المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : :: ظعائنُ الذّكرى ::



نحيبُ الندى
23-03-2006, 08:44 PM
ظعائنُ الذَّكرى

مددتُ كفي صوبَ السماء و أنا أناغي سحابة بيضاء بدتْ لي كالحسناءِ في خِدرها , تكتمُ سرَّ حيائها خلفَ وشاحها النقيّ , تفترُّ عن ابتسامةٍ ماطرةٍ تتقاطرُ مَعها دمعاتٍ عَذراء ؛ لكأنَّها تُودّعني , أقصدُ أنَّها تُودِّعُ ماضيها المِبسام .
تأملتُها باستغراب , و ناجيتُها نَجوى الحَبيبِ للحبيب :


أنْ يا سَحابةُ خَافقي مُضنىً و شعري حائرُ =
و الذكرياتُ تُفيضُ من دَمعي و جُرحي غائرُ=
و الأمنيات تَذوبُ في حبري و وجدي ماطرُ=
وَي يا سحابة ما أرى إلا الصباح يغادرُ=
فيلفُّني ليلُ الأسى و الظلمُ وحشٌ كاسرُ=

يا سحابتي الهَيفاء :


ظعائنُ الذّكرى تميسُ بخاطري = تَيماءُ تلثمُ جبهتي و تُسلِّمُ

حيناً تبينُ و بعدَ حينٍ تَختفي = يا مَا أميلحَ وجهها إذ يبسمُ !!
:: لا شيء في خاطري سوى الذكريات تمرُّ ظعائنها أمامي ماضيةً نحو البعيد البعيد في حاضرٍ مسكونٍ بالأحلام
تخلعُ عليّ أنماطَها العِتاق , الوِرادَ الحَواشي تاركةً لي بِدعاً من الألوان أًطالعُ فيها ما كان من أمر الأمس .
تنثرُ فُتاتَ العِهن في فناء قلبي , و تمرُّ قافلة الأحزان عليها فتحطّمُ حبَّات الفَنا ليدلهمَ لونُ الذّكرى فيودّع لونَ العَندم .
هاؤم خبايا نفسي تُذوّبُ نبضي ليُسيلَ دُموعَ الشّوقِ على أمسهِ الرّاحل , و إن كان دامعاً ..!!
فهل من مكفكفٍ لطللها الأغيد ..؟!!
:: لاشي في خاطري سوى الذكريات تُناسمني أنداؤها الشذيَّة , فتتوردُ أزهاري الذابلة و تَنتشي بعطرِ الظعينة حين تَردُ الماء و تبدأ في وضعِ عصيّها لتخيّمَ في صحراءِ نفسي المُتألمة ..
ثمَّ لا تلبثُ الخاطرة في فكري أن تُشرعَ بالذّكرى حتى تُجهشَ بالبكاء , و يُطفأ الدَّمعُ قنديلَ الأسرارِ و ثُلَّة المَعاني الحُلوة التي كانت تبحثُ عن الماءِ و الكلأ , و تنزع عصيّها مني و تُكسرّها كِسرةً كِسرة .
:: ما أنتِ يا ذكرياتي إلا ازدهاءُ الشّفق في صدرِ السّماء يتزيَّا بالأنوار .
و عطايا المَساء تُلبِسُكِ ثَوباً قُدَّ من حَريرِ الجَنَّةِ , فأبحثُ عن بابِكِ السَّامقِ مُجاهدةً في الوصولِ إليهِ , و لكنَّ يَدُ الليل تسرقُ المفتاحَ من قلبي , كَيلا أتوغلُ في حَناياكِ فأعودُ مُنكسرةَ النفس !!
فأنتِ وليدةُ أعوامي التي مَاتتْ اليوم ؛ لكنَّها ما زَالتْ تَحيا في رَحمِ القلبِ و الرُّوحِ و أوراقِ الخريفِ التي تعبثُ بها ريحُ الشِّمال.
:: ما أنتِ يا وَليدتي المَيتة إلا لَمسةُ القدر على لَوحِ حَياتي , أَلا فنعمَتْ تلكَ اللمسةُ بالأمسِ , و مَا أَبأسها و أشدَّ وقعها على قلبي في هذه اللحظة ..!!
إني لأحسُّكِ الساعةَ كطعنةِ الخنجرِ المسموم في خاصرةِ الحلم , إذاً هو الحلم النازف ..!!
ليتني لم أعرف له اسماً ..!!
على أنك بالأمس كنتِ لطيفة كنسيمِ الصباحِ العَليلِ إذا أبلجَ وجهه بأنوارِ الحياة , و أسيلةُ الخدّ كبناتِ الزّهرِ الذي نَدَّاهُ الفجرُ بالطهر ..
شتَّان بين الدارين ..!!
وما أدري بماذا أُشبّهك بعد أنْ أَحرقَ الأنينُ شِغافَ قلبي ؟!!
و ها هي أنفاسي تَشهقكِ و تزفرك ِ تنفس الصُّعداء ..
:: ألا يا ظعينتي المُسافرة بي نحو الضياع , وعنّي نحوَ السَّماء : حاولي أن تُغطيني بألوانِ السَّرابِ , و ارحلي عنّي و انسي اسمي و عنوان قلبي .
فذاكرتي هَشَّة أمام جمالِ أيامك الظّاعنة .
كلُّ شيءٍ من حولي تَمثَّلَ بكِ , حتّى عقلي باتَ أيضاً ظاعنٌ عني ..!!
ألا ما أبعد اليوم عن الأمس !!
و بالأمس كم كانَ يومي يُشبهُ غَدي و أمسي ..!!
بيدَ أنّي اليوم أُفتشُ عن كلِّ الأزاهير التي تَناثرتْ بَتلاتُها في محرابِ الرّوح و أحاول أن أعيد لها الحياة .
مَيتَةٌ هي الأخرى , ضائعةٌ من مُعجمِ أفكاري ككُلّ شيءٍ ضاعَ من بين يَدي الحُلم .
....
يا عطيَّةَ الله : أمديني بسلوانٍ يُسكّن الأشواق , فالحنينُ لأمسي استطارَ واستطالَ , أشعلني و أضرمَ نيرانَ قلبي فَحرقَ الحَشاشة .
يا عطيَّةَ الله : تلك السّحابة إذا بَكتْ فإنَّ الرّوض بقطراتِ غَيثها أَولى , أمّا أنا فدَمعي إذا ما سالَ سيروي آقاحي ذاكرتي و يُنضّرَ الخيالَ المُستعرَ بالأوهامِ و الأحلامِ .
:: أَلا يا قلبُ اطفأْ النّور في غُرفك الأربعة , و لا تُجري دماءَ الشّوق , لمَنْ ظَعنوا , في شرايينك و أوردتك .
لا تغفو على حُلمِ اللقاء , في يقينِ خيالك السّرمديّ ذات مساء لأنك ستستسلمُ لذكراهم فيه ..
جميلةٌ هي الذكرى و لكن ..!!
" إنَّ ذكرى اللذة مُؤلمة , و ذكرى الألم لا تَسرّ أبداً " *
ألا يا قلبُ لا تحزن ؛ فإنّ حروفي هذه أصبحت الآن ذكرى في عدادِ الأوراقِ المَنسيّة على أعتاب الزّمن الرّاحل .

14/11/2005 , أكملت : 13/2/2006

الصباح الخالدي
23-03-2006, 10:19 PM
ذكرتني هذه الظعائن بمسرحياتنا الحالمة يوم كنا نسجح على قاعات مكتضة
بوح جميل

سلطان السبهان
23-03-2006, 11:35 PM
الأخت نحيب الندى

بوح رائع

سأقوم بنقله لدوحة النثر لتأخذ نصيبها من إخواننا أهل مملكة النثر


دمت لنا

سحر الليالي
23-03-2006, 11:43 PM
أخي نحيب الندى:

ما أروع بوحك ...أعجبت بكل حرف فيها

أهلا بك بيينا مبدعا نعتز به

وبإنتظار روائع قلمك دوما

لك خالص تقديري وباقة ورد

حوراء آل بورنو
23-03-2006, 11:50 PM
لن أقول إلا أن الفرح عاد لي و قد رأيت أن النثر بين يديك مازال بخير .

نحيب الندى ... أهلاً بكِ .

كل تقديري .

نحيبُ الندى
24-03-2006, 02:40 AM
أيا وجه الصباح العاطر ..
ما كانت الظعائن إلا في لحظات تذكر مريرة ..فكتبتني ..!!
تذكري معي أي أختاه كل لحظة سماوية في حياتك ..
ثم اخلعي أنماط الذكرى و رتبيها في أدراج الخيبة .. :011:
لكِ خالص ودي ,
~ بيان ~

نحيبُ الندى
24-03-2006, 02:43 AM
الأخ العزيز سلطان ..
بدءاً : أشكرك أخي على مرورك النديّ ..
و إطرائك العَذب ..
و ألف شكر على نقل الموضوع إلى هنا ..
فلم أتنبه لخطأي إلا بعد النشر ..D:
لك خالص الودّ ,
~ بيان ~

نحيبُ الندى
24-03-2006, 02:46 AM
أيا سحر الليالي في كل حين ..
أنوارٌ أشرقت في مراكب الذكرى , حينما تهادى اسمك يزين الدرب ..
شكراً لكل كلمة جدتِ بها عليّ أختاه ,
:001:
أختك بيان .

نحيبُ الندى
24-03-2006, 03:07 AM
حرة ,
أيتها الغَادةُ الرائعة ,
لمثل روحكِ الطيبة تنحني الهام إجلالاً ..
بوركتِ أختاه ..
و شكراً لثنائك العاطر الذي ما أستحقيته يوماً ..
لك الودّ و الورد ,
:0014: :0014: :0014:
~ بيان ~

سحر الليالي
06-08-2006, 02:15 AM
نحيب الندى :

اشتقنا لحروفك يا حبيبة

وفاء شوكت خضر
06-08-2006, 03:13 AM
تجيب الندى

مع إطلالة فجر جديد ، قرأت حروفك الحزينة وكان صوت المؤذن ينادي للصلاة ،
تراني أكمل أم أعود لهذا السيل العذب رغم الحزن لاحقا .
لم أستطع مفارقة الحروف إلا عند الحرف الأخير .
عودا حميدا أختنا .
كل الود .

جوتيار تمر
06-08-2006, 09:21 AM
نحيب الندى...

متأخر انا كعادتي مع الكلمة الرائعة...
ابهرني هذا البوح الشجي الرائع...

ادهشني وحدة النص وتماسكه ودقة بنائه...


محبتي وتقديري
جوتيار

حمزة محمد الهندي
06-08-2006, 01:53 PM
نحيب الندى.............

حمداً لله انَ لي نصيب في مضغ الحروف!!

أجدني أمام ابجدية رصينة موزنة بنقاء .... فتنبت دُرر


رائع ذاك الحوار

وتلك الروح ....

أدخلتنا في سراديب الذاكرة

وزوايا باتت تنتظر شعاع الأمل ... ينير ظلماتها

ما اقسى الذاكرة .. حين تمطرنا شوقا .. عذابا لا مفر منه

وما أجملها .. حين تذكرنا منا أجمل العمر وأعذبه...


\
/
\

استمرِ...

حمزة الهندي