !
وقف يحيى عند دكان خليفة ينتظر الحافلة وعجب أن الدكان مغلق ماذا حل بصاحبه يا ترى ؟
ابتسم يحيى في نفسه هازئا يبدو أن جاري أفلس مما أعطاني بالأمس وكادت ضحكته القصيرة أن تظهر.
طال انتظاره للحافلة ولأن ساعته الآن تحولت إلى دجاجة سمينة فلم يعرف الوقت وتلفت يمنة ويسرة كل ما حوله ساكن
- ما ذا حل بالناس ؟.. إنه لايرى أحداً
وفي الزاوية البعيدة من الشارع رأى بائع الكعك يتجه لمكانه فانطلق إليه قائلا:
- صباح الخير يا جار كم الساعة ؟
- الثامنة
- ماذا ؟؟ يعني اني تأخرت على الدوام وضرب رأسه .
- أي دوام يا أبا عمر اليوم الجمعة ؟؟؟؟؟؟؟
آآآآآآآه رقص يحيى في الشارع فرحاً
ورقص ودار وقبل شاكراً بائع الكعك وانطلق كالريح إلى البيت ولم يتخيل أن حذاءه البالي سيطير به هكذا وما أن دخل البيت حتى وجد امرأته على البوابة ومعها أطفاله :
- إلى أين ؟
- سأزور أمي اليوم الجمعة قالتها بمكر مقصود
- وكنت تعرفين أنها الجمعة وأيقظتني ؟
احمر وجهه غضباً وتقدم نحوها بقلب الأسد وكاد أن يخنقها لولا أن ريما شدت بنطاله قائلة - - أبي تعال معنا إلى جدتي
- لن يذهب أحد .....عودي إلى البيت
وبوجه كالموتى حملت فوزية عمراً وانطلقت إلى الداخل وريما معه .
بيت بائس ذاك الذي يسكنه أمثال فوزية !
كم من مرة حاول تعبيد الطريق الواصل بين صحرائها وخضرة حياته فلا أمل
كل ما تمنى يحيى أن يحدث هو قليل من الحنان ذاك الذي افتقده يوم وفاة أمه ولم تعوضه فوزية فهي جبل النكد المليء حجارة .. لفظ قاس ونفسية يعشش فيها إرث حياة مادية اكتسبتها من واقعها المختل .
والدها سمسار أسهم مفلس دائماً وأخوها مهرب على الحدود وأمها نموذج فريد لمن يكره أي شيء عدا أولادها , وحبها لهم عقيم مجرد من حكمة .
كم يكره اليوم الذي جمعه بهذه العائلة ولكنه الآن يلتصق تماما بمرآتهم وصورهم المكررة في أعماقه تئن مشوهة .
ولولا صغاره لتركها ولكن القدر يريده أن يضيف في سجل حياته قوة احتمال أخرى .... لا فكاك منها .





(25)
كان يوما حافلاً من الشجار ولكن يحيى رحم أولاده ولم يرد أن يخنق فرحتهم بالدجاجة فاكتفى بالخروج من البيت للصلاة وعاد ومعه حلوى للصغار وزعت عليهم في المسجد .
الفرحة اكتملت عند الصغيرة حلوة المذاق وهدأت فوزية قليلا ً حتى أنها طلبت منه بأدب أن تذهب لوالدتها في العصر ووافق .
وجلس بجوار النافذة المطلة على شارع الإسكان الضيق يراقب زوجته والأولاد يخفيهم الزقاق الضيق .
آه يحتاج للهدوء ليفكر في عرض أبي الوفا, وانتظمت أنفاسه قليلا تقترب من حديث متناغم مع الجو حوله ,
ماذا يا يحيى ؟ ماذا يريد زياد ؟
وفي مسافة بين الذكاء والهروب منه وقفت النفس لا تريد أن تتصارح مع حديثها ونظر يحيى إلى قلمه الخشبي الأخضر وفتح ملفه الأخضر وأخذ يسكب قليلا من معاناة فكره لعل الكتابة ترتب أفكاره أو ..تدله على طريق المصارحة .
ورأى ورقه أتون نار يلتهم حروفه فيحيلها رمادية ..احتراق في داخله وعلى الورق نتيجته
وكتب
البيع :
====
يصطف البائعون في الشارع الكبير المختزل في عيونهم بتحركات المارة غير المبالين فيضيع بعض من أمل البيع لديهم . .
ويصطف كل ينادي على بضاعته إلا أم جواد
كانت تجلس على الأرض وثوبها الأسود البالي قطعة من قلب طاردها , من قلب من هجرها
احترق الخوف من كل شيء عندها واحترق الهم و الفرح , وكل حس, فقد فقدت عشاً صغيراً في غيمة الوطن كانت لها وبها ابنها جواد.
جواد الذي التحف رياح البحر القاسية وغادرها إلى إيطاليا ليعيش يبيع الحرب في نفسه بليرات قليلة ويسلم أسلحة العزة في مكان لا يعرفه فالتماثيل هناك سواء وهو يقف مثلهم حجر في داخله قلب حجري مات لما تلحف البحر وباع الحرب في نفسه .
وتبيع هي الدخان بالسيجارة لكل غادي ومتغني بصفير السعال الأزرق ! من أين تأتي يا أم جواد بالدخان ؟ وتنظر إلى سائلها نظرة موات
من حيث يبيعونها .. قالتها وتناولت قروشاً قليلة دفعتها لبائع الفطير بجوارها وأخذت منه فطيرة تبتلع لقيماتها وذاك دفعها لها بدوره لينفث دخاناً رمادياٍ كان لا يرتفع بأكثر من رأسه .
وعجباً يا دنيا.. تقف سيارة فارهة أمام أم جواد لا تلقي لها بالاً ويخرج السائق المتأنق يخاطبها طالباً دخاناً مهرباً من نوع نادر, وابتسامة بأسنان مصفرة
لا يوجد
وتثير السيارة غبار السخط على الجميع ليستمروا ببيع يسحبون الأنفاس يراقبون رجلاً ذي شعر أجعد يحمل مجموعة من الكتب يبسطها أمامهم ويصيح
تعالوا , كتب مجلدة الكتاب بقرشين ......معجم ال...بقرش موسوعة ال..........بقرشين
ويد أصغر من الحلم وأكبر من الحقيقة تطلب كتاب ( تحت الفراش لمزين الجعفر هل أجده ) ويخرجه البائع ذو الشعر الأجعد من جيبه وعيونه تدور هنا وهناك ويهمس
إنه بخمسين قرشاً
وتتلقفه اليد الأصغر من الحلم والأكبر من الحقيقة وتختفي في غبار الدنيا
تبيع أنفاسها ........ في كتاب مزين الجعفر كاتبة الحب الرخيص
ويبقى البيع مستمراً....


(26)
ناقص , مقالي ناقص ردد يحيى في نفسه ما بالي أبتعد عن أموري ولا اواجهها ؟؟ ما بالي لا أكتب عن معاناتي أنا
ثم عاد فقرأ مقالته وابتسم : ليس ناقصاً يا يحيى إنه إشارة بعيدة لكل بيع وأنت منهم وأنت منهم ..
ورجا هو من سيرتب لي فكري وسارع إليه يتمنى أن يجد لديه الحل
رجا صديق العمر , من يخفي ألم السنين في وجه ذي ملامح مرحة مقبلة على الحياة , واقعي بلا هوادة لا يجامل في مبادئه ولكنه لا يحارب كثيرا من أجلها يبقيها في خزائنه الفكرية حتى يأكلها الموت أو الملل .
وتهلل وجه رجا لقدوم صديقه فانطلقا في الحقول المجاورة كعادتهما لما يتباحثان في أمر .
- دبرني يا وزير ضحك يحيى قائلاً
- ليست كيمياء ولا ذرة يا صديقي هيا لنحضر إنتاجك من البيت وننطلق لزياد .
- هل يخالجك خوف على صديقك يا رجا ؟
- مم ؟
صمت يحيى أحس بأن نظرات رجا تتهرب من مواجهة حقيقة الخوف الواضحة في نبراته
وأجابه رجا :
- كلنا يا صديقي في مواجهة للخوف أو في جحره إياك أن تظن أنك المقصود في معركة الحياة ألا ترى أننا كلنا في دائرة واحدة .
- نعم كلنا ولكن هناك من يقف بعيداً لا يقتحم الجحر فينجو بخوفه وجبنه وهناك من يوضع أمامه قسراً فيضطر إلى ابتياع سيف يقارع فيه رمضاء حياته فيحترق .
- وأي سيف تريد أن تبتاع هنا يا خائف ؟
- سيف الحقيقة
- ألا ترى أن كل الحقائق ساعة نعوزها تختفي ؟
- لا لا أرى ذلك إنها لا تختفي بل إنا نغيبها ونقولبها ونلبسها طاقية الإخفاء بأيدينا .
- ولم نفعل ذلك ؟
- لأنا لا نريد أن نواجهها فإما أنها مؤلمة أو قاتلة .
- ولم لا تبتاع السيف وتنقذ نفسك ؟ ألا تملك ثمنه هنا ؟وأشار إلى رأسه ثم أردف قائلاًً:
يا عزيزي يحيى إننا رفقاء الحرف أنا أكتب مثلك وإن كنت أنحو منحى يعينني في حياتي فلا أضع قلمي بين مطرقتهم وسندانهم بل أجاور مد البحر لقوم صغار أشبع عالمهم اللعوب بدميات حروفي فأكون معهم أتأرجح على حبال الدنيا فعشت ...
- وقاطعه يحيى نعم عشتَ بلا مساس , والآن أنت بعيد عن مرمى الهدف أنت تكتب مقابل حياة بمواصفات مريحة وأنا أكتب مقابل حياة بمواصفات محاصرة . حتى لما حلق القلم بعيداً أملا ببيع الأحلام على قارعاتهم واستشرفت منه خيراً كان لا سوق لأدبي فلا نجوت يوم حلقت بعيداً ولا نجا عقلي . وظللت خائفاً من أجساد تقترب تناوش كفي فتثقبه فلا يستطيع للقلم حملاً .
- وكأنك يا صديقي لا ترى من حولك أكل من كتب يعاني معاناتك ؟
- كل من أراد أن يحمل سيف الحقيقة ويضع نصله في عين الشمس فيومض بكل الصور الصارخة ليقول للعالم هيا انظروا
هنا خطأ ...هنا قهر ... هنا أكل للحقوق .. هنا تغييب للإنسان ..هنا دعوة لفساد .. هنا بيع رخيص لكل القيم وهنا ....هم يأكلون حريتنا فيكبرون قيوداً في قلوبنا إن رضخنا وسقماً وعداءً ومحاربة وتضييقاً إن رفضنا ..
- ولكني أرى قوماً يصرخون ويحملون سيف الحقيقة وينتشرون فلم أنت لا ؟؟ لم يا صديقي هل أصبح الأديب يحيى خطراً لدرجة المنع
- بل يصرخون ويحملون سيف الحقيقة وهم يا صديقي إما مثلي مطحونون وإما لديهم ما يتكئون عليه أما أنا فجدري يا صديقي قرية مغيبة اختزلت ببيت أكثر تغييباً بها عالمي الراجف صدري له من حرمان .
- أحس بمعاناتك يحيى ولكن أنت الآن على مفترق طريق فإما أن تقتحمه وإما أن تعود وتتغنى على أطلال قريتك المغيبة .
ويتلفت يحيى حوله ذاهلاً .. النقاط الآن على جملة واحدة إما الاقتحام وخوض ما لا يعرفه وأن يعطي إنتاجه لزياد أبو الوفا ولا يدري ماذا سيفعل بها وأي ثمن سيكون .
وإما أن ينقلب إلى أهله يحمل أوراقه المخبأة محروقة حروفها في قلبه أتته بنار ولم تكن له قبساً .
ونظر إلى رجا كان ذاك قد أستند إلى شجرة زيتون كبيرة يكتب بغصن مقتلع منها بعض الخطوط على الأرض المحمرة .
- هل حقاً زياد سليم النوايا ؟؟ هل حقاً سينشر إنتاجي ولم يفعل ذلك ليس مجبراً ولا أعني له شيئاً !!! وهو أيضا تاجر يزن ماله لما يعطيه ليرى كم ثقله بيد آخذه ويحسب هذا الثقل يحسب عطاياه .
- معك حق بالتخوف ولا ألومك وجهدك وعرق السنين والمعاناة ورفضك المساومة على عقلك وإرضاخه للتنازل عن مبدأ الإصلاح الذي اخطتته وكتابة أدب رخيص للاستهلاك أدب لا يدوم ويدني الناس من طين منتن ولا يرقى بهم كل هذا يجعلك حقاً تخشى وكأنك ...
- وكأني يا صاح أبيع نفسي ألا ترى أني أخشى أن أضطر لبيعها ؟
- وكأنك خائف من أن تضعف , كل العروض كانت نشر وانتشار ولربما المادة كانت أقل مما يطمح به أي أديب أما الآن
- حقاً الآن أنا بين فكي الرحى أخشى وتوقف
- تخشى أن يغريك بالمال وقت العوز فتبيع ....... وقد يغريك لأكثر من البيع
ولكن أنت وميزانك .
- أحتاجك
- تريديني ضميرك
- أريدك مثل هذه الشجرة التي تستند إليها لا أريد ان تتكسر أغصاني يا رجا فالريح هذه المرة قد تكون أقوى من احتمالي .
وصمت رجا وهو يرى صديقه خائفاً , كان دائما يراه قوياً أمام كل المغريات , كم وكم ساوموه ليعود عن أفكاره , وكم اقتحموا حصن نفسه المنيع الناصع بقليل أو كثير من بصماتهم السوداء فرفض . وكم وكم لم يجد من يسوق له فكره رغم نظافة بعضهم وحملهم لنفس الأفكار ولكن المغامرة تقفل قلاعهم فيرتدوا إلى داخلها خائفين من المساندة . والآن هو أمام تحد أكبر فهو يعلم من هو زياد إنه إن أراد شيئا ً ناله ولا يدر الآن ماذا يريد ؟؟ وتمنى رجا لو لم يعرف صديقه عليه فالحروب الصغيرة خساراتها صغيرة أما هذه فسيوفهم أمامها ضئيلة والخسارات ستكون أكبر .
ونظر إلى يحيى بوجه صادق وقلب أصدق قائلاً
- يا صديقي سأكون معك لا أريد ان أيئسك وأدغدغ خوفك بالهروب لا ... لنقتحم معا فلا خسارة لما نكون يداً واحدة ولا تنس لما تدخل عليه
أنك الأديب يحيى العمر ولديك اليد الطولى فكرك في عقلك لا أحد يطاله أما ماله ففي جيبه والكل قادر على انتزاعه أفهمت !!
- فهمت يا صديقي فهيا إلى ...فك المعادلة .

يتبع

صباح الضامن
11-03-2006, 09:41 PM
27)
وعند بوابة قصر زياد وقف الصديقان كان الباب مشرعاً ويطل منه البهو الكبير يتحدى ضيق صدورهما وضيق بيوتهما وضيق شوارعهما و يوحي إليهما بأمر خفي .
سمعوا هنا همساً يختلف عن ذاك الضجيج المتهالك في القلوب . فهنا همس عال بنغمة وتيرتها لا تتقطع ولا تخبو ولا تخنق , إنها وتيرة غنية .
وهاهي يا يحيى جولتك الآن أنت تملك سطورها فهل ستحسن السير في ميمنتها وميسرتها أم أن اقتحامك سيكون الآن انتحاراً لكل ما ناديت به .
هيا يحيى خذ عقلك فأنت أمام عقل المال فمن سينتصر ؟
وانطلق صوت زياد مرحباً رآه يحيى اليوم مختلفاً رآه أطول قليلاً وأكثر اعتداداً بنفسه وحتى نبرة الترحيب كانت جامدة ليس فيها تلك الحرارة وأحس بقشعريرة تسري في كيانه وكأن هبة الهواء الباردة حولهم تنذر بجو مكفهر .
وانطلق الصديقان إلى مكتب زياد
وشعر يحيى بأنه في معرض لكل التقنيات الحديثة وليس مكتباً ولكنه لم يدقق بالتفاصيل كثيراً حتى لا يهتز فيكفيه ما به .
وابتدأ زياد بالحديث كسر به جو التوتر القائم :
- كيف الحال يا أدباءنا ؟
آه قال يحيى بنفسه كأن (( النا )) هذه تقدمة لاحتواء شيء فبادره قائلاً ممازحاً
- أفضل بقليل من أمس فالمنتصر ليس هنا .
ضحك الجميع وقال زياد :
- حادثني على الهاتف صديقك المنتصر يعاتبني أن سمحت لك بالتهجم عليه
- هل كان ينتظر أن تطردني ؟ قالها يحيى بكبرياء جعلت زياد يأخذ قلماً أمامه ويرتد مستنداً على مقعده الجلدي الوثير .ولم يجب مما جعل يحيى يقول لنفسه يبدو أني أصبت منه أمراً لا يحبه فتدخل رجا قائلا ً
- السيد زياد يعرف قيمة الرجال ولن يفعلها .
ابتسم زياد لهذه الرشوة ولم تعجب يحيى فصمت ولم يعقب .
ولكن زياد أردف قائلا:
- بل كان ينتظر أن أسانده فهو صديق قديم لي وبيننا تعاملات كثيرة .
هزت العبارة الأخيرة يحيى وتضايق منها وكأنها مؤشر هذا هو زياد الذي سيشتري إنتاجك يا يحيى أنظر من يصاحب .
وتابع زياد قائلا :
- أنا لا يهمني ماضي الرجل ولا كيف كان ما يهمني أنه ناجح الآن ولديه سجل تجاري نظيف ويكفيني هذا .
آه نظيف حدث يحيى نفسه يبدو أنه غسل أمواله كما كان يغسل الترمس .
- عموما هو ليس محور اهتمامنا الليلة فلنتحدث بأمر الكتب , الحقيقة أني أريد كل إنتاجك بالأمس لما ذهبتم طلبت كل أعداد الصحف التي تنشر بها مقالاتك وأعجبتني جداً ولكني علمت من بعض الإخوة أن ما يخبأ في أدراجك ليس ذاك النوع من الرومانسيات بل هي قصص منعوا نشرها لأنك فيها تهاجم الخطأ وتضع قلمك في عينه فلما خافوا من أن تسيل دماؤهم خنقوا كلماتك أليس هذا ما حدث ؟
دهش رجا من أسلوب زياد فهو يعلم أن الرجل ليس بقاريء وإن كان يحب اجتماع الأدباء فهو يريد استكمال نقص لديه فلا شهادات له ولا أحد يعرف كيف جمع ثروته وأصابع الاتهام كثيرة ولكنه وأدها بمشاريعه الثقافية والانتاجية
فمن أين له هذا التحليل الدقيق ؟ يبدو أن المستشارين كثر ؟ فنظر إلى يحيى الذي كان ينقر بإصبعه على طرف المكتب متفكراً بما قال وليس حاله بأقل من صاحبه فالدهشة اعترته من هذا التلخيص الدقيق والمباشر لكل شيء .
وحثه زياد على التفاعل بقوله
- أليس كذلك يا صديق ؟؟
- بلى كذلك يا سيد زياد
- إذا فلنكن صرحاء
- كيف ؟ وبم
- أنت لديك العقل والفكر والأدب والموهبة
- نعم
- وأنا لدي العقل والمال وموهبة توظيفه وتشغيله
- بلا شك
- إذا فنحن نكمل بعضنا
- لأي حلقة يا سيد زياد نكمل أي حلقة ؟
تنبه زياد لقولة يحيى ولكنه لم يجبه واسترسل قائلاً :
- قلت لك بالأمس أن تحضر كل إنتاجك ووعدتك بنشره أليس كذلك ؟
- بلى
- وأنا عند كلمتي .. ولكن
واهتز قلب يحيى وتململ رجا في مكانه
- ولكن ماذا ؟؟
- فقط أريد ان أسألك سؤالا يا يحيى ؟ لم رفضت تغيير أفكارك وتمسكت بها أليس لأنك مخلص لمبادئك ؟ أليس لأنك تريد أن تنشر أفكارك التي تصلح وتبني وتعرف الناس على مواطن الخطأ ؟
- بلى يا سيد زياد بلى ..
- أنا ساقوم بنشر أفكارك كلها ولن أنقص حرفاً واحداً مما كتبته بل سأنشرها في كل بقاع العالم ولو اقتضى الأمر ان أترجمها إلى لغات كثيرة فسأفعل وسترى كلامك بين أيدي الكثير وسيتحقق حلمك وتصلح وتبني .
- ولكنك يا سيد زياد لم تقرأه بعد فقد يكون أصعب من أن ينشر
- تعني أن به مساس لشخصيات بأسمائها
- لا أبداً فأنا لم أتعرض أبدا لأشخاص فذاك لا يهمني إنما أردت أن أحث الناس على رؤية الخطأ وإشعال همتهم للعمل الجاد لرفع هذا الخطأ وعدم الرضوخ من أجل لقمة العيش ويتركوا المقولة اللهم نفسي اللهم نفسي .
- عظيم جداً وأنا سأنشر هذا التوجه وأحب أن أكون فاعلاً فيه
تعجب يحيى وتذكر كلمة ولكن ... التي قطعها زياد وأحس أنه ابتلع طوفانا ً سيقذفه الآن وخشي يحيى أن يكون نجاته أن يضع كتبه أسفل رجليه حتى لا يغرق .
واستطرد زياد :
- سأنشره يحيى سأنشره أيها الأديب بآلاف النسخ وقد يحصد جوائز ولكن ...
- ولكن ......
- مادام الهدف العام وجهتك ولا يهمك أي شيء
- طبعاً الهدف العام هو وجهتي
- إذاً لن نختلف .
- على ماذا ؟؟؟؟ وأوجس يحيى هنا خيفة .
- أن أضع بدلاً من اسمك ............إسمي .
.



يتبع

صباح الضامن
11-03-2006, 09:48 PM
(28)

كلما ... كلما سدت سدود واستبيح النقاء وصار فريسة بحث في قواميس اللغة وجد توصيف لكل شيء إلا هذا .....
أين أنت يا رباطة الجأش الآن ؟
تعالي يا نفس يا محاربة واستحدثي سلاحاً فقد أن الفؤاد بما سمع .
ويح خطوات العوز التي قادت سفنك الطائشة في بحر لجي يغشاه ظلم فوق ظلم .
فتح المزاد والبائع قادر
فتح المزاد من يشتري العقل بأعلى الأثمان
فتح المزاد يا يحيى ولن تعرف كيف تصل بلوحاتك لأعلى ثمن .
أنت الآن على جسر خشبي قديم في عرض البحر أمامك هواء القراصنة يحمل ذهب الجزيرة المفقودة وخلفك أحلامك منشورة بأساطير حولك :
كان هنا فتى همام يدعى يحيى من أجل الصالح العام عبأ أحلامه في زجاجة وألقى بها في يم كبير فاستلقفتها عفاريت البحر وطاروا بها حيث قرصان وملك لأعالي البحارفقام بنشرها في كل شراع له فأصبحت الرياح لها منجبة وقبلها دود الأرض وفراش الحقول وكل دابة هابة بترحاب .
وما كانوا له رفقاء وما توسدوا أذرعة حروفه ولا ناموا في أحضانها فهي أخطر منهم .
أما الآن فقد زال الخطر فجأة وأصبحت مذهبة مجنحة مزهوة صائبة لأنها بتوقيع غير توقيعه .
هكذا سيكون ..........
ووقف يحيى ولم ينبس ببنت شفة فقد رأى كتبه تتطاير أمامه تحمل اسم زياد أبو الوفا ورأى بائع الكتب ذي الشعر الأجعد يبيعها قائلاًً :
كتب العلامة زياد
كتب الأديب زياد أبو الوفا
ب...ب... بكم يا ترى ؟ هل ستكون ككتب مزين الجعفر أم ككتب الموسوعة بقرشين لالا أظن ستحصد الجوائز فهي مذهبة وضحك يحيى ضحك في قلبه بهستيرية و لم يبد على وجهه إلا مرار الضحكات .
وقف .. ووقف معه رجا الحائر كل شيء توقعه إلا هذا .
ووقف زياد قائلاً
- فكر في الموضوع جيداً قبل أن تقرر يا أديب يحيى فكر فيه فالثمن سيكون آلافاً مؤلفة ولن تنتهي طالما أنت تكتب وأنا أنشر
وباسمي ...
- فكر يا يحيى بمن اقتحم هدوءك فكر بمن سيسرق.......يسرق ماذا ؟؟ والتفت إلى رجا وقدماه تسرعان ورجا لا يستطيع اللحاق به
- قف يا يحيى قف لنتكلم
وذاك يركض ويركض الدنيا تطوى تحت قدميه وأنفاسه تتلاحق
- سأهرب من السارق سأهرب .
وكأن جمرات النار تتدافع في رأسه تصيبه بحمى وهو يهذي ويركض سأهرب من السارق سأهرب .
ورجا يصيح إثره :
- قف يا صيقي أستحلفك بالله أن تقف
قف من أجل أن أحادثك عن حلوة المذاق قف ....
ويقف يحيى ....... وهو يرتجف



(29)
ويحتضنه رجا ويجره إلى حقل قريب ويجلسه قسراً على العشب وهو يرتجف
سيسرق اسمي , لا عقلي , لالالالا عقلي معي نعم إنه معي لن يسرقه كيف يستطيع لن يستطيع فلو أنه سرق عقلي أموت وإذا مت فلن ينشر باسمه ولن أقبض أنا الآلاف المؤلفة وإذا لم اقبض الآلاف إذاً فإن عقلي لم يمت لازال معي .. إذاً أنا حي ولم أسرق
كيف حي ولم أسرق؟؟؟ فعقلي هي حياتي إن سرق عقلي سيسرق حياتي لالا دعني أصف لك الأمور بشكل افضل عقلي .........
- كفى يحيى ما بك كفى ..
- لا يا صديقي هو سيدفع مقابل ان أبيع
قل لي هل إذا بعته عقلي أبيعه جسدي أيضا بكل مافيه ؟؟ هنا القلب به حلوة المذاق , هل سأبيعها معه وإذا كبرت ولم تجد عقل أبيها في الدنيا ماذا ستقول مؤكد أنها ستعاتبني وستصرخ في قائلة
ونهض ماداً ذراعيه وصار يصرخ بأعلى صوته
- ستقول يا أبي لم بعت عقلك كان لي سندا ً ,,يا أبي ما نفعتني أموال وما اشترت لي حكمة ولا طريقاً فضللت بمالك المر
يا أبت لم فعلت بي هكذا؟ وبعتني بعتني يا أبي لما بعت عقلك ......
وجلس يردد والدموع تنهمر من عينيه لم يا أبي لم ؟؟ لم ؟
وانتفض قائلاً :
- لا يا ابنتي لا....... أنا بعت من أجلك من أجل حلواك وثوبك من أجل لمعة عيونك , من أجل أن أرى الوسن في عينيك يوم تصافحين القمر .
من أجلك بنيتي أبيع عقلي إنه ثمن حياة لك ولأخوتك
سأبيع رجا سأبيع
هيا لنعد له وسأبيع
بل انتظر سأتدلل عليه لن أقول له الآن حتى لا يبخسني الثمن سأظل أياماً أفكر ثم أشتري صندوقا ذهبيا أضع له عقلي فيه وأعلن عن المزاد البائع واحد والشاري واحد والثمن عال عال عال ..
أتعلم يا رجا الآن أستطيع ان أكتب كل ما أريد ولينشرها باسمه وليأخذ جائزة نوبل إن أراد آه ما أسعدني سينتشر الفكر أخيراً
وقام يدور في الحقل ويردد
- يا فراشات الدنيا هيا أقبلي واحملي أحلام يحيى في قلوبك الملونة
يا سحباً سابحات ترفقي فذاك عقلي ما ستمطرين به
يا طيوراً غداة كتبت لك كنت في منأى عني تعالي الآن فقد تصالحت مع قومي ولبس عقلي جلداً جدياً باسم جديد
باسم جديد باسم زياد أبو الوفا .......وصار يكرر الاسم ووقع أرضاً وهو ينتحب ورجا يتابعه بعينيه وقلبه يتفطر حزناً عليه , ينتظر أن تهدأ عواصفه فلا مجال الآن لإيقافه فالحزن أعمق من أن تذيبه كلمات وتطويه في قلب العدم .

يتبع

صباح الضامن
11-03-2006, 09:49 PM
النهايـــــــــــــــــــ ـــــــــــة

(30)
وأحاط رجا صديقه بذراعيه ضاماً رأسه إلى صدره وأخذ يردد
- كفى يا صديقي كفى ما هكذا نواجه الأمور أنت أقوى من هذا ما الأمر؟
- الأمر يا صديقي الوفي أن عقلي في مزاد فهل تريده أن لا يجن !!
- لا عقلك ليس في المزاد إنما شرف ذلك الرجل
وكأن الجملة الأخيرة أيقظت يحيى قليلاً فارتد مسنداً رأسه إلى سور الحقل قائلاً:
- حقاً شرفه
وهدءا قليلاً ثم وضع يحيى رأسه بين كفيه ونظر إلى الحقل الأخضر الممتد قائلاً:
- هل أبيع يا رجا ؟
- لست أنا من يجيب على هذا السؤال .
- الحمى تأكل رأسي لن أفكر أريد أن أنام ولكن ليس في بيتي خذني أي مكان أي مكان بالله عليك الحمى تأكل رأسي وقام كالمذعور. خذني أي مكان أريد أن أنام لا أريد أن أفكر .
وخرجا إلى بيت رجا وهناك نام يحيى حتى الصباح ورجا يسمعه يهذي :
- سأبيع عقلي لك يا حلوة المذاق , خذيه واحتفظي به لا ترميه كلعبتك المكسرة إنه لك لالا إنه لرجا بل لذاك المأفون سيبيعه بقرشين وستجعله أم جواد سيجاراً .......
قضى رجا كل الليل وهو يضع الكمادات الباردة على جبين يحيى كان يعلم أن حمى صديقه سببها صدمة حلم فلا شك أن في أعماقه تمنى أن ينشر له أبو الوفا وفي عمق أمنياته كان يظن أنه قد فتح له باب ذهبي ولم يكن يعتقد أن الثمن سيكون باهظاً حد الجنون .
وعند الصباح استيقظ يحيى على رائحة القهوة يحضرها رجا فقام إليه يترنح وكأنه مريض منذ أيام فأنبه رجا قائلاً :
- لم قمت من فراشك ؟ سأحضر لك القهوة هناك .
- لا تدللني كثيراً ياصديقي فلا يصلح لي ذلك ...
- لقد اتصلت بجاركم عزيز ليخبر زوجتك أنك عندي حتى لا تقلق .
- وضحك يحيى بمرارة قائلاً لن تقلق علي فكم من مرة بت في الحقول حتى أرتاح من نقيقها .
- أهي ضفدع مائي أيضاً !
وابتسم يحيى بصعوبة ...... تمنى رجا أن يحادثه يحيى بالأمر حتى يرتاح من التفكير بقراره
- لقد ذهبت إلى عملك وعملي وأخذت لكلينا إجازة وأنت نائم .
- فعلت خيراً يا صديقي قالها وكأنه مغيب عن هذه الدنيا .
فنحن يا رجا في هامش هذه الدنيا هذا الهامش واسع جدا فكم فيه من أمثالنا
- وكم فيه من أمثالنا رددها رجا .....
- أترانا يا رجا في زمن الاضمحلال إني أحس أني كذرة في هواء مسموم أخشى على نفسي وأخشى على الآخرين .
- لم ياصديقي ؟
- رأسي يكاد ينفجر لا أستطيع حلاً للموضوع .
وصمت رجا لم يكن يأمل أن تكون ردة فعل يحيى هكذا تمنى أن يصيح بقوة لا يا زياد عقلي ليس للبيع وينهي القضية ولكنه عذره فالحاجة والحلم أكبر منه .
- وماذا قررت يا صديقي ؟؟
- لا أدري
- أتحس بخيبة أمل
- وضحك يحيى ملء شدقيه قائلا :
- أضحكتني يا صاحبي أو خيبة أمل!!! فمنذ متى كان عندي أمل حتى يخيب وعاد إلى ضحك هستيري أوقفه رجا صارخاً :
- كفى
- هناك يا صديقي في زوايا العمر يكمن أنا ..أنا إنسان أبسط من خيال وأقل من ذرة
هناك يستوي لدى من هو مثلي كل شيء بدءا من واقع وانتهاء بوهم ..بدءا من حلم وانتهاء بيقظة, واقعنا يضحك علينا بحزن وحزن مرير ثم نأتي نحن فنخرج ألسنتنا له ونضحك معه وعليه وعلينا ......
هناك لما نرخي وعينا المستقل ونستشرف منه حيواتنا فقط هناك ننتبه أننا يا صديق العمر هوامش في هوامش فإن لم نكتب فيها صك تحرير ستظل الدائرة تحيط بنا وتضيق فحتى الهامش لن يقبلنا ونلفظ خارج أكوان التواجد لنقول قولة واحدة
مهزومون .....
- وهناك يا صديقي الأديب هم سطروا لنا الهوامش وحشرونا فيها فكيف سنكتب صك التحرير ؟
- بهذا ..وأشار لعقله , بهذا يا رفيق العمر .
- كفتي ميزان إذا لدينا .
- نعم عقلي بكفة وماله بكفة فمن سيرجح يا ترى ؟
- أتيت بالنهاية قبل أن نوغل تدرجاً في عمق المسألة .
- عمقها أن نعرف أين أنا وأين هو ؟
- اولا يدخل في حساباتك أي أناس آخرين ؟
- لن أدعهم يدخلون في مثاقيل ميزاننا فهم بأناملهم الخفية المحفورة في أفئدتنا سيرجحون كفته فتأثيرهم علينا سلباً وعليه إيجاباً .
- أي أنك لو فكرت بحرمان فلذات أكبادك...
- سيكون حرمانهم سوطا ًيجلدني ويضعف تصالبي .
- وكأني ألمح قراراً ينجب هنا في عقلك بعيداً عن القلب .
- لربما ليس قراراً بل حديثاً بصوت عال .
- إذا فأنت لا زلت حائراً , ماذا يمنعك من اتخاذ القرار ؟
- أتظن أني سأتشبث بوهم نشر أفكاري ويكون عندي مثالية كبيرة أن انتشري ولا يهم الاسم ؟
- ربما !
- خطر على بالي ذلك
- والنتيجة؟
- أتعلم يا رجا الفكر لما يقنع الناس يجب أن يكون مصدره قلبهم النابض ولا يأتي من صالونات مذهبة ومال مرتو بعرق الناس . من يتبعك ويقتنيك جملة في صدره يكون قد مررك في مشاعره واحتواك في صدره وابتسم لمرأى اسمك وأعطاك من حبه لهفة لسماعك فكنت له كنجمة هادية بعيدة أنت لا تجتمع معها إلا إذا أردتها لك هادية فتحمد الله أنك اهتديت بها وأنها خلقت لتنير لك .
من سيقرأ لزياد ؟
سيقرأ له من يشتري كتابه ,من يستطيع الدفع وقد يكون الكتاب زينة لمكتبة فقط ...... وهؤلاء ليسوا الشريحة التي وجهت لهم الكتاب .
- إذا فبيع عقلك ليوضع على طبق من ذهب لن يجدي .....
- لن يكون له زخم المصداقية التي أنشد . ولا الاتباع الذي أريد ولا الإصلاح الذي يهدف .
- لله درك يا يحيى كم أنت عميق الفكر
- وخاوي الجيب يا صديقي , أتعلم ؟
- ماذا
- أنا لازلت حائرا والحمى تأكل رأسي ولا أدري ماذا أفعل فكل ما قلته لك تفكيراً وليس قراراً .
- ولكنه قريب من المنطق يا صاحبي .
- وهل المنطق هو ما يتبع هل هو يا رجا لا أظن ؟
- بل هو لأمثالنا .
- لا هو للجميع ونحن نتبعه لأنه لا حيلة لنا إلا أن نتبعه فهو ما تبقى لنا .
- أحيانا أظن بأنك فقدت ظلك يا أخي . قالها رجا وهو ينظر إلى بعيد خائفاً أن ينهار يحيى
- ربما فظلي هو امتداد لفكري فإن أنا بعت فكري فقدت ظلي .
- وهل ستبيعه ؟؟
- ووضع يحيى يده على قلبه ثم رأسه ووقف بجانب النافذة وأخذ يضحك بمرارة ثم انتحب ثم ضحك ثم انفجر بصوت عال قائلاًً:
- آه يا نبراس الفهم المعلق بثنايا حرفي يكاد صنع يدي يتوه في قحل وجفاف
أشرق بغصتي يا رفيقي أشرق فابكني يوم أَشرق ولا أصحو .
آه يا قلماً سيكسر إن تخاذل وبيع في سوق نخاسة
أصمتي يا حاجة اصمتي......... أصمتي
فلن تسملي الصبح الوضيء من عيون الدنيا
أصمتي فلن أكون إلا وزن شعر في زمن قواف عاليات
أصمتي فقصاصاتي حكايات زمن حب كان
حكايات عمر بروح الندى كل حرف عاش قلبي وعاش عقلي وعاش العمر طيفاً
يوم أساوم على عقلي بقروش عفنات يومها سأسلم سلاح المقاومة وسأموت
البيع موات
والحياة صراخ قلم نسمع صريره على شوائب الطرق فيكتسحها فإما أن تقصفه وتجعله من ركاماتها
وإما ان يرتسم لون ألق مبهر
فأي نسلك يا رفيق العمر في متاهات الزمان
أيٌ نسلك ؟؟

ويأخذ يحيى مؤلفاته يستعرضها
ويقرأ الأديب يحيى أسماء مؤلفاته التي لم تر إلا نور عين رجا ورواقات النادي :
هذه أول رواية كتبتها
اسمها : سبح الطير وغنى .. إنها عن انتهاك للمساحات الخضراء في بلادي يوم قتلها غابات الجشع الرمادي من شواهق وبنايات حرمت الطير من أعشاشه والفقير من خلواته والشدو من إيقاعاته .
وهذه اسمها ((لن تقتلوه)) وهي عن مروجي المخدرات
وهذه اسمها ((عفاريت الليل)) وهي عن ناشري الفساد في علب الليل القذرة
وهذه اسمها ((خذوه واصلبوني لأجله )) وهي عن الوطن السليب
وهذه اسمها ((الثمن)) : وهي قصة بيع الجسد لفتيات الهوى
وهذه اسمها (((عفوا ......فلا مساس ))) وهي يوم قطعوا لي أصابعي حتى لا أمسهم
وهنا .......... وهنا ...........وهذه مشروع رواية سأبدأ بكتابتها منذ اليوم
سأسميها :


((سأضحك ملء الحزن ))

وستقول :
سأضحك على حاضري ولو ملء الحزن حتى لا أبكي على موتي وأنا أتنفس ................وسأضع اسمي تحتها باللون الأحمر : .............................


الأديب يحيى العمر

تمت بحمد الله