تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : لــــــن ـ قصة قصيرة جدا



د. حسين علي محمد
05-03-2006, 04:03 PM
لــــــن

قصة قصيرة جدا، بقلم: حسين علي محمد
...........................................

لن أُسميك أحمد!
ولن أجعلك قرويا تحب السواقي التي تدور في الليل لتروي الأرض المشتاقة إلى الري، تدور فيها الأبقار معصوبة العينين منذ عهد خوفو.
ولن أجعلك تكتب في مذكراتك أنك أحببت "هيام"، أخت صاحبك فوزي، واحتضنتها وسجلت في سويداء القلب القبلة الأولى!
لن أجعلك تُلقي شباكك في الليل لتصطاد القمر الأخضر والنجمات الساهرة، وفي الصباح تُغازل الشمس حتى تخفف من نارها المحرقة وأنت تجمع الدودة من شجيرات القطن، أو توزِّع شتلات الأرز في أنحاء اللوحة المائية!
لن أرسلك مُعاراً إلى قطر لتعاقر أحزانك كل ليلة صارخا في دفتر أحوالك: لماذا تركت الوردة؟ ولماذا هجرت الخضراء؟
لن أجعلك مدرساً للحساب والعلوم، ولكني سأجعلك مدرساً للنصوص، وهاوياً للتاريخ والجغرافيا.
لن أذكر حكاياتك الغريبة معي كتأليبك أخواتي الأربع عليَّ بإغداقك عليهن، ليبدو كرمك عملاقاً في مواجهة شُحِّي وبُخلي!
لن أجعلك تموت في قطر وأنت تهاتف زوجتك في طنطا لأنها أخبرتك أن حريقاً شبَّ في بعض بيوت قريتك!
هأنذا أرى الغيم ينعقد على جبينك، والمزالق تعبرها واحداً واحداً، ولا تقع في فخاخ الصحراء، وأنت تقول لابنك الصغير:
ـ سامحني يا "مغاوري"!

المساء 20/12/1997م.

زاهية
05-03-2006, 04:36 PM
وهل سيسامحه مغاوري عندما يكبر؟
هذا ماخطر ببالي عند نهاية القصة
دمت بخير أخي الكريم
د0 حسين علي محمد
أختك
بنت البحر

د. سلطان الحريري
05-03-2006, 05:07 PM
د. حسين :
تجربة جديدة لم أقرأ مثيلتها لك سابقا ، ولكنها تستحق التقدير.
دم بخير

عبلة محمد زقزوق
05-03-2006, 07:50 PM
فعلا أسلوب جديد وفريد منك أستاذي الفاضل ـ د . حسين علي محمد

ونفس السؤال أطرحه : ـ
هل سيسامحك مغاوري ؟؟؟

http://pic.alfrasha.com/data/media/36/29.gif
وقلبي ينزف دماً لغربة الأحبــاب

مجدي محمود جعفر
05-03-2006, 08:47 PM
بداية أتفق مع الدكتور سلطان الحريري والأخت عبلة محمد رزق أن التجربة جديدة والنص جديد وفريد ولم نقرأ مثيلا له ، وبالتاي ليس هناك نماذج شبيهة يُقاس عليها ولذا علينا أن نبحث في هذا النص ونمسك بتلابيه ولا ندعه يمر ، والحقيقة أن الدكتور حسين يبهرنا دائما بما يكتب ، ويفاجئنا باستمرار - بنص جديد ،وإذا تأملنا تجربته القصصية والشعرية ، سنجده قد كتب نصوصا جديدة وغير مطروقة وهذا من سمات الفنان الذي يسعى دائما إلى السير في غير الطرق الممهدة ومحاولة اكتشاف الجديد البكر ، إنه يسعى دائما إلى التجديد والإضافة ، إنه يغامر ويجرب ، ولكنها المغامرة المحسوبة والتجريب المشرع ، بعيدا عن المغامرات الدون كيشوتية والتجارب العبثية ، التي يكون ضررها أكثر من نفعها ، ونرى هذا كثيرا من صبية الأدب غير الموهوبين ، المهم أن النص يحمل شكل جديد ، ونص ( لن ) ناهيك عن اختياره للن في العنوان ودلالتها النحوية وانعكاساتها على النص والجماليات الذي يشعه هذا الحرف وتكراره ( 7 مرات ) في بداية كل سطر ، وناهيك أيضا عن هذا العنوان كمدخل أو كعتبة للنص وعن كل ما يقوله السيميائيين في هذا الشأن 0
النص يختزل الماضى -ويتوجه الخطاب إلى المستقبل ، والنص هنا غني بذاته ، يختزن في داخلة حيوات متعددة ، ليس حياة أفراد فحسب بل حياة شريحة كبيرة من المجتمعالمصري والتحولات التي طرأت عليه وعلى سلوكياته وأخلاقياته وأنماط الحياة والمعيشة منذ عصر خوفو حتى عصر أو هوجة السفر وأثر هذا السفر أو هذه الغربة على السلوك الإنساني للفرد وللمجتمع - يقول السارد :
( لن أرسلك مُعاراً إلى قطر لتعاقر أحزانك كل ليلة صارخا في دفتر أحوالك: لماذا تركت الوردة؟ ولماذا هجرت الخضراء؟) ، وفي موضع آخر يقول : ( لن أجعلك تموت في قطر وأنت تهاتف زوجتك في طنطا لأنها أخبرتك أن حريقاً شبَّ في بعض بيوت قريتك! ) ، وفي موضع ثالث يقول : ( لن أذكر حكاياتك الغريبة معي كتأليبك أخواتي الأربع عليَّ بإغداقك عليهن، ليبدو كرمك عملاقاً في مواجهة شُحِّي وبُخلي!)
والنص يدور بثنائية عجيبة - الفرد والمجتمع ويتأرجح بمهارة بين أكثر من ثنائية ، وتتداخل هذه الثنائيات أحيانا مثلما تتداخل الأصوات والأزمنة واساليب السرد 0
فثمة( أخوين )- سأفترض كما فهمت من النص أن أحدهما معار إلى قطر كما يبدولي من النص و الآخر في مصر ، ويبدو أيضا أن ثمة ( طفلين ) أحدهما ابن المعار والآخر ابن المقيم في مصر ، عرفنا أن ابن المعار اسمه مغاوري وابن المقيم في مصر لن يسمه أحمد عمه المعارفي قطر اسمه أحمد ، وهذا المعار يعمل مدرسا للعلوم والحساب ، ولذا لايريد الأخ المقيم في مصر المقيم في مصر أن ينحى ابنه منحى عمه ولو في الدراسة التي درسها عمه بل سيوجهه إلى دراسة مغايرة تماما وهي دراسة النصوص والتاريخ والجغرافيا - أي سيجعله يسلك طريقا مغايرا للطريق الذي سلكه عمه ، طريق الحسابات والأرقام والشيكات البنكية وسيحاول أن يجنبه أن يكون مثل هذا العم ويضيف :
( ولن أجعلك قرويا تحب السواقي التي تدور في الليل لتروي الأرض المشتاقة إلى الري، تدور فيها الأبقار معصوبة العينين منذ عهد خوفو.
ولن أجعلك تكتب في مذكراتك أنك أحببت "هيام"، أخت صاحبك فوزي، واحتضنتها وسجلت في سويداء القلب القبلة الأولى!
لن أجعلك تُلقي شباكك في الليل لتصطاد القمر الأخضر والنجمات الساهرة، وفي الصباح تُغازل الشمس حتى تخفف من نارها المحرقة وأنت تجمع الدودة من شجيرات القطن، أو توزِّع شتلات الأرز في أنحاء اللوحة المائية!)
النص يقول شيئا ويضمر شيئا آخر ، يتوجه بالحديث لشخص والمقصود شخص آخر ، يغوص في الماضي القريب والبعيد ولكنه يتوجه إلى المستقبل دون إهمال للراهن والآني الذي يعيشه بطل النص ونتلمسه من خلال السرد ، إذن هي ثنائية ، اليأس والأمل ، الأمل في الغد الذي سيكون أكثر إشراقا إذا تجاوزنا هذا الواقع الردي والماضي البائس ، ويملك الكاتب القدرة المذهلة على الحفاظ على خصوصية النوع القصصي رغم الشاعرية والموسيقى العالية ، وقد جربت أن أقرأ هذا النص كقصيدة من قصائد النثر التي نطالعها بكثرة حاليا ولكني وجدت القص هنا بلغة شعرية ، و تلك اللغة قد ارتقت بالسرد القصصي وأثرته ثراءا مذهلا وكأن القصة بدأت تشهد على أيدي الشعراء المجيدين والذين ارتادوا الكتابة القصصية آفاقا جديدة وأبعادا جديدة ، أهمها دخول اللغة الشعرية ومفردات جديدة على النثر مشعة وموحية ومعبأة بالدلالات وأيضا الإختزال والتكثيف وأشياء أخرى كثيرة لا مجال هنا لإستقصائها والحديث عنها ، القصة بحاجة إلى قراءة أخرى أكثر تركيزا، وننشغل بهذا الشكل الجديد وهذا البناء الذي تشكل من سبعة أسطر ، كل سطر يحمل وحده عالما غنيا خصبا وهذه العوالم تتكامل وتتضافر لتشكل هذا البناء القصصي الجديد وأتمنى أن نقرأ كل فقرة من الفقرات السبع على حدة وليتأمل القارئ هذه الفقرة من جديد :
( لن أجعلك تُلقي شباكك في الليل لتصطاد القمر الأخضر والنجمات الساهرة، وفي الصباح تُغازل الشمس حتى تخفف من نارها المحرقة وأنت تجمع الدودة من شجيرات القطن، أو توزِّع شتلات الأرز في أنحاء اللوحة المائية!) بالتأكيد كل من عاش في الريف المصري سينبهر بتلك اللوحة المبهرة التي اختزلت حياة كاملة للقروي في لمحة وفي كلمات قليلة ، ومضة سريعة وبرق خاطف كشف حياة كاملة ، ليست حياة فرد وحسب بل حياة الريف بأكملها ، وللقارئ أن يضم هذه اللوحة إلى اللوحات الست الباقية ، وله أن يقدم ويأخر ويقص ويلصق وينظر من كل الإتجاهات ومن شتى المناحي ويستمتع ويندهش ، القصة تحتاج إلى أكثر من قراءة ولغفر لي أستاذي الفاضل هذه القراءة السريعة العابرة وأرجو ان أعود ودمت لنا كاتبا مجددا وجميلا

د. حسين علي محمد
05-03-2006, 09:19 PM
شكراً للأديبة زاهية (بنت البحر) على القراءة والتأمل وطرح الأسئلة، فمهمة الفن الذي يقول شيئاً أن يطرح الأسئلة.

د. حسين علي محمد
05-03-2006, 09:21 PM
الأديب الدكتور سلطان الحريري، شكراً على تعليقك اللطيف، ولا حرمت نصوصي بين حين وآخر من هذه التعليقات. مع تحياتي.

د. حسين علي محمد
05-03-2006, 09:23 PM
الأديبة عبلة محمد زقزوق:
أشكرك على تعليقك اللطيف، والمسامحة هنا على ترك الأب للطفل وذهابه إلى قطر بحثاً عن الثراء الموهوم!
وعلى المسافر أن يوازن بين عنايته بأطفاله، وبحثه عن الثراء!

د. حسين علي محمد
05-03-2006, 09:25 PM
الصديق الأديب الأستاذ مجدي محمود جعفر:
ماذا أقول عن هذا التحليل الوافي الذي كتبته؟
وهل هناك زيادة لمستزيد؟
شكراً جزيلاً على صبرك على هذا النص القصير؟
ومحاولة اكتشافه موضوعيا وفنيا.
تحياتي.