المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أصوات نعرفها : مجموعة قصصية - الرصيف المقابل



محمد سامي البوهي
27-03-2006, 07:08 AM
الرصيـف المقـابل

أصوات نعرفها : مجموعة قصصية

كان يقف أمامي في الجهة المقابلة من رصيف محطة القطار ، لم يشعر بالترقب أو الإهتمام ، حط بحقيبته على أرض الرصيف ، تراجع خطوات للوراء وجلس على المقعد الرخامي ، إندفع الهواء البارد غمر المكان ، استدعى شعورا ًبالارتياح وأخر لمواصلة التأمل ، تشابكت أصابعه ربتّ بكل أصبع على الأخر بإنتظام ، إنحنى بأطراف وجهه بإنفراج ،وإمتلأ المكان بالأنفاس وبخار الماء ، كانت أنفاسه تصلني مع دفعات الهواء ، لكنه حاصر مشاعره هناك بالجانب الأخر ، ألبسها ثوب الإنغلاق وغرق هو في التفكير – ربما يفكر فيما ينتظره من أعمال – تطلع في ساعته مع تنهدات الإنتظار ، ألقى بظهره للوراء ، زحزح عقدة رابطة العنق تجاه الحنجرة ، ربع يديه في خشوع ، وعاد يرقب القضبان . ازداد تتابع الأنفاس ، تقلصت برودة الهواء ، وارتفعت حرارة الكتب بين يديه . تذكرت موعد المحاضرة ، في نفس المكان التقينا عند باب المدرج و سط التدافع نحو الدخول ، قد كان ميلاد اللقاء ، مرر الإبتسامات بين تآلف الأرواح ، ألقى بفسيلة الخَضار وغاب مع الرؤوس ، رسم وجهه على جدار غرفتي ، كنت أراه كل يوم على نفس الجدار ، وبنفس المكان تعودنا اللقاء عند الدخول ، ألف الكلام بالإبتسام ، وزاد الشعور بالصفحات ، ما زال هناك عند الرصيف ، وقد أسند الحقيبة على ركبتيه ، مقلباً بعضاً من الأوراق ، وإمرأة عجوز تقاربت ، لا مكان للجلوس وسط الأجساد ، تمعن في العكاز القادم ببطء الإقتراب ،لملم الأوراق في الحقيبة ، قام وأمسك بيدها بإنسجام ،أجلسها مكانه وناولها العكاز . دعوات تنتشر هنا وهناك استعادت برودة الهواء ، وبعد شعورٍ بالإرتياح عاود التطلع في عقارب الساعات ، والصافرات تقترب .... زاد الإهتمام مع زخات أنظارٍ بلاسحاب . استحلفت منه بعضاً من النظرات ، إقترب القطار من القطار تداخلت العربات بإنعكاس في صراع نحو السكون ، غاب الطيف مع الحضور ، تفتحت الأبواب وتجمع السواد للدخول ، مقعدي هناك اصطف مع مقاعد العربات جوار النوافذ ، وبدأ التحرك من السكونِ لملاحقة السكون ، انتحرت النظرات أمام القطار ، عاد الشعور بالصفحات ، وإتجه القطار للإبتسام هناك بنفس المكان عند باب المدرج وسط التدافع نحو الدخول .

مطار دبي : 2/1/2003


محمد سامي البوهي

سمير الفيل
27-03-2006, 08:35 AM
محمد سامي البوهي
قصتك مفاجاة بالنسبة لي . أول مرة أقرأ لك ، وسعدت سعادة غامرة ان أجد الأجيال التالية لنا تواصل المسيرة بقص مختلف . اجمل ما في هذا النص حالة المراوحة بين اللقطات القديمة وبين الزمن اللحظي ، مع استحضار الشخصيات بزخمها ، والمكان يلعب عنصرا هاما جدا فهو يضفي نوعا من الترقب والانتظار .
الراوي ، سارد عليم ، لكنه لا يملك كل اليقين ، وعلاقة المدرج بالزمن الحالي يجعل التحولات تعمق الدلالة ، فتنسرب في المشاهد المستحدثة لرصيف القطار .
نعم ، هنا في مكان مختلف . هل يمكننا أن نجمد لحظة منسية من الزمن ؟
هذا ما حاولت القصة أن تفعله بنجاح كبير .
صباح الخير.

محمد سامي البوهي
28-03-2006, 07:13 AM
أستاذي الفاضل / سمير الفيل

أسعدني جداً تعليقك ونقدك البناء ، فنحن الأجيال القادمة إمتداد لكم وللأقلام الشريفة التي تحمل بيدها قلماً وباليد الأخرى حجراً للإرتفاع ببناء الكلمات ، ها نحن منكم نتعلم ونسير على خطاكم .... تعليقك هذا وسام لي أعتز به من ناقد كبير مثلك ....

شكراً لك

د. محمد حسن السمان
28-03-2006, 07:14 AM
سلام الـلـه عليكم
الاخ الفاضل الاديب محمد سامي البوهي

انه لمنتهى الاحراج ان اكتب معلقا , بعد ان سبقني في التعليق على
الموضوع علم كبير , انّا لي ذلك ومالك في المدينة , ما ذا اقول
بعد ان رأيت تعليق الاخ الغالي الاديب الروائي القاص الاستاذ
سميرالفيل , ولكنني ساستجمع بعضا من قوى لاقول كلمتين ,
وجلا مستأذنا .

اقول لك :
جميلة هذه الحصحصة الزمنية والمكانية , استحضرت فيها صورا
حرفية ورسوما نفسية , تداولت كل شيء بزخم ادبي موفق .

بارك الـلـه بك

اخوكم
السمان

محمد سامي البوهي
28-03-2006, 07:23 AM
أستاذي الفاضل د/ محمد السمان

تعليقك هذا أيضاً أعتبره وساماً أعتز به ، وصدقني سعادتي غامرة لما وصلت إليه من نجاحي في إمتعاكم والوصول إلى هذه المرحلة المتواضعة أمام أدبكم ونقدكم

شكرا لك

سحر الليالي
13-11-2006, 09:56 PM
قصة رائعة يا محمد

بحق أعجبتني كثيرا

سلم قلمك ودمت مبدعا أعتز به

لك خالص ودي وباقة ورد

مجدي محمود جعفر
13-11-2006, 10:17 PM
القطار ، الرصيف ، السفر ، الغربة ، الزمن الماضي بذكرياته ، الزمن الحاضر ، المستقبل الغامض ، سنوات الدراسة ، القطارين وسيرهما في اتجاهين متعاكسين ، العجوز بعكازها ، كلها مفردات تصنع قصة ناجحة ، وهذا ما فعله محمد البوهي في قصته الجميلة (الرصيف المقابل ) شكرا للجميل محمد

محمد سامي البوهي
12-12-2006, 04:28 PM
أخي الاديب / مجدي

أشكرك جدا على هذه المداخلة ، وعلى تفنيدك المجدي حقا .

دمت مبدعا