تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : سكون..



بثينة محمود
06-03-2006, 09:36 PM
البيت, جدرانه الملونة العديدة التى تكسو أطرافها قطع الخشب البيضاء, وتصطف عليها اللوحات الزيتية المذهبة الأطراف, بعض الجدران يزدان بصور كثيرة متلاصقة لأشخاص يبتسمون يضحكون ويركضون وتتشابك أياديهم, والسقف العالى يضم الجميع فى حنو تزينه الورود المنحوتة بعناية, الجميع يلهج بالصمت والسكون ويحيا فى رتابة تتابع الليل والنهار.

الأتربة المتسربة من الرياح البعيدة تتراكم فى تؤدة وإصرار لتصطف طبقات فوق الأرضية الرخامية الباردة, تحاول ملامسة الجدران الصامدة, تتعلق بها, لكنها تنساب للأسفل وتتهاوى بتتابع ودأب.

ـمآلك دوماً إلى الأرض مهما علت بك الرياح أياماً, لن تستطيعين التعلق بى وطمس ألوانى, ستسقطك اللوحات والصور التى تزّن ناحيتى إلى القاع حيث مكانك دوماً.

ـ ما عاد أحد يهتم, سأسكنك يوماً عندما تتعالى الطبقات شيئاً فشيئاً, سألامسك كما أشتهى, سأتعلق بتلك اللوحات التى تغترين بها, وسأغزو ألوانك لأغطيها بلونى الكالح وبإصرارى على الحياة, إنه صار بيتى وسكنى ومأواى.

ـ إنهم قادمون, سترسم نعالهم فوقك عار الزوال, بينما سأظل أنا فى عليائى, ستلمع اللوحات عندما تضاء الأنوار كل ليلة, وستسمعين صدى الضحكات يرتد منى ويعود إليّ, سينزعون تلك الستائر ليعيدونها للحياة مرة أخرى, وسيُبعث الزهر المطبوع على أطرافها من جديد, سينتشر شذاه فى المدى ليمحو رائحتك الكريهة, التى طالما عذبتنى.

القاعة الفسيحة تستكين فى صمت, ترمق الشرفة الكبيرة بأسى حزين, الصمت سيد المكان رغم صخب الأشياء الكثيرة هنا وهناك.

زجاجات العطر تتناثر على رف خشبى مزخرف, تتطلع فى المرآة المعتمة بسأم شديد, بينما يلمع المصباح المتدلى من سقف الحجرة لمعة يائسة ويتثائب مُعلناً عجزه, ويلف الظلام المكان.

يشتد الصخب هناك, حيث تتراص الكئوس خلف الزجاج الملون, ويدور عقربا الساعة القديمة فى بطء
ظاهر ولا يعبران عن زمن حقيقى بل ينعمان بالتراخى التام الذى سينتهى حتماً بتوقفها عن الحركة الدائبة, وتسكن الأوانى الكثيرة فى صوان خشبى فى الأسفل, تتحرق للخروج من سجنها الطويل.

ـإنهم لا محالة قادمون, لن يتركون السجن الزجاجى البراق يحتوينا طويلاً.

ـ إنكم ترون الدنيا من خلال زجاجكم الملون, بينما نحن يلفنا الظلام الدامس, والهواء الراكد, كم نشتاق

جميعاً للحياة.

ـ أتذكرين يا رفيقتى تلك الشفاه التى كانت تلامس أجسادنا فى نهم, بينما نحوى فى داخلنا شراب اللوز الشهى, أتذكرين الإبريق الذى نعيناه طويلاً عندما تحول إلى ذرات صغيرة, كم آلمنى فراقه.

تململ الصوان الخشبى فى الخارج محاذراً أن يزعج الأطباق الموشاة بالذهب والتى تقف بداخله بخيلاء وزهو.

ـ لن يستمر الحال طويلاً إننى أسمعهم قادمون, أسمع خطوات كثيرة أمام باب البيت, إنهم حتماً قادمون.

يستمر اللغط قليلاً فى الخارج, وتبتعد الأقدام إلى البيت المقابل, صوت الجرس البعيد يقتل الحلم بالحياة, وتعود كل الأشياء إلى الصمت الحزين.

سحر الليالي
07-03-2006, 08:29 AM
قلت يوما أن بعض الحزن غ ـــــوايـــة .... !!

ندور حوله ونلتهمه زادا ..يفنينا ..

كم روح تحتاج إلى راحة هنا ..

سحقا للحزن عندما يسكب الوجع بلا يقين ..

سنبلة :

دمت .. ودام ألقك

لك باقة ورد :0014:

عبلة محمد زقزوق
07-03-2006, 08:52 AM
الوحشة والغربة سلاحان قاتلان للنفس وللأشياء حولنا .
ودائما ما يجد المتطفلون مكانهم ، بل حياتهم .. لحظة تغربنا ، فيجيسوا فيها الفساد ، ويطمسوا كل الجمال .
وللنفس عودة مهما طال بها الزمان ، فهي للوطن ... وللوطن حنين وإشتياق .

خالص محبتي لحرف سامق المعاني رائع الصيغة والهدف السامي .

تحياتي
سنبـــــــلة

أسماء حرمة الله
08-03-2006, 06:44 AM
سلام اللـه عليك ورحمته وبركاتـه

تحية قطفتُها من قلبي

مبدعَتَنا العزيزة سنبلـة،

قدْ لايُقتَـلُ الحلـم في المرة القادمة، وحينئذٍ قدْ تشرقُ الحياة بذلك البيت الذي غطّاهُ الصمت، وسيزهرُ حوارٌ آخر لن يُنبِتَ إلاَّ ورداً وغداً أجمـل، فتعود الشمسُ لكتابةِ حوارها المضيء على الجدران والحياة..

------------
"مذهبة" الأطراف
لن "تستطيعي"
التى" تزّن" ناحيتى =أظنّ حرفاً سقط هنا أثناء السرعة في الكتابة: تزين
" ليعيدوها" للحياة
"ويتثاءب" مُعلناً
لن" يتركوا" السجن الزجاجى
إننى أسمعهم "قادمين"

لكِ خالص تقديري واعتزازي :0014:
وألف باقة من الورد والمطـر

زاهية
09-03-2006, 09:15 AM
سنبلتنا الجميلة الفكر
كلَّما مررت بحروفك
يتجدد حبي لها
فانثري منها مايجعلنا
بشوق دائمٍ إليها
أختك
بنت البحر

الصباح الخالدي
09-03-2006, 12:40 PM
لن ابالي بك ولك فلتشعري بما شئت من مشاعر فقط

لكنني سيقتلني الألم جراء الشعور بأن هناك من يعاني

بثينة محمود
10-03-2006, 12:15 AM
الأخت /سحر الليالى

الشكر الجزيل لحضورك
ولجميل كلماتك
أتمنى أن أتشرف دوماً بمطالعة كلماتك الرقيقة هنا

تحياتى لك

بثينة محمود
10-03-2006, 12:17 AM
الأخت عبلة

يحق لى أن أفخر بوجودى بالواحة التى تضمنى وإياكم
كل التقدير لوجودك الرائع
ولإحساسك بكل كلمة ومدلولاتها

تقبلى تحيتى

بثينة محمود
10-03-2006, 12:20 AM
الأخت أسماء
تحية خالصة لك ولمجهودك فى تنقيح النص
وشكرى الجزيل لكل هذا الاهتمام
مع وعد منى بمراجعته مرارا لكى يليق بالتواجد هنا

وافر محبتى لك أختى العزيزة

بثينة محمود
10-03-2006, 12:22 AM
أختى الغالية/زاهية

فرحتى بردك على نصوصى لا يعادلها سوى قرائتى لقلمك الزاهى

شكرا لك

تقبلى أجمل تحياتى

بثينة محمود
10-03-2006, 12:23 AM
الصباح

لا أعرف ما القصد حقاً من وراء الكلمات

ولكنى على أية حال أشكر لك تواجدك

تحياتى

الصباح الخالدي
10-03-2006, 07:35 AM
لن ابالي بك ولك فلتشعري بما شئت من مشاعر فقط

لكنني سيقتلني الألم جراء الشعور بأن هناك من يعاني
خذيه باني اصف مشاعر مافوق المبالاة بالتالم
تشارك وجداني باسلوب جديد
هكذا فلتكن واضحة ياسنبلة

سحر الليالي
19-06-2008, 01:59 PM
:

[ لـــ رفع ]

شوقا لــ كاتبة تكتب بدهشة..!

لك ودي وبإنتظارك.

د. نجلاء طمان
20-06-2008, 12:10 PM
لوحة قصية فائقة الجمال

أيتها الغائبة عساكِ بخير!

يرعاكِ الله

د. سمير العمري
28-07-2009, 06:24 PM
هذا نص قصصي مميز فيه التعبير الجيد عن الفكرة والتشويق المناسب للمضمون.

أحسنت التعبير أيتها الأديبة!

وأستأذنك لنقل النص إلى قسم القصة حيث مكانه.

أهلا ومرحبا بك دوما في أفياء واحة الخير.



تحياتي

ربيحة الرفاعي
14-07-2014, 01:54 AM
مهارتك في كتابة القصة ملفتة وأداؤك جميل
قرأت هنا نصا بدعا بأسلوب رائع ماتع

دمت بخير

تحاياي

خلود محمد جمعة
17-07-2014, 01:31 PM
عندما يحتل سكون المقابر الروح نفقد لذة الحياة وتتوحد الألوان في لون الليل ويسقط الأمل في بئر اليأس
ورغم صخب المكان يملأ الفراغ مساحات القلب
بسرد ماتع وأسلوب مائز سكن الجمال سطور قصتك
اسجل إعجابي
دمت بخير
تقديري

نداء غريب صبري
14-09-2014, 01:48 AM
كاتبة رائعة وأسلوب جميل يأسر القارئ

أمتعتني قراءة هذا الحزن المصبوب قصة

شكرا لك أختي

بوركت

ناديه محمد الجابي
14-11-2017, 04:39 PM
وكأن كل قطعة من البيت تشتاق لأهله لتعود إليه الحياة من جديد
ليس الإنسان فقط هو ما يشتاق إلى الوطن ، ولكن الوطن أيضا ينتظر رجوع
أهله بكل حنين واشتياق.
قدرة فائقة على شد الإنتباه والسفر بالمتلقي إلى مدائن الحرف والفكرة
عمق في الفكرة مع طرافة في الحرف وسلاسة في السرد
نص تألقت فيه بروعة الحضور وبلاغة التصوير
سلمت يداك ـ ودمت بكل خير.
:0014::noc::0014: